3
—
بينما تحرك هيلينا قطعة على رقعة الشطرنج، قالت بهدوء:
“كل ما أريده هو شيء واحد… أن أجد سعادتي بنفسي.”
رفع ولي العهد، روفوس أربيند، عينيه نحوها وسأل.
“هل هذا يعني أنكِ تنوين العيش وحدكِ بلا زواج؟.”
ابتسمت هيلينا قليلاً وقالت:
“هممم، سيكون أمرًا جميلاً لو استطعتُ ذلك… لكن واقعيًا، قد يكون صعبًا.”
كانا جالسين قرب النافذة المطلة على مشهد الليل الساحر للقصر الإمبراطوري، وبينهما رقعة شطرنج صغيرة، يتحدثان بصوتٍ خافت.
البرج القابع فوق قاعة الاحتفالات الإمبراطورية كان ملاذهما السرّي منذ الطفولة، كلما أصبحت الحفلات الرسمية خانقة، كانا يهربان إلى هناك ويتحدثان هكذا.
قالت هيلينا وهي تحدّق في الرقعة:
“تعرف ما يقوله الناس دائمًا: تزوّجوا، حتى الأشخاص ذوو الحواف الحادة ستصقلهم الحياة معًا، ويصبح الأمر جميلاً.”
أجاب روفوس بهدوء.
“هذه هي الحكمة الشائعة.”
أكملت هيلينا بنبرة ساخرة.
“لكن بالنسبة لي يبدو الأمر كمعركة بعد أخرى، جرح فوق جرح، وتنازل وراء تنازل… حتى تفقد نفسك في النهاية.”
نظرت إلى قطعة الملكة، التي تتحرك بحرية في أي اتجاه، وتابعت بصوتٍ متأمل.
“هل تعتقد أنني أستطيع فعل ذلك؟ أكون مخلصة لرجل واحد، أنجب له الأطفال، وأعيش حياة مثالية؟.”
صمتت لحظة ثم همست:
“أم سأهرب مثل ساندرا؟.”
مدّ روفوس يده وربّت على كتفها برفق.
كانت علاقتهما مختلفة قليلاً، هيلينا كانت تتردد على القصر منذ صغرها بعدما لفتت نظر الإمبراطورة،
ونشأ هو وهي قريبين كالأشقاء، رفيقين لا يفترقان تقريبًا.
شاهدا أجمل ما في بعضهما وأسوأ ما فيهما.
وربما لهذا السبب كانت هيلينا قادرة على الكلام أمام روفوس بصراحة، تكشف له حتى أعمق ما في قلبها من مرارة.
قالت هيلينا بصوت مائل للحزن:
“لا أظن أنني قادرة على العيش مع أحد.”
تأمل روفوس ملامحها الجانبية هامسًا.
“هيلينا، أنتِ امرأة مثيرة للاهتمام. دائمًا كأنكِ تقفين على أطراف أصابعكِ وتنظرين بعيدًا.”
ضحكت هيلينا ضحكة صغيرة.
“مثل ساندرا؟.”
في مسرح ‘الزهرة الذهبية’ في مدينة دوراس، كانت لا تزال لوحة ساندرا، الراقة السابقة، معلقة.
فيها تظهر ساندرا على أطراف أصابعها، تمد يديها نحو الضوء، كأنها على وشك الطيران في أي لحظة.
لم تلتفت يومًا إلى زوجها الرقيق ولا إلى ابنتها الصغيرة المتطلبة التي تركتها خلفها، بل ذهبت بعيدًا.
ابتسم روفوس بتذكّر الصورة نفسها وقال بهدوء:
“نعم. تمامًا مثل ساندرا.”
ثم سكت شاردًا لحظة قبل أن يتكلم مجددًا.
“أشعر بالشيء نفسه.”
رفعت هيلينا حاجبًا.
“حقًا؟.”
“كنتُ دائمًا أظن الزواج مجرد ختم فاخر على صدري. ما دمتُ أضعه، سيشعر الناس والإمبراطورية بالأمان والفخر.”
“هذا منطقي لشخصٍ مثلك.”
ابتسم لها روفوس بخفة.
“وافترضت أنه سيكون الشيء نفسه بالنسبة لكِ.”
همست هليلينا.
“هنا يظهر الفرق في المكانة والجنس…”
تأملت مربعات الشطرنج السوداء والبيضاء بينما روفوس ينظر إليها بإمعان. ثم تمتم مبهورًا.
“صحيح يا هيلينا، نحن رجل وامرأة.”
وبلا إنذار، أمسك باليد التي كانت تعبث بقطع الشطرنج وجذبها نحوه.
ابتسمت هيلينا قائلة:
“لا تظن أنك ستربح لأنك…”
لكن ابتسامتها اختفت حين طبع روفوس قبلة على أصابعها.
ارتبكت هيلينا وتراجع جسدها تلقائيًا مع الشعور الرطب واللين الذي يلامس بشرتها، فارتجفت.
نظرت إلى روفوس بذهول وانزعاج
“روفوس؟.”
رفع نظره إليها، وعيناه الزرقاوان الجميلتان تلتقيان بعينيها، وما زال ممسكًا بأصابعها وهي تحاول سحبها، وهمس على بشرتها.
