أصبحت أنجلينا فلوبيرت بالغة. كانت هذه الحقيقة هي الموضوع الأبرز الذي يشغل بال المجتمع الراقي في إمبراطورية غراندونيا.
كان ذلك أمرًا متوقّعًا. ففي الإمبراطورية، بلوغ أحد النبلاء سنّ الرشد يعني اكتسابه أهليّة الزواج و فرصة الانخراط في عالم السياسة.
لكن الاهتمام الخاصّ الذي حظيت به أنجلينا لم يكن فقط بسببِ هذه الأسباب.
فقد كان شقيقها الأكبر، آنتـي فلوبير، وسيمًا بدرجة تأسر قلوب الجميع بغضّ النظر عن الجنس أو العمر، و كانت هي أيضًا تُعرف بجمالها الأخّاذ حسب الشائعات المنتشرة.
ومع ذلك، بسبب تمسّـك آنتـي فلوبيرت بحماية شقيقته، قليلون مَـنْ تمكّنوا من لقائها بشكلٍ مباشر، مما زاد من الفضول حولها.
ولأن عائلة الماركيز أعلنت عن إقامة حفل عيد ميلاد فخم، كان الجميع ينتظر بفارغ الصبر اليوم الذي سيلتقون بها فيه.
لكن للأسف، أُلغي الحفل.
كانت السبب في ذلك إصابة أنجلينا فلوبيرت بالحمّى الشديدة.
・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ・
“آنستي، كيف حال جسمكِ الآن؟”
“تحسّنت كثيرًا. لا داعي للقلق.”
أجابت أنجلينا ببساطة على سؤال خادمتها القلقة، و ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها المليئتين بلون الكرز.
لكن صوتها المبحوح جعلَ كلامها أقلّ إقناعًا.
“يبدو أن الشاي قد برد، هل أعيـد تحضيره؟”
“لا بأس.”
على الرّغمِ من قلق خادمتها الخاصة لورا المستمر، هـزّت أنجلينا رأسها. تحرّكت خصلات شعرها الفضيّة الجميلة مع حركتها، متألّقة تحت ضوء الشمس كما لو كانت مصنوعة من الألماس.
“إذا احتجتِ إلى شيء، أخبريني على الفور.”
“سأفعل. شكرًا لكِ ، لورا.”
تأكّدت لورا من الغطاء و درجة حرارة الغرفة و عـدّة أمور أخرى بعناية قبل أن تنسحب.
تنهّدت أنجلينا تنهيدة طويلة وهي وحيدة.
“يبدو أنها لاحظت.”
مهما حاولت التظاهر بأنها بخير، كان من الواضح أن لورا، التي خدمتها لوقتٍ طويل، تستطيع ملاحظة أنها ليست على ما يرام.
لم يكن الأمر متعلّقًا بصحتها الجسديّة، فقد تعافت من نزلة البرد منذُ زمن.
لكن الذكريات التي رأتهـا أثناء إصابتها بالحمّى جعلت قلبها مضطربًا.
‘حياة سابقة… هاه؟’
ذكريات عن حياة عاشتها في عالم آخر بجسدٍ مختلف.
في الحقيقة، لم تكن ذكرياتها عن الحياة السابقة واضحة جدًا، إذ لم تتذكّر وجوه عائلتها أو أسماءهم، فلم تكن ذات أهميّة كبيرة.
كل ما شعرت به هو دهشة خفيفة من إدراك أن ‘العالم الآخر موجود بالفعل’.
لكن المشكلة كانت في شيء آخر ظهر مع تلك الذكريات.
‘هل هذا العالم حقًا داخل رواية؟’
رواية قرأتها قبل وفاتها.
كانت أنجلينا تتذكّر تلكَ الرواية بوضوح خاص، لأنها كانت تعيش في عالمها.
في البداية، لم تستطع تصديق ذلك.
حتى بالنّسبة لأنجلينا، التي تتكيّف بسرعة مع الواقع، كان من الصعب تقبّل فكرة أن ‘العالم الذي تعيش فيه هو عالم رواية’.
اعتقدت أن الألم الشديد سبّب لها أوهامًا.
لكن بينما تتطابق الشخصيات و الأماكن و تاريخ الدولة و سياستها بشكلٍ مثالي، لم يكن أمامها خيار سوى تصديق ذلكَ.
‘حسنًا، لنقل إنها رواية فعلاً.’
مع مرور الوقت، استطاعت تقبّل ذلك. سواء كان ذلك تجسّدًا أو انتقالًا أو أي شيء آخر، فلتكن.
