صوت خفيف أصدره فنجان الشاي عندما وُضع أمام شارلوت على الطاولة الخشبية. كانت يد آرنو الضخمة، المعروقة والخشنة من سنوات القتال، تبدو غريبة وغير متناسقة مع الفنجان الرقيق المزخرف. بدا المشهد وكأنه يجسد التناقض بين قوة الفارس الخام وأناقة الأرستقراطية الرقيقة.
“لا أعرف الكثير عن الشاي، ولا أستطيع تمييز نكهته، لكنني أقدر حسن ضيافتكِ،” قال آرنو بنبرة خفيفة تحمل لمحة من المرح.
“لا داعي للشكر، إنه مجرد واجب،” ردت شارلوت بهدوء ظاهري، لكن قلبها كان ينبض بسرعة من الدهشة. لم تكن تتوقع هذه الزيارة، خاصة من آرنو جويل، الذي يجلس الآن أمامها بهذا الوضع غير المألوف.
‘آرنو يأتي لزيارتي؟’ فكرت، وهي تحاول إخفاء اضطرابها. آرنو جويل، أقوى فرسان ألفونسو وأكثرهم عدوانية ومرحًا، كان شخصية لا تُنسى. لم تكن تعرف عنه سوى القليل: قوته البدنية الهائلة، طباعه المرحة التي تخفي ذكاءً حادًا، وأنه ليس بالشخص السطحي الذي يبدو عليه.
في حياتها السابقة، كانت علاقتها بأتباع ألفونسو متوترة، لكن مع آرنو، لم تصل الأمور إلى العداء المطلق. كان آرنو يتحرك بدافع الفضول، ولم يُظهر كراهية صريحة تجاه عائلة نوها مثل الآخرين. ‘لكنه لم يكن ودودًا تمامًا،’ تذكرت. كان يثير المشاكل بين الحين والآخر، يرمي تعليقات ساخرة أو يحاول استفزازها عندما يراها، لكن مقارنة بلودفيغ، الذي كان عداؤه كالنار المشتعلة، كان آرنو أقل حدة.
‘لو التقينا في ظروف مختلفة، ربما كنا سنصبح أصدقاء،’ فكرت ذات مرة. لكن ذلك كان قبل موت ألفونسو. بعد وفاته، تحول آرنو إلى الشخص الأكثر عداءً، ينظر إليها بعيون مشتعلة بالازدراء والكراهية، كوحش ضخم يتربص بها. تلك النظرة كانت محفورة في ذاكرتها، تجعلها تشعر وكأنها فريسة أمام مفترس.(طيب شارلي وش صار للخنجر يلي رعبتي فيه الولد؟🤨)
‘الآن… لا يبدو الأمر كذلك،’ فكرت، وهي تدرس ملامحه بحذر. في هذه الحياة، بدا أقل عدوانية، لكنه لا يزال يثير المشاكل بين الفينة والأخرى. كانت متأكدة أن علاقتهما لن تصل أبدًا إلى مستوى الجلوس معًا لاحتساء الشاي في أجواء ودية.
‘لماذا جاء إذن؟’ تساءلت، وهي تحاول فهم نواياه. قبل أن تتمكن من السؤال، تحدث آرنو بنبرة مباشرة تحمل لمحة من الجدية: “صراحة، توقعت أن تستقبلينني بسكين بدلاً من فنجان شاي.”
“هل لديك أمر معين؟” سألت شارلوت، محافظة على رباطة جأشها.
“ليس أمرًا بالضرورة، بل فضول،” قال، وتردد قليلاً قبل أن يتابع. “هناك شيء يشغل بالي.”
“مرة أخرى، هل تريد معرفة إذا كنتُ قد قتلتُ أحدًا؟” ردت شارلوت، وعيناها تضيقتا بحدة، كأنها تتحداه.
رفع آرنو يديه بسرعة، كأنه يؤكد براءته. “حسنًا، هذا لا يزال يثير فضولي، لكن ليس هذا موضوع اليوم!”.
“إذن، ما الأمر؟”.
“السيد ألفونسو ليس في حالة جيدة مؤخرًا،” قال آرنو، ثم أضاف بنبرة أكثر جدية: “وأعتقد أنكِ السبب، سيدتي.”
تجمدت شارلوت للحظة، لكنها حافظت على تعبيرها الهادئ. “هل تقول إنني يجب أن أحسن مزاجه؟”.
“لا، لستِ مهرجة لتلعبي هذا الدور!” ضحك آرنو بخفة، لكن عينيه ظلتا تراقبانها. “مزاجه سيتحسن مع الوقت. وفي النهاية، لا يمكنكِ إصلاح شيء لا تتحكمين به.”
“بالطبع،’ فكرت شارلوت بسخرية مريرة. ‘كيف يمكنني إصلاح قلب ألفونسو وهو يعاني من حب من طرف واحد؟’ شعرت بثقل الذنب يعتصرها، لكنها لم تُظهر ذلك.
لاحظ آرنو نظرتها الباردة، وفكر: ‘يا لها من امرأة باردة المظهر.’ كانت تبدو غير مبالية، لدرجة أن أي شخص لم يرَ جانبها الودود لن يصدق أنها قادرة على الابتسام بحرارة. لكن بالنسبة له، لم يكن من الغريب أن يقع ألفونسو في حبها. ‘إنهما يبدوان مناسبين لبعضهما،’ فكر. شارلوت كانت لطيفة مع ألفونسو أحيانًا، وألفونسو نفسه كان مثالاً للنبل والرقي.
لكن لماذا جاء إليها إذن؟ كان هناك افتراض واحد يطارده، افتراض بدا سخيفًا لكنه لم يغادر ذهنه.
“أعلم أن هذا افتراض سخيف،” بدأ آرنو، وهو يحك رأسه بحرج، كأنه يحاول صياغة كلماته بعناية. “لكنني لا أعرف كيف أقول هذا. أرجوكِ، لا تخرجي سكينًا! أنا جاد هذه المرة.”
“ما الذي تحاول قوله؟” سألت شارلوت، وهي تحاول كبت نفاد صبرها، لكن عينيها كانتا تتابعانه بحذر.
“حسنًا، أقصد… سيدتي، هل…”.
قبل أن يكمل آرنو جملته، تقلص وجه شارلوت فجأة، وانحنت إلى الأمام بعنف، كأن شيئًا ما ضربها من الداخل. ثم بدأت تسعل بشدة، سعال عميق ومؤلم يهز جسدها النحيل، كأنه يمزق رئتيها.
“كح… كح!” كان السعال قويًا، يحمل صدى مرعبًا لا يتناسب مع أجواء الصيف الدافئة. بدا وكأن صدرها ينهار تحت وطأة الألم.
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد.
“دم؟” تمتم آرنو، وقد انتبه إلى رائحة الحديد الحادة التي ملأت الهواء فجأة. كفارس خبير بالمعارك، كان يعرف هذه الرائحة جيدًا، ولم يكن من الممكن خداعه.
“ليس… كح… هذا، كح!” حاولت شارلوت الإنكار، لكن صوتها كان متقطعًا من شدة السعال، وكلماتها بدت واهية.
“سيدتي، اسمحي لي!” قال آرنو بحزم، متجاهلاً محاولاتها لإخفاء حالتها. أمسك ذراعها بلطف لكنه بحزم، وكشف عن يدها التي كانت تغطي فمها. كانت راحتها ملطخة بالدم الأحمر القاني، كأنها لوحة مروعة.
‘هذا ليس مجرد سعال عادي،’ فكر آرنو، وقد تجمدت ملامحه. لأول مرة، اختفى المرح من وجهه، وحل محله شحوب مخيف يعكس صدمته. نظر إلى شارلوت، التي كانت ملامحها المتحفظة دائمًا قد فقدت رباطة جأشها. كانت عيناها تعكسان ذعرًا خفيًا، كأنها تدرك أن سرها قد انكشف.
لم يعد هناك مجال للإنكار.
“سيدتي، كوني صريحة معي،” قال آرنو، وصوته يحمل نبرة جادة لم تعهدها منه. كانت كلماته ثقيلة، كأنه يجبر نفسه على مواجهة الحقيقة. “هل أيامكِ معدودة؟”.
***
كانت شارلوت تجلس في صمت، وهي تلعن نفسها داخليًا. ‘يا لها من كارثة!’ فكرت، وشعرت بالغضب من نفسها لعدم قدرتها على التحكم بجسدها الضعيف. لو كان ألفونسو هو من جلس أمامها بدلاً من آرنو، لكانت دمرت كل شيء، كل خططها وأسرارها.
‘ظننتُ أنني تحسنت،’ فكرت بمرارة، وهي تتذكر الأيام التي بدت فيها الأدوية فعالة. لم تتوقع أن تعود نوبات الدم بهذه السرعة وبقوة. تنهدت بعمق، ونظرت إلى آرنو بنظرة متعبة، ثم نهضت ببطء، وهي تمسح يدها وفمها بمنديل كأن شيئًا لم يكن، محاولة استعادة سيطرتها.
“مجرد بضع قطرات دم، وتظن أنني على وشك الموت؟ ألا تعتقد أن خيالك مبالغ فيه؟” قالت بسخرية خفيفة، محاولة التقليل من الوضع.
