منذ اللحظة الأولى التي عاد فيها الزمن إلى الوراء، كان هذا الأمر يشغل بالها باستمرار، كخطة محكمة استقرت في أعماق عقلها.
كانت تعلم يقينًا أن كوينسي هو من قتل ألفونسو، ولم يكن هناك أي سبب منطقي يدعوها لتركه يفلت من العقاب. لم يكن الأمر مجرد نزوة عابرة، بل كان قرارًا مدروسًا بعناية.
‘حتى لو وضعت مشاعري الشخصية جانبًا، فإن هذا لا يغير شيئًا.’
كان قتل كوينسي لألفونسو جريمة لا يمكن التغاضي عنها، فعلٌ بشع لا يمكن أن يُغتفر مهما كانت الدوافع. ومع ذلك، لم تُحمّل شارلوت كوينسي وحده مسؤولية موت ألفونسو بشكل كامل. كانت تعتقد أن الأمور ربما لم تكن لتصل إلى هذا الحد لو لم تكن هي نفسها قد أبدت اهتمامًا بألفونسو في المقام الأول. لو لم تُظهر تلك المشاعر، لما وجد كوينسي دافعًا لتسميمه والتخلص منه.
لذلك، كانت هذه المهمة تخص شارلوت وحدها، عبءٌ حملته على كتفيها بإرادتها. كانت قد قررت أنه إذا أكملت هذه المهمة، فإنها سترحل عن هذا العالم أيضًا، كأنها تقدم تكفيرًا عن كل ما حدث.
تتبعت عيناها الكأس التي قدمتها إلى كوينسي بحركة بطيئة ومتأنية. بدا كوينسي وكأنه يقبل الكأس دون أي شكوك تُذكر، أو ربما كان يدرك بطريقة ما أن قبول هذه الكأس هو السبيل الوحيد ليتمكن من التحدث معها وجهاً لوجه. من يدري؟ ربما كان حدسه قد أخبره بشيء لم تفهمه هي بعد.
عندما أمسك كوينسي بالكأس، لم ينظر إليها، بل ظل يحدق في شارلوت مباشرة، كأنه يحاول اختراق أفكارها بعينيه. كانت نظرته باردة، لكنها غامضة. هل كان فيها قلق حقيقي؟ أم مجرد حذر متأصل؟ لم تكن متأكدة.
“كيف حال صحتكِ؟ هل أنتِ بخير؟” سألها بصوت هادئ، لكنه يحمل نبرة غريبة.
“بالطبع، أنا بخير. ألا ترى؟ أحضر الحفلات الآن، وأبدو نشيطة تمامًا، أليس كذلك؟” أجابت بنبرة خفيفة، تحاول إخفاء التوتر الذي يعتمل بداخلها.
“كنتِ دائمًا تبدين بخير في الحفلات، حتى وأنتِ على وشك الانهيار من الحمى.” رد كوينسي بصوت فيه شيء من التهكم الممزوج بالذكريات.
“كان عليَّ أن أفعل ذلك. كان الظهور بمظهر قوي هو الطريقة الوحيدة لأثبت قيمتي. وأنت من أمرني بذلك، أليس كذلك؟” قالتها بنبرة تحدٍ، وهي تتذكر الأيام التي كان يدفعها فيها لإخفاء ضعفها.
“كان لذلك سبب. كنتُ أفعل ذلك من أجلكِ.” أجابها، وكأنه يبرر كل ما فعله.
“حقًا؟ إذن، محاولتك قتل ألفونسو كانت أيضًا من أجلي؟ وطعني بالسيف، هل كان ذلك من أجلي أيضًا؟” هاجمته بالكلمات، وهي تذكّره بحادثة البطولة السيفية التي كادت تودي بحياتها.
عندما ذكرت تلك الواقعة، شد كوينسي فكيه بقوة، وعض على أسنانه للحظة. كان واضحًا أن الكلمات أصابته في مقتل.
“لم أكن أعلم أنكِ ستصلين إلى هذا الحد.” قالها بصوت خافت، كأنه يحاول الدفاع عن نفسه.
“ولم تتوقع أن أنجو دون مساعدتك، أليس كذلك؟” ردت عليه بسخرية مريرة.
لم ينكر كوينسي. كان السم الذي استخدمه من النوع الذي لا يمكن علاجه إلا بمضاد حصري موجود في نوها. حتى مع استخدام المضاد، كان السم قويًا بما يكفي ليدمر الجسم بسرعة، مما يتطلب فترة نقاهة طويلة. لكن شارلوت، بطريقة ما، تعافت في غضون أيام قليلة فقط، وكانت تتحرك بحيوية وكأن شيئًا لم يكن. لو لم تكن هي الضحية، لكان كوينسي قد فقد أعصابه تمامًا من هذا اللغز.
