– كيفية إنهاء عقد زواج بشكل مثالي
الفصل التاسع عشر.
عندما تردد صدى اسمه في الأجواء، التفت ألفونسو إليها، وقد ضيّق ما بين حاجبيه قليلاً في حركة خفيفة. لم يكن تعبيره يحمل نفوراً بقدر ما بدا عليه الاستغراب والتساؤل.
“ألفونسو؟” كرر اسمه بنبرة متعجبة.
في تلك اللحظة، أدركت شارلوت أنها نادته بأريحية مفرطة، دون مراعاة للأطر الرسمية. كان اسم “ألفونسو” قد أصبح مألوفاً لها إلى درجة أنها نطقت به دون تفكير، كخطأ عفوي.
“آه… هذا خطأ،” قالت شارلوت بنبرة مترددة، محاولة تصحيح موقفها.
“خطأ؟ بدا طبيعياً للغاية بالنسبة لي،” رد ألفونسو بنبرة فيها شيء من المزاح، وإن كانت عيناه تحملان نظرة فاحصة.
“حتى عندما أتلو أشعار نوخوف، أبدو طبيعية، أليس كذلك؟” أضافت شارلوت بثقة متصنعة، محاولة التملص من الموقف ببراعة.
عند هذا الرد المتزن، ضيّق ألفونسو عينيه أكثر، كما لو كان يحاول استكشاف ما إذا كانت شارلوت تكذب أم لا. لكن شارلوت، التي اعتادت على إخفاء الحقائق، كانت بارعة في التعامل مع مثل هذه المواقف. كانت تعرف جيداً الطريقة المثلى للتغلب على الإحراج: أن تكون وقحة بما يكفي.
“لماذا تنظر إليّ هكذا؟ لا تقل لي إنك ستغضب فقط لأنني ناديتك باسمك؟” قالتها بنبرة تحدٍ، وهي ترفع حاجبها بجرأة.
“لا، ليس الأمر كذلك،” رد ألفونسو بهدوء، محافظاً على رباطة جأشه.
“حسناً، إذا كان الأمر كذلك، فلتنادني أنت أيضاً باسمي. شارلوت، هكذا ببساطة،” اقترحت شارلوت بنبرة فيها شيء من المرح، محاولة تحويل الموقف إلى لحظة أكثر خفة.
“حسناً، شارلوت،” رد ألفونسو بسلاسة غير متوقعة، ناطقاً اسمها دون تردد.
كانت تتوقع أن يتلعثم أو يتردد، لكن رده السريع والطبيعي قلب الطاولة عليها. فجأة، وجدت قلبها يخفق بقوة، كأن الاسم الذي نطق به للتو كان تعويذة أيقظت شيئاً دفيناً في أعماقها. لم يكن هناك سوى قلبها المضطرب الذي شعر بالحرج في تلك اللحظة.
“هل هذا كل ما تريدينه من مناداتكِ لي؟” سأل ألفونسو، ونبرته تحمل شيئاً من الفضول.
“آه!” تذكرت شارلوت فجأة أنها نادته دون أن يكون لديها هدف واضح. كانت مهمتها الأصلية هي محاولة استكشاف المشكلة التي يواجهها ألفونسو، لكنها، في خضم اللحظة، نسيت تماماً صياغة أي سؤال ذكي.
‘ماذا الآن؟’ فكرت شارلوت في نفسها، وهي تشعر كما لو أنها طفلة أسقطت عن طريق الخطأ رفاً مليئاً بمرطبانات المربى والبيكل. من الخارج، بدت هادئة كعادتها، وجهها لم يتحرك ولو قليلاً، لكن في داخلها، كانت أفكارها تتسابق في فوضى عارمة.
لم يكن لديها وقت للتفكير طويلاً. إذا طال سكوتها أكثر، قد يبدأ ألفونسو في طرح الأسئلة بدلاً منها، وهذا آخر ما تريده. في لحظة يأس، نطقت بأول ما خطر ببالها.
“كنت… أريد أن أسألك عن شيء،” قالت بنبرة مترددة، وهي تحاول كسب الوقت.
“اسألي ما شئتِ، إذا كان بإمكاني الإجابة،” رد ألفونسو، وهو يميل برأسه قليلاً في انتظار سؤالها.
“حسناً… أعني…” تلعثمت شارلوت، ونظرت إليه مباشرة. في البداية، كانت تحاول فقط العثور على سؤال معقول، لكن سرعان ما تحولت نظرتها إلى شيء آخر. أصبحت عيناها، دون أن تدرك، تأسران بملامحه، كأنها مسحورة. لم تستطع التوقف عن التحديق به.
