1
المقدمة
كان زفاف هيلينا وينستون وبنجامين إيشبيرن مهيبًا وفخمًا كما يليق باتحاد بيتين نبيلين، غير أنّ الحقيقة خلف هذا الزواج كانت بعيدة كل البعد عمّا يبدو للعيان.
أقيمت المراسم في مقاطعة هودلين، أراضي عائلة العروس.
ووفقًا للتقاليد العريقة، أقام الكونت ادريان وينستون، والد هيلينا، احتفالاً استمر ثلاثة أيام بمناسبة زواج ابنته.
غمرت رائحة أزهار البرتقال أرجاء البلدة، وخرجت الفتيات الصغيرات بملابس أنيقة إلى الساحة ليرقصن.
ورغم أن الاحتفالات كانت صاخبة ومبهجة، إلا أنّ المراسم نفسها، المقامة في قصر آل وينستون، كانت أكثر وقارًا وجدية.
كان الرجل، ذو الشعر الأسود الطويل المُسرح إلى الخلف بعناية، مرتديًا بزته الرسمية، أول من تلا عهده.
“…لذلك، وبصفتي رأس أسرة إيشبيرن ورئيسًا لمنطقة بوروود الكبرى، أتعهد أمام الله وأمام بيتينا الموقرين أن نمضي قدمًا كزوج وزوجة بحكمة وبصيرة، متّحدين جسدًا وروحًا كشريكين حقيقيين.”
كانت ظهيرة مشمسة، وكان الرجل ينطق عهوده في قاعة الزفاف المزيّنة بروعة.
غير أنّه، ولسبب ما، بدا أشبه بوحش مظلم يترصّد في غابة معتمة ينتظر فريسته.
جلده البارد الشاحب، عيناه بلون الدم، وبنيته القوية حتى حدّ الافتراس، كلها كانت تبث هالة جامحة تجمع بين الجمال والرعب.
هذا هو بنجامين إيشبيرن، الرجل الذي سيصبح زوج هيلينا بعد هذه المراسم.
بعد العهود، قدّم بنجامين الوثيقة إلى عروسه بلمسة رسمية لدرجة بدت أقرب إلى الإهانة منها إلى المجاملة، إيماءة باردة تنضح بالرفض.
لكن هيلينا لم تمد يدها.
كانت تغطي شعرها الكستنائي المتموج بشال عروس لامع، وترتدي ثوبًا أبيض ناصعًا يرمز لدورها كعروس.
وقفت بلا أدنى رغبة في الزواج من الرجل أمامها.
رفعت عينيها الخضراوين اللامعتين كالزمرد نحو يد بنجامين الممتدة وهي تفكر في نفسها.
‘مجنون…’
كان في يده رائحة دماء جعلتها تشمئز بشكل غريزي.
حينها ناداها بنيامين مجددًا.
“هيلينا.”
كان صوته هادئًا بلا أدنى انفعال، لكن وقعَه كان كحبل يلتف حول عنقها.
“خذيها.”
أخذت هيلينا نفسًا عميقًا وأدارت نظرتها قليلًا إلى الجانب.
كان أفراد عائلتها، آل ونستون، يراقبونها بعيون يختلط فيها القلق بالأمل. أحست بثقل نظراتهم على بشرتها فأخذت نفسًا داخليًا يثبّت قلبها.
‘لقد فات الأوان على التراجع…’
لم يعد الهرب ممكنًا.
مدّت هيلينا يدها ببطء.
أخذت وثيقة العهد من بنجامين وكأنها تلتقط حفنة زجاج مهشّم.
ارتجفت شفتاها مرة، ثم بدأت تتحرك أخيرًا.
“أنا، هيلينا وينستون، أقبلك، بنجامين إيشبيرن… زوجًا لي.”
في اللحظة التي نطقت فيها السطر الأول من العهد، اجتاحتها موجة مشاعر.
لم تكن تعتبر حياتها سعيدة من قبل، لكن الآن أدركت كم كانت محظوظة بالفعل.
أدارت رأسها قليلاً نحو والدها ادريان وينستون. لطالما اعتبرته لينًا وضعيفًا، غير جدير بالاعتماد عليه. لكن ما إن خرجت من ظله حتى فهمت أنّ محبته الرقيقة هي ما شكّل شخصيتها اليوم.
نظرت كذلك إلى زوجة أبيها ميا وينستون. قبل يوم واحد فقط كانتا تتشاجران على أمر تافه كما اعتادتا.
لكنها الآن، وهي تبتعد إلى هذا الحد بحيث لن تعود تلك المشاحنات ممكنة، امتلأ قلبها بالحزن.
لقد تشاجرت مع زوجة أبيها مرات لا تُحصى وكرهتها كثيرًا، لكن من خلال كل تلك الخلافات، تشكّل رابط بينهما. وحتى هذه اللحظة، كانت ميا الوحيدة من آل ونستون التي تذرف دموعًا بصمت.
وماذا عن إخوتها غير الأشقاء الذين كانوا يتشبثون بها رغم صراخها الدائم بأنها لا تريدهم؟.
هل سيكون هناك أحد آخر في حياتها يحبها بذلك التفاني الأعمى؟.
حتى بعد أن كانت تسخر منهم بلا رحمة أو تضرب رؤوسهم حتى يبكوا، كانوا دائمًا يهرعون إليها منادين “اختي!” ويمسحون أنوفهم على طرف تنورتها.
كيف لم تدرك من قبل كم كان حبهم ثمينًا؟.
وأصدقاؤها الذين ستراهم نادرًا بعد الآن، كانت تعتبرهم مجرد صحبة لطيفة لا أكثر. لم تدرك إلا الآن كم أغنوا حياتها بعمق.
“…أنا ممتنة لأن الايام التي سأقضيها معك أطول من تلك التي عشتها دون معرفتك.”
كانت طائشة ومتعجرفة.
“سأحترمك دائمًا… وسأكون زوجة محبة.”
عضّت هيلينا باطن خدّها وهي تنطق كلمة «محبة».
عضّت بقوة حتى سمعت فرقعة حادة، ليس صوتًا فقط بل ألمًا يمزق فمها وطعم دم معدني ينتشر على لسانها.
حينها ناداها بنيامين:
“هيلينا.”
نظرت إليه هيلينا بعيون مشتعلة.
‘ماذا تريد أيها الوغد…’
امتلأت نظرتها بالاشمئزاز، اشمئزاز يجعلها إما تموت أو تقتله.
لكن رغم ذلك، ارتسمت على شفتي بنجامين ابتسامة خافتة، وكأنه يعرف ما يدور في ذهنها.
“شكرًا لكِ.”
ثم، لدهشتها، رفع يده ببطء نحو وجهها.
بلمسة كأنه يتعامل مع كنز ثمين، مسح بنجامين خدّها وفكها برفق وقال:
“وأنا أيضًا سأحبك وحدك طوال حياتي.”
عند همسه العذب كادت هيلينا أن تسحق باقة الورد الكبيرة في وجهه.
بينما كانت تحاول أن تتحكم في نفسها، لاحت يد بنجامين أمامها.
القفاز الأبيض الذي مسّ خدها وفكها صار الآن ملوثًا بقطرة حمراء ساطعة.
لاحظ بنجامين ذلك، وبريق غريب لمع في عينيه.
نظر إلى الدم على قفازه ولعق شفتيه بخفة وكأنه يتذوق الفكرة.
حدث ذلك في لحظة. كان اللمعان في عينيه وحركة لسانه دقيقين لدرجة أن لا أحد لاحظهما.
لكن هيلينا رأتهما.
‘هذا المجنون…’
وبنجامين عرف أنها رأته.
عيونه الحمراء كالدماء لمعَت كالزجاج المصقول وهي تجول عليها ببطء، وكأنه يدرسها بنظراته.
تلك النظرة الباردة الخالية من أي ظل مشاعر جعلت قشعريرة تسري في جسدها.
‘تماسكي يا هيلينا.’
أعادت هيلينا نظرها إلى العهد.
لم يعد بالإمكان التراجع عن هذا الزواج مهما حدث.
‘بنجامين إيشبيرن… تظن أن كل شيء يسير كما تريد، أليس كذلك؟ لكن هناك شيء تجهله، أنا هيلينا وينستون. إذن لنرَ ما لديك.’
بهذا العزم، حتى هذا العهد الذي بلا معنى بدى شيئًا يمكنها تلاوته مئة مرة دون تردد.
بدأت هيلينا تقرأ العهد بعزم شرس كما لو أنها تعلن بيان حرب:
“لذلك، وبصفتي رأس أسرة إيشبيرن ورئيسة لمنطقة بوروود الكبرى، أتعهد أمام الله وأمام بيتينا الموقرين أن نمضي قدمًا كزوج وزوجة بحكمة وبصيرة، متّحدين جسدًا وروحًا كشريكين حقيقيين.”
وفي ختام تلاوتهما، قال الكاهن:
“نُعلن أمام الله أنّ هذين الاثنين قد أصبحا الآن زوجًا وزوجة.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"