– كيفية إنهاء عقد زواج بشكل مثالي.
الفصل الثامن والعشرون
تحت وطأة كلمات شارلوت الحادة، اندفعت الفتيات اللواتي بدت عليهن علامات الذعر لتبرير موقفهن، وهن يتلعثمن في كلماتهن كمن يحاول إنقاذ نفسه من مصير وشيك: “نحن… لم نقصد ذلك على الإطلاق!” بدأت إحداهن بنبرة مرتعشة، وهي تلوح بيديها في محاولة يائسة للدفاع عن نفسها.
“يمكننا أن نشرح كل شيء!” أضافت أخرى بنبرة محمومة، وهي تشير بإصبع مرتجف نحو قائدة المجموعة. “كل هذا من تدبير الآنسة لوتشي! نحن بريئات تماماً، لم نكن سوى ضحايا خطتها!”.
لكن ليزالي كانت أسرع منهن. رفعت رأسها بثقة متجددة، ونادَت بصوتٍ عالٍ وهي تلوح بيدها بحركة آمرة: “كبير الخدم! كيف يُعقل أن يكون القصر مكتظاً بهذا العدد من الضيوف غير المرغوب فيهم وأنتم تقفون مكتوفي الأيدي؟ أخرجوهم فوراً!”.
“الآنسة ديسولييه!” صرخت إحدى الفتيات في ذعر، وهي تمسك بذراع لوتشي كمن يتشبث بطوق نجاة. “اعتذري الآن، وإلا سنُطرد جميعاً!”.
“نعم، افعلي شيئاً قبل أن نُهان أكثر!” أضافت أخرى بنبرة يائسة، وهي ترمق ليسالي بنظرة مليئة بالرجاء.
لكن الآنية لوتشي، رغم ملامحها التي كشفت عن هزيمتها، رفعت رأسها بتحدٍ وقالت بنبرة متعجرفة: “اتركوني! لم أقل شيئاً لم يكن صحيحاً!” ثم التفتت إلى ليزالي بنظرة مليئة بالغرور: “الآنسة ديسولييه، قد تبدين متعجرفة الآن، لكن دعينا نرى كم ستستمر هذه الثقة! هل تعتقدين حقاً أن الآنسة نوها ستبقى إلى جانبك إلى الأبد؟”.
رمقت شارلوت بنظرة جانبية مليئة بالسخرية، وأضافت: “الجميع يعرف سمعتها كغريبة هنا! إنها تتخلى حتى عن أقرب المقربين إليها دون أن ترمش! ستُتركين وحيدة عاجلاً أم آجلاً، وعندها لن ينفع الندم!”.
ردت ليزالي بحدة، وهي تقف بثبات إلى جانب شارلوت: “حسناً، سنرى ذلك عندما يحدث!”.
ضحكت الآنسة لوتشي بسخرية وهي تهز رأسها: “آه، كم أنتِ واثقة! هل تعتقدين أنكِ تخفين شيئاً بكل هذه المجوهرات المبهرجة؟” ثم أضافت بنبرة خبيثة، وكأنها تلقي قنبلة: “الجميع يعرف الحقيقة! عائلة ديسولييه غارقة في الديون!”.
***
في الحقيقة، لم تكن عائلة ديسولييه غارقة في الديون بالمعنى الحرفي، بل كانت على شفا هاوية مالية خطيرة. لتوسيع نطاق أعمالها التجارية، اقترضت العائلة مبلغاً ضخماً من المعبد تحت مسمى “استثمار”، لكنه في الواقع كان قرضاً بفوائد مرتفعة. وكان الضمان هو جبل نوحوآ، أحد الأصول العائلية الثمينة التي توارثتها عبر الأجيال.
في قصر نوها المهيب في العاصمة، جلس دومينيك نوها، سيد الأسرة الحالي، في مكتبه الفاخر المزين بالخشب الداكن والستائر الحريرية. كان يمضغ سيجاراً مقطوعاً، ونظراته مليئة بالمكر وهو يتمتم: “على السطح، يبدو جبل نوحوآ مجرد جبل عادي، لكن المعلومات التي حصلنا عليها تؤكد أنه يخفي إرث لافيرن. لم يعد استخراج هذا الإرث بعيداً عن متناولنا، خاصة وأن عائلة ديسولييه تسير بمحض إرادتها نحو الدمار!”.