‘لكن أن يكون أخي الشرير النهائي؟’
لكن هناك شيء لم تستطع قبوله مطلقًا.
شقيقها أكثر الناس لطفًـا.
شخص رقيق القلب لدرجة أنه يصاب بالقلق و يبكي إذا أصيبت أنجلينا بخدش بسيط على يدهـا.
كيف يمكن لشخصٍ مثله أن يكون شريرًا؟
‘و أيضًا ، أنا سأموت بمجرّد بلوغي العشرين…’
كانت هناك قصة أخرى لم ترغب في تصديقها.
‘أن أعرف أنني سأموت في عيد ميلادي، يا لسخرية القدر؟’
إذا كانت هذه هديّة عيد ميلاد، فإن أنجلينا كانت تـودّ إرجاعها بشدّة.
“يا له من كعـك متعفّن.”
أطلقت أنجلينا أقسى شتيمة تعرفها.
لم تكن الشتّام ستحلّ المشكلة، لكنها شعرت أن ذلك قد يخفّف عنها قليلاً.
‘والأسوأ أنّـه ذُكـر إنني سأموت، لكن لم يتمّ توضيح نوع المرض الذي سأصاب بـه. أليس هذا ظلمًـا؟’
كانت الرواية غاية في القسوة في تفاصيلها.
‘حسنًا، لا توجد حاجة لشرحٍ مفصّل عن المرض الذي ستموت به أخت الشرير.’
ربّما كان الجانب الإيجابي الوحيد هو معرفتها أن المرض غير قابل للشفاء، فلا داعي لتعذيب نفسها بالأمل.
في الواقع ربّما عليها أن تشكر الرواية على ذلك.
تنهّدت أنجلينا تنهيدة خفيفة و هي ترتب أفكارها.
‘قيل إنني سأموت بعد عيد ميلادي العشرين مباشرة…’
هذا يعني أن أمامها حوالي سنتين.
بعد تفكير قصير، توصلت أنجلينا إلى قرار.
‘ربّما هذا أفضل.’
لا فائدة من التفكير في نوع المرض أو إمكانية العلاج، أو الاستسلام للخوف.
بما أن الرواية وصفت موتها بأنه ‘موت مفاجئ للغاية’، فهذا يعني أنها لن تعاني من مرضٍ طويل الأمـد.
في الحقيقة، لا يوجد إعلان عن الموت أكثر وضوحًا و صراحة من هذا.
إذن، هناك خلاصة واحدة.
‘سأستمتع بما تبقّى من حياتي.’
كان الأمر محبطًا، نعـم.
لكنها لم تمـت بعد، أليس كذلك؟
للمرة الأولى منذُ إصابتها بالحمّى، شعرت أنجلينا أن ذهنها صافٍ.
‘ما الذي أريد فعله قبل أن أموت؟’
فكّرت أنجلينا على الفور في شيء واحد.
شيء أرادته في حياتها السابقة لكنها لم تستطع تحقيقه بسبب نقص الإمكانيات.
شيء تملك القدرة على فعله في هذه الحياة لكنها لم تجرؤ على التفكير فيه.
إنه…
‘ماذا لو أنفقت المال ببذخ؟’
كان أوّل بنـد في قائمة رغباتها هو إنفاق المال بلا حدود.
・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ・
توجّهت أنجلينا إلى مكتب آنتـي لتنفيذ أوّل بنـد في قائمة رغباتها.
لإنفاق المال، كانت بحاجةٍ إلى المال، و للحصول على المال، كان عليها زيارة مصدره.
لكن على الرّغمِ من خطواتها الواثقة، توقّفت أمام باب المكتب.
“اليوم هو يوم الاجتماع.”
للأسف، كان ذلكَ اليوم مخصّصًا لاجتماع شامل يضـمّ كل الشخصيات المهمة في العائلة.
‘الآن تذكّرت، لورا أخبرتني صباحًا عن هذا الأمر.’
بسبب انشغالها بالتفكير في المستقبل، لم تنتبه لما قالته لورا.
شعرت أنجلينا بالحرج لأنها نسيت تنبيه خادمتها و جاءت إلى هنا، فخدشت خدّهـا بإحراج وهي تنظر إلى الباب المغلق.
‘أحتاج فقط إلى المال، الأمر لن يستغرق وقتًا، ربّما أدخل للحظة؟’
تردّدت.
لكنها قرّرت التراجع. قد تكون مصابة بمرض عضال، لكنها لن تمـوت غـدًا.
