فجأة، ارتفعت أصوات ضجيج من أحد جوانب الملعب. لكن، إذا أردنا الدقة، لم يكن مصدر الضجيج الملعب نفسه، بل كان يأتي من داخل غرفة الانتظار المجاورة. كانت أصوات الصراخ والاحتجاج تملأ المكان، حيث كان هناك من يحاولون الاندفاع إلى الأمام وآخرون يحاولون منعهم بعناد.
“لا يمكنكم فعل هذا!” صرخت امرأة.
“لا أحد يُسمح له بالتدخل أثناء المباراة، سيدتي!” أجاب آخر بنبرة حادة.
في وسط هذا الفوضى، كانت تقف امرأة ذات شعر أحمر ناري، كأنها شعلة تتحدى الجميع. كانت المرأة لا أحد سوى شارلوت.
“شارلوت؟” تمتم كوينسي، وهو يحدق بها بعينين متسعتين من الصدمة. لم يكن هناك مجال للشك، فمن بين كل الناس، كان كوينسي الأكثر قدرة على التعرف عليها على الفور. لقد كانت هي، بكل تأكيد، من أثارت هذا الاضطراب.
“ابتعدوا عن طريقي! يجب إيقاف المباراة فورًا!” صرخت شارلوت بصوتٍ مليء بالإصرار، وهي تدفع نفسها نحو مدخل الملعب.
“غير مسموح! تراجعي!” رد أحد الحراس بنبرة قاطعة.
“لا تلمسوا سيدتي!” تدخل فرسان إدوارد، الذين كانوا يحيطون بها من كلا الجانبين، يدافعون عنها بحزم.
بفضل حماية فرسانها، تمكنت شارلوت من الاقتراب أكثر فأكثر من مدخل الملعب، على الرغم من محاولات الجنود لإيقافها. كان من الواضح للجميع أنها كانت عازمة على اقتحام الملعب، وأنها لن تتوقف حتى تحقق هدفها. لكن، لماذا الآن؟ لم تُظهر أي علامة على التدخل طوال الوقت، فلماذا ظهرت فجأة لتعطل المباراة بهذه الطريقة؟.
‘ما الذي تحاول فعله؟’ فكر كوينسي، وشعور بالقلق يتسلل إلى صدره. كان هناك شيء غير طبيعي في تصرفاتها. التفت إلى سيلفيا، خادمتها السابقة، وسألها بنبرة حادة:”سيلفيا، كيف كانت ردة فعل شارلوت عندما زرتِها؟”.
“أ-أوه، كانت… مصدومة بالطبع، سيدي. بدت وكأنها تلقت صدمة كبيرة عندما أخبرتها بالأمر،” أجابت سيلفيا بصوت مرتجف.
“مصدومة؟ شارلوت؟” رد كوينسي بنبرة مليئة بالشك. “أنتِ تقولين إن شارلوت، تلك المرأة بالذات، بدت مصدومة؟”.
“أ-أليس هذا طبيعيًا؟ أعني، سماع أن زوجها قد يُقتل…” حاولت سيلفيا تبرير موقفها، لكن كوينسي قاطعها بنفاد صبر.
“يا لكِ من غبية! كيف لا تفهمين هذا بعد كل الوقت الذي قضيته بقربها؟ لو كانت شارلوت كما تعرفينها، لكانت توقعت أنني سأحيك خطة ما!”.
إذا كانت شارلوت قد أظهرت صدمة، فهذا يعني شيئًا واحدًا فقط: كانت تتظاهر. كانت تلعب دورها ببراعة لخداع سيلفيا، وربما لخداع كوينسي نفسه.
لكن، حتى لو كانت تخطط لشيء ما، فقد فات الأوان. ألفونسو كان قد أصيب بالمخدر بالفعل، وكان على وشك أن يتلقى ضربة قاتلة من سيف برنارد. حتى لو اقتحمت شارلوت الملعب الآن، فلن تستطيع تغيير النتيجة. برنارد لن يفوت فرصة إصابة ألفونسو بجرح، وهذا الجرح سيحمل السم الذي سيُنهي كل شيء.
