10
“احدهم أرسل لي باقة زهور”
انزلقت يد كلايسي أثناء تقشير بلح البحر، رفعت كلايسي نظرها نحو ميرين.
كانت ميرين جالسة ومستندة على ذقنها تتثاءب بهدوء، لم يكن يبدو عليها التفاخر.
“حقًا؟”
همست كلايسي بلا مبالاة بينما تذكرت الرجل ذو الشعر الفضي الغريب، ديرنيك.
كلايسي لم تكن تحب ديرنيك، لم يكن يهمها إن كان قد أرسل باقة زهور إلى ميرين أو حتى قام ببناء قلعة من الزهور وأرسلها.
ما أزعجها فقط هو توقيته، لماذا بالتحديد حين رفضت هي يتم الحديث عن إرساله باقة زهور إلى ميرين؟، لقد كان رجلاً قاسيًا حقًا.
“أعدتها لأنها بدت ثمينة للغاية، لا أعرف الشخص الذي أرسلها.”
ميرين استمرت في الهمهمة.
حسنًا، لقد كانت تبدو بالفعل كأنها باقة زهور باهظة الثمن، كانت مليئة بالزهور النضرة في منتصف الشتاء، مما جعلها تبدو فاخرة، كلايسي تذكرت باقة الزهور التي أرسلها ديرنيك، وأومأت برأسها.
“حقًا؟، هكذا كان الأمر.”
“هل تعرفين من الذي أرسلها، يا خالتي؟”
“كيف لي أن أعرف ذلك؟”
تظاهرت كلايسي بعدم المعرفة وعادت الي تقشير بلح البحر.
لتدّعي معرفتها بشأن باقة الزهور، كان عليها أن تخبرها أيضًا بأن كيشين رفضها يوم أمس، كلايسي لم تكن تريد التحدث مع ميرين عن ذلك.
“أنا أيضًا لم أكن أعرف في البداية، لكن بعدما أعدتها، اكتشفت أن رجلاً يُدعى كيشين هو من أرسلها.”
لكن في تلك اللحظة، توقفت يد كلايسي التي كانت تعمل بسلاسة بسبب كلمات ميرين المفاجئة.
رفعت كلايسي نظرها بسرعة، شعرت وكأن قلبها يهتز داخل جرس ضخم.
كانت ميرين لا تزال جالسة مستندة على ذقنها، تحرك الملعقة داخل حساءها بلا مبالاة، لم يبدو أنها كانت تحاول التفاخر بمعرفتها أنها انفصلت عن كيشين.
هذا مؤكد، ميرين عادة ما تتفاخر بالرجال الذين تسلبهم منها وكأنهم غنائم حرب، لذلك لم تكن تتحدث بتلك اللامبالاة عند ذكرهم.
بدأ عقل كلايسي يعمل بسرعة، إذن، ما الذي يحدث بالضبط؟
ألم يكن ديرنيك هو من أرسل باقة الزهور؟، لماذا أرسل كيشين سلة الزهور إلى ميرين؟
“منذ أن ذهبت إلى الحرس الملكي، بدأ يظهر اهتمامًا بي، أظن أنه وقع في حبي آنذاك.”
“…”
“يبدو أنه رجل ذو كفاءة عالية، إنه لا يزال شابًا، لكنه بالفعل نائب قائد الفرقة الأولى من الحرس الملكي، ويُقال إنه لا يظهر أي اهتمام بالنساء، هل أكون حبه الأول؟، إذا فكرت في الأمر، يبدو الأمر محبطًا بعض الشيء، رأيته سابقًا وكان بالفعل وسيمًا جدًا.”
استمرت ميرين في الحديث، وكان من الصعب تحديد ما إذا كانت تتفاخر أو تشكو.
الخلاصة كانت: “أحب وجه كيشين كثيرًا، لكن يبدو أن شخصيته غريبة بعض الشيء، كما أن إرسال الزهور بشكل مفاجئ يبدو تقليديًا للغاية.”
كلايسي استمعت إلى الحديث بنصف اهتمام، حتى أنها لم تعد قادرة على التحمل، فوضعت الشوكة جانبًا.
فقدت شهيتها تمامًا.
الآن فقط بدأت تفهم لماذا رفضت كيشين، ولماذا أرسل ديرنيك باقة الزهور إلى ميرين.
بسبب سوء التفاهم، عندما ذهبت ميرين إلى الحرس الملكي، كان كيشين قد وقع في حبها بالفعل، وديرنيك كان يعرف ذلك، إذا لم يكن الأمر كذلك، فلن تكون هذه الأحداث منطقية.
بدأت معدتها تؤلمها قليلاً، قررت كلايسي التوقف عن تناول الطعام، إذا استمرت، فستصاب بعسر هضم.
“سأغادر الآن.”
كلايسي وقفت بعدما سكبت الماء الساخن في كوب القهوة.
“لماذا؟، هل لا تزالين تشعرين بالمرض؟”
اقتربت ميرين منها فورًا، وضعت يدها بلطف على جبينها.
“ليست لديكِ حمى، هل تريدين أن أستدعي الطبيب؟”
لم يكن أحد يلاحظ ما تفعله ميرين بـ كلايسي باستثناء عدد قليل من أصدقائها المقربين.
على الرغم من أن ميرين كانت تتدخل في علاقاتها العاطفية بشكل واضح، كان الجميع يعتبر ذلك مجرد مزاح، يعود السبب في ذلك إلى سلوك ميرين الودي ونظرتها المليئة بالحنان.
كلايسي كانت أيضًا تشعر بالارتباك، حتى في غياب الآخرين، كانت ميرين تتصرف معها بهذه الطريقة، طالما لم يكن هناك رجل في الصورة، كانت دائمًا ابنة أخت لطيفة وحنونة.
“أنا بخير”
تمتمت كلايسي، وأخذت كوب القهوة وخرجت إلى غرفة المعيشة.
لكن عندما كانت كلايسي في منتصف الدرج المركزي، سمعت صوت قرع شديد على الباب الأمامي.
‘من يكون؟’
التفتت كلايسي نصف التفاتة لتنظر إلى الأسفل.
خرج الخادم من المكتبة مسرعًا نحو الباب، وعندما فتحه، كان الرجل الذي يقف أمامه يرتدي زي الحرس الملكي، مما أثار دهشة كلايسي.
‘ما الأمر الآن؟، لقد استعادوا هويته بالفعل!’
توقفت كلايسي في مكانها وحاولت تخمين ما إذا كان هناك سوء فهم آخر.
“ما الأمر، سيدي؟” سأل الخادم بصوت مرتعش وكأنه يشعر بالقلق.
يبدو أن ميرين سمعت الصوت، فقد أخرجت رأسها من باب غرفة الطعام، فضولية.
خلع الحارس قبعته وأدى تحية سريعة، ثم قال :
“أعتذر لإزعاجكم، أنا هنا بناءً على تعليمات السير كيشين، لقد أمر بإحضار الآنسة”
ظنت كلايسي أن كيشين قد طلب رؤية ميرين، فتنهدت بسرعة وأكملت صعود الدرج ببطء.
سمعت صوت ميرين من خلفها تسأل، “لماذا يريد السير كيشين رؤيتي؟”
عندما اقتربت كلايسي من نهاية الدرج، قررت أن تبقى في غرفتها لمدة يومين على الأقل.
لقد تم رفضها من الرجال مرات عديدة من قبل، إذا شعرت بالحزن ليومين، فسيكون كل شيء بخير هذه المرة أيضًا، أو ربما ثلاثة أيام… ربما أربعة، لكن بالتأكيد لن يتجاوز الأمر أسبوعًا.
“هل أنتِ الآنسة كلايسي؟”
لكن صوتًا من الخلف جعل كلايسي تتوقف في مكانها.
رمشت كلايسي بعينيها، ثم خطت بضع خطوات إلى الخلف ونزلت قليلاً على الدرج، وعندما استدارت بنصف نظرة، رأت الحارس والخادم وميرين ينظرون جميعًا نحوها.
“!”
احمر وجه كلايسي على الفور، إذ شعرت وكأنها كانت تتجسس على المحادثة.
لكنها رفعت صوتها بسرعة لتبدو غير مبالية.
“أنا كلايسي.”
تفحص الحارس ميرين وكلايسي بنظرات متبادلة، ثم قال بملامح غريبة :
“التي طلب السير كيشين رؤيتها هي الآنسة كلايسي.”
