– كيفية إنهاء عقد زواج بشكل مثالي.
الفصل الثاني
في الحقيقة، إذا أمعنا التفكير، فإن وقوع شارلوت في حب ألفونسو هو الأمر الأكثر إثارة للدهشة.
شارلوت نوها لم تكن مجرد امرأة عادية. لقد نشأت في عائلة نوها، حيث كانت ترى الجميع – رجالًا ونساءً، صغارًا وكبارًا – مجرد أدوات يمكن استغلالها لتحقيق أهدافها.
كانت طبيعتها هذه راسخة، مشبعة بتقاليد عائلتها القاسية. فمن يستطيع لومها؟ عائلة نوها، المعروفة بنزعتها الباردة واللا إنسانية، كانت تطرد حتى أقرب الأقرباء إذا فشلوا في خدمة مصالح العائلة، محرومين من اسمها الموقر. هكذا تربت شارلوت، وهكذا صيغت شخصيتها في بيئة لا تعرف الرحمة.
“لستُ بالشخصية التي تجذب الحب”، كانت شارلوت تقر بهذه الحقيقة بنبرةٍ خالية من العاطفة، متقبلةً طباعها القاسية دون أي ندم.
لذلك، حتى عندما وجدت نفسها واقعةً في حب ألفونسو بشكلٍ لا يمكن السيطرة عليه، لم تتوقع يومًا أن يبادلها ذلك الحب. لم تتأثر عندما كان يعبس كلما رآها، أو عندما كان ينطق بكلمات الرفض بصراحةٍ قاسية. حتى عندما علمت أنه أحب امرأةً أخرى غيرها، لم تفقد رباطة جأشها الخارجي.
‘أديلين لافيروز، أليس كذلك؟’ فكرت شارلوت، وهي تتذكر بوضوحٍ وجه تلك المرأة التي أحبها ألفونسو.
كانت أديلين امرأةً بشعرٍ قصير بلون القمح، تظهر غمازتان ساحرتان على وجنتيها عندما تبتسم. كانت مختلفة تمامًا عن شارلوت، ذات الشعر الأحمر الطويل والملامح الحادة التي تشع قوةً وغموضًا. لم يكن هناك أي تشابه بينهما، لا في المظهر ولا في الطباع.
‘كانت الفتاة التي رُشحت للزواج من ألفونسو في المرة الرابعة، أليس كذلك؟’ تذكرت شارلوت.
بعد أن أفسدت تلك الخطبة بنشر شائعاتٍ كاذبة، اضطر ألفونسو للزواج منها. بعد زواجهما، بدأت أديلين، التي تنتمي إلى عائلة لافيروز المتخصصة في تجارة المجوهرات، تظهر باستمرار مع ألفونسو. كانا يلتقيان بشكلٍ متكرر، ربما بسبب تعاون تجاري، لكن شارلوت لم تهتم يومًا بمعرفة التفاصيل.
كل ما علق بذهنها هو تلك الصورة: ألفونسو وأديلين يتجولان في الحديقة، يبدوان معًا أكثر انسجامًا منها هي، الزوجة الشرعية. كانا يبدوان كزوجين حقيقيين، بينما هي شعرت بأنها الغريبة في تلك الصورة.
ذات يوم، لم تستطع شارلوت كبح فضولها أو ربما غيرتها، فقررت مواجهة ألفونسو. دخلت مكتبه وسألته مباشرةً:
“بدوتما سعيدين معًا، ألفونسو.”
“لا أفهم عما تتحدثين.” رد بنبرةٍ باردة، وشفتاه مشدودتان في خطٍ مستقيم.
“تلك الفتاة.” أضافت شارلوت، غير مبالية برد فعله.
تجمدت ملامح ألفونسو، وسألها بنبرةٍ تحمل غضبًا مكبوتًا: “ماذا تعنين؟”
“هل تحبها؟” سألت شارلوت بجرأة، محدقةً في عينيه.
لم يكن هناك حاجة لتوضيح من تقصد بـ”تلك الفتاة”. تعبير ألفونسو المتجهم فور سماع السؤال كان كافيًا لتأكيد ذلك. بدا كمن سمع كلامًا مؤلمًا، كمن يعاني من جرحٍ عميق.
“ما الذي تحاولين الوصول إليه بسؤالكِ هذا؟” رد بحدة.
“أنا فقط فضولية. هل تحبها؟” كررت سؤالها بنبرةٍ هادئة لكنها ملحة.
“وماذا لو قلت إنني أحبها؟ هل ستنشرين شائعةً أخرى، كما فعلتِ معي؟” قالها بنبرةٍ مفعمة بالمرارة.
“سألتُ فقط، لا أفهم سبب غضبك.” ردت شارلوت بهدوءٍ متعمد.
“هي لا علاقة لها بالأمر، فلا تعبثي معها!” قال ألفونسو بنبرةٍ تحذيرية.
“لا علاقة لها؟ أعتقد أن “العشيقة” هي الكلمة الأنسب، أليس كذلك؟” ردت شارلوت بسخرية خفيفة.
“شارلوت!” قال اسمها بنبرةٍ حادة، كمن يطالبها بالتوقف، وجهه يعكس غضبًا وألمًا. لكنه، حتى تلك اللحظة، لم ينكر شيئًا.
ثم، بنبرةٍ مكسورة، أضاف: “توقفي عن جعلي بائسًا.”
هل كان هناك اعترافٌ أقوى من هذا؟.
في تلك اللحظة، أرادت شارلوت أن تسأله: “هل أنا من جعلك بائسًا حقًا؟” لكنها لم تستطع نطق السؤال. كانت تخشى سماع تأكيده، تخشى مواجهة تناقضها الداخلي: كيف يمكنها أن تحب رجلًا جعلته تعيسًا؟.
في تلك الليلة، قررت شارلوت طلب الطلاق. لم يكن قرارها مدفوعًا بالغضب، بل برغبةٍ في تصحيح خطأها. أرادت أن تمنح ألفونسو حريته، أن تراه سعيدًا، حتى لو كان ذلك يعني أن يعيش مع امرأةٍ أخرى.
‘إذا انفصلت عن ألفونسو، سيعود كل شيء إلى نصابه.’ فكرت، وإن كان قلبها يتمزق عند هذا التخيل. لكنها اقتنعت بأن سعادته تستحق هذا التضحية.
‘الأب هو من أمرني بالزواج من ألفونسو.’ تذكرت شارلوت. لكن لحسن الحظ، كان دومينيك قد توفي خلال السنوات الثلاث الماضية، وتولى شقيقها غير الشقيق، كوينسي، الذي كان يعشقها، منصب رئيس الأسرة. لذا، لم تتوقع أن يكون الطلاق مشكلة كبيرة.
كتبت شارلوت رسالة إلى كوينسي تطلب منه الترتيب للطلاق. وبعد إرسال الرسالة، شعرت براحةٍ غريبة، كأنها تخلصت من عبءٍ ثقيل.
نعم، هكذا كانت تشعر.
حتى مرت أسبوعان، وحتى جاء اليوم الذي مات فيه ألفونسو مسمومًا بسمٍ مجهول المصدر.
***
*
“أنا آسف لقول هذا، سيدتي، لكن لا أمل في إنقاذ زوجك.”
“حاولنا استجواب المشتبه به لمعرفة من وراءه، لكنه انتحر قبل أن نبدأ. الآن، لا يمكننا تحديد الجاني…”.
سمٌ مجهول، مشتبه به ينتحر قبل الاستجواب، وألفونسو يغادر هذا العالم دون سابق إنذار.
كانت يداها ترتجفان وهي تفتح غطاء النعش الخشبي. لم يكن خوفها من رؤية جثة زوجها، بل من الأسلوب المألوف بشكلٍ مخيف للجريمة.
عندما رأت وجه ألفونسو الهادئ داخل النعش، أدركت شارلوت الحقيقة المرة. لم يكن بإمكانها إنكارها بعد الآن. هذا الأسلوب – السم المجهول، الانتحار المفاجئ – كان توقيع عائلة نوها. لم يكن هناك أي شك: عائلتها هي من قتلت ألفونسو.
اندفعت شارلوت إلى قصى عائلة نوها، دفعت بباب المكتب كاشفة عن وجهها والدموع تتدفق على وجنتيها، وصوتها المتهدج يرتجف وهي تسأل:
“لماذا قتلته؟”.
كان الغضب يشتعل في أعماقها كنارٍ لا تُطفأ.
“لماذا؟ هل كان يشكل خطرًا على العائلة؟ هل تحدى سلطتنا؟ ما السبب؟” صرخت، وهي تتشبث بأملٍ ضئيل في أن يكون هناك مبررٌ منطقي. كوينسي كان الشخص الوحيد الذي أحبته كعائلة، لذا حاولت تصديق أن هناك سببًا مقنعًا.
“كتبتُ في الرسالة أنني أحب ألفونسو. أخبرتك أنني أحبه!” قالتها بنبرةٍ مكسورة.
“لماذا قتلته؟ كان رجلًا لا ينسوني حتى في أصغر التفاصيل – لم يتركني أبدًا أنزل من العربة دون أن يمد يده لمساعدتي. حتى عندما كان الجميع يشيرون إليّ كشريرة، لم ينطق يومًا بكلمةٍ سيئة بحقي. لم أستطع حتى أن أبتسم أمامه بحرية، خوفًا من أن يكتشف مشاعري. فلماذا… لماذا فعلت هذا؟”.
“أنتِ من قلتِ إنكِ تريدين الطلاق، أليس كذلك؟” رد كوينسي بنبرةٍ هادئة بشكلٍ مخيف.
“ماذا؟”
“لو طلبتِ الطلاق فقط، لكان هناك تعقيدات – التعويضات، المشاكل القانونية. لكن قتله وأخذ إرث إدوارد كان الحل الأبسط.”
“هل هذا كل شيء؟ هذا هو السبب؟” صرخت شارلوت، وهي لا تصدق ما تسمعه.
“هل تسمينه ” هذا كل شيء”؟ هذه هي طريقة نوها، وأنتِ تعلمين ذلك جيدًا.” رد كوينسي بنبرةٍ واثقة.
“قلتُ لك إنني أحبه! أخبرتك أنني أحب ألفونسو!” صرخت شارلوت، وهي تشعر أن قلبها يتمزق.
“فكري بهدوء، شارل. كل هذا كان لمصلحتكِ. أعلم أنكِ تحبينه، لكن-“.
“إذا كنت تعلم، فلماذا فعلتها؟” قاطعته شارلوت، وعيناها تلمعان بالغضب كعيني أفعى. كانت تنظر إليه كمن يقف على حافة الهاوية. “علمتَ بحبي له، ومع ذلك قتلته! ثم تتجرأ على القول إن هذا كان لأجلي؟ لا، لقد فعلت هذا لمصلحة العائلة!”.
كيف يمكن لعائلتها، التي كرست حياتها لخدمتها، أن تقتل الرجل الذي أحبته؟ كتبت في رسالتها مراتٍ عديدة أنها تحبه، فكيف استطاعوا فعل هذا؟.
كانت دموعها تحرق وجنتيها كالنار، وكل قطرةٍ كانت كأنها تعصر دماء قلبها. هل كان البكاء بهذا الألم؟ هل كان موت شخصٍ عزيزٍ بهذا الرعب؟.
تمنت لو أن ما يتدفق منها هو الدم بدلًا من الدموع، لأن ذلك سيؤلمها هي فقط. تمنت لو أنها هي من ماتت بدلًا منه، لكان ألفونسو لا يزال يتنفس على هذه الأرض. تمنت لو أنها لم تلتقِ به، لو أنها لم تتزوجه. لو فعلت، لكان لا يزال على قيد الحياة.
شعرت بالدموع تنهمر كالمطر على وجنتيها، وعضت شفتيها بقوة حتى كادت تنزف.
“مُت، يا كوينسي.”
لأول مرة في حياتها، شعرت بالندم على انتمائها لعائلة نوها، التي كانت مصدر فخرها يومًا. كل لحظةٍ تفاخرت فيها بالعائلة بدت الآن كخطيئة.
“أحيانًا يكون الحب مأساة.” كانت هذه الكلمات تتردد في ذهنها كهمسٍ مؤلم.
“حبي هو من قتله.”
في تلك الليلة، بكت شارلوت حتى بح صوتها.
حفظت جثة ألفونسو في الثلج لمنع تحللها، وبدأت رحلةً عبر القارة بحثًا عن طريقة لإعادته إلى الحياة. لم تتوقف، حتى عندما شاب شعرها الأحمر الجميل، أو عندما دمرت يداها الرقيقتان من الإرهاق.
كانت أخطاؤها تطاردها كلما أغمضت عينيها. صوت ألفونسو، الرجل الذي علّمها الحب لأول مرة، كان يرن في أذنيها: “توقفي عن جعلي بائسًا.” كان صوته واضحًا جدًا، لكن صاحبه لم يعد موجودًا.
لم تستطع التوقف.
وفي النهاية، وجدت الإجابة.
“إعادة إنسانٍ إلى الحياة تتطلب ثمنًا باهظًا جدًا، سيدتي.”
~~~
لا تنسوا كومنتاتكم الحلوة يلي تخليني استمتع بالتنزيل
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
التعليقات لهذا الفصل " 2"