هل كانت حقاً تريد معرفة المزيد عن مشكلته؟ أم أنها، في قرارة نفسها، أرادت فقط إبقاءه أمامها للحظات أطول؟ بدأت تشك في دوافعها. ربما كان السبب هو رغبتها الخاصة، رغبة أنانية في أن تبقى عيناها معلقتين به، على الرغم من علمها أن الاقتراب منه قد يؤدي إلى كارثة. كانت تخشى أن تؤدي أنانيتها إلى تدميره مرة أخرى، لكنها، في الوقت ذاته، كانت تفقد صبرها وإرادتها كلما وقف أمامها.
‘ربما الأمر كله مجرد أنانية مني،’ فكرت في نفسها، وهي تشعر بثقل التناقض بداخلها. كانت تعلم أن عليها الابتعاد، لكن قلبها كان يرفض الامتثال.
كلما حاولت كبح جماح مشاعرها، وجدت نفسها على وشك الانفجار. كانت تريد أن تمسك بيده، أن تعتذر، أن تصرخ قائلة إنها اشتاقت إليه، لكن تلك المشاعر ظلت محبوسة، تتربص بها في اللحظات التي تفقد فيها سيطرتها. وها هي الآن، تظهر على السطح مرة أخرى.
“شارلوت؟” قال ألفونسو، وقد لاحظ طول تحديقها. كان تعبيره يحمل استغراباً، لكنه لم يكن خالياً من شيء من القلق.
كانت ملامحها قد تغيرت، مزيجاً غريباً من الحنين والحزن، الفرح والأسى. كان تعبيراً رآه من قبل، في تلك اللحظة الأولى التي التقيا فيها في رعاية مارفل. هل كانت تعرف أن وجهها يحمل هذا التعبير؟ هل كانت تدرك مدى الشجن الذي يعكسه وجهها وهي تنظر إليه؟.
‘ربما لا تعرف،’ فكر ألفونسو. لو كانت تعرف، لما تمكنت من قول تلك الأكاذيب في ذلك اليوم.
– “هل لا زلتِ تحاولين التذكر؟”.
– ” … نعم، مهما نظرت، يبدو أننا لم نلتقِ من قبل.”
لو كانت تعرف تعبيرها، لما استطاعت أن تكذب بهذه السهولة. كان يبدو وكأنها تحمل سراً عميقاً، سراً يجعلها تنظر إليه كما لو كان حبيباً ضائعاً.
لكن ما الذي كانت تخفيه؟ منذ البداية، كان هناك شيء غريب في تصرفاتها. كلماتها، نظراتها، حتى طريقة نطقها لاسمه كلها بدت مألوفة بشكل غير طبيعي. كيف يمكن لشخص غريب، لا صلة له به، أن يتصرف بهذه الأريحية؟.
فجأة، سمع صوتاً خافتاً منها. “…أنا؟”.
كان صوتها هامساً، بالكاد مسموعاً، كأنه مجرد همهمة لنفسها. شك ألفونسو في سمعه للحظة.
“ماذا قلتِ للتو؟” سأل، وهو يقترب منها ليسمعها بوضوح.
لكن قبل أن تتمكن من الإجابة، انفتح الباب فجأة.
“شارل، ها أنتِ هنا!” قال صوت جديد، وقد اقتحم الغرفة.
***
كانت خطواته واثقة، تقطع الممر كما لو كانت شفرة تقسم حجر الشحذ. في الظلام الذي لم يُظهر حتى الظلال، كان صوت خطواته هو الوحيد الذي يتردد في الفضاء. بينما كان ألفونسو يسير عبر الممر، عاد بذاكرته إلى اللحظات السابقة.
لحظة همهمت شارلوت بكلمات غامضة، ثم انفتاح الباب فجأة.
“كوينسي؟” كان الزائر غير المتوقع هو كوينسي.
كان كوينسي قد قضى الوقت في التعامل مع السيدة العجوز ألويس بينما كانت شارلوت منشغلة مع روهان. وبمجرد أن انتهت محادثته، جاء بحثاً عنها. لكن توقيته لم يكن مثالياً بالنسبة لألفونسو.
في اللحظة التي فُتح فيها الباب، تبددت الأجواء الغريبة بين ألفونسو وشارلوت كفقاعة صابون. استعادت شارلوت رباطة جأشها بسرعة، محوّلة تعبيرها إلى قناع من الهدوء.
“كيف أتيت إلى هنا، كوينسي؟ ألم تكن مع السيدة ألويس؟” سألت شارلوت بنبرة متفاجئة، وهي تقترب منه.
“انتهت المحادثة، فجئت أبحث عنكِ. ظننت أنكِ مع روهان ألويس، لكن عندما لم أجدكِ، بحثت طويلاً…” توقف كوينسي، وتحولت نظرته ببطء نحو ألفونسو.
“…لم أكن أتوقع أن أجد الدوق إدوارد هنا مع أختي.”
كانت نظرته إلى شارلوت دافئة كأجمل أيام الربيع، لكن عندما استقرت عيناه على ألفونسو، تحولت إلى برود قارس. ‘يبدو أنهما متشابهان تماماً،’ فكر ألفونسو. كان لدى كل من شارلوت وكوينسي نفس العينين الخضراوين، أو ربما كانت تلك الطريقة التي يرفعان بها زاوية فمهما دون أن يظهروا أي تعبير.
ابتسم كوينسي ابتسامة خفيفة وقال: “بما أنك رفضت عرض زواج نوها دون تردد، تساءلت إن كنت تحمل أي ضغينة تجاهنا. لكن رؤيتك هنا مع أختي تبدد هذه المخاوف، وهذا يسعدني.”
كان كلامه، بعبارة أخرى، تحدياً خفياً: “كيف تجرؤ على رفض عرض زواج نوها ثم تقضي وقتاً منفرداً مع شارلوت؟”.
“لم يكن هناك أي ضغينة. كان الرفض بسبب ارتباط سابق، لا أكثر،” رد ألفونسو بهدوء، محاولاً تهدئة الموقف.
“بالطبع، أعلم أن الدوق ليس من النوع الذي يحمل ضغينة. وبالتأكيد، لم يتغير رأيك بعد رفضك القاطع للعرض، أليس كذلك؟” قال كوينسي بنبرة فيها شيء من السخرية.
“من يدري،” رد ألفونسو، وهو يضيّق عينيه قليلاً قبل أن يستعيد رباطة جأشه.
لم يكن هناك داعٍ لتصعيد الموقف مع كوينسي. لاحظ ألفونسو أيضاً أن خطوات شارلوت وهي تقترب من كوينسي كانت مترددة، كما لو كانت تحاول إخفاء شيء ما. البقاء هنا لفترة أطول قد يضعها في موقف صعب.
“آمل ألا تتسرع في استنتاجاتك، كوينسي. من يدري، ربما تغيرت أفكاري بالفعل،” قال ألفونسو بنبرة هادئة لكنه تحدٍ خفي. “لكن بما أن هذا لقاء غير متوقع، سأترككما الآن. يبدو أنكما تتفقان جيداً كأخوين، ولا ينبغي لشخص غريب أن يتدخل طويلاً. سأراكِ لاحقاً، السيدة نوها.”
حاول كوينسي قول شيء آخر، لكن ألفونسو تجاهله بأدب وغادر المكان. وبينما كان يسير بعيداً، استمر في التفكير في شارلوت، وبالأخص في تلك الجملة الهامسة التي قالتها قبل أن يقاطعهما كوينسي.
– “هل أنت… تكرهني أيضاً؟”.
كانت نبرتها مليئة بالتردد والرجفة، كأن كلماتها تحمل وزناً عاطفياً ثقيلاً. بدا وكأن دمعة ستسقط من صوتها. هل كانت تلك الدمعة مزيفة أم دموعاً حقيقية؟ لم يكن متأكداً، لكن الإحساس ظل عالقاً به.
كانت شخصية غريبة حقاً. عندما تلقت عرض الزواج، كانت تتجهم طوال الوقت، لكن سؤالها المتردد كان حول ما إذا كان يكرهها. توقف ألفونسو عن السير للحظة، محدقاً في الظلام، وهو يتذكر وجهها في ذهنه. وجه المرأة التي تحدثت عن الحب بابتسامة شاحبة، تلك الشريرة سيئة السمعة التي تتحدث عن الحب بلحظة رقة نادرة.
– “لا يمكنني الخوض في التفاصيل، لكن دعنا نقول إنه بسبب الحب.”
– ‘إنه شخص جيد، رقيق القلب، طيب بطبعه. شخص لا يشبهني في شيء…”.
كيف يمكن وصف ذلك الوجه؟ كان سعيداً وحزيناً في آن واحد، كمن نال أعظم حظ بأكثر الطرق مأساوية.
~~~
لا تنسوا كومنتاتكم الحلوة يلي تخليني استمتع بالتنزيل
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
التعليقات لهذا الفصل " 19"