ارتسمت على وجه ميرين ملامح الارتباك، وكان هذا رد فعل نادر للغاية منها، بدا واضحًا أن ميرين شعرت بالإحراج.
كلايسي أيضًا كانت تشعر بعدم الراحة، كيشين أرسل باقة زهور إلى ميرين وتجاهلها هي، لكن لماذا أرسل شخصًا ليطلب مقابلتها؟، لم يكن لديها شعور جيد حيال الأمر.
“أخبره أنني لن اذهب”
قالت كلايسي بسرعة واستدارت محاولة الهروب إلى غرفتها.
“قال إنه سينتظركِ.”
صاح الحارس بقلق.
توقفت كلايسي للحظة، هل كان كيشين يتوقع أن ترفض دعوته؟.
عندما استجمعت شجاعتها وأدارت رأسها، كان لا يزال الثلاثة ينظرون إليها فقط.
رغم أنها لم ترتكب أي خطأ هذه المرة، إلا أن وجه كلايسي احمر خجلًا، خاصة أنه كان من الصعب عليها أن تنظر في اتجاه ميرين.
كلايسي كانت تعرف هذا النوع من المواقف جيدًا، لأنها مرت بمواقف مشابهة كثيرة من قبل، كانت تعرف أن ميرين على الأرجح تشعر بالحرج الشديد الآن.
“… سأستعد وأخرج، إلى أين يجب أن أذهب؟”
بعد التفكير لبعض الوقت، قررت كلايسي في النهاية الذهاب وسألت.
عندما فكرت في ما فعله كيشين بها، كان يجب أن ترد له الصاع، كان من المفترض أن تجعل كيشين ينتظر دون فائدة كما فعل بها.
لكن، في أعماقها، أرادت كلايسي أن تلتقي به مرة أخرى.
“سأنتظركِ هنا لأصطحبكِ، قال لي السيد كيشين ألا أرتكب أي خطأ هذه المرة.”
ابتسم الحارس وهو يتحدث، فأومأت كلايسي برأسها وعادت إلى غرفتها.
بمجرد أن أغلقت الباب، بدأت تركض في أنحاء الغرفة، وأخرجت أجمل ملابسها لتضعها على السرير والأريكة.
لم تكن تعرف لماذا استدعاها كيشين، لكنها أرادت أن تبدو في أفضل صورة عندما تخرج، أرادت أن تجعله يندم على تركها.
‘يبدو أنني لا أملك أي كرامة’
كانت تفكر في نفسها بأسى، ومع ذلك لم تستطع التوقف عن البحث عن الملابس المناسبة.
‘الكرامة شيء يُستخدم فقط عندما يكون ذلك مناسبًا.’
أخيرًا، اختارت كلايسي فستانًا ورديًّا مثاليًّا.
ولكن بينما كانت ترتدي الفستان، فتح الباب فجأة ودخلت ميرين.
كانت كلايسي ترتب ثنيات التنورة المجعدة، وسألت بأقصى هدوء ممكن.
“ماذا؟”
لكنها لم تستطع منع عينيها من التوجه نحو وجه ميرين، توقعت كلايسي أن تكون ميرين غاضبة قليلًا، كما كانت هي عندما تعرضت لموقف مشابه.
لكن ميرين كانت تحمل نظرة واثقة، إلى درجة تثير الحيرة لدى من يراها.
بمجرد رؤية ذلك التعبير، شعرت كلايسي بالقلق، لماذا جاءت إلى هنا بذلك الوجه؟، ماذا تريد الآن؟
“خالتي، خذيني معكِ”
بالطبع، كانت ميرين هنا لغرض ما.
بمجرد أن سمعت كلايسي طلبها المباشر والواضح، شعرت بالصداع.
“ماذا؟، ولماذا سأفعل ذلك؟”
“هل ستتركيني وحدي؟”
“هل أنت طفلة؟، ألا يمكنكِ البقاء في المنزل بمفردكِ؟”
كلايسي رفضت بشكل قاطع ووقفت أمام المرآة لتصفف شعرها، عندها، اقتربت منها ميرين وسحبت الشريط الوردي الذي اختارته كلايسي وقالت :
“حتى الشريط الوردي؟، يا خالتي، الناس سيقولون إنكِ غير ناضجة، أنتِ خالتي، يجب أن تلبسي بأناقة، مثل سيدة محترمة.”
كانت تبتسم، لكن كان واضحًا أن ميرين غاضبة لأن كلايسي رفضت طلبها، لأن ميرين تعلم أن كلايسي تحب اللون الوردي، وكانت دائمًا تقول إن ابتسامتها تشبه الربيع وأن اللون الوردي يليق بها تمامًا.
“ألم تقولي أن اللون الوردي يناسبني؟”
“كان ذلك العام الماضي”
“كل صديقاتي يرتدين الوردي ويضعن شرائط وردية.”
“صديقاتكِ لا يمتلكن ابنة أخت مثلي”
أدركت كلايسي أن ميرين بدأت تظهر عنادها، لذا عمدت إلى مضايقتها عن قصد بالقول:
“ما علاقتكِ بملابسي؟، أنتِ ابنة أختي ولستِ ابنتي.”
لو كانت أختها الثانية موجودة، لكانت انتقدت كلايسي وقالت إنها تتحدث كما لو كانت مثل ابنة أختها، لكنهما كانتا وحدهما الآن.
ومع ذلك، كان هجوم كلايسي فعّالاً، تجمدت ملامح ميرين وأصبحت باردة، وردت بصوت منخفض:
“خالتي، لقد ربيتِني، لذا أنا مثل ابنتكِ، وأنتِ أيضًا قلتِ إن أمي هي أختكِ الكبرى لكنكِ كنتِ دائمًا مثل أمي”
في النهاية، لم تُعِد ميرين الشريط الوردي وجلست على الأريكة.
حاولت كلايسي كبح غضبها وقالت :
“على أي حال، لن آخذكِ معي، عندما تكونين ابنة اخت سيئة، لن تذهبي معي إلى أي مكان”
“خالتي، أنا لا أحاول أن أكون متعجرفة، أنا أقول هذا من أجلكِ، فكري بتمعن، هل استدعاكِ السيد كيشين لأنه يريد رؤيتكِ؟”
“ماذا تقصدين؟”
“السيد كيشين استدعاكِ ليتحدث عني، ليرسل باقة الزهور التي أعدتها له مرة اخري، لكن إذا خرجتِ بأجمل زينة، ماذا سيفكر عنكِ؟”
“!”
“أليس كذلك؟”
اقتربت ميرين بثقة واحتضنت كلايسي من الخلف كما كانت تفعل في طفولتها، وضعت رأسها على ظهرها وضحكت بابتسامة فخر.
“الطريقة الوحيدة لعدم الشعور بالحرج وأنتِ ترتدين هذا الفستان هي أن تأخذيني معكِ، حينها، لن يسخر السيد كيشين من مظهركِ المبالغ فيه، بل سيعتقد ببساطة أن الأزياء الزاهية هي ذوقكِ المعتاد.”
كانت ميرين تبدو متأكدة تمامًا من أن كلايسي ستأخذها معها.
وفوق ذلك، على عكس كلايسي، لم تبدُ ميرين مهتمة بتغيير ملابسها، كانت واثقة تمامًا من مظهرها العادي، وأنه كان كافيًا لمواجهة السيد كيشين.
شعرت كلايسي بالكآبة، حين فكرت في الأمر، أدركت أن ميرين كانت على حق تمامًا.
في الواقع، عندما سمعت لأول مرة أن كيشين استدعاها هي وليس ميرين، شعرت أن هناك شيئًا غريبًا، لكن عقلها لم يكن بنفس سرعة تفكير ميرين، ومع ذلك…
“لا.”
رفضت كلايسي بشكل قاطع وخرجت بسرعة من الغرفة وبدأت تهرول على الدرج.
“عمتي!”
صاحت ميرين وهي تلاحقها.
لكن كلايسي كانت أسرع بكثير من ميرين، إلا إذا أُصيبت ساقاها بشد عضلي، نزلت كلايسي الدرج كالسنجاب، وركضت بسرعة خارج الباب.
“خالتي!، لا تذهبي وحدك!”
استمرت ميرين في الصراخ وهي تلاحقها، لكن كلايسي لم تتوقف أبدًا.
توقفت فقط عندما واجهت اثنين من الرجال الواقفين بملامح مذهولة.
تجمدت كلايسي في مكانها مثل الجليد.
كان كيشين هايد وديرنيك ينظران إليها بتعابير تقول: “ما هذا المشهد؟”.