“يا إلهي، يبدو أننا قد شهدنا للتو جانباً من الحياة الخاصة التي ترغب سيدات النبلاء في إخفائها.”
بعد لحظة من الصمت، بدأ ديرنيك يتصرف بحماس وهو يضرب ذراع كيشين بعنف.
“لا! هذا ليس صحيحاً!” احمرّ وجه كلايسي بشدة.
“نعتذر، سيداتي، لم نقصد ذلك، فمن الطبيعي حتى لأشخاص رفيعي المقام في الحفلات أن يرغبوا في الجري بحرية داخل منازلهم، أليس كذلك؟”
اعتذر ديرنيك مرارًا وهو يضع يده على بطنه وينحني حتى خصره، ومع ذلك، مهما بدا صوته جاداً، فإن كل شيء أوضح أنه كان يسخر من كلايسي.
كانت كلايسي تغلي من الداخل، فتحركت شفتيها دون أن تنطق، ثم التفتت بنظرة خاطفة خلفها.
على النقيض منها، كانت ميرين مختلفة تمامًا، لم يكن لهذا المزاح تأثير يُذكر عليها، وكأنها اعتادت على مثل هذه الأمور، بهدوء، رتبت ثيابها المجعدة وقامت بتعديل شعرها.
في كل مرة كانت ميرين تلوح بيدها، كان شعرها الذهبي الكثيف يتمايل بلطف، ومع ذلك، لم يكن يبدو الأمر غير لائق، بل أشبه بطفلة مدللة محبوبة.
أثارت تلك الصورة شعورًا قويًا من الغيرة في قلب كلايسي، كانت تعلم أنه مهما حاولت أن تكون هادئة، لن تصل إلى ذلك المظهر الهادئ والمحبب الذي تظهر به ميرين.
كانت ميرين تشبه أميرة صغيرة من قصص الأطفال، محاطة دائمًا بجو من الحب والعناية، حتى عندما ترتكب أخطاء أو تتصرف بحرية، فإنها تبدو أكثر جاذبية ومرحاً.
عندما تخطئ ميرين، كان الجميع يبتسم ويتجاوز الأمر بسهولة، قائلين: “الجميع يخطئ، لا بأس.”
لكن كلايسي كانت العكس تمامًا، رغم أنها كانت جميلة كـ ميرين، إلا أن المشكلة كانت في الهالة حولها.
عندما كان الناس ينظرون إلى كلايسي، كانوا يرون نبيلة مثالية بلا عيب، ولهذا السبب، عندما كانت ترتكب أي خطأ، كان الجميع يشعر بالحرج وكأنهم شهدوا شيئًا لا ينبغي لهم رؤيته.
كانت كلايسي تشعر بأنها تخسر كثيراً بسبب مظهرها البارد والثقيل الذي يعطي انطباعًا جافًا وصارمًا.
كانت أختها الثانية ليزي دائمًا ماتقول:
“ذلك لأن لديكِ هذه النظرة الجادة، لهذا الشائعات لا تختفي أبداً، لو كنتِ مثل ميرين ذات المظهر المشرق والسعيد، لصدّق الجميع تفسيرك بأن ما حدث كان مجرد حادث.”
كانت كلايسي تلمس طرف ثوبها بقلق، وتحاول جاهدة أن تحفز عقلها المتوقف، كانت بحاجة إلى تفسير المشهد الذي رأوه للتو بطريقة مقنعة.
لكن قبل أن تتمكن كلايسي من التفكير في شيء، كانت ميرين قد اتخذت الخطوة الأولى.
“حسنًا، بما أن الأمور أصبحت هكذا، أعتقد أن الأمر قد سار بشكل جيد.”
قامت ميرين بتعديل ملابسها ورفعت صوتها بثقة وهي تتحدث من أعلى الدرج، ثم استدارت بسرعة وأمرت.
“تعال إلى هنا، لا حاجة لإزعاج خالتي، دعنا نتحدث علي انفراد.”
بعد أن أنهت حديثها، لم تنتظر ميرين لترى إن كان كيشين سيتبعها، بل صعدت الدرج وحدها، وكأنها واثقة من أنه سيلحق بها دون أدنى شك.
في تلك اللحظة أدركت كلايسي أنها فقدت الفرصة لتبرير الموقف، شعرت بالحزن يغمرها وهي تتنهد وتنظر إلى كيشين.
‘هذا الرجل الراقي سيذهب بلا شك خلف ميرين، كالعصفور الذي يتبع السعادة’
لكن المفاجأة كانت عندما تحرك ديرنيك بدلاً من كيشين.
“ماذا؟”
نظرت كلايسي بارتباك بين كيشين وديرنيك، لكن كيشين لم يتحرك كما كان متوقعًا، كان ديرنيك هو الوحيد الذي صعد الدرج بسرعة، كطائر رفع ذيله في حماس.
‘هل كانت ميرين تنادي ديرنيك؟’
بدأت كلايسي تشعر بالحيرة، متسائلة إن كانت قد أساءت فهم الموقف.
