عندما قبلت باقة الفريزيا واستنشقت عبيرها، بدا على بنيامين أخيرًا شعور بالارتياح. حاول أن يسحب لها كرسيًا، لكنها لم تلاحظ وجلست كعادتها.
“أمي، أليس استقبال المرافقة من واجبات المرأة؟”
سحبت أوليفيا حاشية معطف بنيامين وأجلسته وهو واقف بشكل محرج.
فكرت أوليفيا: “لقد مرت ست سنوات منذ أن غادرت أمي المجتمع النبيل. ورغم أن الكونتيسة التي كانت دائمًا تحافظ على لياقتها حتى في المنزل لم تعد موجودة، إلّا أنني فضلتُ رؤيتها مرتاحة في المنزل.”
بدا بنيامين أيضًا مسترخيًا في أجوائهما الهادئة؛ لم يبد عليه التوتر كما كان في العربة سابقًا.
بدأ بنيامين يتحدث بتردّد.
“عمتي… سبب مجيئي اليوم هو…..”
فكرت أوليفيا: “لاحظتها تشبك يديها تحت الطاولة. بصراحة، حتى لو اعتذر عمي، لم أظن أن ذلك سيزيل الاستياء المستمر، لكن ربما كانت أمي تأمل في هذا اليوم.”
“أردتُ الاعتذار. لم أحضر جنازة عمي، و…. كان من الخطأ أن يطردكما هكذا.”
كان بنيامين على وشك البكاء مجددًا، وكذلك والدة أوليفيا. لكن بدلًا من البكاء كطفل استمر بنیامین بصوت هادئ.
“كعذر، لم أكن أعلم حتى بوفاة عمي. كنتُ في إجازة من الدراسة آنذاك، أدرس في مكان آخر. كنتُ أنوي العودة بعد متابعة اهتماماتي، لكن الأمر استغرق وقتًا أطول من المتوقع… وعندما عدتُ، كان الأوان قد فات.”
“أخذتَ استراحة؟ متى رجعتَ؟”
“في العام قبل الماضي. على أي حال، عندما علمتُ بوفاة عمي وطردكِ أبي وزواج ليف في هذه الأثناء، قررتُ إنهاء دراستي بسرعة والعودة. أراد أبي أن أترك الدراسة وأعود فورًا، لكن عمي أرسلني إلى الخارج… شعرتُ أن إكمال دراستي واجبي. لهذا السبب أزوركِ الآن فقط. أنا آسف حقًا.”
“أرى.”
أخذت الأم رشفة من الشاي ودفأت يديها الباردة بالكوب.
“عندما زرتُ العقار، لاحظتُ بناء منزل جديد بالقرب من المنزل الرئيسي بناه عمي لكِ تحسبا للطوارئ، أليس كذلك؟ لكن أبي أبعدكِ عن عقار هيرشي تمامًا. لا أملك وجها لأرى عمي….”
“نعم….؟”
“سأعيده إليكِ عندما أرث عائلة هيرشي. أنا آسف.”
“بن، لا… هذا.”
تنهدت الأم وقالت.
“عندما تعود بعد إتمام دراستكَ، كان ينوي تبنيكَ وجعلكَ خليفته. بنى ذلك المنزل ليبقى والديكَ قريبين، لا ليفتقدوكَ. لذا، كان ذلك المنزل مُلكًا لكَ منذ البداية.”
“عمة…”
دفن بنیامین وجهه بين يديه وبكى. ربتت والدة أوليفيا برفق على ظهره ،لطالما كان بنيامين ولدًا طيبًا، لكنه خجول ورقيق، وكان والد أوليفيا يهتم به اهتمامًا بالغًا.
فكرت أوليفيا: “كثيرا ما كان أبي يعرب عن استيائه من صرامة عمي مع بنيامين. رؤية بنيامين يبكي جعلتني أندم على شعوري بعدم الارتياح لوجوده بسبب عمي. الأب والابن ليسا متشابهين أبدًا.”