‘لقد تأخرتِ كثيرًا، شارلوت،’ فكر كوينسي، وابتسامة خبيثة تعلو وجهه. لكنه، في الوقت ذاته، شعر بشيء غريب. لماذا تحركت الآن؟ إذا كان هدفها إنقاذ ألفونسو، فلماذا انتظرت حتى هذه اللحظة الحرجة؟ ما لم… .
فجأة، خطرت في ذهنه فكرة مرعبة، فكرة بدت سخيفة وغير منطقية تمامًا، لكنها أثارت غريزته الحادة التي دائمًا ما تنذره بالخطر.
“مستحيل…” تمتم، وهو يحاول طرد تلك الفكرة من رأسه. لكن غريزته كانت تصرخ بأن هناك شيئًا خطيرًا قادمًا. إذا كانت تلك الفكرة صحيحة، إذا كانت شارلوت تخطط لما يخشاه… .
“اللعنة!” صاح كوينسي، وهو ينهض من مقعده فجأة، عازمًا على الاندفاع نحو الملعب. لكن في تلك اللحظة بالذات، اخترقت ظل أحمر المشهد، كأنها لهب ينتشر بسرعة عبر حقل جاف. كانت شارلوت، وقد تمكنت من تجاوز الجنود الذين حاولوا إيقافها بمساعدة فرسان إدوارد. لم يكن هناك من يستطيع إيقافها، كما لو كانت قوة لا تُقاوم.
“شارلوت؟ ما الذي تفعلينه؟” صرخ ألفونسو بصدمة، وهو يراها تقتحم الملعب. لكن، قبل أن يتمكن من استيعاب ما يحدث، تحرك سيف برنارد الثلاثي الأطراف بسرعة خاطفة، مقطعًا الهواء بنية قاتلة. لأول مرة في المباراة، اخترق السيف جسده، ودوى صوت مكتوم عندما غاص في اللحم. بدأ الدم الأحمر يتسرب من الجرح، ومع الدم، بدأ السم يتسلل ببطء إلى الجسد.
كل شيء سار وفق خطة كوينسي… باستثناء شيء واحد: الشخص الذي أصابه سيف برنارد لم يكن ألفونسو. كانت شارلوت.
***
“شارلوت!”.
“سيدتي! هل أنتِ بخير؟”.
عندما انهارت شارلوت على الأرض، ممسكة بجرحها، اندفع الجميع من غرفة الانتظار نحوها. كان من بينهم الحكم، الذي كان يحمل مكبر صوت، وصرخ بذهول:”ما الذي حدث؟ ألم نقل لكم أن التدخل ممنوع؟ اسرعوا، يجب إيقاف النزيف!”.
“إنه… سم،” تمتمت شارلوت بصعوبة، وهي تكافح لتخرج الكلمات من بين شفتيها الملطختين بالدم. انتشر صوتها عبر مكبر الصوت، يتردد في أرجاء الملعب.
“سيف برنارد ديورانت… كان مطليًا بالسم القاتل… لم أستطع السماح له بإيذاء زوجي…” بدأت تسعل بعنف، وتدفق دم أسود داكن من فمها، وكأنه دليل لا يقبل الشك على وجود السم.
“دم أسود؟ هذا سم بالتأكيد! لقد استخدم هذا الرجل السم!” صرخ الحكم.
“اقبضوا على برنارد ديورانت فورًا!” أمر بصوتٍ عالٍ، واندفع الجنود والفرسان نحو برنارد، الذي كان وجهه مبللاً بالعرق البارد، وقد بدا كأنه فقد أعصابه تمامًا.
“هاها… اللعنة على هذا!” تمتم برنارد، وهو يرفع سيفه الثلاثي الأطراف، يحاول الدفاع عن نفسه بيأس. كان يعلم أن الأمور قد سارت على نحو خاطئ منذ لحظة ظهور تلك المرأة ذات الشعر الأحمر.
