منذ عودتها إلى الماضي، كثيراً ما تساءلت شارلوت عما إذا كانت الوحيدة التي تتذكر هذا الخط الزمني، أم أن هناك آخرين يشاركونها هذه الذكريات الغريبة.
السبب كان واضحاً وبسيطاً.
كل ما ألقت بنفسها فيه، تضحية بحياتها، كان من أجل أمنية واحدة: إعادة ألفونسو إلى الحياة ومنحه السعادة التي حُرم منها. لم تطلب أبداً أن يُمحى الماضي من ذاكرة الجميع أو أن تكون وحدها من تحتفظ به.
‘إذا كنتُ أنا قادرة على تذكر الزمن الذي اختفى، فقد يكون هناك غيري يتذكره أيضاً،’ فكرت، وهي تحدق في الفراغ، كأنها تحاول استحضار أشباح الماضي.
لكن من هم الذين يمكن أن يتذكروا؟.
في تقديرها، كان هناك اثنان فقط محتملان.
الأول هو ألفونسو، الذي أعيد إلى الحياة بفضل تضحيتها العظيمة. لكنها تأكدت مرات ومرات عديدة، من خلال لحظات صغيرة ومحادثات طويلة، أن ألفونسو لا يحمل أي ذكرى من ذلك الماضي المظلم.
إذن، يبقى مرشح واحد فقط: غابرييل، الخيميائي الذي نسج الطقس السحري الذي قلب الزمن.
لكن، إذا كان ألفونسو نفسه لا يتذكر شيئاً، فهل من الممكن أن يكون غابرييل أيضاً قد فقد ذكرياته؟. ضاقت عينا شارلوت، كأنها تحاول فك شفرة لغز محير، وهي تواجه غابرييل في تلك اللحظة الحاسمة.
“إذن، أنتَ أيضاً تتذكر الماضي،” قالت، ونظرتها الحادة كشفرة تخترق الضباب، موجهة نحو عينيه الذهبيتين.
“إنه طقسي الخاص، أليس من المنطقي أن أتذكر؟” رد غابرييل بهدوء مخيف، دون أن يرف له جفن، كأن كلماتها لا تثير فيه أي اهتزاز عاطفي. “ومع ذلك، لم أتوقع أبداً أن يؤدي الطقس إلى هذه النتيجة.”
كان صوته باردًا، كما لو كان يناقش تجربة علمية بعيدة عن الإنسانية، وليس حدثاً قلب مجرى الوجود نفسه.
“لم أكن أعتقد أن عكس الزمن ممكن،” تمتم، كأنه يتحدث إلى نفسه أكثر منها. “يبدو أن هناك الكثير لا يزال ينتظرني لأكتشفه.”
كان وجهه، وهو ينطق هذه الكلمات، خالياً من أي تعبير، كقناع من الحديد المصقول، لا يعكس سوى برودة عقلانية. بعبارة أخرى، لم يكن لديه أي تردد في إظهار حقيقته، كأنه لم يعد يرى داعياً للاختباء.
كان هذا لافتاً، خاصة عندما تذكرت شارلوت كيف كان في الماضي يخفي وجهه بعناية، حتى إن عينيه الذهبيتين النادرتين كانتا بالكاد مرئيتين تحت غطاء رأسه.
“لمَ لم تعد تخفي وجهك؟” سألت، وعيناها تلمعان بمزيج من الفضول والتحدي.
“في الماضي، أخفيت وجهي لأمنع من يجدني من العودة إليّ مرة أخرى،” أجاب غابرييل، وهو يخفض عينيه ببطء، كأنه يستعيد ذكرى بعيدة. “لكن يبدو أن هذا لم يكن كافياً معكِ، سيدتي. لم أتخيل أنكِ ستجدينني بهذه الطريقة الماكرة.”
في يده، كان يحمل لوحة ألوانها مشوهة، متآكلة بشكل غريب، كأنها تذوب تحت لمسة الزمن. كانت هذه اللوحة دليلاً مادياً على نجاح خطتها، اعترافاً صامتاً بأنها أوقعته في فخها ببراعة.
“عندما رأيت اللوحة تتلاشى، علمت أن لا أحد غيركِ قادر على تدبير مثل هذه الخدعة،” قال، وابتسامة خفيفة تحمل سخرية طفيفة تعلو شفتيه.
“وإذا كنتَ قد أدركت ذلك، ألم يكن بإمكانك ألا تعود؟” سألت، وهي ترفع حاجباً، كأنها تختبره.
“كنت أنوي ذلك بالفعل،” رد غابرييل بهدوء، وهو يُخفي اللوحة داخل ردائه. “لكنني غيرت رأيي فجأة.”
