بالتفكير فيما كان يلمّح إليه، شعرت بأن وجهي يحترق خجلاً.
مرة أخرى. هذا الوغد يواصل التقرب بجسده بهذه الطريقة.
لكن، لا ينبغي أن تسير الأمور هكذا.
أشرت إلى أوغم أن ينزل.
“انحنِ برأسك قليلاً.”
انحنى أوغم مطيعًا، وعلامات الحيرة مرتسمة على وجهه.
مسحتُ على رأسه بحذر. شعره المثبت بالواكس كان قاسيًا، لكن كانت تفوح منه رائحة عطرة جدًا.
“شكرًا لك. أحسنت. أنت حبيب طيب.”
“…….”
حدّق أوغم بي مطولًا دون أن ينبس بكلمة، حتى شعرت أن نظراته تخترقني.
شعرت بالحرج وسحبت يدي بتردد، وفجأة أمسك أوغم بمعصمي بقوة. بطبيعة الحال، فزعت.
اعتدل أوغم واقفًا، وأخذ يحدق بي بحنان وكأنه ينصحني:
“جيآن. هذه الأمور تُفعل مع الأطفال. أما مع البالغين…”
ومع قوة جذب مفاجئة من يده، اندفعت بجسدي نحوه. وفي اللحظة التالية، وجدت نفسي بين ذراعيه.
وعندما رفعت رأسي مصدومة، التصقت شفتاه بشفتي. فقدت اتزاني في لحظة.
شعرت بيديه الدافئتين تطوقان خصري. اليد التي كانت تمسك بمعصمي أصبحت الآن تحتضن عنقي.
لطالما فكرت أن هذا الوغد سريع الحركة بشكل مدهش… لكنني لم أعد قادرة على مواصلة التفكير.
كنت أشعر وكأنني أطوف بين السحاب، وأحيانًا كأنني أسقط من حافة هاوية.
شدة الإحساس جعلتني، دون وعي، أتشبث بظهر أوغم.
وبعد مدة طويلة، ابتعد أوغم عن شفتي وهو ينظر إلي بنظرة راضية وهمس بصوت مترنح:
“هكذا يجب أن يكون الأمر.”
حدقت فيه بذهول.
هل كان جو أوغم دومًا شخصية مخلصة لرغباته إلى هذا الحد؟
نعم، لقد كان مخلصًا لرغبته في التخلص من الأشرار.
لكنه كان يتبع في ذلك مسارًا دقيقًا ومثابرًا. كان يختار ضحاياه بعناية، ويراقبهم عن كثب، ويصبر طويلًا حتى يحين الوقت المناسب لينقضّ عليهم بضربة قاضية.
تمامًا مثل الأفعى، يراقب فريسته بصمت، ثم يبتلعها دفعة واحدة.
لكن، لماذا يتصرف معي هكذا؟ يندفع نحوي في كل مرة كأنه جرافة لا تعرف إلا التقدم والاندفاع.
الصورة التي يرسمها القراء لجو أوغم هي نمر أسود يرتدي بذلة أنيقة، لكنه في تعامله معي يشبه الخنزير البري.
بصراحة، كان الأمر مرهقًا.
لكن، فقط عندما أتماشى مع إيقاع أوغم، كانت القصة تتحول إلى رومانسية.
لو أنني فقط لا أفسد اللحظة، حتى هذه اللحظة كانت لتصبح مشهدًا رومانسيًا.
… لحظة. هل حقًا؟
ماذا لو تحولت إلى مشهد غير مناسب بدلًا من قصة حب؟
الرومانسية هي قصة حب بين رجل وامرأة، أليس كذلك؟
ماذا لو لم يكن أوغم يحبني أصلًا؟
عندها سأكون بأمان. فجو أوغم قتل حبيبته السابقة لأنه تعرض للخيانة في الحب.
ولن أضطر بعد الآن للقلق بشأن كل كلمة أو تصرف يصدر عنه، ولن أحتاج لصناعة رومانسية قسرية معه.
يجب أن أختبر الأمر أولًا.
وعندما اقترب أوغم مني مجددًا ليقبلني، وضعت يدي على شفتيه لأمنعه.
رفع أوغم حاجبه متسائلًا عن سبب تصرفي.