‘ما زلت أشعر بالدوار كلما تذكرت تلك اللحظة.’ فكرت شارلوت وهي تستعيد ذكريات ذلك اليوم المشؤوم في الساحة.
كان كوينسي هناك أيضًا، لكنه لم يجرؤ على الاقتراب. وقف بعيدًا، يراقبها وهي تنهار، ودماؤها تتسرب منها ببطء.
رأى كيف كانت الدماء، التي كان معتادًا على رؤيتها في ساحات القتال، تلطخ الآن جسد أخته الوحيدة. شاهد وجهها الذي كان ينبض بالحياة يتحول إلى شحوب الموت، وكيف أغلقت عينيها ببطء. لكنه رأى أيضًا، قبل أن تغمض عينيها تمامًا، تلك الابتسامة الضعيفة التي وجهتها إلى ألفونسو.
كانت أخته، بطريقة ما، ثابتة في مشاعرها. حتى في أضعف لحظاتها، كانت تُظهر تلك العاطفة الصادقة.
***
في ذكرى أخرى، تذكر كوينسي شارلوت وهي طفلة، مستلقية على السرير وهي تتألم من الحمى. كانت تقول بصوت ضعيف: “أخي، لا داعي لوضع منشفة مبللة. أنا بخير…”.
“ماذا تقولين؟ جسمك يحترق من الحمى. استريحي فقط.” رد عليها بحزم.
“ألستَ مشغولًا؟ ألا يجب أن تذهب؟” سألته بنبرة متعبة.
“لا تقلقي. سأترك شخصًا ليعتني بكِ. ركزي على نفسك.” أجابها.
“حسنًا… هذا جيد…” تمتمت، ثم ابتسمت بضعف قبل أن تنام.
كانت تفتح عينيها من حين لآخر، لكنها لم تكن قادرة على تمييز من كان بجانبها بسبب الحمى والإرهاق. لكن كوينسي بقي إلى جانبها طوال اليوم، يراقبها وهي تناضل من أجل الحياة. تلك الابتسامة الضعيفة التي كانت ترتسم على وجهها حتى وهي تعاني، وتلك التي وجهتها لألفونسو قبل أن تغمض عينيها في الساحة، كانتا تتداخلان في ذهنه.
هل صدمه المشهد لأنه كان قاسيًا للغاية؟ أم لأن خطته فشلت وانتهى به الأمر بإيذاء شارلوت؟ في تلك اللحظة، شعر كوينسي أن شيئًا ما قد حدث بشكل كارثي. لكنه لم يكن متأكدًا مما هو بالضبط.
كان يعلم أن شارلوت كانت تهتم بإدوارد وألفونسو، وكان قد وضع في حسبانه أن محاولته قتل ألفونسو قد تجرف شارلوت معه. لكن التخطيط النظري شيء، ورؤية الأمر يحدث أمام عينيه شيء آخر تمامًا. كان الفرق بينهما كبيرًا كالفرق بين ورقة شجرة وجذورها العميقة. في تلك اللحظة، أدرك كوينسي حقيقة مريرة: مهما فعل، لن تعود شارلوت إلى نوها. علاقتهما لن تعود كما كانت أبدًا. لقد رحلت عنه، تاركة إياه وحيدًا في نوها.
“لم أغير رأيي، شارل. مكانكِ الحقيقي في نوها.” قال كوينسي بنبرة حازمة.
“بالطبع، كنت أعلم أنك ستقول ذلك. أنت دائمًا تقول هذا.” أجابته بنبرة مليئة بالإحباط.
“لكن…” قاطعها كوينسي، وهو يرفع صوته قليلاً. “لا أريد أن أتخيل خسارتكِ مرة أخرى.”
“ماذا تعني؟” سألته، وهي تنظر إليه بحذر.
“أعني ما أقول. كنت أظن أنني يجب أن أجبرك على العودة، حتى لو كنتِ عنيدة. ولكن إذا أدى ذلك إلى إيذائكِ، فما الفائدة؟” أجابها بصدق، لكن كلماته كانت تحمل وزنًا ثقيلًا.
ضيقت شارلوت ما بين حاجبيها، وهي تحاول فهم نواياه. “لا أعرف ما الذي تحاول القيام به بهذا الكلام. لن أعود إلى نوها مهما قلت.”