رفع عينيه الذهبيتين نحوها، تلك العينان اللتين كانتا تثيران قشعريرة خفيفة في الماضي، كأنهما تنظران إلى ما وراء الروح.
لكن، بشكل غريب، لم تشعر شارلوت بالخوف هذه المرة. ‘هل لأنني رأيت وجهه أخيراً؟’ تساءلت في نفسها، محاولة تفسير شعورها.
كان غابرييل شاباً ذا عينين ذهبيتين، ربما في سن كوينسي على أبعد تقدير، لكنه كان يحمل هالة غامضة تجعله يبدو خارجاً عن الزمن.
كان طويلاً، بملامح دقيقة وحالمة، كأنه شخصية من لوحة فنية قديمة. ما ميزه كان شحوب بشرته اللافت وشعره الأبيض النقي، كأنه خالٍ من أي صبغة.(اللون بالكوري ابيض او فضي شي منهم ما جربت القاموس لسه ف بخليه أبيض)
صحيح أن ألفونسو يملك شعراً فضياً، لكن بياض شعر غابرييل كان مختلفاً، أشبه بندف الثلج المتساقطة في ليلة شتوية.
إذا كان ألفونسو يشبه جليداً صلباً، متيناً، فإن غابرييل كان كثلج رقيق يذوب عند أول لمسة.
“على الأرجح،” أجاب غابرييل بنبرة هادئة. “للأسف، ليس من الصعب عليّ قراءة نواياكِ، سيدتي.”
كانت قوة شارلوت في تفوقها على الآخرين، بفضل معرفتها بالماضي، مما جعلها قادرة على فعل ما يعجز عنه غيرها. لكن هذه الميزة لم تكن ذات جدوى مع غابرييل، الذي يشاركها ذلك الماضي ويعرف أسراره.
“كان من المثير للإعجاب كيف استخدمتِ اللوحة لاستدراجي،” قال، وعيناه تلمعان بتقدير خفيف. “معرفتكِ بما لا أستطيع مقاومته تعني أنكِ وجدتِ دفتر ملاحظاتي في سان بيل.”
“وربما كنتِ تخططين لاستخدامه لعقد صفقة معي،” أضاف، وصوته يحمل نبرة هادئة لكنها حادة.
رفعت شارلوت حاجباً، متفاجئة بمدى دقة استنتاجاته. “إذن، أدركت كل شيء، ولم تكن تنوي العودة في البداية. لمَ غيّرت رأيك؟” سألت، وهي تحاول استكشاف دوافعه الحقيقية.
“الأمر بسيط،” رد غابرييل. “شعرت أن الطقس يقترب من اكتماله.”
بدأ يروي كيف تتبع خطواتها منذ عودته إلى الماضي، كأنه صياد يتعقب فريسة بعناية.
“ربما لا تتذكرين، لكن الطقس الذي استخدمته لكِ كان غير مكتمل،” قال. “كان عمل حياتي، وكنتُ بحاجة إلى رؤيته يكتمل.”
تذكرت شارلوت كلامه في الماضي، عندما أخبرها عن الطقس:”إعادة الموتى إلى الحياة ممكنة، لكن بما أن الطقس غير مكتمل، لا أستطيع ضمان النتائج.”
حينها، كانت شارلوت غارقة في يأسها، لا ترى سوى بصيص الأمل الذي قدمه. كانت مستعدة لتحمل أي مخاطر، مهما كانت، إذا كان ذلك يعني إعادة ألفونسو إلى الحياة.
“أستطيع أن أضمن النجاح إذا اكتمل الطقس،” أكد غابرييل حينها، بنبرة واثقة جعلتها تتشبث بكلامه كطوق نجاة.
لذلك، قدمت حياتها كثمن.
‘كنتُ نصف مجنونة حينها،’ فكرت، وهي تتذكر تهورها الذي كاد يكون انتحاراً.
الآن، ربما كانت ستتردد، تسأل المزيد من الأسئلة: لماذا يوجد هذا الطقس؟ كيف يمكنه أن يكون متأكداً من نجاحه؟ لكن يأسها في تلك اللحظة كان أعمق من أي منطق.
بينما كانت غارقة في أفكارها، واصل غابرييل حديثه: “كنتُ بحاجة إلى رؤية الطقس يكتمل. إنه ليس مجرد تجربة، بل أساس لتطوير طقس أكثر كمالاً في المستقبل.”
“إذن، جئتَ لإكمال بحثك،” قالت شارلوت، مدركة أن دوافعه كانت أكاديمية بحتة.