قرّر بنيامين البقاء في منزل والدة أوليفيا لتعلم قواعد الآداب، لأنه لم يشارك في أي أنشطة اجتماعية أثناء وجوده في الأكاديمية الأجنبية ونسي الكثير من الأساسيات. مع اقتراب الحفل الخيري، لم يكن بنيامين بحاجة إلى معرفة أساسية للتعامل مع كبار النبلاء فحسب. لذا، تطوعت والدة أوليفيا لتعليمه بنفسها. سُرّت أوليفيا برؤية أمها بهذه الحيوية.
مع اقتراب موعد الحفلة، استمر والتر بإرسال الرسائل. في البداية، ردت عليه أوليفيا بضع مرات، لكن بعد اختيارها بنيامين شريكًا لها، توقفت عن الرد تمامًا. مع ذلك، لم تستطع منع نفسها من قراءة الرسائل التي كانت في الغالب تقارير أو مذكرات يومية، لكن رسالة اليوم كانت مختلفة.
(اليوم، كانت الأضواء مضاءة في جناح عائلة كيڤل الخاص، وظننتُ أن السيدة قد أتت. لكن بعد التدقيق، وجدتُ أنهما الدوق الأكبر كيڤل والآنسة إيزابيلا. لا أفهم لماذا يبحث جلالته عن امرأة أخرى وهو يتمتع بزوجة جميلة كهذه. الرجل النبيل الحقيقي لا يُحزن زوجته. سمعتُ أن السيدة قللت من أنشطتها الاجتماعية لأن جلالته لا يبالي بها. هل سيزعجكِ لو عبّرتُ عن تعاطفي؟)
فكرت أوليفيا: “لم أكن أرغب حقًا في معرفة ذلك.”
ترددت أوليفيا، ثم غمست القلم في الحبر وكتبت ردًا مختصرًا.
(والتر، بما أنني أدعمكَ باسم عائلة كيڤل، فمن الطبيعي أن يحضر زوجي رب العائلة، العروض لتقييم قدرات الآخرين. لذا لا تبال بالشائعات، وركز على عروضكَ. فسماحته يدعمكَ أيضًا، فلا داعي لإرسال رسائل بعد الآن فأنا مشغولة جدًا ولا أستطيع الرد.)
بعد كتابة الرسالة، ترددت أوليفيا في ختمها.
“هل كان ذلك قاسيًا جدًا؟ لكن والتر لم يعترف لي بحبه، وطلبي التوقف بدا مبالغًا فيه. تجاهله أو الرد عليه بلطف سيشجعه على إرسال المزيد من الرسائل غير الضرورية.”
قررت أوليفيا أن هذا كان جيدًا بما فيه الكفاية واستدعت خادمةً لإرسال الرسالة.
وأخيرًا جاء يوم الحفل الخيري. وصلت أوليفيا متأخرةً عمدًا لتجنب الازدحام، واصطفت عربات أمام ساحة الكاتدرائية. لكن، ولأن عائلة كيڤل أعلى منزلة من العائلات النبيلة العادية مرت سريعًا عبر مدخل الشخصيات المهمة. من مزايا الانتماء إلى عائلة نبيلة عظيمة أن المرء لا ينتظر تقريبًا.
عند النزول من العربة، كان في انتظار أوليفيا كاهن وقادها إلى الحديقة. مع أن المزاد الخيري أُقيم بنوايا حسنة، إلّا أنه لم يكن من الممكن إجراء معاملات مالية داخل الكاتدرائية، لذا أُقيم دائمًا في الحديقة. بدا ذلك ذريعة لعرض الحديقة.
بينما كان بنيامين معجبًا بأزهار الربيع المزهرة همس.
“هل تعتقدين أنه من الصحيح أنهم يستخدمون الطاقة العلاجية لجعل الزهور تتفتح؟”
“حسنًا، أعتقد ذلك.”
“هل لا يزال بإمكانك استخدام الطاقة العلاجية؟”
“نعم.”
“ثم حديقة عائلتكِ أيضًا؟”
“أنا أستخدم المال، وليس الطاقة العلاجية.”
“أوه.”
صفق بنيامين إعجابًا.
شعرت أوليفيا بسعادة غامرة، وهي تستمتع بمحادثة خفيفة مع شخص ما لأول مرة منذ فترة.
أُقيم الحفل الخيري نهارًا وانتهى قبل غروب الشمس. في الصباح تم استلام القطع، وأُقيم المزاد بعد الظهر.
