2
الفصل 02
بطني يؤلمني. كان بطني يؤلمني بشدة لدرجة أنني أردتُ الصراخ، لكن الألم كان شديدًا لدرجة أنني لم أتمكن حتى من إصدار أنين.
بينما كانت رؤيتي تتماوج كتموجات حجر ألقي في الماء، ظهر شيء غامض الشكل وشطر الوحش إلى نصفين. عندما استدار لينظر إليّ، رأيتُ عيونًا حمراء كدماء.
ثم متُّ.
* * *
بـاك!
“آه!”
شيء ما ضربني على رأسي. فتحتُ عيني بشكلٍ لا إرادي، وأخذتُ أنفاسي بصعوبة وأنا أمسك بجبيني المؤلم.
لحظة واحدة، لقد متُّ! لكنني أشعر بالألم؟ لم أسمع أبدًا عن ميت يشعر بالألم.
“انهضي، أيتها الكسولة! هذا هو سبب فقدان الأمل في أطفال هذه الأيام! كسالى بشكلٍ لا يُحتمل!”
حدث المستحيل مرة أخرى.
سام، جدتي ووالدتي الوحيدة بعد وفاة أمي، كانت تنظر إليّ وهي تهز عصاها بعنف. بالطبع، كانت ترتدي تعبيرها المميز؛ نظرة صارمة. يبدو أنها أيقظتني بضرب رأسي بعصاها.
لطالما أيقظتني جدتي بضرب رأسـي بعصاها عندما أفرط في النوم. كانت تؤمن أن على الجميع أن يستيقظوا في موعد أقصاه الساعة 8:10 صباحًا، وأي دقيقة بعد ذلك تُعتبر تأخيرًا.
كنتُ أكره الضرب بالعصا بشدة. في كل مرة يحدث ذلك، كنتُ أصرخ عليها لتتوقف. بل كان هناك أوقات ألقيتُ فيها العصا بعيدًا.
لكن في يوم من الأيام، توقفت عن ضربي، حتى لو استيقظتُ بعد الساعة 8:10 صباحًا.
لأن جدتي توفيت. حدث ذلك عندما كنتُ في السابعة عشرة من عمري.
لكن جدتي كانت هنا الآن. إذن، هل هذا هو الجنة؟
الجنة كانت تبدو تمامًا مثل غرفتي القديمة. كانت الجدران مغطاة بخربشات صنعتها بإستخدام قلم تلوين أحمر، سريري الناعم كان مليئًا بالملابس المبعثرة، هناك خزانة ملابس ملصقة عليها رسومات غريبة وغير مفهومة، رف كتب مملوء بقصص خيالية وكتب صعبة لم أكن أفهمها، وكرسي أحمر مهترئ بجانب مكتب بني مائل إلى الأحمر.
بدت هذه المشاهد واقعية للغاية لدرجة جعلتني أشك. هل هذه حقًا الجنة؟
“جدتي! هل هذه الجنة؟ هل متُّ مثلكِ؟”
ضربتني العصا مرة أخرى. يا إلهي! كان الألم لا يُحتمل! هذه المرة، بدأ أنها أستخدمت كل قوتها. أمسكتُ برأسي وأنا أتألم، بينما كانت جدتي تكشر عن وجهها وتصرخ بغضب.
“الجنة؟ أي هراء هذا! هل تقولين إنني متُّ فقط لأنني عجوز ويجب أن أسقط ميتة؟!”
“لكن…لكنكِ متِّ بالفعل، جدتي!”
“آوه، يبدو أنكِ كنتِ تحلمين حلمًا غريبًا. استفيقي وتعالي لتناول الفطور.”
تنهدت جدتي بعمق وغادرت الغرفة.
بمجرد مغادرتها، نهضت من السرير. كنتُ أظن أنني متُّ وانتقلتُ إلى الجنة، لكن يبدو أنني لم أفعل.
إذن، ماذا حدث ليّ؟ هل لم أمت؟ كنتُ أتذكر بوضوح أن الوحش مزق جسدي بيده الضخمة!
بينما كنتُ أتحرك بتوتر في الغرفة المألوفة، لمحتُ المرآة الطويلة. انعكست فيها فتاة صغيرة لا تبدو حتى في الرابعة عشرة، ناهيك عن الثامنة عشرة.
كانت أنا—جوليا برينغ! في تلك اللحظة، خطر ببالي قصة تشيس عن موته وعودته المتكررة إلى الماضي.
هل من الممكن أنني عدتُ بالزمن إلى الماضي؟
لم أكن متأكدة إن كنتُ قد عدت إلى الماضي أو أنني كنتُ في حلم طويل. كان الأمر واضحًا جدًا ليكون حلمًا، وغريبًا جدًا لأقول إنني عدتُ إلى الماضي. لم أكن مثل تشيس، الذي تلقى نبوءة من الآلهة أو كان لديه قدرة على العودة للحياة.
مع ذلك، كان قلبي شبه متأكد من أنني عدتُ إلى الماضي.