“هيلينا، أنتِ جميلة جدًا… مليئة بالحرية.”
‘هل هذا الرجل فقد عقله؟.’
لكن روفوس، غير مبالٍ بردها، تابع همهماته غارقًا في عالمه.
“أدركت أنني كنت مخطئًا طوال الوقت. ظننتُ أنكِ ستكونين دائمًا إلى جانبي…”
وكعادته، بدأ ولي العهد يصبح متشبثًا حين خفت حذرها. وقبل أن تدفعه هيلينا بعيدًا…
اصطدام!.
انفتحت أبواب الغرفة بعنف كأنها ستتحطم.
ظهرت أديلا بايارد، خطيبة روفوس، وقد وجدت طريقها إليهما.
كانت ترتدي ثوبًا مرصّعًا باللآلئ يلمع كأنها ثريا بشرية.
حدقت غاضبة بين هيلينا ذات الوجه المحمر من الغضب وروفوس الشاحب من الذعر.
ثم وقعت عيناها على يد روفوس الممسكة بيد هيلينا، وعلى شفتيه المطبوعتين على أصابعها.
تقلص وجه أديلا حتى بدا كأنه حبة فلفل مقطوعة نصفين.
ثم صرخت بصوت مرتجف.
“ج… جلالتك، ولي العهد! ك… كيف تفعل هذا بي…!.”
ثم، مثل بطلة مأساوية في ميلودراما، سقطت أديلا على ركبتيها.
هتفت هيلينا بسرعة.
“آنسة أديلا، الأمر ليس كما يبدو!.”
لكن قبل أن تحاول تهدئة الفوضى، ظهر شخص، لو كنتَ تكتب قائمة بأكثر الأشخاص الذين لا يجب أن يشهدوا هذا المشهد، سيكون في قمتها.
دخلت الإمبراطورة كلاريسا أربيند، وأرديتها القرمزية تتبعها.
قالت ببرود.
“ما الذي يحدث هنا؟.”
لم تتخيل هيلينا يومًا أن هذه الردهة الصغيرة، في برج القصر المركزي، ستصبح بهذا الازدحام.
لكن العدد لم يكن مهمًا، ما كان مهمًا أنّ كل ما يحدث… مجرد سوء فهم كبير.
مدت هيلينا يديها محاوِلة تهدئة الحاضرين بصوت هادئ.
“جميعًا، هذا كله سوء فهم. أستطيع أن أشرح كل شيء.”
رفعت الإمبراطورة كلاريسا حاجبها في صمت، ملامحها تقول: “تفضّلي، لنسمع.”
استجمعت هيلينا نفسها، وثلاث تفسيرات تتشكّل في عقلها:
١. لا يوجد أي علاقة عاطفية بيني وبين جلالته روفوس.
٢. منذ رأيته يستنشق أنفه حين كنا في الثامنة، لم أفكر فيه رجلاً أبدًا.
٣. خليلة جلالته الحالية هي رونا كرليز.
لكن قبل أن تخرج هيلينا هذه النقاط، أسقط روفوس القنبلة:
“آنسةبايارد، أنا لا أرغب بالزواج منكِ.”
اتسعت عينا هيلينا وهي تلتفت إلى روفوس.
وانفجرت أديلا بالبكاء عند كلماته القاسية.
“وااه!.”
تجمّدت هيلينا فاغرةً فمها.
كانت تعرف منذ زمن أن روفوس لا يريد الزواج من أديلا لكن توقيت إعلانه كان الأسوأ.
رفع روفوس نظره نحو هيلينا بعينين كجرو تحت المطر وقال:
“لأن… التي أحبها هي أنتِ، هيلينا.”
أجابته هيلينا بصوت هادئ.
“جلالتك، لا. ليس الأمر كذلك.”
“بل هو كذلك يا هيلينا. الحقيقة أنني أحببتكِ منذ الطفولة.”
ملأ نحيب أديلا الغرفة حتى دوّى، بينما صاحت الإمبراطورة كلاريسا أخيرًا.
“هذا يكفي!.”
كانت كلاريسا امرأةً بديعة الجمال، مهيبة الحضور حتى يصعب تصديق أن لها ابنًا بالغًا.
وذلك الوجه الجميل المهيب كان الآن مملوءًا بالغضب، غضب موجّه بوضوح إلى حيث يقفا هيلينا وروفوس.
قالت كلاريسا بصرامة:
“روفوس وأديلا، تعاليا معي.”
فقط روفوس وأديلا.
شعرت هيلينا بانقباض داخلي.
“جلالتكِ، أنا…”
لكن الإمبراطورة قطعت كلامها، تجعّد أنفها المصقول وقالت ببرود:
“هيلينا، لقد خيّبتِ أملي.”
“ج… جلالتكِ…”
“سأستدعيكِ لاحقًا. الآن، عودي الآن إلى منزل الكونت وينستون.”
كان ذلك أمرًا صريحًا بالطرد.
في النهاية لم يكن أمام هيلينا إلا العودة إلى بيتها بلا أي عذر.
وبعد أيام قليلة، وصل غضب الإمبراطورة إلى قصر وينستون في شكل رسالة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 3"