استقبل بنيامين وأوليفيا الأسقف ومسؤولي المعبد وقرّرا تقديم العناصر الخاصة بهما قبل فوات الأوان. كان من المرجح أن يُعزّز عرض الأغراض باسم العائلة بدلاً من الأسماء الفردية المنافسة بين العائلات. ولن يكون من الشرف تقديم شيء رخيص أو رديء في مزاد خيري باسم العائلة.
أحضرت أوليفيا عقدًا ثمينا لتتجنب إهانة عائلة كيڤل. وعندما جاء دور بنيامين أمال الكاهن الذي استلم القلادة رأسه.
“لقد قدّمت عائلة مقاطعة هيرشي بالفعل عنصرًا.”
شعرت أوليفيا بقشعريرة. تجمدت تعابير وجه بنيامين عندما التقت أعينهما. دون أن ينطقا بكلمة، قاما بالبحث عن الكونت والكونتيسة.
“هل كنتَ تعلم بهذا؟”
“لا، لم أخبرهما حتى أنني قادم إلى هنا.”
“ثم كيف…..”
“ليف، أُقسم أنني لم أطلب منهم الحضور. لو كان هناك أي شيء….”
وفي تلك اللحظة، لاحظا في نفس الوقت مجموعة من الأشخاص يتحدثون بحيوية.
“فهل كادت السيدة كيڤل أن تصبح السيدة هدسون؟”
كان صوت السيدة أفيري، ابنة الماركيز عاليًا. اقترب أوليفيا وبنيامين ببطء.
فكرت أوليفيا: “مر وقت طويل منذ أن رأيتُ عمي وعمتي لم أستطع فهم ما كانا يتناقشان فيه.”
“لو أنها وفّرت بضع سنوات أخرى للمهر، نعم.”
“ثم، حالف السيدة كيڤل الحظ بزواج ناجح دون مهر يا لها من قصة آسرة.”
وقفت أوليفيا هناك مذهولةً. فكرت: “المهر الذي كان والدي يساهم فيه باستمرار طوال حياته، أُلغي عندما طُردتُ مع أمي. كان المنزل الريفي القديم متهالكًا لدرجة أن الإصلاحات كانت ضرورية وتكبد تكاليف باهظة على الرغم من الخسارة المالية الكبيرة. ماذا كانوا يتحدثون عنه؟”
عمها وعمتها، اللذان بديا بائسين ووقحين مقارنة بالنبلاء الكبار الذين كانت أوليفيا تتعامل معهم عادةً، ضحكا وتبادلا أطراف الحديث. وبينما هدأ الحشد ولم تجب سوى السيدة أفيري، لاحظا وجود أوليفيا أخيرًا.
“آه، أوليفيا.”
التفتت أوليفيا بعيدًا دون أن تُجيب.
“ليف!”
وبينما حاول بنيامين أن يتبعها، أوقفته أوليفيا بيدها.
“أصلح هذا الآن.”
لم يستطع بنيامين اللحاق بها أكثر، فالتفت لوالديه.
شعرت أوليفيا بالغثيان، فدخلت أحد المباني بلا هدف. فكرت: “كنتُ أعلم أنه كان عليّ أن أتصرف وكأن الأمر لا يزعجني، لكن جسدي لم يتعاون.”
ترنحت أوليفيا متكئةً على جدار الكاتدرائية الحجري البارد: “أشعر وكأن لا أحد بجانبي. أتمنى لو أختفي في مكان ما. ربما كان من الأفضل لو واصلتُ العيش مع أمي في ذلك الكوخ الريفي. لم يكن هذا شيئًا يستطيع بنيامين إصلاحه. سيُقال الآن إنني تزوجتُ إيان كيڤل من أجل المال، لا عن حب طويل الأمد. أو سيقولون إن إيان احتقرني لأني امرأة تزوجته من أجل المال. حتى لو كان ذلك صحيحًا، إلًا أنه كان مؤلمًا. كانوا ينعتونني بالمرأة الوقحة، التي تنتظر حب زوجها دون مهر. أشعر ببؤس شدید.”
التعليقات لهذا الفصل " 9"