مخاطر عالية، عوائد عالية (8)
بعد أن غادر الاثنان و ابتعدا بما يكفي، فتحَ مايسون فمـه.
“ما الّذي يجعلهم واثقين لدرجة يسمحون لنا بالدخول إلى حاجزهم؟”
بالطّبع، كانت مكانة “الدّوق” تزيد من مصداقيّتهم.
لكن في غابة الظّلام، حيث يمكن أن يحدث أيّ شيء، كان يمكن أن يُعاملوا بوصفهم أشخاصًا ينبغي الحذر منهم أكثر.
“بصراحة، لا يوجد ضمانٌ لعدم استغلالنا لهم، أليس كذلك؟”
و مع هذه الكلمات الّتي قالها بنبرة غير مصدّقة، أجاب بليك بصوتٍ منخفض.
“هل يبدو لكَ أنّهم يثقون بنا؟”
“أليس الأمر كذلك؟ إنّهم يشاركوننا موقع المخيّم الّذي سبـقَ مسحـه، و حتّى الحاجز…”
توقّف مايسون في منتصف جملتـه. فقد لاحظ مُتأخّرًا الطّاقة الطّفيفة الّتي تُحيط بهم.
“اللعنة… يا صاحب السّموّ، لا تُخبرني أنّ هذا…”
رغمَ أنّ الإرهاق منعهم من ملاحظته منذُ البداية، إلّا أنّ طاقة حادّة كان من الغريب ألّا يشعروا بها كانت تُغلّفهم.
سحر هجوم سيفعّـل فورًا إذا أظهر جانب بليك سلوك خطر و لو قليلًا.
لم يكونوا يعلمون سواء أكان انفجارًا، أو سمًّا، أو قمعًا. و ربّما قد يكون كلّ ذلكَ معًا.
شحبَ وجه مايسون عندما أدرك الحقيقة متأخّرًا. و جاء الجواب من شون و ليس من بليك.
“لقد التقطت الأمر بسرعة.”
“منذُ متى؟”
“ربّما منذُ اللحظة الّتي اقتربت فيها الآنسة من صاحب السّموّ. لا… قد يكون منذُ دخولنا ممرّ البرج…”
تكلّم شون بصوتٍ بـدا مرتجفًا قليلًا هو الآخر.
“هل هذا ممكن أصلًا؟”
سأل مايسون و هو غير مصدّق، فأجاب شون وهو ينظر إلى هارلي.
“تلكَ الساحرة ليست موهبة عاديّة.”
عنظها، نظر مايسون أيضًا إلى هارلي.
كانت تتصرّف بلطفٍ طفولي تجاه أنجلينا بابتسامةٍ مشرقة.
“عندما التقينا في إقليم فلوبيرت، لم أُدرِك أنّها بهذه المهارة…”
و ربّما لم ينتبه لأنّ تركيزه كان على الخادمة الأُخرى.
“ليس ذلك فقط… الحاجز الّذي يقولون إنّهم سيقيمونه لنا ليس سوى تضليل.”
تجهّـم شون قليلًا و هو يُراقب أنجلينا. و لم يستطع إلّا أن يُطلق تنهيدة أمام كميـة و دقّـة السّحر الذي يحيط بهـا.
“حربٌ كاملة قد تندلع هنا، و لن تُصاب شعرة واحدة من رأس الآنسة.”
لم يستطع حتّى عـدّ عدد الحواجز بشكلٍ صحيح.
ساد صمتٌ بارد بين مايسون و باقي الفرسان عندما أدركوا الحذر المختفي تحت مظاهر الضّيافة.
“و فوق ذلك…”
ما كان يلفت الأنظار خصوصًا هو الحيوان الضّخم الذي بحجم حصان تقريبًا.
كان من الواضح أنه وحش سحريّ، و قد كان يتبع أنجلينا عن كثب.
و في لحظةٍ ما، التفت برأسه نحوهم. و عندما وقعت نظراته عليهم، ارتجف الفرسان جميعًا.
“… ما ذاك الوحش السّحري بحقّ السّماء.”
تمتم مايسون و كأنّه يُعبّـر عن دهشة الجميع.
“لم أسمع قطّ أن عائلة الماركيز فلوبيرت تربّي وحوشًا سحريّة.”
و رغمَ أنّه كان يهـزّ ذيله بلطف، إلّا أنّ حجمه كان مهددًا. و لسببٍ ما، شعروا بأنّ أجسادهم تتجمّد عندما نظر إليهم.
فتحَ بليك فمـه بعد صمتٍ طويل.
“بالنّسبة لرجلٍ لا يترك عملًا دونَ إنجازه، فلا بدّ أنّه اختار الوحش السّحري بعناية مماثلة.
بالنّظر إلى سُمعة آنتـي المعتادة، كان قادرًا تمامًا على فعل مثل هذه الأمور.
و بليك، الّذي قدّم إجابة هادئة، أدار جسده و لوّح بيـده بلا مبالاة.
“إن لم تكونوا تبحثون عن شجار، فاكتفوا بالتّحديق باعتدال و ابدأوا بفتح الأمتعة.”
و بهذا بدّد انتباه الجميع و بدأ استعدادات إقامة المخيّم.
غير أنّ بليك، على عكس الآخرين الّذين شرعوا في التّحضيرات فور تنفيذ أوامره، التفت مرّة أُخرى لينظر إلى أنجلينا.
‘… إذن هذا ما لم أستطع استيعابه.’
هل كانت تلكَ المرأة هي الفرصة الّتي لا يمكن تضييعها و الّتي شعرَ بها قبل دخول ممرّ البرج؟
إن كان الأمر كذلك…
فقد كانت نظراته اتي تتبعها تحمل مزيجًا غريبًا من التّوقّع و الحذر.
・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ・
و بينما كان الحذر الحادّ و عدم الثّقة المنخفض يتبادلان من دون علم أنجلينا، كانت أنجلينا نفسها مُنزعجة من ناحية مختلفة تمامًا.
‘حتّى في عالمٍ تتفجّر فيه المصادفات بسببِ الرّواية، أليس تكرار التقاء أخـت الشرير و البطل الذكر أمرًا مبالغًا فيه؟’
لقد كان الأمر مُزعجًا جدًّا لها.
‘عندما أفكّر في الأمر، كان هناك إعداد في الرّواية مفاده أنّ البطل حاول ضمّ سيّد البرج إلى جانبه.’
لم تُعالج تلكَ الحادثة على شكل حدث داخل الرّواية، بل ذُكِرت لاحقًا في السّرد مثل “حدث ذلك آنذاك”، لذا كانت قد نسيت أمرها.
لكن…
‘لماذا يتزامن هذا تحديدًا مع الوقت الّذي أنا ذاهبة فيه إلى برج السّحر؟’
لقد حاولت بكل قوتها تجنّب التورّط معه مجدّدًا بعد حادثة السّيف السّحري.
‘لا يمكنني أيضًا التصرّف و كأنّني لا أعرفهم والذّهاب بشكلٍ منفصل.’
كلّما فكّرت في الأمر، ازداد الإحباط.
“هاه…”
توصلت أنجلينا إلى أنّ المشكلة تكمن في الرّواية غير الموثوقة، و تنهدت.
فما حدث قد حدث بالفعل. و لا جدوى من التذمّر من الوضع، فذلك لا يجلب سوى الصّداع.
الأكثر فائدة الآن هو التّفكير في ما ينبغي فعله من الآن فصاعدًا.
“هارلي. كم يتبقّى حتّى نصل إلى برج السّحر؟”
“إن مررنا عبر كلّ البوابات بسلاسة، فسيستغرق الأمر نحو أربعة أيّام.”
“أربعة أيّام…”
وإن مرّوا عبر البوابات من دون مشكلات، فهذا يعني أربعة أيّام من الرّفقة غير القابلة للتّجنّب.
مدّة طويلة إن نظرتِ إليها كطويلة، و قصيرة إن اعتبرتِها قصيرة.
لا يمكنها الاستمرار في تجنّبهم، و لا يمكنها الحديث معهم عن الطّقس كلّ يوم أيضًا.
لم يكن من اللّائق مناقشة السّياسة معه، و لا الانخراط في صراعات السّلطة.
كيف يمكنها الحفاظ على مسافة مناسبة منه من دون أن تبدو وقحة؟
فكّرت أنجلينا و هي تربّت على الوحش السّحريّ الشبيه بالثّعلب الّذي قدّم لها مكانًا لتتّكئ عليه.
ثمّ فجأة، خطرت لها فكرة.
‘مهلا لحظة، ألم أُخطّط أساسًا لمنع أخي و البطل من أن يصبحا عدوَّين؟’
كان هدفها الأساسيّ هو منـع موت شقيقها.
و السبب في رغبتها بمنعه من أن يصبح شرّيرًا هو أنّ ذلك سيقوده إلى الموت.
صحيح أنّ تحوّل أخيها إلى شرّير مشكلة، لكن المشكلة الأكبر كانت أنّه يُعادي البطل و البطلة.
فيموت متلقّيًا “حكم العدالة” بعد أن يعذّبهما.
لكن ماذا لو كان في صفّهما؟
حتى لو انحرف نحو الشّرّ، فإنّ احتمالات نجاته سترتفع بدرجة كبيرة. فالبطل و البطلة الطيّبان سيحتويانه.
و منذُ اللحظة الّتي خرجت فيها لتجنيد سيّد البرج، كان هدفها النهائيّ هو تحسين العلاقة بين البطل و أخيها.
‘بما أنّه لم يحصل أيُّ تفاعلٍ بينهما بعد، فالأمر أقرب إلى وضع الخطوة الأولى الصّحيحة بدلًا من تحسين العلاقة.’
لأن آنتـي كان منشغلًا برفع شأن عائلة الماركيز فلوبيرت ، و بليك كان على الأرجح مشغولًا بقمع الوحوش السّحريّة عند حدود الإمبراطوريّة.
‘الوضع بينهما الآن صفحة بيضاء تمامًا، ويمكن رسم أيّ نوعٍ من العلاقات عليها.’
لذا كلّ ما عليها فعله هو وضع أساسٍ جميل.
و بحسب الرّوايات، فإنّ الوجود بالقرب من البطل و البطلة هو الاستراتيجيّة الأمثل دائمًا.
بعد تفكيرٍ طويل، توصّلت أنجلينا إلى قرار.
‘نعم، فلنبدأ من الآن فورًا.’
عندها انحنت زاوية شفتيها بابتسامة.
لم يكن هناك أيّ تردّد في تنفيذ قرارها إذ وقفت فورًا و اتّجهت نحو المكان الّذي استقرّت فيه مجموعة كادنهارت.
لكنّها شعرت بالحيرة عندما رأت مجموعته مشتّتة، و لم يكونوا قد أعدّوا مواقعهم بالكامل بعد.
‘بالمناسبة، لماذا ظهروا من جهة غابة الظّلام بدلًا من استخدام ممرّ البرج؟’
لماذا كانوا يسلكون الطّريق الأصعب؟
لكنّ السّؤال لم يستمرّ طويلًا.
‘حسنًا، لا بدّ أنّ لدى البطل أسبابه العميقة.’
أليس أبطال الرّوايات عادةً مليئين بالإعدادات و الخلفيّات؟
إذن ، لا شكّ أنّ هناك قصّة خلف عدم استخدام ممرّ البرج.
لم تكن أنجلينا ترغب كثيرًا في البحث وراء الأمر. فهو لا يعنيها كثيرًا، و لم تكن فضوليّة بشأنه.
“أيها الدوق كادنهارت.”
نادته أنجلينا ببراءة، من دون أن تدري أنّه كان يُراقبها منذُ لحظات.
“هل تودّ تناول العشاء معًا؟”
كان ذلك تقرّبا مملوءًا بنيّاتها الخاصّة، مرفقًا بابتسامة خفيفة نادرًا ما تُرى.
التعليقات لهذا الفصل " 23"