– كيفية إنهاء عقد زواج بشكل مثالي.
الفصل السادس والعشرون
كانت كلمات شارلوت غير متوقعة للغاية، حتى أن ألفونسو عجز عن الحديث للحظة وهو يحدق بها بدهشة. لم يستطع فوراً استيعاب السبب وراء قولها لمثل هذه الكلمات.
:السعادة؟’ تمتم في نفسه، وهو يحاول فهم مغزى كلامها.
“إنه عذر تقليدي للغاية لرفض عرض زواج،” قال ألفونسو أخيراً بنبرة تحمل مزيجاً من السخرية والحيرة.
ردت شارلوت بهدوء وهي تنظر إليه بعيون صافية: “إذا كنت ترى الأمر هكذا، فلن أجد ما أضيفه، لكنني جادة تماماً.”
“هل تعتقدين حقاً أن زواجي من أديلين لافيروز سيجلب لي السعادة؟” سأل ألفونسو وهو يرفع حاجباً، عيناه تتفحصان وجهها بحثاً عن أي تلميح للنية الحقيقية.
ابتسمت شارلوت بخفة وهي تميل رأسها قليلاً: “بالطبع! بل أنا متأكدة من ذلك. أديلين ستكون خياراً أفضل مني بكثير. أضمن لك، زواجك منها سيجعلك سعيداً.”
نظرة ألفونسو إلى شارلوت أصبحت الآن كمن يحدق في بحيرة تغلي بالحمم، مليئة بالغموض والتناقض. كانت عيناه تعكسان حيرة عميقة، وكأنه يحاول فك لغز شخصية لا يمكن التنبؤ بها.
لكن شارلوت لم تبالِ. بدا وكأنها تخلت بالفعل عن فكرة أن يفهمها أحد. بنبرة هادئة لكنها قاطعة، قالت: “ألفونسو، أنا أتمنى لك السعادة حقاً.”
كيف يمكن لها أن تقول مثل هذا الكلام إن لم تكن صادقة؟.
غادرت شارلوت بعد أن تركت كلماتها تتردد في الهواء، دون أن تمنح ألفونسو فرصة لاستيعاب الثقل العاطفي الذي حملته.
‘ما الذي تفكر فيه بحق السماء؟’ تساءل ألفونسو في نفسه، وهو يحدق في الفراغ الذي تركته. كلمة “السعادة” بدت عادية للغاية، لكن بساطتها هي ما جعلته يشعر بمزيد من الحيرة. الشيء الوحيد الذي كان متأكداً منه هو أن شارلوت لم تكن تكذب. كانت كلماتها تنضح بالصدق، حتى لو كانت تحمل طابعاً غامضاً، كما لو أن شبحاً متجسداً بشعر أحمر ناري يتحدث إليه.
قرر ألفونسو التوقف عن التفكير فيها. كان قد اعتاد، بفضل سنواته الطويلة في ساحات القتال، على قطع أي تساؤل غامض أو غير مؤكد. في الحرب، لا مكان إلا للأمور الواضحة والمحسومة، لأن التردد قد يكلفك حياتك.
“لن تخونني. هذا هو تقديري لها،” قال ألفونسو بنبرة حاسمة، موجهاً كلامه إلى لودفيغ.
رد لودفيغ بحذر: “إذا كانت هذه رؤيتك، سيادتك، فسأقبل بها. لكن، ألا تعتقد أن هناك احتمالاً لفشل شارلوت نوها؟”
“بالطبع، أضع هذا الاحتمال في الحسبان،” أجاب ألفونسو بهدوء. كان من البديهي أن أي خطة يجب أن تتضمن استعداداً لاحتمال الفشل. لو كان ألفونسو يعتمد كلياً على شارلوت، لما أمر لودفيغ بإجراء تحقيقات إضافية في الأصل.
ثم أضاف بنبرة تحمل شيئاً من الثقة: “لكن، لا أعتقد أنها ستفشل.”
“ألستَ تثق بها أكثر من اللازم؟” سأل لودفيغ بنبرة متشككة.
ضحك ألفونسو بخفة: “الثقة الزائدة؟ ربما العكس تماماً. ما يقلقني هو أنني ربما أقلل من شأنها أكثر مما ينبغي.”
“وما الذي تستند إليه هذه الثقة؟” سأل لودفيغ، وهو يحاول فهم منطق سيده.