“أنت… تحبني؟”
حاولت أن أسأل بهدوء، لكن صوتي ارتجف رغمًا عني. كنت أتمنى أن يظن وُغم أن هذا مجرد دلال.
لأن ما كنت أقصده حقًا هو:
هل يمكنك أن تقتلني؟
كنت أترقب جواب وُغم بقلق بالغ.
وُغم بدا عليه شيء من الدهشة، ثم أمسك بيدي التي كنت قد رفعتها، وسألني بنبرة مستغربة:
“ما الذي جعلك تسألين شيئًا كهذا فجأة؟”
للحظة، شعرت بالذهول. إذا أردنا أن نحسب الأيام، فنحن لم نكمل سوى أسبوع واحد منذ بدأنا المواعدة.
لمن يسمعنا قد يبدو وكأننا قضينا سنوات معًا.
قلت فقط:
“لا شيء… فقط أجبني، هل تحبني؟”
أجاب:
“لا.”
… ماذا؟
في لحظة، شعرت بالذهول، ثم خفّ توتري فجأة وشعرت بالراحة.
بصراحة، لم يكن هذا هو الجواب الذي كنت أتوقعه. كنت أشكّ سرًا أن وُغم قد يكون يحبني.
وكم كان ذلك مدعاة للارتياح، أنه لا يفعل.
وُغم لا يحبني. مواعدتنا لم تكن إلا جزءًا من الإعداد المرتجل الذي قمت به.
هذا يعني أنه لن يقتلني.
أطلقت تنهيدة ارتياح داخليًا، حين أضاف وُغم بصوت خافت:
“كلمة (أحبك) لا تكفي.”
… ماذا يعني بذلك؟
شعرت بقشعريرة باردة تسري من رأسي حتى أخمص قدمي.
نظرت إليه بدهشة، فاعترف وُغم بنظرة عميقة:
“أنا مُتيّمُ بكِ، جيان.”
ومرة أخرى، وكأنه يثبت الأمر:”أنا مولع بك.”
كانت نظرة وُغم إلي، وتعبير وجهه، وصوته، ولمسة يده التي تمر برفق على خدي، كل ذلك ينضح بالصدق.
أما أنا… فقد شعرت وكأن شبحًا قد أمسك بشعري.
وقف شعر بدني كله، وتجمد الدم في عروقي.
جو ووُغم يحبني، بصدق.
وهذا معناه أن هذا الوغد قادر على قتلي في أي لحظة.
لو أنني خنته. (طب وليه تبقي خاينة؟)
أو لو اكتشف أنني لا أحبه. (طب ما تحبيه)
حينها سأُقتل على يد هاتين اليدين.
في اليوم التالي، خلال وقت الغداء.
كنت جالسة بمفردي على مقاعد الملعب، أحتسي القهوة دون أن أتناول طعام الغداء.
لم أكن أشعر بالجوع بسبب الاضطراب الذي اجتاح قلبي.
كان ذلك بسبب اعتراف الحب الذي سمعته من وُغم البارحة… أو بالأحرى، كان أشبه بإنذار بالقتل.
كنت ممتنة لكوني وحدي الآن.
لو أن زملائي المعلمين لاحظوا شحوب وجهي وانهالوا عليّ بالأسئلة عما إذا كنت أمرّ بمشكلة ما، لزاد توتري أضعافًا.
جلست وحدي في المقاعد، وسرعان ما بدأت ذكريات الماضي تتدفق إلى ذهني.
“في الماضي، كنت دائمًا أتناول الغداء وحدي هنا في مدرجات الملعب…”
كنتُ منبوذة خلال أيام المدرسة.
طوال سنوات الابتدائية والمتوسطة والثانوية.
لم ينكسر ذلك إلا عندما صادقت “جونغ-آن” في الصف الأول الثانوي.
كان لقبي حينها “كايبُل”، أي الفتاة البائسة جدًا.
لم يكن الآخرون يتنمرون عليّ بشكل صريح، لكنهم لم يقتربوا مني أيضًا.
وكأنهم كانوا يشمون رائحة الحزن والبؤس تفوح مني، ويخشون أن تنتقل إليهم عدواها.(عامة هي اتنقلت ليا)
على الأقل، مع تخرجي من الثانوية، تخلصت من لقب “المنبوذة” أيضًا.
لكني لم أتخيل يومًا أنني، بعدما أصبحت راشدة ومعلمة، سأصبح منبوذة مجددًا.