أردتُ شخصًا يؤكد ليّ كم الساعة، كم عمري، وهل عدتُ حقًا إلى الماضي. لذا، هرعتُ إلى الطابق الأول متجهة إلى المطبخ، حيث من المحتمل أن تكون جدتي.
طرحتُ على جدتي العديد من الأسئلة. هل هذا حقًا قرية بيليكان؟ في أي عام نحن حسب التقويم الإمبراطوري؟ كم عمري؟ هكذا. رغم أنها بدت مرتبكة، أجابت عن جميع أسئلتي.
نحن الآن في العام 487، وأنا جوليا برينغ البالغة من العمر 12 عامًا، ولستُ في الثامنة عشرة.
في اللحظة التي أدركتُ فيها تمامًا أنني عدتُ إلى الماضي، رغبتُ في رؤيته. تشيس. إذا كنتُ في الثانية عشرة، فهذا يعني أن تشيس قد أنتقل للتو إلى قريتنا. كان ذلك قبل أن أقع في حبه من النظرة الأولى، وقبل أن أتصرف بوقاحة بدافع الغيرة.
خرجتُ من المنزل لأبحث عن تشيس. لكن قبل ذلك، عانقتُ جدتي عناقًا كبيرًا لأول مرة منذُ فترة طويلة.
بينما كنتُ أحتضنها، أنتشر حولي عطر حلو. كانت جدتي دائمًا تفوح منها رائحة طيبة لأنها كانت تحب صنع المعجنات والمربيات. الرائحة المألوفة كادت أن تجعل الدموع تنهمر من عيني.
رغم أنها كانت دائمًا تتحدث معي بقسوة وتتصرف بصرامة، أدركتُ الآن أن هناك حبًا خفيًا وراء تلك التصرفات.
كانت هي من احتضنتني عندما كنتُ على وشك أن ينتهي بي المطاف في دار الأيتام بعد وفاة أمي، هي من غنَّت ليّ تهويدات لتساعدني على النوم، وهي من سهرت طوال الليل تعتني بي عندما أصبتُ بالإنفلونزا.
“أنا سعيدة جدًا لأنكِ على قيد الحياة يا جدتي. كنتُ دائمًا خجولة جدًا لأقول هذا، لكن…أنا أحبكِ.”
عندما رأيتُ نظرة الدهشة على وجهها، هرعتُ للخروج من المنزل وكأنني أهرب.
كان الأمر محرجًا قليلًا. لم أُخبر جدتي أبدًا من قبل أنني أحبها.
لقد ندمتُ على عدم قول تلك الكلمات بعد رحيلها. لكن الآن، سأقولها لها كل يوم. ربما ستوبخني، قائلةً إنها كلمات محرجة وسخيفة.
نظرتُ فجأةً إلى السماء، وكانت بلون أزرق مشرق.
يمتلك البشر طاقة تُسمى ‘المانا’. عندما يموت الإنسان، تصعد ماناته إلى السماء، ملوّنة باللون الأحمر نتيجة الدم. كلما مات المزيد من الأشخاص، أصبح لون السماء أكثر احمرارًا.
منذُ ظهور ملك الشياطين، كانت السماء دائمًا مشوبة باللون الأحمر.
أنا حقًا، وبكل تأكيد، عدتُ إلى الماضي.
بينما بدأتُ أشعر بتسارع أنفاسي، وجدتُ نفسي أقف أمام منزل إيزابيلا.
طرقتُ الباب بجنون، وبعد فترة قصيرة فتحت إيزابيلا. من خلال شعرها الفوضوي وعينيها نصف المفتوحتين، كان واضحًا أنها استيقظت للتو. لكنها كانت جميلة. يبدو أن الفتيات الجميلات يبدون رائعات حتى بعد الاستيقاظ مباشرةً.
هززتُ رأسي لاستعادة تركيزي، وفتحتُ فمي لأتحدث.
“…جوليا؟”
“إيزابيلا! أين تشيس؟ أين هو؟”
أمالت إيزابيلا رأسها بحيرة، غير مستوعبة ما أقول.
“تشيس……؟ هل تقصدين الجوهرة التي تتحدث عنها الأساطير؟”
“…ألا تعرفين من هو تشيس؟”
“هل هذا اسم شخص؟”
كنتُ أعني تشيس، الصبي الذي يعيش في منزلكِ. صاحب الشعر البني المجعد والعينين الحمراوين…الصبي الذي تحبينه.
بدأتُ بالشرح ثم توقفتُ. كانت إيزابيلا تبدو حقًا وكأنها لا تعرف من هو تشيس. يبدو أن تشيس لم يصل إلى القرية بعد.
جلستُ ببطء محاولة التقاط أنفاسي. الآن وقد فكرتُ في الأمر، تذكرتُ أن تشيس تم العثور عليه على جانب الجرف في الشتاء قبل أن ينتقل للعيش في قريتنا. من المنطقي ألا تعرفه إيزابيلا بعد؛ يبدو أن الوقت الآن هو الخريف.
“أنا آسفة لقدومي في وقت مبكر جدًا…سأذهب الآن….”
“هل سترحلين بالفعل؟ حسنًا، إلى اللقاء….”
ابتسمت ليّ إيزابيلا بودية ولوحت بيدها. بادلتها الإشارة قبل أن أبتعد.
إذن تشيس لم يصل بعد! هذا يعني أننا لم نلتقِ بعد. إنها فرصة للبدء من جديد وبناء علاقتنا من الصفر.
في الماضي، كنتُ فقط أجعل الأمور صعبة عليك. كنتُ أقول أشياء تُغضبك، أضع العراقيل أمامك، وأقوم بمقالب لتعطيل مهامك.
تشيس، هذه المرة، لن أكون لئيمة معك. لن أتدخل بينك وبين إيزابيلا. كل ما أريده هو سعادتك. لذا…هذه المرة، أتمنى أن نُصبح أصدقاء جيدين على الأقل.
* * *
ما زلتُ أتذكر اللحظة التي وقعتُ فيها في الحب، حتى عندما أغمض عيني. لو كانت جدتي تعرف، لربما ضحكت وقالت، ما الذي تعرفه فتاة بعمر الثانية عشرة عن الحب؟ لكن ما أهمية العمر؟ لحظة التقت عيناي بعينيه، كنتُ أعلم. كان حبًا!
قلتَ ذات مرة إنك تكره عينيك الحمراوين. لكنني…أحبها. إنها تمامًا مثل الياقوت.
أتذكر أن راشيل أحضرت يومًا كتابًا عن الأحجار الكريمة. من بين كل الجواهر، تلك التي سحرتني كانت الياقوتة—جوهرة حمراء عميقة، حمراء مثل الدم، تتألق ببراعة، أغلى ما يمكن. في اللحظة التي رأيتُها فيها، فكرتُ فيه.
كان يجب أن أُخبره بهذا قبل رحيله.
لكن لا تفهمني خطأ. ليس فقط عيناك ما أحبه. أحب كل شيء فيك.
أحب أنك الأفضل في المبارزة بين أطفال القرية. عندما تهزمهم جميعًا وترفع سيفك الخشبي منتصرًا، تبدو كأنك بطل أنقذ العالم، ويبدو ذلك رائعًا للغاية. أحب كيف أنك تخاف من الأشباح وترتعب عندما يروي أحدهم قصة مرعبة.
تقول إنك تكره شعرك المجعد لأنه فوضوي، لكنني أراه ناعمًا ورقيقًا مثل الصوف. لطالما أردتُ لمسه، ولو لمرة واحدة فقط.
أحب كيف ترتدي ملابسك بطريقة فضفاضة بعض الشيء، وكيف أنك تكره الدخول في شجارات. أحب أنك لا تمارس المقالب العنيفة مثل باقي الأولاد.
هل تعلم حتى كم أنتَ محبوب؟ تقريبًا كل فتاة في القرية أعجبت بك في مرحلة ما، رغم أنهن جميعًا تخلين عن ذلك بسبب إيزابيلا.
لو أستطعتُ أن أُحبَّ منك، قد أموت من السعادة. لكن هذا مستحيل، أليس كذلك؟ من يمكن أن يحب فتاة مليئة بالنمش وعادية تمامًا ليس لديها ما تقدمه؟ أن تحب شخصًا مثلي سيكون أمرًا صعبًا جدًا.
على الجانب الآخر، إيزابيلا هي شخص يمكن لأي أحد أن يحبه بسهولة. إنها شخص يستحق الحب.
شعرها وردي جميل مثل الأزهار التي تتفتح في الربيع، وعيناها تتألقان مثل أشعة الشمس. في اللحظة التي رأيتُها فيها، شعرتُ وكأنها ملاك.
هي أفضل مني بكثير في الطهي، وتتذكر كل ما تتعلمه وكأنها تمتلك ذاكرة مثالية. إذا أرادت، قد تستطيع حتى الالتحاق بأكاديمية دافني المرموقة، التي لا يقبل فيها إلا العباقرة.
أنها طيبة وحنونة جدًا. حتى جدتي، التي تدعي أنها لا تحب الأطفال—رغم أنني لا أعتقد أنها تفعل ذلك حقًا—قالت إن إيزابيلا هي المفضلة لديها بين كل الأطفال.
أنتما مناسبان جدًا لبعضكما البعض. أحيانًا يؤلمني أن أرى كم أنكما مثاليان كثنائي.
إذا كان هذا العالم رواية، فإن إيزابيلا ستكون البطلة، وأنتَ، تشيس، ستكون البطل. أما أنا؟ من المحتمل أن أكون مجرد شخصية ثانوية.
يُتبع….
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 2 - العودةُ إلى الماضي (2) 2025-03-30
- 1 - العودةُ إلى الماضي (1) 2025-03-30
التعليقات لهذا الفصل " 2"