في الأيام الأخيرة، أمضى ألفونسو وقتاً طويلاً برفقة شارلوت، أكثر مما اعتاد عليه في أي وقت مضى. كان ذلك لأن شارلوت، خوفاً من أن يحاول كوينسي تسميم ألفونسو أو إرسال قاتل محترف للقضاء عليه، قررت البقاء بجانبه معظم الوقت، كحارسة لا تكل.
حتى الآن، لم يتحرك كوينسي بشكل مباشر، مما جعل هذا الدرجة من الحذر تبدو مبالغاً فيها بعض الشيء.
لكن، كما أقرت شارلوت ذات مرة: “لم أقصد ذلك، لكنني استفززت كوينسي قليلاً. ومع طباعه، لن يظل ساكناً، لذا يجب أن أبقى في حالة تأهب.”
كانت تروي لألفونسو عن لقائها بكوينسي أثناء مباراته، موضحة دوافعها. مهما كانت الأسباب، لم يجد ألفونسو سبباً لرفض وجودها المستمر بجانبه.
ومع قضائهما كل هذا الوقت معاً، في لحظات من الصمت والمحادثات العابرة، اكتشف شيئاً لم يكن يتوقعه:”هل أهتم بكوينسي؟ لا، بالتأكيد لا!”
كان ألفونسو يظن، بناءً على حدسه، أن الشخص الذي تقدم شارلوت أنه تحبه قد يكون كوينسي.
لكن عندما طرح السؤال، متعجباًا من عدائيتها الواضحة تجاه كوينسي، هزت رأسها بنفور شديد، كأن الفكرة نفسها تثير اشمئزازها.
“كوينسي؟ مستحيل!”.
للحظة، بدت وكأنها تعيد التفكير في كلماتها، لكنها أضافت: “لا أكره كوينسي، لأني مدينة له بالكثير. لكن لا أنوي العودة إلى نوها لأعيش معه أبداً.”
في تلك اللحظة، لم يستطع ألفونسو تحديد المشاعر التي اجتاحته، كأنها موجة غامضة لا يملك اسمها. لذلك، اكتفى بالرد:”حقاً؟ كنت أظن أن الشخص الذي تحبينه هو كوينسي.”
“هذا استنتاج غريب منك،” ردت شارلوت بسخرية خفيفة، وعيناها تلمعان بالدهشة. “كوينسي؟ هذا لا يُعقل! لمَ فكرت بذلك؟”.
“لأنكِ نادراً ما تتحدثين عن الشخص الذي تحبين،” أجاب ألفونسو، وصوته يحمل نبرة هادئة لكنها حادة.
تبع ذلك صمت قصير، مشحون بتوتر غريب.
كانت شارلوت عاجزة عن الرد للحظة، بينما بدا ألفونسو نفسه متفاجئاً من كلماته، كأنه أدرك للتو عمق ما قاله. كان مضحكاً، بطريقة ما، أن ينتبه ألفونسو إلى هذا الآن فقط: شارلوت، التي تتحدث عن الحب، كانت دائماً غامضة، لا تكشف شيئاً عن نفسها أو عن قلبها.
لو كان شخصاً آخر، ربما كان قد حاول استجوابها منذ زمن، لكن ألفونسو، بطبعه المتحفظ ولامبالاته الطبيعية، لم يكن ليحفر في أسرارها.
أو ربما، كما فكر لاحقاً، كان مفتوناً بقربها منه، بقبولها له دون مقاومة، لدرجة أنه لم يفكر حتى في طرح مثل هذه الأسئلة.
‘إذا كان الشخص الذي تحبه من أقربائها، فإن مكان الحبيب على الأقل مفتوح لي بشكل عادل،’ فكر، محاولاً تهدئة نفسه.(يعني بما انه من اقارب الدم في هنا مستحيل تكون علاقة حب زي ما هو يحبها ف عنده فرصة معها)
في الحقيقة، لم يكن من تحب شارلوت بالنسبة لألفونسو أمراً حاسماً – على الأقل، ليس حتى تلك اللحظة. خرج صوته، حاداً كشفرة تقطع الحجر:”إذا لم يكن كوينسي نوها الذي تحبين، فمن هو إذن؟”.