لا، لقد نادت كيشين، أليس كذلك؟’
ومع ذلك، بدا أن كلايسي هي الوحيدة التي شعرت بالارتباك حيال هذا الوضع بينما كانت ما تزال غارقة في حيرتها، قطع كيشين صمتها قائلاً:
“يا آنسة كلايسي، لنذهب إلى هناك لنتحدث.”
على الرغم من أنها كانت لا تزال تشعر بالارتباك، إلا أن كلايسي تبعت كيشين، سار كيشين بخطوات ثابتة دون أن يلتفت حتى وصلا إلى قرب عمود أزرق كبير، حيث توقف وقال:
“لقد جئت لأطلب منكِ موعدًا.”
كانت كلايسي قد تبعته دون تفكير، وما زال عقلها مشغولاً بفكرة “لماذا تبع ديرنيك ميرين بينما نادت ميرين كيشين؟”، لكن مع طلب كيشين المفاجئ لموعد، شعرت كلايسي وكأنها أغبى وأبطأ شخص في العالم.
“ألم تأتِ بسبب باقة الزهور؟” سألت كلايسي وهي في حالة جمود.
عندما سمع كيشين السؤال، انكمش وجهه للحظة بتعبير معقد.
“هل تظنين أنني جئت من أجل باقة الزهور؟”
كان في ذلك التعبير لمحة من الانزعاج جعلت كلايسي تشعر بالتوتر.
‘هل قلت شيئًا خاطئًا؟’
تساءلت كلايسي في نفسها، لكنها أجابت بصراحة.
“نعم.”
كيشين أجاب بوضوح : “لا، لم أأتِ من أجل باقة الزهور، لقد جئت لأطلب موعدًا كتعبير عن اعتذاري لأنني خالفت وعدي بطريقة غير لائقة.”
رمشت كلايسي بعينيها الواسعتين في حيرة.
‘إذًا لم يأتِ بسبب باقة الزهور، ولكن لماذا أتى ديرنيك إذًا؟، ولماذا أخذت ميرين ديرنيك معها؟، سمعت ما قالوه، لكن لا أستطيع فهم شيء.’
كان كيشين صبورًا، منتظر أن تأخذ كلايسي وقتها في التفكير.
وبعد مرور فترة طويلة، همست كلايسي بإجابة خافتة: “حسنًا.”
***
بعد أن مشوا قليلاً من البوابة الأمامية، ظهرت العربة التي أتى بها كيشين، فتح كيشين باب العربة لـ كلايسي.
شعرت كلايسي بلمسة ذراع كيشين لذراعها عندما دخلت العربة، مما جعل وجهها يحمر.
جلست كلايسي في المقعد المقابل للسائق، بينما جلس كيشين في المقعد المقابل، على الرغم من أنه جلس بشكل مائل قليلاً بعيدًا عنها، إلا أن العربة لم تكن واسعة بما يكفي، مما جعل ركبتيهما تتلامسان.
مع كل اهتزاز في العربة، كانت كلايسي تشعر بلمسة ركبته القوية على ركبتها، مما جعل عينيها تتجولان في كل مكان عدا النظر إليه.
عندما كانت تلقي نظرة خاطفة على كيشين، كان يبدو غير مهتم، ناظرًا إلى الخارج، وكأنه ليس الشخص الذي طلب الموعد.
رغم ذلك، وجدت كلايسي نفسها تشعر ببعض الحماسة، تضحك بهدوء لنفسها.
توقفت العربة أمام مطعم “روشيز” في شارع دريبلو، المكان الذي كانت كلايسي تنتظر فيه كيشين طوال اليوم.
“هل تناولتِ طعامًا؟” سأل كيشين قبل أن يفتح باب العربة.
كانت كلايسي قد تناولت الإفطار قبل فترة قصيرة، لذلك لم تكن جائعة بعد، لكنها قررت أن تكذب عمداً.
“لا، في الواقع أشعر بالجوع”
“حقاً؟، لقد تناولت طعامي بالفعل”
“!”
“لكن بما أنكِ تشعرين بالجوع، فلنبدأ بشيء للأكل”
صرخت كلايسي في داخلها، ‘لا حاجة لتناول الطعام!’
ولكن لم يمر حتى دقيقة منذ أن كذبت وقالت إنها جائعة، وعندما خرج كيشين من العربة وفتح الباب لها، نزلت كلايسي وهي تردد صلاة في داخلها.
عندما دخلا المطعم، بدا على بعض الموظفين أنهم تعرفوا على كلايسي، أحدهم ألقى نظرة على كيشين، ثم رفع إبهامه تجاه كلايسي في إشارة تشجيعية صامتة.
‘توقفوا!’
احمر وجه كلايسي أكثر بسبب تلك التشجيعات الصامتة، لحسن الحظ، يبدو أن كيشين لم يلاحظ أو تجاهل الموقف، فلم يسخر منها أو يعلق على الأمر.
بينما كانت تلقي نظرات جانبية على كيشين، تأكدت أن تعابير وجهه ظلت ثابتة، فشعرت ببعض الراحة.
