في عشاء عائلة نوها، وفي لحظةٍ خرجت هذه الكلمات من فم الجالس في مقدمة الطاولة، توقفت الأيدي التي كانت تتحرك مع الشوك والسكاكين فوق الأطباق فجأة، كأن الزمن تجمد.
ساد صمتٌ غريب وثقيل، لا يوحي مطلقًا بأن هذه مائدة عائلية حميمة تضم ثلاثة أفراد فقط.
كسر هذا الصمت الجليدي شابٌ ذو شعرٍ أسود، جالسٌ على يمين صاحب المقعد الرئيسي.
وضع كوينسي نوها أدوات المائدة جانبًا، وابتسامةٌ متكلفة تخفي انزعاجه تعلو وجهه، ثم فتح فمه قائلًا:
“صحيحٌ أن شارلوت قد بلغت سن الزواج، لكن هذا القرار مفاجئ جدًا، يا أبي. لم يمر سوى أسبوع منذ أن استفاقت شارلوت بعد إغمائها. ألا تعتقد أنها بحاجة إلى مزيدٍ من الراحة والتعافي؟”.
“ليس لدينا وقتٌ نضيعه في مثل هذه الأمور التافهة!”.
قاطعه دومينيك نوها، الرجل المتوسط العمر الجالس في صدر المائدة، بنبرةٍ حادة وقاطعة. ثم أضاف: “لقد وردتنا معلومات تفيد بأن ألفونسو لينوس إدوارد قد قدم وثيقة تعهّد زواج إلى المعبد.”
عند سماع كلمة “وثيقة تعهّد زواج”، تجمدت ملامح كوينسي للحظة، وتصلب تعبيره.
“هل تعني أن دوق إدوارد ينوي الزواج؟” سأل كوينسي بنبرةٍ تحمل شيئًا من الصدمة والحذر.
“نعم، بالأمس مباشرةً بعد تقديمه لوثيقة التعهد، وصلتنا هذه المعلومات.” أجاب دومينيك بثقة.
في هذا العصر، تُعقد جميع الزيجات تحت إشراف المعبد، ويُعتبر تقديم وثيقة تعهّد الزواج مسبقًا تقليدًا راسخًا. إن تقديم هذه الوثيقة يُعد دليلًا لا يقبل الشك على نية الزواج.
“لم تكن هناك عائلة أخرى على علاقة وثيقة بإدوارد حتى الآن، لذا من الواضح أنه يبحث عن عروسٍ مناسبة. وقريبًا، ستنتشر أخبار تقديمه لوثيقة التعهد في المعبد بشكلٍ سري بين الناس.” أضاف دومينيك، موضحًا الوضع.
كان من المتوقع أنه بمجرد انتشار الخبر، ستتسابق العائلات النبيلة لتقديم عروض الزواج إلى الدوق إدوارد.
“لذا، يجب علينا أن نستولي على إدوارد قبل أن يحدث ذلك. إنها فرصةٌ ذهبية لا يمكن تفويتها!” قال دومينيك بنبرةٍ هادئة لكنها تحمل تصميمًا لا يلين. كلماته كانت خالية من التقلبات العاطفية، لكن المعنى وراءها كان واضحًا كالشمس: “تزوجي ألفونسو لينوس إدوارد، يا شارلوت.”
“هذا مستحيل!” قاطع كوينسي بحدة قبل أن تتفوه شارلوت بكلمة. ضحك بسخرية باردة وقال: “هل تعتقد أن إدوارد سيوافق على عرض زواج من نوها؟ إنه رجلٌ متعجرف لن يلتفت حتى إلى اسم عائلتنا!”.
من هو ألفونسو لينوس إدوارد؟ إنه ابن عم الإمبراطور الحالي، برونو الثالث، وقائد عائلة إدوارد النبيلة ذات التاريخ العريق. عائلة إدوارد تقف على النقيض تمامًا من عائلة نوها، التي تتكئ على نفوذ المعبد وثروتها الهائلة لارتكاب أعمالٍ غير قانونية.
