كل ما يراه أمام عينيه بدا كحلم مشوه، كأن الواقع قد ذاب في ضباب كثيف من عدم اليقين. شارلوت والموت؟. الكابوس الذي ظل يطارد ألفونسو خلال الأيام الأخيرة، كشبح يتشبث بأطراف عقله، تجسد الآن في مشهد مروع أمامه.
وسط هذا الفوضى، كانت شارلوت لا تزال تبتسم، تلك الابتسامة الهادئة التي جعلته يرغب في الصراخ عليها، في سؤالها من أعماق روحه: “متى… متى بدأتِ تخططين لهذا المصير؟!”.
في اللحظة التي انهارت فيها شارلوت، واجه ألفونسو أخيراً مصدر القلق الذي كان يعذبه بلا رحمة. لماذا نطقت شارلوت بتلك الكلمات الغامضة؟.
كانت تحذيراتها، تلميحاتها، قد زرعت فيه خوفاً مبهماً، جعله مستعداً، بطريقة غريبة، لهذا المشهد المرعب. بفضل هذا الإعداد، ظلت يداه ثابتتين رغم الرعب الذين يجتاحه، كأن جسده يتحرك بغريزة بينما عقله غارق في الصدمة.
كانت وصيتها – ألا يذعر إذا ماتت أمامه – قد تحققت بطريقة مأساوية، كأنها نسجت هذا المصير بعناية. لم يستطع ألفونسو تخمين مدى التخطيط الذي وضعته، أو إلى أي حد كانت تتوقع هذه النهاية.
‘هل كانت تعلم أنني يجب أن أترك كوينسي ينفذ جزءاً من خطته؟’ تساءل، وهو يستعيد كلماتها بحيرة.
خلال المباراة، تظاهر ألفونسو بالتأثر بمخدر الشلل، لكن ذلك كان خدعة. رغم ثقته العمياء بشارلوت، لم يمتثل لنصيحتها هذه المرة بشكل كامل. كان يثير رياحاً رملية كلما اقترب من بيرنارد، ليبدد المسحوق، متابعاً نصيحتها بتظاهره بأنه أصيب.
لكن، لو كان قد استسلم فعلاً للمسحوق كما أرادت؟.
‘لما استطعتُ التحرك عندما اقتحمت الحلبة،’ فكر، والرعب يغرقه كموجة عاتية. ربما كان هذا هو هدف شارلوت: أن يكون مشلولاً، عاجزاً عن التدخل، حتى تتمكن من تحمل الضربة بدلاً منه. كانت كل التفاصيل واضحة بشكل مخيف، كأنها لوحة مرسومة بدقة متناهية.
لو غضب وواجهها، كان يعرف إجابتها مسبقاً: “أنتَ الآن على قيد الحياة، أليس هذا كافياً؟”.
تخيلها تقولها بابتسامتها الهادئة، تلك التي كانت تعلم أنها كفيلة بإسكاته، لأنها أدركت نقاط ضعفه بدقة متناهية. يا لها من جرأة وقحة!. إنسانة تتحكم بالآخرين كأنهم دمى، تفتقر إلى الأخلاق، قاسية، أنانية، وعديمة الرحمة.
مصيرها لا يمكن أن يكون سوى الخراب، كما ينتظر كل شرير في قصص الخيال. ‘شريرة ماكرة،’ فكر ألفونسو، وشعور باليأس يعتصر قلبه.
فجأة، شعر وكأن شيئاً بداخله تحطم، كزجاج ينكسر تحت ضغط هائل.
تذكر حكمه القديم على شارلوت: “الماكرون حتماً يدمرون أنفسهم.”
الأنانيون يسقطون بمفردهم، والحاقدون يجرون شخصاً آخر معهم إلى الهاوية، لكن الماكرين يحتضنون الجميع في طريقهم إلى الهلاك، مما يجعلهم الأخطر.
كان قد أقسم يوماً أن أفضل طريقة للتعامل معهم هي تجنبهم تماماً. لكن، لعنة القدر، كان حكمه صحيحاً مرة أخرى.
إذا كانت شارلوت محكومة بالدمار، فهو أيضاً مقدر له أن يتبعها في نفس المسار، كمن يسقط في هاوية لا قرار لها. تعثر ألفونسو وهو يتقدم نحوها، كأن قدميه تخونانه تحت ثقل الحقيقة.
كانت شارلوت قد فقدت وعيها، وجهها شاحب كالموت، ملطخ بدماء سوداء تنتشر كبقع الحبر على لوحة باهتة. هرع طبيب متأخراً، محاولاً تقديم الإسعافات الأولية، لكن حالتها كانت تتدهور بسرعة مخيفة.
“الوضع خطير للغاية،” قال الطبيب، وصوته يرتجف. “تمكنا من إيقاف النزيف، لكن السم ينتشر بسرعة، ولا يمكننا إيقافه.”
“أحضر طبيباً آخر!” صرخ ألفونسو، وعيناه تحترقان بغضب يشبه النار.
“حتى لو جاء آخرون، سيقولون الشيء نفسه،” حاول الطبيب الدفاع عن نفسه. “بدون ترياق لهذا السم، لن تجتاز الليلة–”.
“قلتُ أحضر طبيباً آخر! ألا تسمعني؟” قاطعه ألفونسو، ونظراته كالخناجر، جعلت الطبيب يتجمد من الخوف، خاصة بعد مشهد استجوابه لبيرنارد بوحشية قبل لحظات.
“أ… أنا…” تلعثم الطبيب، عاجزاً عن إيجاد كلمات مناسبة ليقولها في هذا الموقف.
فجأة، قطع صوت غريب هذه الفوضى: “الدوق أكثر عنفاً مما يبدو،” قال الوافد الجديد بسخرية باردة. “الجهل ليس جريمة، أليس كذلك؟”.
التفت ألفونسو، وعيناه الباردتان كالجليد تتجهان نحو المتحدث. كان رجلاً طويل القامة، يرتدي رداءً يخفي ملامحه، لكن عينين ذهبيتين لمعتا كالبرق من تحت غطاء الرأس.
“من أنت؟” سأل ألفونسو، وصوته حاد كشفرة.
“أنا طبيب،” رد الرجل بهدوء مخيف. “وأعرف سيدتك هذه جيداً.”
“ابتعد عن الطريق،” أضاف بنبرة جليدية، “إذا لم تكن تنوي إفساد كل ما عملت من أجله.”
***
في تلك اللحظة التي جاءت فيها سيلفيا إلى شارلوت، متعثرة بخطوات مرتجفة، كانت تحمل خبراً يحمل في طياته الموت: “سيدتي، سيدي أعطى بيرنارد دوراند سماً! أمره بقتل دوق إدوارد مهما كلف الأمر… لذا، سرقتُ الترياق.”
نظرت شارلوت إلى سيلفيا وهي تمد يدها بالترياق المزيف، وفكرت: ‘أخيراً، لقد حانت اللحظة.’
كأن قطعة الأحجية الأخيرة قد استقرت في مكانها، مكملة لوحة خطتها الكبرى.
كانت أمام شارلوت مهمتان عظيمتان: الأولى، حماية ألفونسو من كوينسي وضمان فوزه في بطولة السيف، مهما كلفها ذلك.
الثانية، إعادة غابرييل إلى حياتها، ليواجهها وجهاً لوجه، ويكمل ما بدأه. كانت الأولى صعبة، لكنها لم تكن مستحيلة. أما الثانية، فكانت لغزاً معقداً، كأنها تحاول صيد شبح في عاصفة.
‘الفرصة الوحيدة لاستدراج غابرييل هي خلال بطولة المبارزة،’ فكرت، وعيناها تلمعان بحزم.
لكن كيف؟. لقد أعادت دفتر ملاحظاته، واستنفدت خدعة باسكال كطعم. لم يبقَ في يدها أي أوراق لتلعب بها، سوى ورقة واحدة: حياتها.
‘إذا متُّ، أنا الأوضحية، قبل اكتمال الطقس، فكل شيء سيضيع هباءً،’ استنتجت، وهي تسترجع كلام غابرييل. كان قد أكد أن هدفه الوحيد هو إتمام هذا الطقس، عمله الذي كرس له حياته.
إذن، ماذا لو واجهته بمشهد حيث تكون على حافة الموت، قبل أن يحقق هدفه؟ ‘لن يستطيع تجاهلي، وسيهرع لإنقاذي،’ فكرت، وثقتها تزداد.
لم يكن إخراج هذا المشهد صعباً.
كانت تعلم أن غابرييل سيحضر نهائيات البطولة، وأن كوينسي سيحاول تنفيذ خطته في تلك اللحظة الحاسمة. كل ما كان عليها هو تحويل خطة كوينسي لصالحها: أن تكون هي الهدف بدلاً من ألفونسو.
اقتحام النهائيات، والتعرض للطعن أو السم بدلاً عنه، كان الحل الأمثل.
‘بهذه الطريقة، سأنقذ ألفونسو من كوينسي، وأستدرج غابرييل في الوقت ذاته،’ فكرت، وهي ترسم الخطة في ذهنها كلوحة مثالية.
كان العيب الوحيد أنه إذا فشلت، فستخسر حياتها، وكل ما عملت من أجله سينهار كحلم زائل. لكن الخوف من الموت لم يكن يعنيها.
‘لقد راهنتُ بحياتي مرة، فما الذي يخيفني الآن؟’ سألت نفسها ساخرة.
ما كان يرعبها حقاً هو شيء آخر: ‘يجب أن أكون مستعدة للتخلي عن كل شيء من أجل فرصة العيش أكثر.’
كان الخوف من أن تفقد فرصة إنقاذ ألفونسو بسبب أنانيتها هو ما يعذبها. لو سمعها آخرون، لربما اتهموها بتدمير كل شيء بسبب جشعها.
لكن، ماذا عساها تفعل؟.
‘أنا شريرة، هذا هو طبعي،’ فكرت، وقبلت هذه الحقيقة كجزء لا يتجزأ منها.
لو كانت شارلوت إنسانة متفانية تماماً، لما كانت تُعرف بالشريرة أصلاً. بدأت في تحضير كل شيء بعناية فائقة، كأنها تنسج شبكة معقدة: “إذا طُعنت، أي جزء من الجسم يمكنني تحمله؟” سألت أرنو، بحجة التحضير للنهائيات.
“تجنبي مركز الجسم. الأفضل أن تُصابي في الجانب،” أجاب، متعجباً من سؤالها، لكنه أجاب بكل صراحة بما يعرفه.
“سيدتي، هذه حلوى العرقسوس التي طلبتيها. تُسوّد اللسان، وهي شائع بين الأطفال،” قالت خادمة، وسلمتها الكبسولة. خبأت شارلوت كبسولة تحتوي العرق سوس يشبه الدم الملوث بالسم داخل ضرسها، تحسباً للحظة التي ستتظاهر فيها بالتسمم.
وفي يوم النهائيات، بعد زيارة سيلفيا، اندفعت نحو فرسان إدوارد، متظاهرة بالذعر المطلق: “سيدتي؟ ما الذي يجعل وجهكِ شاحباً هكذا؟” سأل فارس، مذهولاً.
“يجب إيقاف المباراة فوراً! ساعدوني!” صرخت.
“ماذا؟”.
“الخصم يحمل سيفاً مطلياً بالسم القاتل! إذا أصيب ألفونسو، سيموت! أسرعوا!”.
بالطبع، تخلصت من الترياق المزيف الذي أعطته إياها سيلفيا منذ البداية. لم تثق بكلمة واحدة من كلامها.
‘على الأرجح، كانت تأمل أن أركض مذعورة بالترياق،’ فكرت شارلوت. لكنها منذ البداية كانت تخطط للتضحية بنفسها. إذا نجحت خطتها، ستحصل على كل ما أرادت: إنقاذ ألفونسو، واستدراج غابرييل.
قبل أن تفقد وعيها، نظرت إلى ألفونسو بعينين ضبابيتين، وابتسمت: “لا تقلق، كل شيء سيكون على ما يرام.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات