– كيفية انهاء عقد زواج بشكل مثالي.
الفصل الثامن والثلاثون.
بعد تلقي خبر وفاة ألفونسو، جاءت أديلين إلى شارلوت في زيارة مفاجئة، وكانت تحمل في عينيها حزنًا عميقًا وإصرارًا واضحًا.
“أرجوكِ، سيدتي! هناك شيء يجب أن أخبركِ به! من فضلك، امنحيني بعض الوقت!”.
“إذا كان هذا شيئًا لا يمكن مناقشته في العلن، فلن أستمع إليكِ. أعرف ما تخفينه، لذا توقفي عن إثارة الفوضى وغادري!”.
لكن الحقيقة كانت أن شارلوت لم تكن ترغب في قضاء لحظة واحدة مع أديلين. مجرد رؤية وجهها كان يشعرها وكأن موجة من الاتهامات الصامتة تنهال عليها، كأن عيني أديلين تحملان لومًا لاذعًا بسبب ماضيها المعقد مع ألفونسو. كانت تلك النظرة تذكّرها بكل لحظة شعرت فيها بالرفض والإقصاء، مما جعل قلبها يعتصر ألمًا.
أمام رفض شارلوت الحاسم، بدت أديلين مرتبكة للحظة، ثم قالت بنبرة مترددة:”إذن، أنتِ تعلمين بالفعل… حسنًا، هذا يريحني.”
أو ربما كانت تعبيرها أقرب إلى الارتياح؟ كان من الصعب التأكد، فقد كان وجه أديلين مغطى بحزن عميق بسبب وفاة ألفونسو، مما جعل قراءة مشاعرها أمرًا غامضًا.
على أي حال، لم تُصر أديلين على طلب المزيد من الوقت. بدلًا من ذلك، تركت صندوقًا صغيرًا وقالت بهدوء:”هذا يخص إدوارد… سأتركه هنا.”
ثم غادرت دون أن تضيف كلمة أخرى، تاركة شارلوت تواجه الصندوق الصغير وحدها.
لم تكن شارلوت بحاجة إلى فتح الصندوق لتعرف محتواه.
‘كان ذلك الخاتم.’
خاتم الدوقة الأم لإدوارد، الرمز التقليدي الذي يحمل في طياته تاريخ العائلة ومعاني الحب والشرعية. كان هذا الخاتم بمثابة جرح مفتوح بالنسبة لشارلوت، تذكيرًا دائمًا بأنها لم تكن الزوجة التي أرادها ألفونسو أبدًا.
تذكرت شارلوت تلك اللحظة، وشعرت بضيق يعتصر جبينها وألم ينبض في رأسها. استرجاع هذه الذكريات المؤلمة جعلها تشعر بالغثيان، كما لو كانت تُجبر على فتح جرح قديم لم يشفَ بعد. في أوقات أخرى، كانت سارعت بدفع هذه الذكريات إلى أعماق عقلها، لكن هذه المرة، شعرت أن هناك شيئًا متعلقًا بالخاتم يجب أن تفهمه.
“هناك شيء متعلق بهذا الخاتم، أنا متأكدة من ذلك.”
لكن مهما حاولت استحضار الماضي، لم تستطع إمساك خيط واضح. كانت الذكريات مشوشة، كأنها تحاول تجميع قطع أحجية ناقصة.
لم يكن لدى شارلوت وقت للغرق في التفكير. بدأت العربة تتباطأ، وأعلن السائق:”لقد وصلنا، سيدتي. يمكنكِ النزول الآن.”
توقفت العربة، ومن خلال الباب المفتوح، رأت شارلوت منظرًا مألوفًا للغاية: قصر نوها الفخم، رمز سلطتها وعزلتها في آن واحد. كان القصر يعكس قوتها، لكنه كان أيضًا تذكيرًا بأنها محاصرة في شبكة من المؤامرات والصراعات.
عندما خطت إلى الداخل، رحّب بها خادم ذكر بانحناءة عميقة:”أهلًا بكِ، سيدتي.”
كان وجهه مألوفًا، أحد أتباع كوينسي المقربين.
ضيّقت شارلوت عينيها وهي تتعرف عليه. كانت تتساءل من سيجدها أولًا، دومينيك أم كوينسي.
‘كما توقعت، كان كوينسي.’
لم يكن مفاجئًا أن يسيطر كوينسي على قصر نوها منذ زمن طويل. كان هذا متوقعًا، بل ربما تأخر كثيرًا.
‘بطباع كوينسي، لم يكن من الصعب تتبع مكاني دون أي غطاء.’
كان كوينسي رجلًا لا يسمح لشارلوت بالهروب من قبضته، وكانت تعلم أنه لو اكتشف اختفاءها، لاقتحم المكان فورًا. أن ينتظر هذا القدر كان، بحساباته، صبرًا استثنائيًا.
“هل كوينسي بالداخل؟” سألت شارلوت بنبرة متعبة.
“نعم، سيدتي. طلب مني إحضاركِ فور عودتكِ.”
“حسنًا، يجب أن أذهب إليه.”
تمتمت شارلوت بصوت يشبه التنهد، وهي تشعر بثقل يعتصر صدرها بالفعل، كما لو كانت تستعد لمواجهة عاصفة قادمة.
***
كما توقعت، كان كوينسي في حالة مزاجية سيئة للغاية. لم يكن وجهه متجهمًا أو عابسًا، فهو دائمًا يرتدي ابتسامة عندما يواجه شارلوت.
“أخيرًا أراكِ، شارلوت.”
لكن الابتسامة على شفتيه لم تخدعها. كانت عيناها الثاقبتان تلتقطان البرودة والتوتر في نظرته، كما لو كان يخفي غضبًا عميقًا تحت قناع المجاملة. لكن هذا لم يكن سببًا كافيًا لتتراجع أو تخاف.
“لقد مر وقت طويل، كوينسي. هل كل شيء على ما يرام هنا؟”.
“مع وجودي، هل تظنين أن شيئًا سيحدث؟ لا شيء يُذكر، سوى أنني كنت مشغولًا بتسوية الفوضى التي تسببتِ بها.”
“فوضى تسببتُ بها؟ تحدث بوضوح، كوينسي. إنها الفوضى التي تسببتَ بها أنت!”.
تلاشت الابتسامة قليلًا من وجه كوينسي، لكنه حافظ على هدوئه.
“ماذا قلتِ؟”
“سرقتَ فريسيو إدوارد، أليس كذلك؟ لهذا ذهبتُ إلى ديسولييه لتسوية الأمر. لم يكن والدي ليفعل ذلك من تلقاء نفسه، لذا يجب أن تكون أنت من فعلها، أليس كذلك؟”.
“إذا لم يكن لديكِ دليل، أرجو ألا تتهميني بناءً على مجرد شكوك.”
“ألم تقل أنتَ يومًا إن الشكوك أحيانًا تكون أقوى من أي دليل؟”.
“إذن، لمَ لم تطالبيني بإعادة فريسيو؟”.
“وهل كنتَ ستعيده لو طلبتُ؟”.
“بالطبع، إنه طلبكِ.”
ابتسم كوينسي بلطف، كما لو كان وصيًا صبورًا يتعامل مع طفلة متمردة. اقترب منها ووضع يده على كتفها، قائلًا: “اعلمي أنني دائمًا أتصرف لصالحكِ، شارل.”
كانت كلماته دافئة، لكنها تخفي نية خبيثة، كما لو كان يحاول تهدئتها بينما يحكم قبضته عليها.
“والدكِ غاضب جدًا بسبب ما فعلتِه في ديسولييه. لو لم أتدخل في الوقت المناسب، لكان من الصعب احتواء الموقف.”
في الحقيقة، دومينيك لم يكن مجرد “غاضب”. كان في حالة من الغضب الشديد لدرجة أنه لو كانت شارلوت أمامه، لربما ضربها دون تردد.
“أخبرتُ والدكِ أنكِ كنتِ تحاولين كسب ود إدوارد، لكن الأمور تعقدت. لحسن الحظ، لم يكن يعلم أنكِ كنتِ تخططين لشيء في ديسولييه، وإلا لما كان هناك مجال للدفاع عنكِ.”
كانت شارلوت تعلم جيدًا أنها استغلت جهل والدها لتتمكن من تنفيذ خططها دون أن يُكتشف أمرها.
“كم مرة أخبرتكِ أن تتصلي بي قبل القيام بمثل هذه الأمور؟ تختفين دون أي تواصل، تتركين كل شيء وراءك، ثم تأتي أخبار مفاجئة تجعلني أقلق!”.
“كان الأمر عاجلًا، لم يكن لدي وقت للتواصل. لهذا تركتُ سيلفيا هنا، أليس كذلك؟”.
“حسنًا، أتفهم. أعتذر عن تدخلي في شؤون إدوارد دون إذنكِ. بدا لي أنكِ قلقة بشأن مسألة الزواج، فأردتُ مساعدتكِ، لكن يبدو أنني فشلت. في المرة القادمة-“.
“لا، لا توجد مرة قادمة.”
قاطعته شارلوت بحدة، ونظرتها تخترق عينيه:”كما قلتُ مرارًا، لا تتدخل في شؤون إدوارد!”.
ضيّق كوينسي عينيه، وسأل بهدوء مخيف:”لماذا؟”.
“لأنهم عائلة لا جدوى من العبث بها. إنهم لا يتوافقون معنا، ولا يوجد شيء نكسبه منهم.”
“هذا كل شيء؟ لا يوجد سبب آخر؟”.
تقابلت عيون شارلوت وكوينسي في لحظة توتر مشحونة، كأن الهواء بينهما يشتعل. لكن هذا التوتر لم يدم طويلًا، إذ سرعان ما ضحك كوينسي وابتسم بنعومة مصطنعة.
“حسنًا، أنتِ محقة. لن أعبث بإدوارد بعد الآن.”
“بعد الآن؟”.
“كما قلتُ، أخبرتُ والدكِ أنكِ منشغلة بمحاولة إتمام زواج مع إدوارد.”
لكن المشكلة كانت أن الأمور كانت تسير في الاتجاه المعاكس تمامًا.
“لاحظتُ أن إدوارد باتوا قريبين جدًا من عائلة لافيروز مؤخرًا. لا أعلم إن كانوا يخططون لزواج معهم، لكن هذا سيسبب مشكلة.”
إذا لم تكن الأمور تبدو متسقة مع الذريعة التي قدمها كوينسي، فسيثير ذلك الشكوك حتمًا.
“لذلك، اتخذتُ بعض الإجراءات. ليست بالأمر الكبير، ولم أعبث بإدوارد مباشرة.”
لكن قبل أن تطمئن شارلوت، أضاف كوينسي جملة جعلت قلبها يهوي إلى قاع صدرها:”لقد أعطيتُ أديلين لافيروز سمًا.”
***
من أين بدأ كل شيء ينهار؟. هل كان خطأها أنها أشركت كوينسي في الأمر؟. أم أنها تورطت كثيرًا في شؤون ديسولييه؟.
‘لكن كل ذلك كان لا مفر منه.’
بدون كوينسي، لما استطاعت الإفلات من عيون دومينيك الحادة. وبدون تدخلها في ديسولييه، لكان ألفونسو غارقًا في المزيد من الهموم والمشاكل.
بالطبع، كان بإمكانها وضع أشخاص لمراقبة كوينسي، لكن: :لو فعلتُ ذلك، لكان اكتشفني أسرع.’
كانت شارلوت قد قطعت عمدًا كل قنوات الاتصال لتضمن أن نوها لن تجدها. كانت تعلم أن كوينسي لا يريد زواجها، وأنه لا يتحرك إلا إذا كان هناك مكسب واضح. لم تتوقع أبدًا أنه سيذهب إلى هذا الحد، وبالأخص باستهداف أديلين مباشرة بطريقة وحشية كهذه.
عندما سمعت كلمات كوينسي، شعرت شارلوت وكأنها تلقت ضربة قوية على رأسها، تاركة إياها في حالة ذهول: “ماذا؟”.
“ليس سمًا قاتلًا، فقط سيجعلها عاجزة عن الحركة لبعض الوقت. ليس بالأمر الكبير، أليس كذلك؟”.
كان السم كافيًا لإبقائها طريحة الفراش لمدة شهر تقريبًا، وهو ما يكفي لتعطيل خطط زواج ألفونسو.
بالنسبة لنوها، التي اعتادت على التخلص من العقبات بالقتل، كان هذا تصرفًا “رحيمًا” بمعاييرهم القاسية.
لكن المشكلة كانت أن الوقت لم يكن في صالح ألفونسو. شارلوت كانت تعرف ذلك جيدًا من خلال ما أخبرها به، فلم يكن هناك حاجة لمزيد من التأكيد.
وكوينسي، بلا شك، كان يعرف هذا أيضًا. لكنه ببساطة لم يهتم بظروف ألفونسو أو معاناته.
“زواج دوق إدوارد ليس شأننا. المهم ألا تتزوجي منه، أليس كذلك؟”.
“لذلك… أعطيتَ أديلين لافيروز سمًا؟”.
“إنه الخيار الأكثر راحة وتأكيدًا.”
نظرة كوينسي الهادئة، وكأنه يتحدث عن أمر عادي، أثارت غضبًا حارقًا في أعماق شارلوت. شعرت بألم حاد يمزقها من الداخل، كما لو كانت نار تشتعل في صدرها. لم تستطع الوقوف ثابتة، فقد كان شعورها بالذنب والحزن يثقل كاهلها.
كل ما أرادته كان إسعاد ألفونسو، أن ترى ابتسامة على وجهه ولو لمرة واحدة. فلماذا تبدو الأمور وكأنها تدمر حياته مرة أخرى؟.
~~~
لا تنسوا كومنتاتكم الحلوة يلي تخليني استمتع بالتنزيل
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
التعليقات لهذا الفصل " 38"