هل قدري لا يتماشى مع المدارس؟
لماذا أظل أتحمل كل هذا هنا؟ لأي مكافأة؟
هل أستقيل؟
ربما علي أن أغتنم الفرصة وأتحول إلى كاتبة متفرغة.
آه، صحيح… لم أعد أستطيع كتابة سلسلة “الليل” الآن…
تنهدت تنهيدة ثقيلة، حين سمعت صوتًا مألوفًا من خلفي.
“أوه، إنها الآنسة جيان!”
نظرت إلى الخلف بنظرة خاطفة.
كان طالبًا من طلاب الصف الثاني الذين درستهم العام الماضي.
“مرحبًا، هوجونغ.”
ابتسم هوجونغ ابتسامة عريضة وجلس بجانبي.
“أستاذة… أنتِ منبوذة، أليس كذلك؟”
كان هذا أكثر سؤال سمعته من الطلاب في الأيام الأخيرة.
ما الذي يدفعهم لسؤالي عن شيء يعرفونه جيدًا؟
هل يريدون تأكيده أم السخرية منه؟
مهما كان السبب، فقد صرت أملّ من سماعه.
قلت وأنا أحاول طرده بلطف:
“لا. كفّ عن المزاح واذهب في طريقك.”
“إيييه، بل أنتِ منبوذة. لقد سمعت معلم اللغة الإنجليزية ومعلمة اللغة اليابانية يتكلمان عنك بالسوء في الساحة الخلفية.”
هؤلاء هما المرأتان اللتان جرّتاني إلى الساحة الخلفية قبل أيام.
سألت بوجه عابس:
“ماذا قالا؟”
“قالا إنكِ ‘ثعبانة ذهبية’.”
“ماذا؟ ولماذا…؟”
عقدت لساني الدهشة.
هوجونغ، كـــفتى في الثامنة عشرة من عمره لا يعرف المجاملة، أجاب ببرود:
“قالوا إنكِ تديرين شبكة علاقات مع رجال أغنياء وتلعبين بهم.”
“أنا؟ من قال هذا؟ هؤلاء المعلمون؟”
“هم وغيرهم، حتى الطلاب يتكلمون بذلك. الكل يقول ذلك.”
تحولت أفكاري إلى فراغ أبيض.
بمعنى آخر… الآن، جميع من في المدرسة يراني وكأنني فتاة احتيالية تسعى خلف الرجال الأغنياء؟
بدأت وجوه الطلاب الذين سألوني ساخرين إن كنتُ منبوذة تمر أمام عيني كالشريط، يجلبون لي العار والاضطراب.
النية خلف سؤالهم كانت واضحة الآن. كانت سخرية واستهزاءً.
شعرت وكأن قلبي يُمزق ويُطعن بلا رحمة.
كان الأمر بائسًا ومفجعًا.
كنت أحرك شفتيّ كسمكة خارج الماء دون أن أتمكن من قول شيء.
لم أعرف ماذا يجب أن أقول.
لاحظ هوجونغ حيرتي وأضاف:
“لقد انتشرت الشائعات في المدرسة كلها. يبدو أن المعلمة لم تكن على علم.”
وعندما استمعت من هوجونغ إلى القصة الكاملة، اتضح أن مصدر الشائعة كان مو يي–يون.
الكذبة التي قالتها، بأني طلبت منها أن ترتب لي موعد تعارف رغم أن لدي حبيبًا بالفعل، كبرت ككرة ثلج بفعل تخمينات الآخرين وخيالاتهم.
لماذا فعلت ذلك؟ كانت تخون حبيبها؟ سئمت من حبيبها القديم؟ سمعت أن الرجل الذي رتبه المدير يعمل في شركة كبرى. بالتأكيد كانت تطمع به. يبدو أنها تدير شبكة علاقات طمعًا في المال.
هكذا انتشرت شائعات لا أساس لها من الصحة.
ولم يأتِ أي شخص إليّ ليسألني عن الحقيقة.
لأنني لم أكن أتمتع بشعبية أو علاقات وثيقة في المدرسة.
لكن رغم كل شيء، لا يمكنني أن أترك هذا الظلم يمر هكذا.
لذا، ذهبت مباشرةً لمواجهة مو يي–يون.
لكنها لم تكن في مكانها.
