5
قالت هيلينا وهي تحدّق في الإمبراطورة بعينين متوجستين:
“جلالتكِ… هل تنوين إرسالي إلى ديرٍ لأتعفّن فيه لسنوات؟.”
ضحكت الإمبراطورة كلاريسا بخفوت، تلك الضحكة الهادئة التي تشبه نسمة هواء دافئة.
“لا يمكنني أن أسمح لشخصٍ مسلٍّ مثلكِ أن يذبل في ديرٍ لسنوات، يا عزيزتي.”
لكنها ما لبثت أن أوقفت ضحكتها، ورفعت عينيها الزرقاوين نحو هيلينا بنظرة جادّة وقالت:
“في الجنوب، هناك كونتٌ شاب وجميل. وقد سمعت مؤخرًا شائعاتٍ تقول إنه على صلةٍ بمجموعة مشبوهة تهدّد استقرار الإمبراطورية.”
تأهّبت هيلينا فورًا، وانتصب جسدها باهتمامٍ واضح.
الحديث لم يعُد عن زواجٍ أو فضيحة، بل عن أمرٍ غامض ومثير.
تابعت الإمبراطورة بصوتٍ خفيض، وكأنها تبوح بسرّ لا يُسمع إلا بين الجدران:
“لقد كنت أراقب هذه المجموعة منذ زمنٍ طويل، لكنها سرّية للغاية، ولم أتمكّن من كشف روابطها. إلى أن وصلتني مؤخرًا معلومة تفيد بأن هناك علاقة بينهم وبين ذلك الكونت.”
اتسعت عينا هيلينا بدهشةٍ واضحة، وحدّقت في الإمبراطورة.
لم تأتِ إلى هنا لتسمع عن مؤامراتٍ ضد العرش، بل لطلب نصيحة بشأن فضيحتها الخاصة.
لكن كلاريسا لم تكن من النوع الذي يتحدث عبثًا، فأدركت هيلينا أن وراء هذا الحديث غايةً ما.
“جلالتكِ… أتعنين أن هناك ما يمكنني القيام به؟.”
“إنه رجل حذر كالصقر، وشرس كوحشٍ بري. لا يثق بأحد، ويبقي الجميع على مسافة منه.”
في تلك اللحظة، فهمت هيلينا تمامًا سبب استدعائها.
إن كانت تريد كشف أسرار ذلك الكونت، فعليها أولاً أن تقترب منه… أن تنال ثقته.
بكلمات أخرى، كانت الإمبراطورة تعرض عليها مهمة خطيرة متنكرة في ثوب الزواج.
أن تصبح زوجة الكونت الجنوبي لتتسلل إلى عالمه، وتكشف أسراره.
أطبقت هيلينا شفتيها، وغرقت في تفكيرٍ عميق.
‘هل عليّ أن أذهب إلى هذا الحد؟. صحيح أن الإمبراطور قاسٍ ولا يتردد في العقاب، لكن لن يُصدر حكمًا بالإعدام على ابنة كونتٍ نبيل لمجرّد أنها كانت برفقة ولي العهد. أسوأ ما قد يحدث هو أن أُرسل إلى ديرٍ لفترة قصيرة.’
أما اقتراح الإمبراطورة… فكان يحمل في طيّاته الخطر.
الزواج من رجلٍ متوحّش غامض، بأمر الإمبراطورة، فقط لتكون عيناها في قصره؟.
‘لا. لا يمكنني المغامرة بزواجي من أجل مهمة تجسّس.’
حسمت أمرها في داخلها، ثم قالت بصوتٍ متردّد:
“يا جلالتكِ… أرغب حقًا في خدمتكِ، لكن أخشى أن قدراتي لا تليق بمهمةٍ كهذه…”
ابتسمت الإمبراطورة، تلك الابتسامة التي تحمل وعدًا وتهديدًا في الوقت ذاته، وقالت:
“سامنحكِ لقبًا… وأرضًا.”
“…!”
اتسعت عينا هيلينا بذهول، فتابعت كلاريسا بصوتٍ واثقٍ هادئ.
“عندما تُكشف الحقيقة، وتُدمر تلك الجماعة التي تهدّد أمن الإمبراطورية، سيعرف كل مواطنٍ في الإمبراطورية اسمكِ. وسينظرون إليكِ كأشجع من أي فارس، وكامرأةٍ حققت ما لم يقدر عليه حتى النبلاء العظام.”
بدأ قلب هيلينا يخفق بعنفٍ داخل صدرها.
اقتربت الإمبراطورة قليلًا، وهمست:
“هيلينا… هذه فرصتكِ لتعيشي كما أنتِ حقًا.”
—
بعد تفكيرٍ طويل، قررت هيلينا قبول اقتراح الإمبراطورة.
لم يكن السبب هو الثروة أو الألقاب وحدها، بل تلك الجملة الأخيرة التي قالتها جلالتها:
“فرصتكِ لتعيشي كما أنتِ حقًا.”
لقد التقت هيلينا بالكثير من الرجال من قبل، وخاضت مغامراتٍ لا تُعد، لكنها لم تشعر يومًا بأن أحدًا يستحق الزواج منها. بل على العكس، كانت تراهم جميعًا عبئًا أكثر من كونهم شركاء حياة.
حتى لو قرّر الإمبراطور معاقبتها بعقوبةٍ بسيطة، كالإقامة في الدير لفترة قصيرة، فلن يتغير شيء. في النهاية، سيتوجب عليها الزواج عاجلاً أم آجلاً.
“لكن إن أصبحتُ مالكة أرضٍ خاصة بي…”
فإن الزواج عندها سيصبح خيارًا، لا فرضًا. وستكون حريتها بيديها، حتى لو كانت متزوجة… فلن تكون تحت سلطة أحد.
وفوق كل ذلك، كانت ملامح الارتياح التي ظهرت على وجه والدها وزوجته لا تُقدّر بثمن.
“حسنًا، يبدو أن الأمور انتهت على خير.”
قال الكونت وينستون بابتسامةٍ هادئة.
أما الكونتيسة فابتسمت بخبث وأشارت بإبهامها قائلة:
“بصراحة، لا أستغرب قبولكِ، فذلك الكونت معروف بأنه وسيم… وجسده مثالي أيضًا.”
تنحنح الكونت وينستون بعصبية وهو يشيح بوجهه.
“احمم! احم!.”
أُعلن عن الزواج رسميًا بوصفه قرارًا من الإمبراطورة بتزويج ابنة الكونت العزيز وينستون من رجلٍ مناسب،
وحظي الإعلان بموافقةٍ عامة في أنحاء الإمبراطورية.
لكن من عرفوا بقضية ولي العهد وهيلينا، همسوا فيما بينهم بأن الحقيقة مختلفة.
“الإمبراطورة تُرسلها بعيدًا… خلف غابة الوحوش، إلى الجنوب البعيد، لتُبعدها عن طريق زواج ولي العهد.”
لكن وحدها هيلينا كانت تعرف الحقيقة.
‘فقط جلالتها وأنا نعرف الهدف الحقيقي من هذا الزواج.’
وحين اتخذت قرارها، بدأت الاستعدادات لحفل الزواج بسرعة مذهلة.
أما خطيبها فكان الكونت إيشبيرن، مالك أراضي بيروود الواسعة في الجنوب، وأحد أفضل خمسة فرسان في المملكة بأسرها.
لكن ما أدهش هيلينا فعلًا هو مدى سرعة قبوله بالزواج،
وكأنه لم يحتج حتى ثانية للتفكير.
“حذر كالصقر، ووحشي كحيوان بري… لا يثق بأحد، ولا يسمح لأحد بالاقتراب منه، ومع ذلك يقبل الزواج بهذه السرعة؟!.”
بل إن اندفاعه كان غير طبيعي.
فلم يكتفِ بالموافقة، بل حدد موعد زيارته إلى العاصمة ليأخذ عروسه… كل ذلك في رسالةٍ واحدة فقط!.
كانت لهجته أقرب إلى مُرابٍ متعجّل يسترد دينه، لا إلى فارسٍ يقبل يد الزواج.
“أبي، أرني الرسالة!.”
فتحت الظرف بسرعة، قلّبت الورقة، لكن لم يكن هناك شيء آخر داخلها.
“مستحيل! أهو لا يريد معرفة أي شيءٍ عني؟!.”
رفعت الورقة نحو الضوء، تقلبها، تنقر على حوافها، كانت تعتقد أن هناك صفحة ثانية عالقة بها، لكنها كانت بالفعل مجرد ورقة واحدة.
قالت الكونتيسة بضحكةٍ جانبية:
“أحيانًا، يا عزيزتي، الرجال لا يحتاجون لمعرفة الكثير… يكفي أن تكون المرأة جميلة ليقرروا قضاء حياتهم معها.”
وضعت هيلينا يديها على خصرها وردّت بصوتٍ عالٍ.
“يا زوجة أبي، كيف تقولين شيئًا كهذا؟! كان عليكِ أن تقولي: سيحبك أكثر حين يتعرّف إليك! هذا ما يُقال، لا العكس! هكذا تتصرف زوجة الأب الحقيقية!.”
تنهدت الكونتيسة بعمق، على وشك أن تنفجر ضاحكة.
“لن يمر وقتٌ طويل قبل أن أرتاح من ثرثرتكِ التي لا تنتهي.”
“هل هذا ما يُحزنكِ؟ فراق ابنتكِ؟!.”
“بل يفرحني جدًا… أخيرًا سيعمّ السلام منزل وينستون.”
“تمامًا كما يفعل أي زوجة أب شريرة!.”
وهكذا، تمّ تأكيد زواج الفتاة المزعجة من عائلة وينستون، والكونت الجنوبي الغامض، إيشبيرن.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 5"