لم يكـن من المناسب مقاطعة اجتماع الأشخاص المهمين مثل قائد الفرسان، رئيس الطهاة، رئيس الأمناء، ورئيسة الخادمات، من أجل طلب المال فقط.
“إذا كان لديكِ أمر ما، يمكنني إبلاغه إلى الماركيز.”
تحدّث أحد الفرسان الذي كان يراقب تردّدها.
“ليس أمرًا عاجلاً، لا بأس. سأنتظر و أعود لاحقًا…”
فجأة، انفتح الباب بعنف.
كانت أنجلينا على وشكِ القول إنها ستعود لاحقًا، لكنها فوجئت و فتحت عينيها على وسعهما عندما رأت شقيقها واقفًا هناك.
ابتسم آنتـي عندما التقى بعينيها، و طوى زاوية عينيه بابتسامةٍ ساحرة يمكن أن تأسر أي شخص.
“لينـا.”
همسَ آنتـي بلقبها بلطف و مـدّ يـده. وضع ظهر يـده على جبهتها و سأل:
“هل زالت الحمّى؟”
“لقد زالت منذ يومين.”
“و هل تشعرين بأيّ ألم في جسدكِ؟”
تفحّص وجهها بعناية، و مسح كتفيها و ذراعيها بحذر.
“هل أستدعي المعالج مرّةً أخرى؟”
ضحكت أنجلينا بخفّـة على صوته المليء بالقلق.
“أنا بخير الآن، أخي.”
كان شقيقها حساسًا جدًا تجاه أي شيء يتعلّق بها، لذا غيّرت أنجلينا الموضوع قبل أن يبدأ في حمايتها المفرطة.
“بالمناسبة، ألستَ مشغولاً؟ سمعت أنّـكَ في اجتماع.”
“لقد انتهى.”
فتح آنتـي الباب على مصراعيه وأشار إلى داخل الغرفة.
كان لا يزال هناك أشخاص يجلسون حول طاولة كبيرة، و بعضهم بـدا مرتبكًا بعض الشيء.
“ماذا تفعلون؟ لماذا لم تذهبوا؟”
تحدّث آنتـي بنبرة صلبة، مختلفة تمامًا عن النبرة التي استخدمها مع أنجلينا.
على الرّغمِ من أن أمره كان طردًا مفاجئًا، نهض الجميع دونَ كلام، وجمعوا أغراضهم.
حتى أولئك الذين لم يفهموا الوضع في البداية تحرّكوا بسرعة بناءً على حدسهم.
“ألم ينتـهِ الاجتماع؟”
سألت أنجلينا وهي ترى الجميع يجمعون أغراضهم على عجل.
“لقد انتهى للتو. لقد جئتِ في اللحظة المثالية، لينا.”
شعرت أنجلينا بالقلق للحظة من أنها ربّما قاطعت الاجتماع، لكنها تخلّت عن تلكَ الفكرة.
كان من الغرور الاعتقاد أن اجتماعًا مهمًّـا كهذا سيتمّ إنهائه مبكرًا من أجلها.
بعد أن غادر الجميع، حتى آخر شخص، دخلت أنجلينا إلى الغرفة.
“حتى مديرو قاعات المزادات و مديرو النقابات كانوا هنا. لا يوجد شيء خطير، أليس كذلك؟”
أدركت من الحضور أن الاجتماع كان كبيرًا حقًا.
“مجرّد تسوية موسمية روتينية.”
“بالفعل؟”
لم ينتهِ الموسم بعد، أليس كذلك؟
تساءلت أنجلينا ، لكن آنتـي أمسك بيدها و سحبها إلى داخل الغرفة، مغيّرًا الموضوع.
“الأمر المهـمّ أمام عينيّ الآن.”
“مـاذا؟”
ابتسم آنتـي بخفّة على تعبير شقيقته المتسائل.
“جاءت لينـا لزيارتي أولاً، أليس هذا أمرًا مهمًّـا و كبيرًا؟”
جلس على حافّة مكتبه و همس.
“أنا سعيد.”
انتشرت ابتسامة ناعمة على وجهه.
تحت ضوء الشمس المتسلّل من النافذة، تألّق شعره الفضيّ بشكلٍ جميل.
كانت عيناه الذهبيّتان، المتّقدتان مع بشرته النقيّة، كافيتين لجذب أنظار الجميع.
بينما كانت تنظر إلى ابتسامته الدافئة التي تفوقت على ضوء الشمس، أدركت أنجلينا من جديد مدى وسامة أخيها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"