“فكري كما شئتِ. لكنني، شارل، كنت دائمًا أفعل كل شيء من أجلك. إذا كانت أفعالي ستؤذيكِ… فلن أستطيع المتابعة.” قالها بنبرة هادئة، لكنها مليئة بالصراع الداخلي.
***
بالنسبة لكوينسي، كان قتل ألفونسو لا يختلف عن التخلص من “الذباب” الذين كانوا يحومون حول شارلوت من وقت لآخر. كان يستخدم “مساعدات صغيرة” لإبعادهم: تحريض فتاة من النبلاء على حسد شارلوت، أو إظهار جانب قاسي من نوها ليجعل الآخر ينفر منها. كانت هذه أساليبه المعتادة. كان يعتقد أن هؤلاء الناس، في النهاية، مجرد حشرات لا تستحق وقتها. حتى لو لم يتدخل، كانوا سيكشفون عن طباعهم الحقيقية ويؤذون شارلوت عاجلاً أو آجلاً. لذلك، كان يرى أن طردهم مبكرًا هو الأفضل.
وكان يظن أن ألفونسو لا يختلف عنهم. لكن في الحفلة تلك الليلة، بدت شارلوت وألفونسو أقرب من أي وقت مضى، بل ربما أكثر مما كانا عليه في آخر مرة رآهما. كان هذا كافيًا ليزرع الشك في قلبه.
“لا أفهمكِ، يا شارلوت. ما زلت لا أستطيع فهمك.” قال كوينسي، وهي يعتريه إحساس بالضياع.
كان قد أخبرها دائمًا أن تعاطف الناس وتفهمهم مجرد قمامة مزيفة، وأن عليهم أن يسيطروا ويستغلوا الآخرين. لكن شارلوت لم تتبع نصيحًا في هذا الأمر أبدًا. كانت دائمًا ترغب في الانضمام إلى “النميمة” بدلاً من تجنبهم. ولهذا السبب، كان كوينسي يضطر إلى التدخل مرات عديدة.
لكن إذا كان ألفونسو مختلفًا عن هؤلاء؟ إذا كان حقًا شخصًا يستحق أن تحبه شارلوت بهذا الشكل؟.
“افعلي ما شئتِ. لن أتدخل بعد الآن.” قال كوينسي أخيرًا، كأنه يستسلم.
“لا أصدقك. استخدمت السم، وتتوقع أن أثق بك؟” ردت شارلوت بحدة.
“لا بأس إذا لم تصدقي. لن أجبركِ. إذا لم يكن لديكِ حاجة أخرى، يمكنكِ المغادرة. أنا متعب الآن.” قالها بنبرة نهائية، وهو يحاول إنهاء الحديث.
في داخله، كانت أفكاره حول شارلوت تتصارع بشدة. مشاعر الغضب والإحباط من تركها إياه وحيدًا في نوها، تتعارض مع عقله الذي يقول إنه لا يستطيع تحمل فكرة إيذائها مرة أخرى. كان كوينسي عادةً شخصًا عقلانيًا، لكنه كان يفقد توازنه عندما يتعلق الأمر بشارلوت. لتجنب انفجار مشاعره، قرر طردها.
نظرت شارلوت إليه بارتياب وهي تبتعد. وبينما كان يراقب ظلها يختفي، زفر كوينسي بعمق.
‘لا أعرف إن كان هذا القرار الصحيح.’ فكر، لكنه كان يعلم أن خسارة شارلوت إلى الأبد شيء لا يطيقه. حتى لو لم تكن تحت سيطرته، كان يكفي أن تكون سعيدة في مكان آخر.
بينما كان يرتب أفكاره، رفع الكأس إلى شفتيه. كان نبيذ العريفان المفضل لدى أخوي نوها، يتذوقانه بنفس الشكل. كان الضوء ينعكس على السائل الذهبي داخل الكأس.
فجأة، “كوينسي، انتظر-!”.
عادت شارلوت مهرولة، وجهها يعكس مزيجًا من الإحباط والعجلة. وبحركة سريعة، انتزعت الكأس من يده. كانت حركتها متسرعة لدرجة أن النبيذ في الكأس تتطاير، ملطخًا فستانها.
لكن البقعة على فستانها لم تكن بلون النبيذ. كانت بلون الدم القاني.
“شارلوت، أنتِ…” هتف كوينسي، وهو ينظر إلى البقعة قبل أن يرفع عينيه إلى وجهها.
تجمد في مكانه.
كان الدم يتقطر من فمها وأنفها بغزارة.
لم يكن هناك وقت للصدمة.
“آه… هذا سيء.” تمتمت شارلوت.
لم تكن تنوي الانهيار الآن.
ومع تلك الكلمات، سقطت على الأرض.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 110"