هل هذا وهم أم حقيقة؟ لم يكن أي منهما واضحًا تمامًا. ومع ذلك، لم يستطع ألفونسو إلا أن يحني رأسه أمام شارلوت، كأن وجودها يجذبه بقوة لا تقاوم.
كان دائمًا يفقد نفسه في حضورها، كأنها تملك سحرًا يذيب كل دفاعاته. حتى بعد استعادته لذكريات حياته السابقة، وبعد سماعه تفسيرات غابرييل المذهلة، تمسك ألفونسو بهدوئه بصعوبة بالغة. لكن هذا الهدوء، الذي بناه بعناية كحصن هش، انهار بسهولة مذهلة عندما وقف وجهًا لوجه أمام شارلوت. دموع كبيرة كحبات اللؤلؤ انسكبت من عينيه، كأنها مطر خريفي ثقيل، وذراعاه، اللتان احتضنتا شارلوت، كانتا مشدودتين كمن يتشبث بحبل نجاة وسط عاصفة.
بصوت مخنوق بالبكاء الصامت، همس بسؤال مشبع بالألم والحيرة: “لماذا… لماذا فعلتِ هذا؟ لماذا من أجل شخص حقير مثلي؟”.
في الحقيقة، منذ اللحظة التي سمع فيها كلمات غابرييل، كان هذا شعوره، لكنه أخفاه تحت قناع من الصلابة. كيف لا يصدم؟ أن يسمع أن شارلوت ضحت بنفسها، جعلت من وجودها قربانًا لإعادته إلى الحياة، كان أمرًا أكثر رعبًا من مجرد موتها. كان ذلك نوعًا من الألم يفوق الخيال، كأن خنجرًا غائرًا في قلبه يدور ببطء. لو أمكنه، لكان قد استبدل حياته بحياتها في تلك اللحظة، ليصرخ في وجه القدر أن يأخذه بدلاً منها. لكن كلمات شارلوت، تلك الكلمات التي رددتها بحب وتصميم لا يتزعزع، أمسكت به كأغلال لا تُكسر:”أنا أحبك، يا ألفونسو.”
في تلك اللحظة، فهم أخيرًا تلك النظرة التي كانت ترمقه بها دائمًا—مزيج من الود العميق والحزن الغامض، كأن عينيها تحملان سرًا ثقيلًا. شارلوت، التي كانت تصف نفسها بالجبانة، التي قالت إنها تود أن تكون غير مبالية بالموت لكنها لم تستطع، اختارت أن تتخلى عن حياتها من أجله. “حتى لو عاد الزمن، سأفعل الشيء نفسه لأنقذك. قد أكون غبية، لكنني لن أعتذر. هذا كل ما يهم بالنسبة لي.” تلك الكلمات، التي بدت وكأنها قيلت قبل لحظات، كانت حية في ذهنه، تمنعه من البكاء أو من التفكير في التضحية بنفسه. لأن ذلك سيجعل شجاعتها، التي دفعتها لتحدي الموت نفسه، بلا معنى.
لكن كل هذه التصميمات تلاشت كالدخان عندما التقى بها وجهًا لوجه في هذا الفضاء الغامض. لم يعد يستطيع تحمل الألم، كأن قلبه قد استسلم أخيرًا.
“لأن هذه هي الهدية الوحيدة التي يمكنني تقديمها لك.” قالتها بنبرة مشرقة، وابتسامتها مزيج من الألفة والغرابة بالنسبة لألفونسو، الذي يحمل ذكريات حياتين متشابكتين. “أتذكر، يا ألفونسو؟ ما قلته لك قبل زواجنا.”
“قبل زواجنا؟” رد ألفونسو، يحاول استحضار الذكرى وسط فوضى مشاعره.
“قلت لك أن تعيش بسعادة. أن تتزوج، أن تحب، أن تنجب أطفالًا، وأن تعيش بلا هموم أو قلق.” تذكر ألفونسو الآن تلك اللحظة، بعد انتهاء أمر ديسولييه، عندما زارت شارلوت قصر إدوارد وتحدثت إليه قبل مغادرتها. “أنا لستُ شخصًا يجلب لك الخير. ليس لدي ما أقدمه لك. لديك المال، السلطة، والسمعة بما فيه الكفاية.”
شارلوت، التي كانت تُعرف بالشريرة، وتحمل اسم نوها الملطخ بالعار، كانت تعتقد أنها لا تملك شيئًا يليق بألفونسو. كانت شخصياتهما وقيمهما مختلفة تمامًا، كأنهما من عالمين منفصلين. “لذلك، لم يكن لدي خيار سوى إعطائك حياتي. هكذا أنقذتك. كان ذلك كافيًا كتكفير، وكافيًا كحب.”
ابتسمت شارلوت، راضية تمامًا، كأنها وجدت سلامها الداخلي. “أنا راضية. لا أحتاج إلى العيش أكثر. كنت أتمنى أحيانًا أن أعيش أطول، لكن هذا مجرد رغبة أحمق. إذا عشت، قد أجعلك تعيسًا مرة أخرى.” ضحكت بخجل، مضيفة بنبرة خفيفة: “أليس من الأفضل لك أن أختفي بسرعة؟”.
في تلك اللحظة، أدرك ألفونسو ما كانت تحاول قوله. اختفت الابتسامة من وجهها، ونظرت إلى الشجرة الضخمة خلفه، عيناها تعكسان حزنًا عميقًا. “هذه شجرة العالم، أليس كذلك؟ جئت لأخذ ثمرتها.”
“شارلوت…” لم يكن بحاجة ليسأل كيف عرفت. في هذا الفضاء الغامض، حيث تتلاشى الحدود بين الأرض والسماء، كانت الأسرار مكشوفة كالكتاب المفتوح، كأن القلوب تتحدث مباشرة.
“لا تحاول إنقاذي. ارجع. هذا أفضل لك.” قالتها بنبرة هادئة لكنها حازمة، كأنها تحاول حمايته من مصير مجهول.
“لا يمكنني ذلك. كيف لي—” بدأ ألفونسو، لكنها قاطعته بحزم.
“لا داعي لتعويض موتي. كان هذا خياري، تكفيري.” صوتها كان جافًا، لكنه يحمل ألمًا دفينًا.
“شارلوت!” صرخ ألفونسو، لكنها واصلت بنبرة باردة كالصقيع: “الزمن يمحو الكثير. لم نقضِ وقتًا طويلًا معًا، لذا سيكون من السهل نسياني. ربما الطقس نفسه سيمحوني من الوجود.”
وجه ألفونسو تشوه بالألم، كأن كلماتها طعنات تخترق قلبه. “لا أفهم ما تقولينه. لن أنساكِ، ولن أترككِ أبدًا.”
“أقول هذا من أجلك، يا ألفونسو. أنا—” حاولت مواصلة كلامها، لكن ألفونسو قاطعها بنبرة حادة مشبعة بالغضب، كأن النار تشتعل في صدره: “لا أحتاج إلى هذا النوع من المساعدة.”
دون أن يترك مجالًا لمزيد من النقاش، تجاوزها ألفونسو متجهًا نحو شجرة العالم، خطواته ثقيلة بالتصميم. شارلوت، التي ترددت للحظة بسبب غضبه الواضح، ركضت خلفه، صوتها يرتجف باليأس: “ألفونسو! استمع إلي! ألم أكن دائمًا على صواب؟ هذا خيار أحمق!”.
“أنا لست ذكيًا مثلكِ. لا أعرف سوى السير في طريقي الغبي. دعيني وشأني.” رد بنبرة قاسية، كأنه يحاول طرد ألم قلبه.
“إذن، تريدني أن أشاهدك تصبح تعيسًا بسببي مرة أخرى؟” صرخت شارلوت، وصوتها يختنق بالدموع. توقف ألفونسو فجأة، كأن كلماتها جمَّدته. حتى دون الالتفات، شعر بألمها يخترق صدره كسهم. “ألفونسو، أرجوك… إذا رأيتك تمر بهذا مجددًا، لن أستطيع مسامحة نفسي أبدًا. لن أتحمل ذلك.”
كيف يمكنها تحمل فكرة أن كل الاحتمالات التي كان يمكن أن تقدمها له دُمرت بسبب أنانيتها؟ كانت مستعدة لتغلق عينيها إلى الأبد، لتتركه يعيش حياة خالية من عبئها. لكن… .
“ليس بسببكِ.” قال ألفونسو، ولمس خدها المبلل بدفء مألوف، كأن يده تحمل ذكرى حياتين. التفت إليها، وجهه مشوه بالألم والعاطفة. “شارلوت، كنت أعلم أن الكأس تحتوي على السم.”
“هكذا قال الخادم. الآن أدرك أنه ربما كان يكذب، لكن وقتها لم أعرف.” أوضح ألفونسو، صوته يحمل ألم الذكرى. لقد شرب السم وهو يعتقد أنه منها، تمامًا كما أحبها رغم علمه أن حبه سيجلب له الألم. “ربما تجعلينني تعيسًا، لكنني من اختاركِ. ليس خطأكِ.”(يا راسي 😃)
“إذا كنتِ تعتقدين أنكِ تجلبين التعاسة، فإن مأساتي ستكون أكثر رومانسية من ليلة صيف.” أضاف بنبرة رقيقة، كأنه يرسم لوحة من الحب والألم. “أنا لست شخصًا صالحًا. في كل مرة أراكِ، أرغب في حبسكِ في مكان ما، حتى لو كرهتني. سأكون سعيدًا فقط لأنكِ بجانبي. هذا هو نوع الشخص الذي أنا عليه—مليء بالهوس القذر والرغبات الدنيئة. لذلك، يجب ألا تخافي من نفسكِ، بل مني. أنا من قد يجعلكِ تعيسة.”
“لا يهمني.” ردت شارلوت، وصوتها يرتجف بالعاطفة. “إذا كان ذلك معك، فلا يهمني إن كنت تعيسة.”
“وأنا كذلك.” همس ألفونسو، وهو يقبل عينيها المبللتين، كأن قبلته ختم على وعده. “لذا، أرجوكِ، امنحيني فرصة لأكون تعيسًا معكِ. امنحيني فرصة لأحبكِ.”
مع كلماته، انهارت دموع شارلوت مجددًا، كأن السد الذي كبحها قد تحطم تمامًا. احتضنها ألفونسو طويلًا، في لقاء طال انتظاره، كأن الزمن توقف ليمنحهما لحظة لم الشمل وسط بحر من الألم والحب.
***
الإحساس بالعودة من الموت أصبح مألوفًا الآن، كأنه طقس يعرفه الجسد. الجسد والروح اللذان كانا مفصولين بدأا يتصلان مجددًا، كأن خيوطًا خفية تعيد نسجها معًا. الأعصاب في جسد كان مجرد لحم ميت بدأت تستيقظ ببطء، كأن نبض الحياة يعود تدريجيًا. مع أول نفس عميق، رفع الجفون الثقيلة، ورؤية ضبابية ملأت ذهنه تدريجيًا، كأن العالم يتشكل من جديد أمام عينيه. أصوات الناس المضطربة أحاطت به، كموجات تصطدم بالشاطئ.
“…إذن؟”
“شارل… أخيرًا…”.
استعادت وعيها بسرعة، كمن يستيقظ من حلم عميق لكنه حقيقي بشكل مخيف. كانت الوجوه أمامها مألوفة من ذكرياتها—ألفونسو، بملامحه المشوهة بالقلق والأمل؛ غابرييل، بعينيه الحادتين كالصقر؛ و… “كوينسي؟” همست، وصوتها يحمل دهشة وحياة جديدة، كأنها تختبر العالم من جديد.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 115"