كان غابرييل، الذي سُمي باسم ملاك بجرأة لا تخفى، لغزًا بشريًا محاطًا بالغموض. لم يُعرف عنه شيء واضح: لا عمره، ولا أصله، ولا حتى ما إذا كان اسمه الحقيقي. كل ما كان مؤكدًا عنه هو عيناه الذهبيتان المتوهجتان ببريق غريب، كأنهما تنتميان إلى عالم آخر، وصوته الذي يوحي بأنه رجل.
‘عندما التقيته، كان يرتدي رداءً يغطي وجهه، فلم أتمكن من رؤية ملامحه بوضوح،’ فكرت شارلوت، وهي تستعيد تلك اللحظة العابرة. كانت المرة الوحيدة التي رأت فيها عينيه هي صدفة محضة، عندما أنزل غابرييل رداءه قليلاً، مما سمح لها بلمحة خاطفة من عينيه المتلألئتين، كأنها تحملان سرًا كونيًا.
“حتى لو أردت البحث عنه الآن، لا أملك أي خيط يقودني إليه،” تمتمت شارلوت بنبرة مليئة بالإحباط. لقاءها الأول بغابرييل كان كمعجزة إلهية. أثناء تجوالها عبر البلاد، سمعت شائعة عن رجل يبيع جرعات ماء يُزعم أنها تشفي جميع الأمراض. بينما اعتبر الجميع الشائعة مجرد خرافة، لم تهتم شارلوت بالشكوك. كانت قد خُدعت مرات عديدة من قبل محتالين ادعوا أنهم يستطيعون إحياء الموتى، لكنها كانت مستعدة لتحمل ألف خدعة أخرى إذا كان ذلك سيمنحها أملًا في إنقاذ ألفونسو. ‘ما الضرر إذا خُدعت وأنا لا أزال على قيد الحياة؟’ فكرت بنبرة تحدٍ ممزوجة باليأس والعزم.
كان هذا الإصرار هو ما قادها إلى غابرييل في المقام الأول. لكن محاولاتها للعثور عليه مجددًا بعد عودة الزمن إلى الوراء باءت بالفشل. قال إنه يعيش حياة الترحال، متنقلًا دائمًا بلا استقرار،’ تذكرت شارلوت كلماته. لم تكن بحاجة ماسة إلى مساعدته في ذلك الوقت، لذا لم تعره اهتمامًا كبيرًا. لكن الآن، تغير كل شيء بشكل دراماتيكي.
“كح، كح!” انتفض جسد شارلوت وهي تسعل بعنف، حتى شعرت بألم حاد يمزق صدرها، كأن شيئًا ما يستنزف حياتها من الداخل. عندما رفعت منديلها لتغطي فمها، رأت بقع الدم القرمزية تنتشر عليه، كأنها لوحة شؤم تحمل نبوءة قاتمة. هذه كانت المشكلة الحقيقية: صحتها تتدهور بسرعة مخيفة، كأن قوة خفية تعصف بجسدها، تهدد بإنهاء كل شيء.
* * *
بدأت حالة شارلوت الصحية بالتدهور بعد وقت قصير من انتهاء أزمة بيهونيك. كان ذلك في ساعة الغسق، عندما كانت الشمس تغوص خلف الأفق، ملقيةً ظلالاً طويلة عبر أروقة القلعة. بعد أن أنهى ألفونسو حديثه مع كلوي، دخل غرفة شارلوت، مغلقًا الباب خلفه بهدوء كعادته. وقفت شارلوت، وابتسامة انتصار تعلو وجهها، كأنها قد فازت بمعركة صامتة بذكائها المعهود. “ألفونسو، ألم أقل لك؟ كل شيء سار على ما يرام!” قالت بنبرة مليئة بالثقة والفخر.
“لن أنكر ذلك،” رد ألفونسو، وابتسامة خفيفة تعلو وجهه، لكن في عينيه كانت هناك لمحة من الحيرة، كأنه يحاول استيعاب ما حدث. لم تكن شارلوت قد شرحت له الكثير من التفاصيل أثناء تنفيذ خطتها، تاركةً إياه في الظلام حتى أوضحت كلوي له السياق لاحقًا. حتى بعد ذلك، ظل ألفونسو يشعر بالذهول. ‘ما أنجزته شارلوت لم يكن بالأمر السهل،’ فكر، وهو يتذكر الأيام التي قضاها يعاني من تعقيدات قضية بيهونيك. لو كانت المهمة بسيطة، لما اضطر إلى قضاء ليالٍ طويلة في التفكير والتخطيط.
بالطبع، كانت هناك لحظات مثيرة للجدل في خطتها – مثل تفتيش غرف الآخرين أو إقناع كلوي بالتوقيع على وثيقة بيضاء – لكن هذه التفاصيل لم تقلل من إنجازها العظيم. “سمعت من كلوي بيهونيك عن كل ما حدث،” قال ألفونسو، وهو ينظر إلى شارلوت بعينين مليئتين بالتقدير الممزوج بالدهشة. “قالت إنك جعلتها توقع وثيقة بيضاء، لكنكِ لم تستخدميها أبدًا.”
“يبدو أنها تحدثت أكثر مما توقعت،” ردت شارلوت بابتسامة خفيفة، ونظرتها تلمع بمكر. “كنت أظن أنها ستلومني، لكن يبدو أنني كنت مخطئة.”
“تلومك؟” هز ألفونسو رأسه بنفي. “على العكس، كانت ممتنة جدًا.” تذكر كلمات كلوي: “كانت بإمكانها إجباري، لكنها لم تفعل. طلبت مني الأمر كتفضل، وهذا وحده يستحق الامتنان.” كانت كلوي قد أعربت عن إعجابها بأسلوب شارلوت الذي جمع بين الذكاء الحاد واللطف غير المتوقع.
“هذا الإنجاز يؤكد لي أن اختياري لك كان صائبًا،” قال ألفونسو، ونبرته تحمل نادرًا من الصدق العاطفي، كأنه يكشف عن جزء من قلبه.
“هل تعني أنك لم تكن متأكدًا من قبل؟” مازحت شارلوت، وهي ترفع حاجبًا بمكر، كأنها تستمتع بإحراجه.
“لا، بل كنت أظن أنك قد تفشلين،” رد ألفونسو بصراحة نادرة. “كانت المهمة صعبة، والوقت قصير. لكنك لم تستعيدي الخاتم فحسب، بل غيرتِ قلب كلوي أيضًا، وهذا ليس بالأمر الهين.”
في تلك اللحظة، شعر ألفونسو بحاجة ملحة لسؤالها عن شيء كان يؤرقه منذ سماعه من كلوي. “لدي سؤال واحد، شارلوت،” قال، ونبرته أصبحت أكثر جدية، كأنه يستعد لمواجهة حقيقة ما.
“اسأل ما شئت،” ردت شارلوت، وهي تميل برأسها قليلاً، كأنها مستعدة لأي تحدٍ، حتى لو كان عاطفيًا.
“لماذا طلبتِ من كلوي بيهونيك ألا تكرهني؟” سأل، وهو ينظر إليها مباشرة، كأنه يبحث عن إجابة في أعماق عينيها.
فهمت شارلوت السؤال على الفور، رغم أنها لم تتوقعه. كان بإمكانها إنهاء قضية بيهونيك بمجرد وضع كلوي في منصب رئيس العائلة، لكن طلبها من كلوي ألا تكره ألفونسو كان شيئًا أعمق، شيئًا شخصيًا. “لم يكن هناك سبب محدد،” قالت شارلوت، وهي تتردد قليلاً، كأنها تختار كلماتها بعناية. “لكنك… لا يوجد الكثير من الأشخاص المقربين منك، أليس كذلك؟ لا أحد يعرف قصتك الحقيقية.”
رفع ألفونسو حاجبًا، وكأنه متفاجئ من ردّها. “لدي الكثير من الأشخاص حولي،” قال بنبرة دفاعية خفيفة، وكأنه يرفض الاعتراف بأي ضعف.
“بالطبع، لكنني أعني أشخاصًا يعرفون ما مررت به،” أوضحت شارلوت، ونظرتها تخترق عينيه كالسهم. “أعرف ما حدث لك، ألفونسو. أعرف أن والدتك… لم تكن الأم التي تستحقها.”
تجمد وجه ألفونسو عند سماع هذه الكلمات، كأن شيئًا ثقيلًا ضرب صدره. كان يعلم أن شارلوت قد تكون اكتشفت شيئًا عن ماضيه، لكن سماعها تتحدث عنه بمثل هذه الصراحة جعله يشعر بضيق في تنفسه. “منذ متى تعرفين؟” سأل بنبرة منخفضة، وكأنه يكبح مشاعره بصعوبة.
“منذ قرأت رسائل الدوقة السابقة لإدوارد،” أجابت شارلوت بهدوء، ونظرتها ثابتة ولكنها لينة. “لم أذكر ذلك لأنك طلبت مني عدم الشفقة عليك، ولم أرد أن أخلف وعدي.”
“لماذا لم تتحدثي عن ذلك من قبل؟” سأل، وهو يحاول الحفاظ على رباطة جأشه، لكن صوته كان يحمل لمحة من الضعف.
“لأنني لم أكن متأكدة من أنني سأتمكن من الحديث عن ذلك دون محاولة مواساتك،” اعترفت شارلوت، ونظرتها تلين أكثر، كأنها تكشف عن جزء من قلبها. “ولستُ أملك الحق في مواساتك، أليس كذلك؟ لقد وعدتك ألا أشفق عليك، وكنت سأصمت إلى الأبد لو لم تسأل.”
أغلق ألفونسو عينيه للحظة، كأنه يحاول استيعاب كلماتها. كانت خطوط جبهت المجعدة متوترة و تكشف عن صراع داخلي عميق، لكنه عندما فتح عينيه مجددًا، بدا أكثر هدوءًا، وكأنه وجد توازنًا هشًا. “إذن، لهذا طلبتِ من كلوي أن تريحني؟” سأل، ونبرته تحمل لمحة من الدهشة الممزوجة بالامتنان.
“نعم،” أجابت شارلوت ببساطة، وابتسامة خفيفة تعلو شفتيها. “لست طفلاً، ولا تحتاج إلى أم، أعلم ذلك. لكنك تحتاج إلى شخص يمكنك التحدث إليه، شخص يفهمك.”
“لا أحتاج إلى ذلك،” رد ألفونسو بحزم، لكن صوته كان أقل ثقة مما اعتاد، كأن كلماتها قد لامست جرحًا قديمًا.
“أفهم أنك تعتقد ذلك،” قالت شارلوت، وهي تنظر إليه بنظرة عميقة، كأنها ترى ما وراء قناعه. “عشتَ حياتك دون أن تخبر أحدًا بقصتك، وتظن أنك بخير. كنت أفكر بنفس الطريقة ذات يوم.” توقفت للحظة، وكأنها تستعيد ذكريات مؤلمة من ماضيها. “لكن عندما وجدتُ شخصًا يفهمني، أدركتُ أنني كنت أنتظر ذلك دائمًا. كنتُ وحيدة، ألفونسو، حتى لو لم أعترف بذلك.”
أغلقت شارلوت عينيها للحظة، وابتسامة خفيفة تعلو شفتيها، كأنها تتذكر لحظة ضعف نادرة. “كنتُ وحيدة، ولا أريدك أن تكون كذلك.” كانت كلماتها تحمل صدقًا نادرًا، كأنها تعرض جزءًا من روحها. “هذا الشعور… إنه نوع من المواساة التي تلقيتها يومًا ما، والآن أحاول تمريرها إليك عبر الزمن.”
كانت تلك اللحظة مشحونة بالعواطف، كأن الهواء بينهما يحمل أوزارًا غير معلنة. نظر ألفونسو إليها، ولم يجد الكلمات المناسبة للرد. كانت شارلوت قد لمست جزءًا منه لم يعتقد أن أحدًا سيفهمه يومًا. “أنا… لا أعرف ماذا أقول،” تمتم أخيرًا، وصوته يحمل نبرة لم تُسمع منه من قبل، مزيجًا من الامتنان والضعف.
“لا داعي لأن تقول شيئًا،” ردت شارلوت، وهي تبتسم بلطف نادر. “فقط اعلم أنني لا أريدك أن تظل وحيدًا.”
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 70"