نوها، بتقاليدها القاسية وسلوكها الشائن، تُعرف في الأوساط بأنها عائلة الأشرار.
زواج بين إدوارد ونوها؟ التفكير بهذا وحده يبدو سخيفًا لدرجة أن مجرد طرحه يثير الدهشة.
“لن يقبل إدوارد عرض زواج من نوها، حتى لو قدمنا له عرضًا رسميًا.” أضاف كوينسي بحزم، مشيرًا إلى أن إدوارد ليست عائلةً يمكن التأثير عليها بسهولة بالضغط أو النفوذ، كما قد ينجح مع عائلات أخرى.
“إذا كان الأمر مستحيلًا، فسنصنع المستحيل!” رد دومينيك بهدوءٍ مخيف، كأنه توقع اعتراض كوينسي. ضرب بقبضته على الطاولة بقوة، وعيناه الخضراوان، اللتين تحملان بريقًا باردًا كعيني أفعى، لمعتا بنظرةٍ شرسة.
“لقد خسرنا مؤخرًا جزءًا من حقوق التجارة البحرية في الجنوب، التي كنا نسيطر عليها بالتعاون مع المعبد، لصالح الإمبراطور. إنه يضيق الخناق علينا تدريجيًا!” أوضح دومينيك، وأضاف: “كنت أتساءل كيف يمكننا تجاوز هذه الأزمة، وها هو إدوارد يعلن عن نيته للزواج في الوقت المناسب.”
“إذا تحالفنا مع إدوارد عبر الزواج، فلن يستطيع الإمبراطور الاستمرار في الضغط علينا. أما إذا فشلنا في اغتنام هذه الفرصة، فسيواصل الإمبراطور خنقنا شيئًا فشيئًا!” صوت دومينيك ارتفع بنبرةٍ آمرة: “هذا الزواج يجب أن يتم، مهما كانت الأسباب!”
“أبي، لكن-” حاول كوينسي الاعتراض مجددًا، لكن دومينيك قاطعه بحدة:
“يكفي! أغلق فمك، كوينسي. هل تعتقد أنك، بصفتك وريث العائلة، يمكنك تحدي سيد أسرة نوها؟”.
تحت وطأة التهديد الضمني في نبرة دومينيك، تشقق تعبير كوينسي الذي كان يحتفظ بابتسامته المتكلفة. لكن قبل أن يتصاعد التوتر أكثر، تحدثت امرأة ذات شعرٍ أحمر كانت تجلس بهدوء على يسار الطاولة طوال الوقت:
“سأتزوج. توقفا عن الجدال.”
“شارلوت!” صرخ كوينسي بدهشة.
“لا داعي لأن تناديني هكذا، يا أخي. إذا كان هذا ما تحتاجه عائلة نوها، فسأنفذه. أليس هذا هو جوهر عائلتنا؟” ردت شارلوت بنبرةٍ هادئة لكنها حاسمة.
ابتسم دومينيك برضا وقال: “كما توقعت، أنتِ دائمًا تفهمين الأمور بسرعة، شارلوت. هل يمكنكِ جعل ألفونسو إدوارد ملكك؟”.
ابتسمت شارلوت بعينين متلألئتين وقالت: “بالطبع، هذا أمرٌ سهل بالنسبة لي.”
نعم، أمرٌ سهل جدًا.
في الماضي، نجحت شارلوت في جعل ألفونسو ينحني ليقبل قدميها. إنها تعرف جيدًا ما يجب عليها فعله لإخضاعه. الفرق الوحيد هذه المرة هو أن أهدافها قد تغيرت.
‘في الماضي، كنت أطيع أوامر العائلة دون تفكير…’ فكرت شارلوت، وهي تسعل بخفة، مغطية فمها بمنديل.