بدا وجه شارلوت مرتبكاً، ربما يحمل ظلاً من الحزن العميق. كانت عادتها، عندما تشعر بالحرج، أن ترفع حاجبيها بدلاً من العبوس، مما يجعل عينيها تبدوان متدليتين قليلاً، كما فعلت الآن.
“أنا آسفة، لا أستطيع قول ذلك،” ردت، وصوتها يحمل نبرة اعتذار خافتة.
“لن اجادل مهما كان من تحبين،” أصر ألفونسو، محاولاً طمأنتها.
“ألفونسو، أنا لا أعيش حباً غير شريف،” قالت، وعبست أخيراً، ثم أطلقت تنهيدة طويلة ودفعته برفق بعيداً عنها. “ما بالك اليوم؟ أنت لم تكن تهتم بهذه الأمور من قبل!”.
“فجأة، شعرت بالفضول،” أجاب، ونبرته هادئة لكنها تحمل إصراراً. “أنتِ دائماً بجانبي أو في إدوارد. لم تخرجي حتى إلى المناسبات الاجتماعية.”
كانت شارلوت دائماً في إدوارد، إما بجانب ألفونسو أو منعزلة في القصر. حتى عندما سأل الخدم أو رئيسة الخادمات عما كانت تفعله، كانت إجاباتهم متشابهة:”اليوم، قضت سيدتنا اليوم في ترتيب الزهور.”
“تجولت سيدتنا في المكتبة، تحدثت قليلاً مع الفرسان، لكنها غالباً كانت تقرأ.”
“بدت سيدتنا تشعر بالملل، فاقترحت عليها التطريز، لكنها قالت إنها ليست موهوبة فيه. ومع ذلك، بدت ماهرة في التعامل مع الإبرة…”.
لم تترك شارلوت أثراً في إدوارد.
كانت تعيش كضيفة عابرة، كأنها ترفض ترك بصمة، خوفاً من أن تغير شيئاً أو تترك شيئاً وراءها عندما تغادر يوماً. كل ما كانت تفعله هو القراءة أو العبث بباقة زهور تذبل في أقل من أسبوع.
كانت حياتها تبدو مفعمة بالحيوية من الخارج، لكنها في جوهرها منغلقة، كقفص ذهبي. لم تبد أبداً كشخص يحب أحداً بعمق.
“لذلك، افترضت أن الشخص الذي تتحدثين عنه هو كوينسي نوها. ولكن بما أنكِ تنفين ذلك، لا يسعني إلا أن أتساءل،” قال ألفونسو، ونظراته تبحث عن إجابة في عينيها.
“… إنه بعيد قليلاً، لا أستطيع رؤيته الآن،” ردت شارلوت، وصوتها يحمل نبرة غامضة.
“إذا لم ترغبي في الحديث، لن أجبرك، لكن لا تكذبي عليّ،” قال ألفونسو، وحدق فيها مباشرة، مما جعلها تتفادى نظراته نحو اليسار.
“عندما تتحدثين عن من تحبين، يظهر عليكِ الارتباك بوضوح.”
كانت شارلوت بارعة في الكذب، لكن في هذه اللحظة، كانت كذبتها واضحة حتى لألفونسو.
‘لكن لا يمكنني استجوابها،’ فكر، وهو يشعر بالإحباط من نفسه، وقد عاد للواقع بعد جولة في ذكرياته عن شارلوت في الايام الماضية.
كلما خرجت شارلوت دون أن تخبره إلى أين، عاد إلى ذهنه هذا الحوار، كشبح يطارده. ما زاد الأمر تعقيداً هو تعبيرها المتوتر عندما غادرت القصر، كأنها تحمل سراً ثقيلاً.
‘هل ذهبت للقاء من تحب؟’ تساءل، وشعور غريب بالذنب يعتصره، كأنه متورط في خيانة لم يقصدها.
لو أمكنه، لكان ألفونسو قد سألها مباشرة: إذا كان هناك شخص تحبينه حقاً، غير كوينسي، فهل من المناسب أن نستمر في هذه العلاقة؟.
:بالنسبة لكِ، ما أنا؟’.
بعد قبلاتهم القليلة، بدأ ألفونسو يتقبل رغباته تجاه شارلوت ببرود، كحقيقة لا مفر منها. كان يرغب في رؤيتها تضحك، لكن في الوقت نفسه، كان يشعر بنشوة غريبة عندما تراها تبكي بسببه.
كان هذا المزيج من الرغبات النبيلة والوضيعة محيراً، كأنه يكتشف جانباً جديداً من نفسه. لكن، إذا كان هناك حبيب حقيقي لشارلوت، شخص تحبه بعمق؟.
‘عندها، لن نتمكن من الاستمرار،’ فكر، وشعور بالمرارة يتسلل إليه.
كانت شارلوت نفسها ستبتعد عنه، وربما يكون ذلك قريباً، ربما اليوم. رغم إدراكه أن هذا هو الطريق الصحيح، إلا أن قلبه كان يتمزق.
‘لكن أن يصل الأمر إلى أن يكتشفني لودفيغ؟’ فكر، مدركاً أن قلقه كان واضحاً أكثر مما توقع.
أطلق ألفونسو تنهيدة ثقيلة، ثم طلب من لودفيغ المغادرة، وبدأ في ترتيب أوراقه.
‘ربما يجب أن أذهب إلى ساحة التدريب،’ فكر.
كانت المباراة التالية قريبة، وتدريب يده اليسرى كان ذريعة جيدة، لكن الحقيقة أن عقله كان مشوشاً.. ينما كان يفك ضمادات يده اليمنى، فُتح الباب فجأة دون طرق، ودخل شخص.
في إدوارد، كان هناك شخص واحد فقط يجرؤ على فتح باب مكتب الدوق بهذه الجرأة: دوقة إدوارد، شارلوت.
تفاجأ ألفونسو، واختلطت مشاعر الفرح بالقلق.
“شارلوت؟ عدتِ بهذه السرعة؟”.
“…”.
“شارلوت؟”.
بينما كان يحدق فيها، لاحظ أنها تراقبه بتعبير غريب، ثم ابتسمت فجأة، كأنها تستعيد رباطة جأشها.
“عدتُ للتو،” قالت بنبرة خفيفة. “أردتُ التأكد أن كل شيء على ما يرام معك. آسفة، هل أفزعتك؟”.
“لا بأس،” رد، محاولاً إخفاء دهشته. “لكن، الشخص الذي كنتِ ستلتقين به…”.
تلعثم ألفونسو، فأصدرت شارلوت صوتاً خفيفاً، كأنها تتذكر شيئاً. “اوه، لا شيء مهم،” قالت بلهجة عابرة. “لم أخبرك لأنني لم أرد أن تقلق. لقد كنتُ أشعر بتوعك مؤخراً، فذهبت لزيارة طبيب.”
“توعك؟ لمَ لم تخبريني؟” قال ألفونسو، وعبس على الفور، وقلقه واضح في صوته.
ضحكت شارلوت، كأنها توقعت رد فعله، ونقرت على جبينه برفق. “انظر، لهذا لم أخبرك! ألم تقل إنك تكره زيارة الأطباء؟ لذا ذهبت إلى شخص أثق به، هذا كل شيء.”
“ومع ذلك،” أصر ألفونسو، غير مقتنع.
“أنا بخير الآن، حقاً،” طمأنته، وابتسامتها تتسع. “لم يكن شيئاً خطيراً. هل بدوتُ مريضة يوماً؟”.
فكر ألفونسو للحظة. لا، لم تبد شارلوت مريضة أبداً. في إدوارد، كانت دائماً مفعمة بالحيوية، كالنور الذي يضيء الغرفة.
عندما لم يرد، رفعت شارلوت أنفها بنظرة انتصار.
“ألم أقل؟ لم يكن شيئاً يستحق الذكر، والآن أنا بصحة جيدة. أنت منشغل ببطولة السيف، ولم أرد إزعاجك.”
“حتى لو كان الأمر كذلك، أخبريني في المرة القادمة،” قال ألفونسو، ونبرته جادة. “إنه يتعلق بكِ، أنتِ أكثر من يهمني.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 102"