‘نعم، لقد طليت سيفي بالسم، لكن هذا ليس سمًا يعمل فورًا!’ فكر في نفسه، وهو يحاول فهم ما يحدث. كان السم الذي قدمه كوينسي مصممًا ليعمل ببطء، بحيث لا يثير الشكوك فورًا. فكيف يمكن لهذه المرأة أن تتقيأ دمًا أسود بهذه السرعة؟ كأنها كانت تعلم مسبقًا ما سيحدث!.
لم يكن لديه وقت للتفكير. صرخ برنارد بغضب: “هيا، تعالوا إذا جرؤتم! هل تريدون أن تنتهوا مثلها؟” توقف بعض الجنود الذين كانوا يتقدمون نحوه، مترددين. كان برنارد مقاتلاً ماهرًا، وقد أثبتت البطولة قوته، ومع وجود سم قاتل على سيفه، كان الاقتراب منه يعني المخاطرة بالحياة.
في تلك اللحظة، تحرك سيف بسرعة خاطفة، ممزقًا الهواء ومارًا بجانب رقبة برنارد. لم يتوقف السيف عند هذا الحد، بل استمر في حركات دقيقة وسريعة، تستهدف نقاط ضعف برنارد كما لو كانت ترقص حوله.
حاول برنارد الدفاع عن نفسه، لكنه كان في حالة ذهول. فجأة، ضرب المهاجم ساق برنارد بغمد السيف، مما جعله ينهار على الأرض صارخًا من الألم.
لكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة لم يكن سرعة السيف أو دقته، بل هوية الشخص الذي نفذ الهجوم. كان ألفونسو، الرجل الذي كان من المفترض أن يكون مشلولاً تمامًا بفعل مسحوق التخدير، هو من أطاح ببرنارد بسهولة مذهلة.
“لا داعي لأن أقع في فخ واضح كهذا،” قال ألفونسو ببرود، وهو يضع قدمه على يد برنارد التي كانت تحاول الإمساك بالسيف، مسببًا له ألمًا شديدًا.
“آه!” صرخ برنارد.
“تحدث. من وراءك؟ أين الترياق؟” سأل ألفونسو بنبرة لا تعرف الرحمة.
تكرر السؤال مع صرخات الألم مرات عديدة. مع كل إجابة مترددة، كان ألفونسو يزيد من ضغطه، حتى بدأت مفاصل برنارد تفقد وظيفتها واحدًا تلو الآخر. بعد أقل من عشر دقائق، كان برنارد ملقى على الأرض، أطرافه مشلولة نصفها، وهو يضحك بنبرة هستيرية ومكسورة.
“الترياق؟ هههه… لا يوجد شيء من هذا القبيل!” هدر برنارد، وهو يكافح للتنفس بين ضحكاته المجنونة. “لا يوجد ترياق! زوجتك ميتة الآن، أتفهم؟ وأنا أيضًا سأموت! هههه…”.
توقف ألفونسو عن النظر إلى برنارد. لم يعد يهمه. رفع بصره، ورأى شارلوت بين فرسان إدوارد، وجهها شاحب كالأشباح، تكافح لتبقى واعية.
“سيدتي، هل تسمعينني؟ ابقي معنا!” صرخ أحدهم بجانبها.
“أين الطبيب؟ متى سيصل؟” أضاف آخر.
في تلك اللحظة، بدا السماء فوق رأسه وكأنها تتحول إلى اللون الأرجواني، كأنه في حلم غريب. تردد صوت شارلوت في ذهنه مرة أخرى، كلماتها التي قالتها من قبل: “إذا مت أمامك يومًا ما، لا تندهش كثيرًا، ولا تلم نفسك.”
تذكر كيف كانت تتجاهل الألم عندما تؤذي يديها أثناء قطف الزهور، لكنها كانت تتألم بشدة عندما يصاب هو بأي جرح بسيط، كأنها هي من تتألم. تلك الذكريات كانت تتدفق إلى ذهنه، مكثفة ومؤلمة.
عندما التقى بصر ألفونسو بشارلوت، التي كانت ملقاة على الأرض، رأى شيئًا مفجعًا. ابتسمت له، ابتسامة شاحبة ولكنها مألوفة بشكل مؤلم، تلك الابتسامة التي كانت تحمل كل الحب والتضحية التي عرفها منها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات