تجمدت ملامح ألفونسو في ذهول واضح، كأن كلمات شارلوت قد أصابته كالصاعقة. كان وجهه يعكس الحيرة العميقة، عاجزًا عن تصديق أذنيه، كأن الكلمات التي سمعها لا يمكن أن تكون حقيقية.
كيف يمكن لشارلوت أن تعترف بحبها له؟ كان هذا شيئًا لم يجرؤ على تخيله حتى في أعمق أحلامه.
كان مقتنعًا تمامًا أنه لا يوجد سبب يجعلها تريده. لقد ظن دائمًا أن تسامحها اللافت معه، وتصرفاتها اللطيفة، لم تكن سوى جزء من رهان غامض جعلها تقترب منه. كان يعتقد أنها، بمجرد انتهاء فترة زواجهما التعاقدي، ستغادره دون أن تنظر خلفها، تاركة إياه وحيدًا في ظلاله.
لكن أن تعترف له بحبها؟ هذا كان أمرًا لم يكن مستعدًا له أبدًا، كأنه زلزال هز أركان قلبه.
عندما عجز ألفونسو عن الرد، غارقًا في دوامة الارتباك، رفعت شارلوت حاجبيها قليلاً بنظرة تقول إنها تتفهم ردة فعله، لكنها لا تستطيع تغيير ما قالته.
“بالطبع، أنا لست الشخص المثالي، أليس كذلك؟ لا أقول هذا طمعًا في شيء، لذا لا تشعر بالضغط، ألفونسو.”
“من قال إنكِ لستِ شخصًا جيدًا؟” رد بنبرة متفاجئة، كأنه يدافع عنها أمام اتهام لم يُطلق.
“أنت، أليس كذلك؟” أجابت شارلوت بابتسامة خفيفة، تحمل نزرًا من المزاح.
تذكر ألفونسو فجأة كلماته القاسية في الماضي، عندما وجه لها نقدًا لاذعًا، كأنها ليست جديرة به. ندم على تلك اللحظة، وضرب رأسه بيده في حركة عفوية، كأنه يحاول طرد تلك الذكريات.
‘اللعنة!’ فكر في نفسه، وهو يمسح وجهه بحركة عصبية، ثم رفع رأسه مجددًا. “لا تهتمي بتعابير وجهي. أنا فقط… مذهول جدًا، هذا كل شيء.”
“قلتُ لك، لا داعي للتبرير. حتى لو لم يعجبك كلامي، أستطيع تفهم ذلك.”
“ألم أقل لكِ إنني لست مستاءً؟”..ارتفع صوت ألفونسو فجأة، مما جعل شارلوت تفتح عينيها بدهشة، كأنها ترى شيئًا جديدًا فيه. لاحظت أن وجه زوجها مشدود بشدة، كأنه يكافح عاصفة داخلية. لكن تحت تلك التعابير القاسية، لمحت احمرارًا خفيفًا في رقبته، كأنه يكبت مشاعر لا يريد الكشف عنها.
“أعترف لك بحبي، وتقول إنني أكذب؟ ألا تعتقد أن هذا قاسٍ بعض الشيء؟” ردت بنبرة نصف مازحة، لكنها تحمل لمحة من الألم.
“لكن لماذا قد تحبينني؟ لا يوجد سبب يجعلك تفعلين ذلك.”
“لماذا لا؟ أنت رجل نزيه وجدير بالثقة. من ذا الذي لا يمكن أن يحبك؟”.
“بل العكس. أنا قاسٍ وصادق بشكل مفرط.”
“لكن الجميع سيفضل مشاركة مائدة مع شخص صلب وصادق مثلك على سارقة مثلي.”
“أنتِ اجتماعية ومبهجة، الجميع سيفضلكِ عليّ.”
“ليس أنا. ألفونسو، مهما أعطوني من خيارات، سأختارك أنت دائمًا.” حتى لو عاد بها الزمن مرات ومرات، وحتى لو واجهت آلاف الخيارات، كانت شارلوت متأكدة أنها ستختار ألفونسو وحده.
لأنه الشخص الوحيد الذي رآها حقًا، الذي فهمها بعمقها. الذي جعلها تدرك مدى وحدتها القاسية في حياتها السابقة، تلك الوحدة التي كانت كالجليد.
الرجل الذي لا يشبهها في شيء، والذي تستعد للتضحية بكل شيء من أجله دون ندم أو تردد.
تشقق وجه ألفونسو، كأن قناعه الصلب قد بدأ يتفكك، وخرج صوته مرتجفًا، كأنه يحمل ثقل سنوات من الصمت: “شارلوت… هل تحبينني حقًا؟”.
“قلتُ لك، أنا لا أحب بحيل أو خداع.”
“ألم تقولي إن من تحبين بعيد، ولا يمكنك رؤيته الآن؟”.
“لكنه الآن قريب جدًا، أليس كذلك؟”.
“ألم تقولي إنك ستغادرين بمجرد انتهاء فترة التعاقد؟”.
“كنتُ أنوي الرحيل من أجل سعادتك. ظننتُ أنك لن تريدني، وأنك ستلتقي بشخص تحبه وتتزوج من جديد… ألفونسو؟ ألفونسو!”.
تقلصت عينا شارلوت فجأة، كأنهما طبقان صغيران، عندما رأت ألفونسو يخرج خنجرًا من جيبه ويوجهه نحو نفسه بحركة مفاجئة.
“ألفونسو! هل جننت؟ لماذا تفعل هذا فجأة؟” صرخت، وهي تحاول الإمساك به.
“بعد تفكير عميق، خلصت إلى أن هذا لا يمكن أن يكون حقيقيًا. سمعت أن الألم يساعد على الاستيقاظ من الأحلام.”
“لقد ضربت رأسك منذ قليل!”.
“لم أشعر بألم كافٍ.”
“يا إلهي، سيكون من الأسهل القول إنك فقدت عقلك من تلك الضربة!”.
“إذن، هل أرى هلوسة الآن؟”.
توقفت شارلوت عن الكلام للمرة الأولى، كأن كلماته أصابتها في مقتل. هلوسة… هلوسة، كما قال.
“ربما… ربما تكون هلوسة.” حلم زائل يتلاشى بمجرد فتح العينين، ليس كلامًا خاطئًا تمامًا. “لأنك يومًا ما ستنساني.”
رن صوت معدني حاد عندما سقط الخنجر على الأرض، كأنه يعلن نهاية لحظة الجنون. وفجأة، جذب ألفونسو شارلوت إلى حضنه بقوة، كأنه يخشى أن تتلاشى بين يديه كدخان في مهب الريح.
“شارلوت، حتى لو كانت كلماتكِ كذبة، حتى لو كان هذا مجرد وهم في عقلي، لا يهم.”
حتى لو أحببتِ شخصًا آخر يومًا ما، أو أصبحتِ زوجة لغيري، لا يهم.
فقط، أرجوكِ… .
“لا تتركينني أبدًا.”
كان هذا الخوف الوحيد الذي يعتصر قلب ألفونسو، الرجاء الوحيد الذي أراد أن يطلبه من شارلوت لو فاز في بطولة المبارزة.
لقد أصبح عاجزًا عن العودة إلى الأيام التي لم يعرفها فيها، تلك الأيام الباردة الخالية من وجودها. حتى لو كانت علاقتهما فاترة، مجرد رؤيتها كفيل بإخفاء رغباته الدنيئة، تلك الرغبات التي يخجل من الاعتراف بها. فقط لو بقيت بجانبه، سيكون ذلك كافيًا.
يا لها من تناقض غريب أن يرغب بشيء بشدة لدرجة أنه لا يستطيع إلا أن يتركه يذهب.
استمعت شارلوت إلى كلماته في صمت، كأنها تتذوق كل كلمة قبل أن ترد. ثم عانقته بدورها، عناقًا ضعيفًا، كطفل يتشبث بجذع شجرة في عاصفة. لكنها اكتفت به، لأنها علمت منذ البداية أن هذا الحضن لم يكن ملكها بالكامل.
“لن أغادر.”
ابتسمت شارلوت، وكذبت. لم تكن تكذب عليه كثيرًا في حياتها، لكن هذه الكذبة كانت الأسهل على الإطلاق. لأنها كذبة حملت صدق قلبها، كأنها وعد لن تستطيع الوفاء به لكنه ينبع من أعماقها.
“أحبك، ألفونسو.”
بعد أيام قليلة، اكتمل الطقس أخيرًا، كأنه قدر لا مفر منه. وظلت عينا شارلوت مغلقتين إلى الأبد، كأنها استسلمت لنوم عميق لن تستيقظ منه.(لو تتذكروا هما قالوا بعد ايام قليلة الحفلة)
***
كان ذلك اليوم هو يوم المأدبة الفاخرة التي أُقيمت لتختتم بطولة المبارزة، احتفالٌ زاخر بالأنوار والأصوات. لكنه كان أيضًا اليوم الذي شعرت فيه شارلوت بنهايتها تقترب، كأن الموت يهمس في أذنها.
“كح، كح!”.
ارتجفت كتفاها بشدة بسبب نوبة سعال مفاجئة، وهي ترتدي فستانًا أنيقًا يخفي ضعفها. تنهد غابرييل، الذي كان يقف بجانبها، بنبرة مليئة بالقلق والإحباط.
“ألم أقل لكِ إن القدوم إلى هنا مستحيل في حالتك الصحية؟”.
“كح، اصمت! إن لم أحضر اليوم، لن تُتاح لي فرصة أخرى أبدًا.”
“وماذا ستفعلين بهذه الحالة المتدهورة؟”.
“لهذا أحضرتك معي، غابرييل. بدلاً من التذمر، أعطني الدواء الآن.”
عدلت شارلوت وضعيتها بصعوبة، كأنها تجمع آخر قواها. تنهد غابرييل مجددًا، وناولها زجاجة دواء صغيرة بحركة مترددة. ما إن ابتلعت رشفة صغيرة من الدواء حتى عاد بعض اللون إلى وجهها الشاحب، كأن الحياة تسربت إليها مؤقتًا.
خلال أيام قليلة فقط بعد اعترافها لألفونسو، تدهورت حالة شارلوت بشكل مخيف. حتى مع تناولها لدواء غابرييل كل ساعة، أصبح من المستحيل إخفاء علامات المرض الواضحة التي استولت على وجهها، كأن جسدها يعلن استسلامه.
كان ذلك دليلاً على اقتراب اكتمال السحر، كأن القدر يسرع خطواته نحوها.
“سأكرر مجددًا، سيدتي. هذا الدواء لا يعالج، بل يخفي علامات المرض فقط. لا تجهدي نفسك أكثر من اللازم.”
مع اقتراب اكتمال السحر، أصر غابرييل على البقاء بجانب شارلوت، حتى وإن تطلب الأمر ارتداء شعر مستعار لإخفاء هويته. بدا كأنه مصمم على رؤية اكتمال الطقس بعينيه، كأنه ينتظر لحظة حاسمة.
بالطبع، لم تعترض شارلوت، لأنها كانت في أمس الحاجة إلى مساعدته لإخفاء حالتها المتدهورة، حتى لو كان ذلك مؤقتًا.
‘لكن… أشعر أنني لم أعد قادرة على التحمل أكثر.’
لم يكن الأمر يتعلق بإخفاء حالتها بعد الآن. شعرت شارلوت، بحدسها الحاد، أن كل شيء وصل إلى حده الأقصى، كأن جسدها يصرخ أنه لم يعد يملك المزيد ليعطيه.
لهذا، رغم علمها بأن الأمر مستحيل، أصرت على حضور المأدبة اليوم، كأنها تعلم أنها آخر فرصة لها. كان لديها مهمة أخيرة يجب إتمامها قبل أن يطويها الموت، مهمة لا يمكن تأجيلها.
أمسكت شارلوت بكأسين كانت قد وضعتهما جانبًا، وخرجت من الغرفة بوجه يبدو أكثر حيوية، كأن الدواء منحها قناعًا مؤقتًا من القوة.
اقتربت من قاعة الاحتفال، حيث امتزجت الأصوات والأضواء في أجواء صاخبة. في زاوية بعيدة قليلاً عن مركز القاعة، رأت وجهًا مألوفًا.
لكن تعبيراته لم تكن مألوفة على الإطلاق.
كانت هذه المرة الأولى التي ينظر فيها كوينسي إليها بمثل هذا البرود القارس، كأنه يراها لأول مرة. ابتسمت شارلوت بإشراق أكثر من المعتاد، كأنها تحاول تحطيم جدار الجليد بينهما.
“مرحبًا، لم أرَ وجهك منذ زمن. تبدو مختلفًا، كوينسي.”
“شارلوت…” نطق كوينسي باسمها ببطء، بنبرة ثقيلة تحمل ظلالًا من التوجس.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 109"