“ثقتي في شرها،” أجاب ألفونسو بنبرة غامضة. توقف للحظة، ثم تابع: “أؤمن أن شارلوت نوها إنسانة شريرة. إنها ماكرة، متعجرفة، ومستعدة لفعل أي شيء لتحقيق أهدافها، دون أن ترمش عينها.”
وأضاف بنبرة باردة: “ليس هذا فقط. إنها قادرة على اختلاق الأكاذيب في الحال دون أن تظهر أي علامة تردد، ولا تشعر بأي وخز ضمير عندما تستغل الآخرين أو تخدعهم. إنها من النوع الذي يجعلك تشعر بعدم الارتياح حتى لو كانت حليفة.”
ثم ابتسم ابتسامة خفيفة: “لكن مثل هؤلاء الأشخاص نادراً ما يفشلون. لا يوجد نظام أو قاعدة يمكن أن توقفهم. فما الذي يمكن أن يعيقهم عن تحقيق ما يريدون؟”.
عبس لودفيغ وقال: “مع كل الاحترام، سيادتك، كلما استمعت إليك، زادت حيرتي. إذا كانت بهذا السوء، ألم يكن من الأفضل تجنب العمل معها تماماً؟”.
“من الناحية العقلانية، نعم، هذا صحيح،” أقر ألفونسو. في الواقع، كان هو نفسه يتبنى هذا الموقف في البداية. كان متردداً في التعامل مع شخصية مثل شارلوت حتى رآها في مناسبة رعاية مابيل.
لقد سمع كلماتها بنفسه يومها:
“لا يهمني ما هي ظروفكِ. إذا أردتِ إخفاء هويتكِ، فافعلي ما أقوله.”
“لا يمكنني الخوض في التفاصيل، لكن دعنا نقول إن الأمر يتعلق بالحب.”
لكن ما رآه منها مع ميليا كان شيئاً مختلفاً. على الرغم من سمعتها كـ”شريرة نوها” القاسية، أظهرت شارلوت نوعاً من الرحمة والتسامح تجاه ميليا. هذا الجانب منها فتح أمام ألفونسو إمكانية جديدة لفهم شخصيتها.
“لقد وعدتني شارلوت أنها ستتعامل مع الأمر دون اللجوء إلى أي أعمال إجرامية،” قال ألفونسو.
“وهل تصدق ذلك؟” سأل لودفيغ بنبرة متشككة.
“لا أصدقها تماماً. أنا فقط أختبرها،” أجاب ألفونسو بنبرة هادئة لكنها حازمة.
كان قرار ألفونسو واضحاً: هو بحاجة إلى شارلوت، لكنه بحاجة أيضاً إلى اختبارها. هل هي فعلاً الشخصية التي يمكن أن تكون كما يأمل؟.
“عندما قلت إنني أضع احتمال فشلها في الحسبان، لم أكن أعني فشلها في تحقيق الهدف،” أوضح ألفونسو. “بل كنت أعني احتمال أن تخون الوعد الذي قطعته لي.”
وإذا حدث ذلك، فسيكون كل شيء كما تريد شارلوت. لأنه عندها، لن يلجأ ألفونسو إلى مساعدتها مجدداً.
“أتمنى ألا يصل الأمر إلى هذا الحد،” قال ألفونسو بنبرة هادئة وهو ينظر إلى الظلام خارج النافذة.
***
في قصر ديسولييه، فتح الفارس جان-جاك لوران، الذي كُلف بمرافقة شارلوت مؤقتاً، رسالة وصلته من لودفيغ. عبس وهو يقرأ المحتوى: [جان، اكتب تقييماً مفصلاً عن انطباعك المباشر عن الآنسة نوها. -لودفيغ-]
“ما هذا بحق السماء؟” تمتم جان-جاك بنزعاج. كان يتوقع أمراً عاجلاً من سيده، خاصة أن الرسالة وصلت عبر حمامة بريد من الدرجة الأولى، وهي لا تُستخدم إلا في الحالات الحرجة. لكن أن يُرسل لودفيغ مثل هذا الطلب التافه؟. ‘يجعلو الحمامة تطير حتى تنهار من أجل هذا؟’ فكر بنزعاج.
بينما كان جان-جاك يعبس وهو يحشر الرسالة المجعدة في جيبه، سمع صوتاً مألوفاً من خلفه. كانت شارلوت نوها، التي كان مكلفاً بمرافقتها.
“سيد جان-جاك؟ هل هناك مشكلة مع الرسالة؟” سألت شارلوت بنبرة فضولية وهي تقترب.
“لا شيء يستحق الذكر,” رد جان-جاك بسرعة وهو يحاول إخفاء انزعاجه. “يبدو أن الرسالة أُرسلت بالخطأ.”
“حقاً؟ هذا نادر. هل تحتاج إلى وقت للرد عليها؟” سألت بابتسامة خفيفة.
“لا داعي للرد. الرسالة موجهة إلى الشخص الخطأ على أي حال،” أجاب وهو يحاول تغيير الموضوع. “ما الذي تريدينه؟”.
“حان وقت الخروج،” قالت شارلوت وهي ترتدي زياً أنيقاً للخروج، كانت قد اختارته بعناية فائقة. “عليّ حضور حفل الشاي في ديسولييه.”
كانت هذه لحظة قبولها لتحدي ليزالي ديسولييه.
***
قبل حضور شارلوت لحفل ديسولييه كانت شارلوت قد ناقشت خطتها مع ألفونسو مسبقاً.
“الغرض من حضوري لحفل ديسولييه واضح وبسيط،” قالت شارلوت بنبرة واثقة وهي ترتشف من فنجان الشاي.
“التقرب من ليزالي ديسولييه، أليس كذلك؟” سأل ألفونسو.
“بالضبط،” أومأت شارلوت برأسها. “على السطح، قد يبدو الأمر مجرد محاولة لكسب ودها، لكنه ليس بهذه البساطة.”
أوضحت شارلوت أن الفتيات اللواتي نشأن في عائلات ثرية مثل ديسولييه غالباً ما يتمتعن بكبرياء عالٍ. “قد يسهل الاقتراب منهن ظاهرياً، لكن هذا التقارب يبقى سطحياً. الحصول على معلومات حقيقية منهن أمر صعب للغاية.”
كانت تعرف ذلك من تجاربها السابقة في نوها. فالسيدات في مثل هذه الدوائر يبدين الود ظاهرياً، لكنهن في الداخل يحتفظن بحذر شديد وروح تنافسية لا تتوقف.
“هناك نوعان من الفتيات في هذه المواقف،” أضافت شارلوت. “النوع الأول يحاول فرض هيمنته واستبعاد الغريب. والنوع الثاني يسعى للتنافس معه.”
“وأي نوع تفضلين؟” سأل ألفونسو.
“النوع الأول أسهل. يمكنني التعامل معهن بسهولة من خلال كسر كبريائهن بلطف. أما إذا اختارت ليزالي التنافس، فهذا ليس بالأمر الصعب أيضاً.”
ابتسمت شارلوت بخبث وهي تشرح: “إذا حاولت ليزالي ديسولييه التنافس معي بدافع الغيرة، فهل تعتقد أنها الوحيدة التي ستشعر بهذا؟ في مثل هذه الدوائر، الجميع يراقب الجميع. عندما أدخل كغريبة، سأكون بمثابة حجر يُلقى في بركة راكدة.”
وأضافت وهي تنقر طرف فنجانها برفق ليصدر صوتاً خفيفاً: “عندما تبدأ واحدة في تضخيم نفسها، يتبعها الآخرون بدافع التنافس. يبدأ الجميع في محاولة إثبات أنفسهم، وفي النهاية، تنهار التراتبية المستقرة، ويظهر الخاسر.”
“ومن سيكون الخاسر؟” سأل ألفونسو.
“الأمر بسيط'” أجابت شارلوت بابتسامة ماكرة. “الذي يبدأ التنافس أولاً ويبالغ فيه هو من يسقط.”
كل ما كان عليها فعله هو التقاط القطع التي تنهار من هذا الصراع.
وهذا بالضبط ما حدث.
في حفل الشاي، ترددت أصوات الجدال الحامي:
“جاهلة متعجرفة! هل انتهيت من الكلام؟”.
“أنتِ من بدأتِ بتحقير مجوهراتي ووصفتيها بالرخيصة!”.
“وهل نسيتِ عندما وصفتِني بفتاة المجوهرات؟”.
‘يا لهم من سرعة!’ فكرت شارلوت وهي تقف في ظلال الرواق، تراقب المشهد بابتسامة خفيفة. ‘في زيارتي الثانية فقط، وها هي الفوضى تعم!’
~~~
لا تنسوا كومنتاتكم الحلوة يلي تخليني استمتع بالتنزيل
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
التعليقات لهذا الفصل " 26"