“تفضلوا من هنا.”
قادهم أحد الموظفين إلى طاولة واسعة وهادئة في الزاوية، بجوار نافذة كبيرة يدخل منها ضوء الشمس الدافئ بزاوية مائلة.
عندما جلست كلايسي في مقعدها، ناولها كيشين قائمة الطعام وقال: “أنا ممتلئ، سأكتفي بالقهوة ووجبة إفطار خفيفة، يمكنك اختيار ما تشائين من الأطباق الرئيسية”
لكن كلايسي كانت ممتلئة تمامًا لدرجة أنها لم تستطع حتى تناول القهوة، مع ذلك، لم يكن أمامها خيار، فاختارت الوجبة الموصى بها لهذا اليوم.
للأسف، كانت تلك الوجبة عبارة عن كومة ضخمة من اللحم، وكادت كلايسي أن تفقد وعيها عند رؤية الطبق، لكنها بذلت جهدًا كبيرًا لتناول نصفه على الأقل، وبذلك، لم تجد فرصة للشعور بالحرج أثناء تناول الطعام، وعندما وضعت الشوكة أخيرًا، شعرت بالتحرر.
بعد انتهاء الوجبة، سألها كيشين: “هل هناك مكان ترغبين في الذهاب إليه؟، المسرح؟، هل تحبين المسرحيات أو العروض الموسيقية؟”
كلايسي أرادت المشي. “أريد أن أتمشى، هل يناسبك ذلك يا سير كيشين؟”
“بالطبع، سمعت أنكِ قد انتقلت حديثًا، هل زرتِ ساحة دريبلو؟”
“لا، لكن سمعت عنها، قيل لي أن الأميرة تقوم بتزيين الممرات كل شهر بموضوع مختلف.”
“نعم، إذًا لنتوجه إلى هناك.”
عندما وصلا إلى الساحة، كانت مزدحمة بالناس رغم أنه لم يكن احتفال.
قبل أن يدخلا إلى الممشى، مدّ كيشين ذراعه نحو كلايسي، وعندما نظرت إليه بدهشة، شرح لها قائلاً : “سمعت أنكِ تعانين أحيانًا من ساقيكِ.”
“أنت تتذكر؟، لقد قلت ذلك بشكل عابر، لم أكن أتوقع أن تتذكر.”
وضعت كلايسي يدها بحذر على ذراعه، واحمر وجهها مرة أخرى، حتى من خلال الملابس، استطاعت أن تشعر بصلابة عضلات ذراعه، كالصخر، ربما يعود ذلك لكونه جنديًا، فقد بدا قويًا بشكل ملحوظ.
أثناء المشي، كانت كلايسي مشوشة بسبب التلامس المستمر بين ذراعها وذراع كيشين، وبسبب رائحته القريبة منها، لم تكن كلايسي شخصية هادئة عادة، لكنها لم تكن قد وجدت نفسها بمفردها مع رجل وسيم وغريب من قبل، لذا لم تعرف ماذا تقول وبقيت صامتة.
كيشين أيضًا، كما بدا عليه، كان قليل الكلام، فلم يكن هناك الكثير من الحوار بينهما.
ورغم قلة الحديث، كانت كلايسي تجد متعة في مجرد السير إلى جانبه، حتى أنها لم تشعر بالبرد رغم ارتدائها لملابس خفيفة.
مع نهاية النزهة، بدأت كلايسي تشعر بالدفء، ولم تتذكر شيئًا عن الموضوع الذي كان يُزين به الممشى.
عندما وصلا إلى نهاية الممر، نظر كيشين إلى كلايسي التي احمر وجهها وهي تقف بحيرة، وسألها: “هل نعود الآن؟”
‘هل انتهى الأمر بالفعل؟’
خفضت كلايسي رأسها بخيبة أمل.
‘ألم يكن من المفترض أن يستمر الموعد حتى المساء، ويكون الوداع في وقت متأخر مع مشاعر الحنين؟، أم أنني جعلت النزهة مملة لأنني لم أقل شيئًا؟، ربما كان يجب أن أقول أي شيء.’
انتظر كيشين بصبر حتى تفكر كلايسي في مشاعرها، لكنه لم يعد ليطرح سؤالًا آخر مثل: “هل ترغبين في البقاء أكثر؟”
ولم يكن أمام كلايسي خيار سوى أن توافق بخفوت: “حسنًا.”
تحركت العربة بسرعة أثناء عودتهما، وبينما كانت كلايسي تفكر بعمق حول إمكانية طلب قضاء وقت أطول معًا.
“آنسة كلايسي.”
فجأة، قطع كيشين الصمت وبادر بالحديث.
“نعم!” انتفضت كلايسي وهي تجيب.
اهتزت عيناه للحظة، لكنه سرعان ما استعاد هدوءه وقال : “لقد سددت ديني الآن، لذا أتمنى أن تتوقفي عن نشر الشائعات الكاذبة.”
“!”
التعليقات لهذا الفصل "11"