في ليلة عميقة داخل قصر دوق إدوارد، كانت الظلمة تُغلف المكان بهدوء ساحر. رفع ألفونسو جفنيه ببطء، كأنما يحاول استيعاب اللحظة التي يعيشها. إلى جانبه، كانت شارلوت نائمة بعمق، تتنفس بهدوء وانتظام، كأنها غارقة في عالم الأحلام. في الضوء الخافت الذي يتسلل عبر الستائر، بدت خصلات شعرها الحمراء المنسدلة على الوسادة كلوحة فنية مضطربة. ذراعاها المتشابكتان، وملامح وجهها الناعمة المسترخية تحت جفنيها المغلقين، كل ذلك جعلها تبدو كيانًا هشًا، كأنها قد تتلاشى إذا أغمض عينيه لحظة.
كانت شارلوت، بالنسبة لألفونسو، وجودًا يُشبه الحلم الذي يخشى أن يستيقظ منه. منذ عودتهما إلى قصر إدوارد، كانا يتشاركان الغرفة ذاتها، وهو أمر بدأ فعليًا عندما أُصيب ألفونسو بجروح خطيرة، فلم يكن الانتقال إلى غرفة مشتركة مفاجأة كبيرة. لكن ما لم تكن شارلوت تعلمه، هو أن ألفونسو كان يستيقظ عدة مرات كل ليلة، يتأملها وهي نائمة، يتأكد من وجودها إلى جانبه، كأنه يطمئن قلبه القلق.
وأثناء احتضانه لها، عاد إلى ذهنه حوار دار بينهما في وقت سابق من اليوم. تذكر كلمات شارلوت الواثقة: “ألفونسو، فكر جيدًا. هل تعتقد أنك قادر على كرهي يومًا ما؟” ردّ حينها بهدوء: “على الأرجح، لا أستطيع.” فأضافت بنبرة مرحة: “بالطبع! وإذا كنتَ أنتَ، الذي لا يستطيع كرهي، ستحاول تقييدي، فكم سيكون هذا التقييد؟ أنتَ تقلق بشأن أشياء لا داعي لها!” ثم مدت يديها لتمسك خديه وتمططهما بشكلٍ لعوب، ضاحكةً.
لم يرد ألفونسو، بل اكتفى بترك خديه بين يديها. لم يكن الصمت اختيارًا، بل لأنه لم يجد الكلمات المناسبة. كان يعلم أن تجنبه لأي شيء قد يزعج شارلوت لا يعني بالضرورة أنه لن يقيدها بطريقة أو بأخرى. كان ألفونسو صادقًا تمامًا في كل كلمة قالها لها، لكن ما كان يعيشه داخليًا كان أعقد بكثير. بالنسبة لشارلوت، التي عاشت حياتها دون تشابك الذكريات أو العودة إلى الماضي، كانت هذه التغييرات طبيعية. أما بالنسبة لألفونسو، الذي اختار أن يتجرع السم بنفسه لأجلها في حياة سابقة، فلم يكن هناك فاصل زمني حقيقي بين ذلك الرجل وبينه الآن. كانت مشاعره وصراعاته الداخلية متشابهة إلى حدٍ مخيف.
لم يستطع أبدًا أن يعبر عن هذا، لكن شارلوت كانت، بكل المقاييس، مأساته الشخصية. مأساة أصبحت أكثر إيلامًا لأنه أحبها بعمق. كان يتذكر بوضوح تلك اللحظة التي أدرك فيها لأول مرة أنه يحبها، تلك الصدمة التي هزت كيانه.
“أنا؟ أحب هذه المرأة؟ أنا؟” كان يردد في نفسه، غير مصدق. شارلوت، في ذلك الوقت، لم تكن مجرد شخص لا يرغب في التعامل معه، بل كانت امرأة أُجبر على الزواج منها بسبب شائعات ملفقة، وكانت دائمًا ما تثير المشاكل بسلوكها المتمرد. فكيف يمكن أن يحبها؟.