ببطء، ضمت المنديل في قبضتها، مخفيةً بقعة الدم الحمراء التي تسربت إليه دون أن يلاحظها أحد. ثم، وكأن شيئًا لم يكن، ابتسمت شارلوت بهدوء وقالت:
“انتظروا وستروا.”
في هذه الحياة، ستنقذ ألفونسو مهما كلفها الأمر.
–
***
في بعض الأحيان، يكون الحب مأساة. قد يبدو هذا بمثابة حقيقة بديهية، لكن بالنسبة لشارلوت، كان هذا واقعها بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
لم ترَ يومًا شخصًا أحب الدمار وكان سعيدًا.
شارلوت نوها كانت الدمار بعينه.
كانت كالنار التي تُحرق كل ما تحبه دون توقف.
في اليوم الذي أدركت فيه هذه الحقيقة، خسرت شارلوت الشخص الذي أحبته أكثر من أي شيء.
“لماذا… لماذا فعلت هذا؟”.
خرج صوتها المتهدج من شفتيها الجافتين. عيناها الزيتين الذهبيتين، اللتان كانتا دائمًا تنظران إلى الآخرين بنظراتٍ حادة أو ساحرة بشكلٍ قاسٍ، فقدتا تركيزهما. وجهها، الذي كان دائمًا يخفي مشاعرها الحقيقية، بدا وكأنه يتشقق.
شارلوت نوها، الشريرة الأسطورية التي كانت دائمًا حديث الناس بسبب قسوتها وجمالها، وقفت شاحبة الوجه، وسألت بنبرةٍ مكسورة:
“لماذا قتلت زوجي، يا كوينسي نوها؟”.
كانت تسأل عن سبب موت الرجل الذي أحبته بكل قلبها، موجهةً سؤالها إلى الشخص الوحيد الذي اعتبرته عائلتها الحقيقية.
عندما نُطق اسمه، التفت الشاب الواقف أمامها إليها. كان كوينسي يشبهها كثيرًا في ملامحه. ابتسم بلطف وقال بنبرةٍ ناعمة:
“يبدو أن فمكِ أصبح أكثر حدة منذ آخر مرة رأيتكِ فيها، يا شارلي.”
“أجبني!” صرخت شارلوت، وهي تكاد تعصر صوتها من حنجرتها. لم تستطع إصدار صوتٍ وهي واقفة ساكنة، فقد كانت لا تزال تحت صدمة ما رأته قبل ساعات.
قبل وقتٍ قصير، رأت جثة زوجها، ألفونسو لينوس إدوارد. الرجل الذي لم يبتسم لها يومًا، لكنه استولى على قلبها رغمًا عنها. الرجل الذي حطم قناعاتها بأنها لن تستطيع أبدًا أن تحب أحدًا.
“حتى لو تزوجتكِ، لن أحبكِ أبدًا.” كانت هذه كلماته لها.
وكانت هذه أول ندمٍ شعرت به شارلوت في حياتها.
بعد ثلاث سنوات من زواجها من ألفونسو وأصبحت دوقة إدوارد، أدركت شارلوت أنها نادمة ندمًا شديدًا على هذا الزواج. لماذا؟ لأنها وقعت في حب رجلٍ يكرهها بشدة.
كان زواجهما مجرد زيجة سياسية لخدمة مصالح عائلة نوها. عندما انتشرت شائعة أن ألفونسو يبحث عن عروس، أرسلت عائلة نوها عرض زواج إلى إدوارد. بالطبع، قوبل هذا العرض برفضٍ قاطع من عائلة إدوارد، التي تُعتبر الذراع اليمنى للإمبراطور. كيف يمكن لعائلة مثل نوها، التي تتحدى الإمبراطور وتعتمد على المعبد، أن تطمح للارتباط بإدوارد؟.
كان الأمر أشبه بمحاولة ابن عرسٍ الزواج من ذئب. لكن شارلوت لم تتردد. لم يكن لديها خيار، فقد كان هذا أمرًا من العائلة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 1"
متحمسة لبقية الفصول ♡