أومأ كوينسي، ابنه، وهو يقف بجانبه، واضعاً قاطع السيجار في جيبه بعد أن أصدر صوتاً خفيفاً. “هذا خبر ممتاز، خاصة بعد خيبة أمل ألويس.”
“بالمناسبة، لقد تخلصت من ذلك الأحمق الذي جلب لنا تلك المعلومات الخاطئة عن ألويس،” قال دومينيك بنبرة ساخطة وهو ينفث دخان السيجار في الهواء. “لا أدفع المال لمن يجلب إشاعات فارغة!”.
تذكر دومينيك التقرير الذي تلقاه من كوينسي عند وصوله إلى العاصمة:”ألويس لا تحتوي على إرث لافيرن، يا أبي.”
“ماذا؟ هل أنت متأكد تماماً؟”.
“لقد أكد روهان ألويس ذلك بنفسه، حتى وهو يتوسل. يبدو أنها كانت مجرد إشاعة.”
أضاف كوينسي بابتسامة ماكرة: “كنت أخطط لاستخدام أي ذريعة لفتح قبو ألويس، لكن لحسن الحظ، صفع روهان ألويس شارلوت، مما جعل الأمور أسهل بكثير.”
“وأين شارلوت الآن؟” سأل دومينيك، وهو يرفع حاجباً.
“أرسلتها إلى داوين،” رد كوينسي. “لقد نشر روهان ألويس بعض القصص هنا وهناك، ولم أرد أن تثير الشائعات ضجة، فطلبت منها البقاء بعيداً لبضعة أيام.”
لم يسأل دومينيك المزيد عن موضوع الزواج. ربما كان يثق بقدرة شارلوت على إتمام مهامها كما تفعل دائماً، أو ربما كان هوسه بإرث لافيرن قد أعمى عينيه عن أي شيء آخر. كان دومينيك والمعبد يبحثان بجنون عن إرث لافيرن لمواجهة السلطة الإمبراطورية المتزايدة بقيادة الإمبراطور بينوا.
“لقد كنت خارج القصر مؤخراً بسبب ديسولييه” قال دومينيك بنبرة واثقة، وهو يميل إلى الخلف في كرسيه. “أعتقد أن زيارة أخرى واحدة ستكون كافية لضمان انتقال جبل نوحوآ إلى أيدينا.”
“يبدو أن الأمور تسير على ما يرام هذه المرة،” علق كوينسي، وهو يراقب والده بنظرة حذرة.
“بالطبع!” رد دومينيك بضحكة خبيثة، وهو يفرك يديه بنشوة. “هؤلاء الحمقى! عندما جاؤوا ليطلبوا القرض، غافلين عن حقيقة أن استثمارهم فاسد، كدت أنفجر ضحكاً وأنا أحاول كبح نفسي!”.
أضاف بنبرة مليئة بالمكر: “ألم أقل دائماً؟ الإنسان الذي يحركه الطمع هو الأسهل بالتحكم به. يكفي أن تدفعه قليلاً ليندفع بنفسه نحو الطعم!”.
كانت هذه إحدى الحيل الكلاسيكية التي يستخدمها المعبد ونوها. يختارون هدفاً، ثم ينشرون شائعات من خلال أشخاص مقربين عن فرصة استثمارية مغرية. بالطبع، تكون هذه الفرصة وهمية. الهدف، دون أن يدرك ذلك، يقترض مبالغ طائلة من المعبد، مدعماً بضمانات مثل ممتلكاته. وعندما يتضح أن الاستثمار وهمي، تُصادر الضمانات.
في الواقع، المعبد ليس سوى واجهة، والعملية برمتها تُدار من قبل عائلة نوها، مما يعني أن الضمانات تنتقل إلى أيديهم في النهاية.
“كم ديون ديسولييه؟” سأل كوينسي، وهو يميل إلى الأمام بفضول.
“التفاصيل في الدفاتر، لكن من المرجح أن يضطروا لبيع عدة مناجم لتسديدها،” أجاب دومينيك بثقة. “لكنهم بدلاً من ذلك، سيفضلون تسليم جبل نوحوآ كضمان.” ابتسم ابتسامة راضية وأضاف: “إنه الآن بين أيدينا تقريباً.”
توقف كوينسي للحظة، وكأنه يفكر بعمق، ثم قال بنبرة حذرة: “أبي، ماذا لو تمكن ديسولييه من تسديد ديونهم؟”.