لكنه أحبها. كلما التقى عيناه بعينيها، كان قلبه يخفق بقوة، فيعبس محاولًا إنكار ذلك. حتى وهو يعلم أنها تكرهه، كان يجد نفسه يمسك بمعصمها فقط ليطيل لحظة قربها منه. وعندما اكتشف أنها تشك في وجود علاقة بينه وبين أديلين، لم يسارع إلى نفي الأمر، ليس فقط لأن خاتم الخطوبة كان سرًا، بل لأنه، في أعماقه، كان يستمتع بغيرتها. كانت غيرتها تجعله يشعر، ولو للحظة، أنها تهتم به. كانت شارلوت، التي كانت دائمًا تتجنبه، تبحث عنه بنفسها كلما زارت أديلين. وفي مواجهة غضبها، كان يشعر بمزيج من الألم والنشوة، كأن قلبه يتمزق ويتشكل من جديد.
‘شارلوت تهتم كثيرًا بمظهرها الاجتماعي،’ فكر ألفونسو. طالما بقيت زوجته، لن تتمكن من الإفلات من هذا القيد. وما هو القيد إن لم يكن هذا؟.
شدّ ألفونسو ذراعيه حولها أكثر، وهيدها بقوة أكبر. ‘زوجتي،’ فكر، ‘شارلوتي.’ عندما نطقت كلمة “الطلاق”، كاد أن يحطم الطاولة التي أمامه. كان مصممًا على أن تبقى شارلوت زوجته حتى آخر لحظة في حياته. حتى لو كانت تجد وجوده مقززًا، حتى لو أحبت شخصًا آخر، كان مستعدًا لقبول أي شيء، طالما بقيت زوجته. هوسه بها، الذي بدأ في حياة سابقة، تحول في هذه الحياة إلى رغبة جارفة، غذّاها خوفه من فقدانها وقوة الحب الذي بناه معها.
‘لكنني لن أفعل شيئًا لا تريده،’ فكر ألفونسو. كان يعرف شارلوت جيدًا الآن. كانت ألطف مما تبدو عليه، ولن تتخلى عنه بسهولة، خاصة بعد التضحيات التي قدمتها لإنقاذه. ‘وإذا توسلت إليها بدموعي ألا تتركني، ستكون أكثر إخلاصًا’، أضاف في نفسه، وابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيه.
كانت هذه الرغبة، هذا الهوس، شيئًا جديدًا بالنسبة له. طوال حياته، عاش دون أن يطمع بشيء، لكن الآن، كانت رغبته في شارلوت كالظل، عميقة وثقيلة. كلما وصفته بأنه “رجل صالح”، كان يجد نفسه عاجزًا عن الرد، لأنه يعلم أن ما بداخله ليس نقيًا كما تظن.
“ممم… ألفونسو…؟”، همهمت شارلوت، وقد استيقظت قليلاً بسبب قوة احتضانه. كانت عيناها نصف مفتوحتين، وبالكاد تستطيع تمييزه في الظلام.
“نامي، لا تزال الليلة طويلة”، قال بنبرة هادئة، ثم طبع قبلة خفيفة على جبهتها.
“أم… أنت أيضًا… نام…”، تمتمت وهي تتفطن في صدره، كطفلة تبحث عن الأمان.
كان شعور نفسها على عنقه، وتحركاتها الخفيفة، وخصلات شعرها التي تدغدغ خده، كلها أشياء غير مألوفة بعد. كلما اقتربت منه دون أي تحفظ، شعر ألفونسو بإشباع عميق، كأن قلبه يمتلئ حتى الحافة. كانت أطرافه تهتز من شدة العاطفة. إذا أردنا وصف هذا الشعور، فربما يكون الحب. أو، بتعبير أكثر دقة، شعور أن يكون محبوبًا. كان يشعر بهذا كلما اقتربت منه، أو قبلته، أو أمسكت يده لتختار له ملابس اليوم.
وفي تلك اللحظة، أدرك ألفونسو مدى عبثية رغباته السابقة. ‘كنت أظن أنني سأكتفي بأن تكون زوجتي، حتى لو أحبت غيري’، فكر. ربما كان ذلك كافيًا له في حياة سابقة، لكن الآن، بعد أن عرف هذا الشعور، لم يعد قادرًا على العودة إلى الوراء. كان يتوق إلى أن يكون محبوبًا بلا شك، أن يشعر بهذا الدفء بلا خوف.
وهو ينظر إلى شارلوت، التي عادت إلى نومها العميق، همس بهدوء: “أحبك، شارلوت.”
كانت كلماته تعلق في الهواء، لا ينتظر ردًا، لكنها كانت كافية لتخفف من ثقل قلبه.
***
بعد أشهر.
“…إذن، قررتما إعادة إقامة حفل الزفاف؟”، سأل كوينسي، وهو يجلس أمام شارلوت في غرفة الاستقبال.
“نعم، بعد أشهر قليلة سيأتي الربيع، أليس كذلك؟”، أجابت شارلوت بابتسامة خفيفة وهي تضع فنجان الشاي على الطاولة.
كانت ملابس شارلوت قد أصبحت أثقل، تناسبًا مع الطقس البارد الذي بدأ يغزو المنطقة. لقد مر وقت طويل منذ عودة شارلوت إلى الحياة، وتحولت الأيام كالنهر الجاري، ليصبح الشتاء يطرق النوافذ بصقيعه. الزمن يغير الكثير، بما في ذلك العلاقة بين شارلوت والشاب الجالس أمامها، كوينسي.
“إذا لم يحضر رب الأسرة، أخي، حفل الزفاف، فقد تنظر إلي عائلة إدوارد بعين النقص”، قالت شارلوت بنبرة عملية.
عبس كوينسي قليلاً. لم يمر وقت طويل، لكن مظهره تغير كثيرًا. كان يرتدي غطاءً على عينه التي فقدها، مما أضفى عليه مظهرًا أكثر حدةً وشراسة. اختفى ذلك الانطباع النبيل الذي كان يتمتع به، لكن، بشكل غريب، أصبحت هالته أقل قسوة، بل تحمل شيئًا من التسامح. ربما لأنه تغير كشخص، أو ربما لأن وفاة دومينيك، رب عائلة نوها السابق، جعلته يتولى قيادة العائلة.
بدلاً من الرد، حدّق كوينسي في خاتم شارلوت على إصبعها اليسرى. كان خاتمًا مزينًا بألماسة وردية كبيرة، محاطة بألماسات صغيرة، تصميم يعرفه جيدًا.
“خاتم ؟”، سأل.
“نعم، لقد روجوا له بشكل صاخب. حتى الصحف كتبت عنه”، أجابت شارلوت بضحكة.
كانت عائلة لافيروز، التي اختفت لفترة، قد عادت إلى الأضواء بإطلاق خط إنتاج جديد لخواتم فاخرة، وكان خاتم شارلوت، الذي يخص دوقة إدوارد، هو نجم الحملة الإعلانية. لكن قلة قليلة كانت تعلم أن هذا الخاتم هو خاتم خطوبة جديد بين ألفونسو وشارلوت، وأن ألفونسو قد صممه خصيصًا ليتقدم لها مجددًا.
“لقد قدمه ألفونسو لي عندما اقترح إعادة إقامة حفل الزفاف. كما تعلم، زواجنا الأول كان متسرعًا بعض الشيء”، قالت شارلوت، وهي تبتسم وتمسك الخاتم بحنان.
بالطبع، كان زواجًا تعاقديًا، لكن هذا كان سرًا لا داعي للكشف عنه.
ابتسمت شارلوت وأضافت: “سنبدأ من جديد، كأننا نؤسس حياة زوجية جديدة تمامًا.”
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 118"