لكنه لم يكن مهتماً بالمال أو المكافآت الدنيوية. كان هوسه ينحصر في بحثه، في السعي وراء المعرفة المطلقة. من يمكنه اختبار طقس يعيد الموتى إلى الحياة دون تقديم تضحية بشرية؟.
بالنسبة لغابرييل، كان قدوم شارلوت إليه بمثابة هدية من القدر، فرصة نادرة لاستكمال عمله.
أطلقت شارلوت ضحكة ساخرة، لكنها تحولت سريعاً إلى نوبة سعال عنيفة، كأن جسدها يتمرد عليها. استمرت النوبة لدقائق، حتى هدأت أخيراً، بينما كانت عينا غابرييل الذهبيتان تراقبانها بإصرار، كأنهما تحللان كل حركة.
“كما توقعت، حالتكِ سيئة للغاية،” قال بنبرة خالية من العاطفة. “يبدو أن الآخرين قد بدأوا يلاحظون.”
“لحسن الحظ، شخص واحد فقط لاحظ حتى الآن،” ردت شارلوت، وهي تستعيد أنفاسها بصعوبة.
“زوجكِ لا يعلم؟” سأل، وكأنه يحاول قياس مدى سريتها.
“بالطبع لا يعلم،” أجابت بحزم، وعيناها تلمعان بعناد. “يجب ألا يعرف. من يريد أن يعيش بجانب شخص يحتضر؟ إنه شعور مقزز.”
استقامت شارلوت بعد أن هدأ السعال، وكان على وجهها تعبير يمزج بين الارتياح والتحدي.
‘ربما هذا أفضل،’ فكرت.
لو كان غابرييل قد جاء جاهلاً، مخدوعاً بخطتها، لكانت اضطرت إلى إضاعة وقت طويل في إقناعه. لكن معرفته بالماضي ومجيئه طواعية كانا إشارة إيجابية، كأن القدر يلعب لصالحها لمرة واحدة.
“إذن، مهما كان السبب، جئتَ لمساعدتي، أليس كذلك؟” قالت بنبرة جريئة، كأنها تحاول استعادة السيطرة على المحادثة. “دعني أسألك سؤالاً واحداً.”
ترددت للحظة طويلة، كأن الكلمات تكافح للخروج من أعماقها، محملة بثقل اليأس والأمل.
أخيراً، فتحت فمها، وصوتها يرتجف كأنه على وشك الانكسار: “غابرييل، ألا يوجد حقاً أي طريقة لإنقاذ حياتي؟”.
كانت كلماتها مشبعة بالتوسل، كأنها تعلق آخر خيط من أملها على إجابته.
***
“سيدي.”
تحدث لودفيغ بارتيليمي، الفارس الأول الموقر لإدوارد، بعد تفكير عميق ومداولات طويلة. كان هذا تصريحاً جريئاً، جاء بعد ثلاث ساعات من التردد، وبعد أن عاود التفكير في كلماته ثلاثين مرة على الأقل، خشية أن يتجاوز حدوده.
“هل أنتَ قلق على سيدتنا لهذه الدرجة؟” سأل، ونبرته تحمل مزيجاً من الاحترام والصراحة.
التفت ألفونسو، الذي كان يحدق خارج النافذة طوال الوقت، كأنه يبحث عن شيء في الأفق الممطر، نحو لودفيغ. كانت عيناه تحملان ظلاً من التوتر، رغم محاولته إخفاء ذلك.
“ما الذي تعنيه؟ هل ذكرت شيئاً عن شارلوت؟” رد، وصوته يحمل نبرة دفاعية خفيفة.
“لم تتحدث عنها، سيدي،” أجاب لودفيغ بهدوء. “لكنكَ تنظر إلى النافذة منذ أن خرجت سيدتنا، كأنك تتبع خطواتها بعينيك.”
“ذلك… بسبب المطر،” قال ألفونسو، محاولاً تبرير قلقه. “أخشى أن يحدث لها شيء، حادث ما في هذا الجو.”
“أليس لأنها لم تخبركَ إلى أين ذهبت؟” سأل لودفيغ، وكأنه يضع الملح على الجرح بدقة متناهية.
عبس ألفونسو، وتجعد جبينه كأن كلمات لودفيغ قد اخترقت درعه. كان واضحاً أن السؤال أصاب هدفه، وأن قلقه على شارلوت كان أعمق مما يريد الاعتراف به.
~~~~
باقي 18 فصل للنهاية والمشكلة مانهوا واصلين للفصل 97 يعني لو ما تعبت ذا الاسبوع وكملته بتكون ترجمتي للرواية بدون فايدة
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 101"