“مستحيل!” رد دومينيك بضحكة ساخرة، وهو يهز رأسه. “كيف لهم أن يسددوا مثل هذا المبلغ؟”.
“ربما يجدون زبوناً ثرياً وساذجاً؟” اقترح كوينسي. “أو يقررون التنقيب في جبل نوحوآ؟”.
“هه! مستحيل!” رد دومينيك بنبرة واثقة. “جبل نوحوآ يبدو مجرد جبل عادي. ديسولييه، التي بالكاد تستطيع تحمل ديونها، لن تستثمر في التنقيب هناك. وبالنسبة لإرث لافيرن، فهو مجرد تحف قديمة بالنسبة لمن لا يعرف قيمتها. لن يجنوا من بيعها شيئاً.”
“صحيح، هذا منطقي،” أومأ كوينسي، لكنه بدا غارقاً في أفكاره.
في الواقع، الطريقة الوحيدة للتأكد من إرث لافيرن هي العثور على شعار لافيرن أو النقوش بلغتهم القديمة. لكن قلة قليلة من النخبة فقط كانت قادرة على التعرف عليها، مما جعل العثور على هذا الإرث تحدياً شبه مستحيل. حتى عائلة نوها كانت تعتمد على سجلات قديمة وتخمينات لتتبعه.
“توقف عن هذا الكلام الغبي واذهب لتحضير الشاي،” قال دومينيك بنبرة متذمرة، وهو يلوح بيده. “مؤخراً، معدتي ليست على ما يرام، والشاي الذي تحضره هو الوحيد الذي يريحني.”
“يسعدني أن هديتي تعجبك،” رد كوينسي بابتسامة مصطنعة، وهو يتجه نحو الباب. لكن بمجرد أن أغلق الباب خلفه، اختفت الابتسامة من وجهه، تاركة تعبيراً جافاً وبارداً كالجليد.
“ديسولييه… ديسولييه…” تمتم في نفسه وهو يفكر بعمق. على عكس والده، لم يكن كوينسي مهتماً بإرث لافيرن. بالنسبة له، السلطة التي تعتمد على كنوز الماضي كانت هشة ومحكوم عليها بالانهيار. حتى الإمبراطور الحالي، بينوا، كان يعرف ذلك، ولهذا أرسل الدوق إدوارد إلى ساحات القتال.
:الماضي سيؤدي إلى هلاك من يعتمدون عليه،’ فكر كوينسي. :لذا، لا يهم ما سيحدث لجبل نوحوآ.’
كان يعلم بالفعل أن إدوارد تواصلوا مع ديسولييه بشأن فريسيو، لأنه هو من أرسل شخصاً ليحذرهم مسبقاً.
‘هل سيدفع إدوارد ديون ديسولييه نيابة عنهم؟ أم أن ديسولييه ستخسر جبل نوحوآ لصالح نوها كما هو مخطط؟’ تساءل كوينسي في نفسه.
“في كلتا الحالتين، سينتهي الأمر قريباً.”
مهما كان النتيجة، كان إدوارد سيخسر بشكل كبير، وسيحمل ضغينة ضد نوها. وهذا سيجعل ألفونسو يفقد أي دافع للتقدم بعرض زواج لشارلوت.
نزل كوينسي السلالم، وأشار بيده إلى كبير الخدم الذي استقبله بانحناءة: “أبي يطلب الشاي، حضره فوراً.”
“حاضر، سيدي الشاب،” رد كبير الخدم بطاعة.
“وغداً، سيزور أبي ديسولييه، فجهز كل شيء. أرسل أيضاً رسالة إلى شارلوت. حان وقت عودتها.”
كان كوينسي يعتقد أن كل شيء يسير وفق الخطة. لكن عندما عاد كبير الخدم برسالة جديدة، تغيرت ملامحه فجأة:
“سيدي الشاب، لقد زرت الفيلا كما طلبت، لكن الآنسة لم تكن هناك. قال الحارس إنها غادرت منذ أيام.”
“وأضاف السائق أنها كانت على تواصل مع رجل قبل مغادرتها. من وصفه، يبدو أنه شاب ذو شعر فضي… ربما الدوق إدوارد.”
تجمد كوينسي في مكانه. لقد أدرك أن شارلوت قد خرجت عن سيطرته تماماً.
~~~
لا تنسوا كومنتاتكم الحلوة يلي تخليني استمتع بالتنزيل
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
التعليقات لهذا الفصل " 28"