– كيفية انهاء عقد زواج بشكل مثالي.
الفصل 83
كان ألفونسو مدركًا تمامًا أنه يتصرف بطريقة لا تشبهه على الإطلاق. شعر وكأن دقات قلبه تتردد في أذنيه، مثل جرس خافت يرن في صمت الليل. كانت بشرة شارلوت الناعمة التي تلمسها أطراف أصابعه ساخنة، وفي الوقت ذاته، بدت صغيرة بشكل غريب. ربما لم يكن وصف “صغيرة” هو الأنسب في هذه اللحظة، لكنه شعر بذلك بقوة. وجهها، شعرها، عيناها، أنفها، شفتاها… كل شيء فيها بدا صغيرًا ودقيقًا بطريقة ساحرة جعلته يغرق في تأملها.
‘هل اقتربت منها بهذا الشكل من قبل؟’ تساءل ألفونسو في نفسه، وهو يشعر بغرابة الموقف. كانت يده التي تحيط بخدها كبيرة بما يكفي لتتسلل أصابعه إلى خصلات شعرها الناعمة. شعر بلمسة شعرها كأنها مياه نهر باردة تلامس أطراف أصابعه، تنزلق بسلاسة وتترك إحساسًا رقيقًا. كانت رائحة زيت عطري خفيف ينبعث من شارلوت، رائحة مميزة تظهر بعد الاستحمام، تضيف إلى الجو شعورًا بالدفء والحميمية. عيناها المرتجفتان، اللتين كانتا تتحركان كأغصان الصفصاف المبللة بالمطر، بدتا وكأنهما تحملان قصة لم تُروَ بعد. وصوتها، عندما نادته باسمه، كان ناعمًا وحامضيًا بعض الشيء، مثل طعم الخوخ الناضج الذي يذوب في الفم.
كانت حواسه الخمس جميعها مركزة على شارلوت في تلك اللحظة. لم يشعر من قبل بهذا الوضوح بوجودها، كأنها تملأ كل زاوية من وعيه. وكلما أصبحت صورتها أكثر وضوحًا في ذهنه، كلما استيقظت رغبة غريزية بداخله، رغبة لم يكن يعرفها من قبل. أراد أن يدفن أنفاسه في بشرتها الساخنة، أن يشعر بثقل ذراعيها وهي تحيطان بكتفيه، أن يقبل خصلات شعرها، أن يقترب أكثر ليرى وجهها المحمر عن قرب. شعر أن وصفه لنفسه بأنه “يفقد نفسه” لم يكن مبالغة على الإطلاق. في الماضي، لو كان لا يزال ألفونسو لينوس إدواردت القديم، لما عرف شيئًا عن هذه الرغبات الجامحة.
‘متى بدأت هذه المشاعر؟’ تساءل وهو يحاول تتبع أصل هذه الرغبة. ربما كانت لحظة في سان فال، عندما رأى شارلوت تترنح فجأة، فاندفع نحوها دون تفكير وسحبها إلى أحضانه. كانت يداه في تلك اللحظة مثل لص ينتزع أوراق الشجر من غصنها بقوة، يجذبها إليه بنهم ويملأ فراغ صدره بدفء جسدها. شعر بإحساس غريب، كأن شيئًا بداخله كان يُشبع رغبة مكبوتة. في تلك اللحظة، لم يفكر في سلامتها أولاً، بل كان غضبه من سماع صوتها وهي تنادي آرنو هو ما سيطر عليه بعد ذلك. لو كان إنسانًا “طبيعيًا”، لكان قلقه على سلامتها هو أولويته، لكنه لم يفعل.
‘يبدو أنني أشبه والدي أكثر مما كنت أظن،’ فكر ألفونسو بحسرة. لقد نما، للأسف، كما تنبأت إيفون، ليصبح رجلاً يحمل نفس الرغبات التي كان يحملها والده. حتى لو تأوه من هذه الحقيقة، لم يكن هناك شيء يمكنه تغييره. الرغبة التي استيقظت بداخله كانت تكبر يومًا بعد يوم، خاصة في اللحظات التي يتبادل فيها النظرات مع شارلوت، أو عندما يرى ابتسامتها. في تلك اللحظات، كان يشعر بإحساس بعيد عن التقوى أو الاستقامة، إحساس يملأ عقله بضباب من الرغبة. وأحيانًا، عندما لا يستطيع المقاومة، كان يمد يده نحوها، كما يفعل الآن.
“بصراحة، أنا فضولي لأعرف ما الذي يمكن أن يجعلكِ تشعرين بمزيد من الحرج،” قال ألفونسو بنبرة هادئة تحمل شيئًا من التحدي.
نظرت إليه شارلوت بعينين متّقدتين وسألت: “هل أنت متأكد أنك لا تكرهني؟”
لم تحاول دفع يده هذه المرة، على الرغم من حدة نظرتها. هذا التناقض جعل ألفونسو يبتسم بخفة.
“لو لم أفعل هذا، لما أظهرتِ أي رد فعل على الإطلاق، أليس كذلك؟”.
ردت شارلوت بنبرة متذمرة: “سأنشر الإشاعة في كل مكان: دوق إدوارد لا يعرف كيف يحمي كرامة زوجته، بل يتسلى بإحراجها!”
ضحك ألفونسو وقال: “لا خطأ في كلامكِ، فافعلي ما شئتِ.”
“حقًا…” توقفت شارلوت عن الكلام، وأنزلت عينيها، وهي تعض شفتها السفلى. كان وجهها لا يزال محمرًا، مما زاد من ارتباكها.
‘هذا ليس أسلوبي على الإطلاق،’ فكرت في نفسها. كانت دائمًا هي من تُحرج الآخرين، وليست من تُحرج. شارلوت المعتادة كانت تتحكم بالمواقف وتحافظ على رباطة جأشها، لكن هذه المرة، كانت تشعر بفقدان السيطرة. لو لم يكن ألفونسو ينظر إليها بتلك الطريقة، بتلك العينين الغامضتين، لربما استطاعت أن تكون هادئة كعادتها.
‘لماذا ينظر إليّ هكذا؟’ تساءلت شارلوت في حيرة. كانت تعرف جيدًا ما يفضله ألفونسو، وكانت متأكدة أنها ليست ضمن تفضيلاته. في الماضي، سمعت بالصدفة حوارًا بين آرنو وجان-جاك أثناء ترتيبها للزهور في الحديقة. نفدت الزهور، فذهبت إلى الحديقة لجمع المزيد، وعندها سمعت آرنو يسأل ألفونسو: “سيدي، هل لديك تفضيلات معينة؟ أعني، نوع معين من النساء؟”.
رد أحدهم متهكمًا: “يا سير آرنو، أين أدبك؟ كيف تسأل سيادته سؤالاً كهذا؟”.
لكن آرنو أصر: “أنا فقط فضولي! لم أره يومًا يرفض شيئًا، حتى البروكلي والفلفل والشيكوريا، يأكلها كلها!”.
رد الآخر: “ربما أنت من يعاني من الأنتقائي في الأكل!”
“قد يكون، لكني لم أسمعه يقول إنه يحب شيئًا بعينه. أنت سمعت شيئًا؟”.
توقف جان-جاك للحظة، وكأنه يفكر، ثم قال: “لا أعتقد أن لديه تفضيلات واضحة.”
“أرأيت؟ لهذا أنا فضولي! إذن، سيدي، هل لديك نوع مثالي؟”.
في أي يوم آخر، كانت شارلوت ستمر دون اهتمام، لكن كلمة “النوع المثالي” أثارت فضولها. ‘هل لألفونسو نوع مثالي حقًا؟’ فكرت، ووجدت نفسها تختبئ خلف الجدار لتستمع إلى الحوار.
على غير عادته، بدا ألفونسو يفكر جديًا في السؤال. ثم قال: “إذا كان يجب أن أختار، فأنا أفضل شخصًا طيبًا.”
تجمدت ملامح آرنو، وكأنه يشعر بالإهانة من الإجابة البسيطة. حتى جان-جاك بدا متفقًا معه في صمته.
“سيدي، أليس “شخص طيب” تعبيرًا عامًا جدًا؟ هل يمكنك أن تكون أكثر تحديدًا؟”.
رد ألفونسو: “هذا كل شيء. شخص طيب، هذا ما أريده.”
ثم أضاف، وهو يوبخ آرنو وجان-جاك: “لماذا تسألان عن النوع المثالي لرجل متزوج؟” وغادر المكان.
تذمر آرنو، لكنه لم يحصل على الإجابة التي أرادها. أما بالنسبة لشارلوت، فقد كانت هذه الإجابة واضحة بشكل مؤلم. ‘شخص طيب؟ إذن، أنا بالتأكيد لستُ تلك الشخصية’ كانت تعتقد أنها، إذا أردت التصنيف، فسوف تققع في خانة “الأشخاص السيئين”. كلمات ألفونسو جعلتها تشعر أنها بعيدة كل البعد عن أن تكون ضمن تفضيلاته.
حتى بعد عودتها عبر الزمن، لم يتغير شيء في هذا الصدد. ربما أصبح تقييمه لها أفضل قليلاً، لكن ذلك لم يغير حقيقة أنها، في عيني رجل مستقيم مثل ألفونسو، لا تزال تبدو ماكرة ووقحة. هذا ما كانت تعتقده بعقلها، لكن سلوكه كان يوحي بخلاف ذلك.
‘لماذا يتصرف وكأنني أعني له شيئًا؟’ تساءلت شارلوت، وهي تشعر بالإحباط من نفسها أكثر من إحباطها منه. كانت تعلم أنها لا يجب أن تسمح لنفسها بالتعلق به. إذا كانت تحبه حقًا، فعليها أن تتركه، أن تضع مصلحته أولاً.
حاولت استعادة رباطة جأشها ودفعته بعيدًا، وقالت بنبرة حازمة: “على أي حال، هل هذا يعني أنك ستوافق على المشاركة في بطولة المبارزة؟”.
نظر ألفونسو إلى يده التي كانت لا تزال تحيط بخدها، ثم عاد بنظره إليها وقال: “لم أقل ذلك بعد.”
“لكنك قلت إن حكمي صحيح!” ردت شارلوت بحيرة.
“هذا لا يعني أنني ملزم بالموافقة، أليس كذلك؟”.
فتحت شارلوت عينيها بدهشة: “حتى لو كانت المسألة تتعلق بابنة عمك؟”.
“من قال إنني لا أوافق على رأي برونو؟” أجاب ألفونسو بهدوء.
“أنت لا تعتقد أن برونو على صواب!” ردت شارلوت بحدة.
“صحيح، أنا لا أعتقد ذلك،” أقر ألفونسو بابتسامة خفيفة.
“ما هذا الحوار الغريب؟” قالت شارلوت وهي تشعر بالإحباط. إذا كان لا يوافق على فكرة تزويج صوفيا زواجًا سياسيًا مثل برونو، لكنه في الوقت ذاته لا يريد التدخل لأجلها، فماذا يعني ذلك؟.
نظر إليها ألفونسو بهدوء وقال: “مشاركة دوق إدوارد في بطولة المبارزة ليست أمرًا معتادًا. لكن بما أن هذا طلبكِ، وبما أنه يتعلق بصوفيا، فقد أفكر في المشاركة هذه المرة.”
“هل أنت جاد؟” سألت شارلوت بحذر.
“لكنني أفكر أيضًا في الأمر من ناحية المكاسب والخسائر.”
“مكاسب وخسائر؟” كررت شارلوت، وهي تضيق عينيها بشك.
“إذا فزت في البطولة وحققت أمنية صوفيا، ماذا سأحصل أنا؟”.
“سعادة الأميرة صوفيا؟” أجابت شارلوت بنبرة متسائلة.
“ألا يفترض بكِ أن تتمني سعادتي أنا أيضًا؟” رد ألفونسو بنبرة تحمل شيئًا من المرح.
“حسنًا، بالطبع، لكن…” توقفت شارلوت، وهي تشعر أن هناك شيئًا وراء كلامه. كانت غريزتها تحذرها من أن هذا الحوار الطويل ليس مجرد محادثة عابرة، بل يخفي نية معينة.
“ما الذي تحاول قوله بالضبط؟” سألت بحذر.
رد ألفونسو بنبرة هادئة وكأن الأمر لا يستحق كل هذا القلق:
“لا شيء كبير. إذا فزت في البطولة، أريدكِ أن تحققي أمنية واحدة لي.”
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
التعليقات لهذا الفصل " 83"