ظلّ فرسان فلوبيرت حذرين تجاه الأشخاص الذين ظهروا و هم مغطّون بدماء الوحوش.
و لأنهم لم يُنزلوا أسلحتهم، حافظ فرسان كادينهارت على وقفتهم العنيفة كذلك.
كانوا أيضًا شديدي التوتّر بسببِ المعارك المتواصلة التي دفعتهم إلى حافّة الإنهيار.
لكن كل ذلكَ التوتّر انهار بسببِ كادينهارت.
“لم أُتوقّع قطّ أن ألتقي بـكِ مجددًا في مكانٍ كهذا.”
انحنى قليلًا و هو يضـع سيفه أولًا. ثم أشار إلى أتباعه كي يُنزلوا أسلحتهم.
أطاعوه رغمَ أنّ نظراتهم بقيت حذرة تجاه فرسان فلوبيرت.
ردّت أنجيلينا على تحيّته بإشارة لفرسانها لينزلوا أسلحتهم أيضًا، ثم اقتربت منه.
“التقينا مجددًا أيها الدّوق كادينهارت.”
اقتربت مباشرةً إلى حيث كان يقف كي تُحيّيه.
“في ذلك اليوم، ارتكبتُ عدّة تصرّفات غير لبقـة لعدم معرفتي بـكَ. و رغمَ أنّ هذا جاء متأخّرًا، اسمح لي بأن أقدّم لكَ تحيّة مناسبة الآن.”
ثم مدّت يدها إليه.
“أنا أنجلينا فلوبيرت.”
كان ذلك عرضًا للمصافحة.
لكن بليك لم يأخذ يدها. فتجهمّت أنجلينا بحيرة من تردّده.
و تصلّب فرسان فلوبيرت عند الصمت المحرج بعض الشيء.
ظنّوا أنّ بليك ربّما يرفض التحيّة بقصـد إهانة السيّدة.
لكن قبل أن يزداد الجوّ سوءًا، مسـحَ بليك يـده على بنطاله بطريقةٍ محرجة، و قد بـدت عليه علامات الحيرة.
“أودّ أن أحيّيـكِ كما ينبغي، لكن كما ترَين، حالتي…”
أظهر يديه المتّسختين و هو يتحدّث. فبنطاله كان أيضًا مغطّى بالغبار و الدماء، لذا لم تنجح محاولة مسح الدم عن يديه.
“ستكون تلكَ إساءة أكثر من كونها تحيّة…”
لكن قبل أن يُكمِل بليك كلامه، اجتاحته تعويذة هارلي السحرية هو و أتباعه…
اختفى على الفور دم الوحوش الذي كان يُغطّي دروعهم و أسلحتهم بسماكة.
“ليس بالإمكان التخلّصُ من رائحة الدماء العميقة المتشبّعة في ثيابِهم، لكن مجرّد إزالة بقع الدماء الفوضويّة جعلت مظهرهم أنظف.”
خلف بليك، كان من الممكن سماع صوتِ شون وهو يسحبُ نفسًا .
ذلك وحده كان كافيًا ليُخبره بمدى تعقيد هذا السحر و ارتفاعِ مستواه.
“…لديكِ شخصٌ كُفء إلى جانبكِ.”
“أنا أتلقّى الكثيرَ مِن المساعدة.”
أبدى بليك إعجابًا مُتحفّظًا، و ردّت أنجلينا بفخرٍ على مديحه.
“اسمحي لي أن أُحيّيكِ بشكلٍ لائق أيضًا.”
أمسكَ بليك بيـد أنجلينا. لكنّ ذلك لم يكن للمصافحة.
” أنا بليك كادينهارت.”
قبضَ على يدها برفقٍ وأدارها قليلًا.
ورافعًا يده الأُخرى خلف ظهره، انحنى و قام بتقبيل ظهر يدها بقبلة خاطفة.
“إنّه لشرف لي أن ألتقي بـكِ، يا آنسة فلوبيرت.”
اتّسعت عينا أنجلينا قليلًا أمام هذه اللّباقة غير المتوقّعة.
فمـع أنّها تحمل اسم فلوبيرت، إلّا أنّها لا تحمل لقبًـا، و لم يكن من الضّروري أن يكون دوق مثله بهذه الأدب معها.
و لم تكن تلكَ نهاية الأمر.
“أنا أتحمّل مسؤوليّة كبيرة عمّا حدث في ذلك اليوم. فقد كان من الواضح أنني المخطئ لأنّني لم أُصحّح تلكَ الكلمات الّتي يسهل إساءة فهمها و تركتُها بلا معالجة.”
لم تستطع أنجلينا إلّا أن تتفاجأ باعتذاره عن أحداث مضت.
فكلّ النّبلاء الّذين التقتهم حتّى الآن كانوا ممّن لا يُظهرون سوى كبريائهم و رؤوسهم مرفوعة.
لكنّه الآن ، يخفض رأسه بسهولة، و بأكثر ممّا توقّعته.
“لقد فاتني فقط التّوقيت للكلام، لكن آمـل أن تتفهّمي أنّني لم أكن أنوي خداعـكِ أبدًا، يا آنسة فلوبيرت.”
و أمام هذا الاعتذار الكامل، أدركت أنجلينا أنّها كانت تحمل تحيّزا غير مُستحقّ.
‘عندما أفكّر في الأمر، حتّى في الرّواية، وُصف هذا الرّجل بأنّه مهذب و مؤدب.’
و على الرّغمِ من أنّها كانت تعرف هذه الحقيقة، إلّا أنّها اصطدمت للحظة بتجاربها الأُخرى، ما جعلها تحتقر نفسها لسوء الفهم القصير بينما كانت تُجيب.
“لقد تصرّفتُ بأنانيّة كبيرة ذلك اليوم و لم أُتِح لكَ فُرصة للكلام، فهل نعتبر الأمر خطأً مُشتركًا؟”
“إن كان ذلكَ يُرضي الآنسة فلوبيرت، فسأكون ممتنّا.”
و قد جعلها ردّه المُراعي تفكّر في الرّواية مجدّدًا.
‘قد تكون رواية لا تصدَّق، لكن يبدو أنّ أوصاف الشّخصيّات فيها جديرة بالثّقة. هل هذا لأنّه البطل الذكر ذو الدّور المهم؟’
و على الرّغم من أنّها رواية غير ودودة و بها الكثير من الأجزاء المريبة، إلّا أنّ أجزاءها عن البطل تبدو موثوقة على الأقل.
“بالمناسبة، إن كنتُم متّجهين إلى هذا الطّريق، فهل أنتم في طريقكم للخروج؟”
“لا، نحن نتّجه إلى برج السّحر. لقد شعرنا بوجود أشخاص بالقرب منّا، و أردنا التحقّق فقط من هويتهم.”
“فهمت. إذن، بما أنّنا التقينا صدفة، هل نذهب معًا؟”
“لا بأس بذلك.”
وافـقَ بليك بسهولة.
لكن ما إن انتهى كلامه حتّى سُمِـع أنين منخفضٌ
من الخلف.
“أغغ…”
كان ذلك من مايسون.
لم يكن يقصد إصدار صوت عن عمد.
لكن أملَه الذي تحطم للتو بالحصول على بعض الرّاحة بعد دخولهم ممر البرج جعلَ صوته الدّاخلي يخرج دونَ قصد.
و تحت نظرة بليك الحادّة، أسرع مايسون و بقية الأتباع بالاستعداد للمسير مجدّدًا، لكنّ عيني أنجلينا كانتا تحدّقان إليهم بالفعل.
فحتّى بالنّسبة لأنجلينا التي لا تعرف شيئًا عن القتال، فقد بـدوا جميعًا مُرهقين بوضوح.
“سموّ الدّوق.”
تكلّمت أنجلينا بعد أن تأكّدت من حالهم.
“في الواقع، كنّا نفكّر في إنهاء هذا اليوم هنا.”
بالطّبع، كان لدى أنجلينا و فرسانها طاقة تكفي لمواصلة المسير لساعاتٍ إضافيّة.
لكنّ مجموعة بليك بـدت منهكة إلى درجة لا تسمح باقتراح المتابعة.
التعليقات لهذا الفصل " 22"