ربما كانت لا تزال تتناول الغداء، أو تشرب القهوة مع زملائها المقربين. وربما حتى الآن كانت تغتابني.
قررت أن أنتظر عودتها، فجررت كرسيًا وجلست.
وما إن جلست حتى بدأ بعض الموجودين في غرفة المعلمين الخاصة بالصف الثاني ينظرون إليّ بنظرات قاسية.
تحملت بصعوبة، وأنا أكاد أشعر بأن تلك النظرات الحادة تتحول إلى أشواك تغرز في صدري.
لكنني لم أستطع التراجع الآن.
أنا لست فتاة احتيالية.
لم أقترب يومًا حتى من هذا النوع من الأشخاص.
لم أقم حتى بمواعدة رجل بشكل صحيح من قبل، فكيف بي أن أخدعهم أو أستغلهم ماليًا؟
قد يكون لمو يي-يون الحق في أن تلومني على ما فعلت في موضوع التعارف،
لكنها لا تملك الحق في الافتراء علي.
بعد قليل، دخلت مو يي-يون غرفة المعلمين وهي تحمل علبة فرشاة أسنان.
وقفت من مكاني.
وعندما رأتني، تجهم وجهها فجأة.
لكنها سرعان ما تجاهلتني وكأنها لم ترني، وعادت إلى مكتبها.
ناديتها:
“أستاذة يي-يون، أيمكننا التحدث قليلاً؟”
لكنها لم تلتفت إليّ، وأجابت وهي تضع علبة الفرشاة في الدرج:
“لقد قلت لك من قبل، لا أريد التحدث معك.”
غلى الدم في عروقي.
شعرت أن وجهي يحترق وأن قلبي ينبض بجنون كالثور الهائج.
لا تريدين التحدث معي، ولكنك تجدين الوقت للحديث عني وراء ظهري؟
رغم غضبي، كنت أعرف أن الانفعال الآن لن يفيدني بشيء، خاصةً أمام شخص يسيطر على الرأي العام ضدي.
لذا أجبرت نفسي على البقاء هادئة وقلت بجدية:
“بخصوص ترتيب موعد التعارف، أعترف أنني كنت مخطئة وما زلت أعتذر عنه.
ولكن، لماذا تلفقين أشياءً لم تحدث؟”
عندها فقط رفعت مو يي-يون عينيها إليّ.
وبوجه وقح مليء بالبرود أنكرت قائلة:
“متى فعلت ذلك؟ أنا لم أقل شيئًا من هذا القبيل.”
قلت لها:
“أحد الطلاب أخبرني أن هناك شائعة بأنني أدير علاقات مع رجال أغنياء، وأنني فتاة احتيالية.”
ردت وهي تتصنع البراءة وتستهزئ بي:
“ألم تكن الشائعات دائمًا هكذا؟”
ثم، وكأنها مستاءة من سخافة ما أقول، تابعت بسخرية:
“ثم، هل أنا من نشر الشائعة؟ لماذا تأتين إليّ بالذات؟”
لأنك أنتِ من بدأها.
كتمت غضبي الذي بلغ ذروته وتحدثت بهدوء متماسك.
“لدي أذنان أيضًا. كل ما تقولينه يصل إلى مسامعي.”
“أي كلام تعنينه؟”
“سمعت أنك تقولين إنني أنا من طلب منك ترتيب موعد تعارف أولًا.”
ارتبكت مو يي-يون للحظة، ثم رفعت صوتها وقلبت الطاولة بوقاحة:
“لأنك فعلتِ ذلك!”
“متى فعلتُ ذلك؟ أنا من رفض، وأنتِ من ألحَّ عليَّ مرارًا وتكرارًا!”
قالت مو يي-يون وهي تضحك بسخرية:
“يا لكِ من مضحكة، معلمة جي-آن. حتى لو غيرتِ أقوالك الآن، هل سيتغير شيء؟”
ثم واصلت الكذب بأعلى صوتها.
_________________
هااااااااااااااااا
شخصية المعلمة دي مستفزة تقدر تتكلم بالهراء لأنها عارفة انها ضعيفة و ما تقدر توضح بصوت عالي لو شخص قوي ما كانت قدرت تفتح فمها!!
انتظروني الفصول الجاية علشان نعرف هيحصل اي!!
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 20"