“أنا حساس جدًا لهذه الأمور،” رد آرنو بجدية، وعيناه مثبتتان عليها. “من خبرتي في ساحات القتال، من يتقيأ دمًا بهذا الشكل نادرًا ما يعيش أكثر من عام.”
‘تبًا له، كم هو دقيق!’ فكرت شارلوت، وهي تكبح رغبتها في التأفف. لقد مرت عدة أشهر منذ عودتها إلى الماضي، وإذا حالفها الحظ، ربما تعيش عامًا آخر، لكن ذلك كان أقصى ما يمكن أن تأمل به.
“إنه مجرد مرض مزمن تفاقم قليلاً. لا داعي للقلق، ولا تخبر ألفونسو،” قالت بنبرة حازمة، وهي تحاول إغلاق الموضوع.
“لا يمكنني السكوت!” رد آرنو بحدة، وكأن فكرة إخفاء الأمر عن ألفونسو مستحيلة. “هل رأيتِ طبيبًا؟”.
“نعم، ورأيته. هذا أفضل ما يمكنني الحصول عليه،” أجابت بلامبالاة، لكنها توقفت فجأة. كلمة “طبيب” أشعلت شرارة فكرة في ذهنها، فكرة قد تكون مفتاحًا لمشكلتها.
‘إذا كان آرنو قد اكتشف حالتي بالفعل…’ فكرت، وشعرت بموجة من الأمل تتسلل إلى قلبها. ‘ربما يمكنني جعله حليفًا.’ كانت بحاجة ماسة إلى شخص يساعدها في الوصول إلى سان فال، خاصة وأنها لا تستطيع الذهاب بمفردها في حالتها الحالية. كانت قد طردت سيلفيا، مساعدتها السابقة، مما جعلها تفتقر إلى شخص موثوق يمكنه التحرك سرًا نيابة عنها.
‘هذه فرصة لا تُعوض!’ فكرت، وعيناها الخضراوان بدأتا تلمعان بحماس، كأنها قطة رصدت فريستها. كانت تعلم أن آرنو، رغم طباعه المرحة، يملك ولاءً قويًا ومهارات تجعله الشخص المناسب لهذه المهمة.
“ما هذه النظرة؟” سأل آرنو بحذر، وقد شعر بغريزته الميدانية أن شيئًا ما يُحاك ضده. كان كفارس متمرس يعرف متى يكون في خطر، لكن هذه المرة، بدا وكأنه وقع في الفخ بالفعل.
فجأة، بدأت شارلوت تسعل بعنف مرة أخرى. “كح! كح! كح!” كان السعال أقوى هذه المرة، يهز جسدها الهش كأنه يحاول كسره. بدت وكأنها على وشك الانهيار، ووجهها الشاحب زاد من مظهرها الضعيف.
“سيدتي! اللعنة، يجب أن نستدعي طبيبًا فورًا!” صرخ آرنو، وقد قفز من مكانه، وعيناه مملوءتان بالقلق.
“لا… لا تفعل، سيد آرنو!” تمتمت شارلوت، وهي تمسك بذراعه بيدها الشاحبة، كأنها تتشبث بالحياة. دموع فسيولوجية ناتجة عن السعال تدحرجت على خدها، مما زاد من مظهرها الهش والمحزن. “الأطباء العاديون لا يستطيعون علاجي… إنه مرض عضال.”
“إذن، يجب أن نخبر السيد ألفونسو!” قال آرنو، وصوته يحمل نبرة يأس.
“لا، لا يمكن أن يعرف!” ردت شارلوت، وصوتها يرتجف كأنها تتوسل. “لا أريد أن أقلقه… كح!”.
“لكن لا يمكننا إخفاء هذا إلى الأبد!”.
“هناك طريقة واحدة…” قالت شارلوت، وصوتها أصبح فجأة أكثر وضوحًا، كأنها استعادت سيطرتها. كانت نبرتها تحمل لمحة من الثقة، كأنها تمسك بخيط الأمل. “طريقة لعلاجي.”
لم ينتبه آرنو إلى التغير الطفيف في نبرتها. كان مشتتًا بسبب شحوب وجهها، والدم الذي رآه، والدموع التي جعلتها تبدو كشخص على حافة الانهيار. كان قلبه، كفارس يحمل حسًا بالواجب، قد استسلم بالفعل.
“أرجوك… هل ستساعدني، سيد آرنو؟” طلبت شارلوت بصوت مرتجف، وكأنها تضع كل آمالها فيه. نظرت إليه بعيون تلمع بالدموع، وكأنها تتوسل إليه أن يكون منقذها.
لم يكن لدى آرنو خيار سوى الموافقة. في تلك اللحظة، كان الفارس قد وقع تمامًا تحت تأثير توسلها، غير مدرك أنها ربما تكون قد خططت لهذا المشهد بعناية.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 74"