طرحت نا يوري هذا السؤال، فأجابت شين باران على الفور.
“سأقتلها.”
“… أجل، كنتِ دومًا كذلك.”
تنهدت نا يوري، ثم غيّرت السؤال.
“سأطرح سؤالًا آخر… ماذا لو أن عدوكِ كان يعاني من اضطراب تعدد الشخصيات؟ وكانت الشخصية التي تحملين لها العداء قد اختفت إلى الأبد؟”
“هممم… هل نتحدث عن ما قبل الانتقام؟ أم بعده؟”
“ما قبل الانتقام.”
فكّرت شين باران بعمق، وهمهمت قليلًا، ثم قالت.
“أعتقد أن الأمر يتوقف على أين نضع جوهر الإنسان.”
“جوهر الإنسان…”
“هل نعدّ ما ارتكبه الشخص امتدادًا لشخصيته؟ أم نراه امتدادًا لجسده فقط؟ هممم، لا أدري حقًا… أعتقد أننا لن نفهم إلا إن كنّا نحن أنفسنا في ذلك الموقف.”
“… صحيح.”
سقط بصر نا يوري على النافذة. كان البحر المظلم يتماوج في الأفق.
“سأتوجه إلى صالة السطح مباشرة. أخبري الآخرين بذلك، من فضلك.”
“حسنًا!”
افترقت نا يوري عن شين باران وتوجّهت نحو المصعد.
أخذها المصعد الزجاجي في صمت إلى الأعلى… ثم أعلى.
وعلى السطح، كان نا يوهان ينتظرها مسبقًا.
“وصلتِ؟”
سألها بينما كان يحرّك كوبًا فيه مشروب أحمر بيده بلا مبالاة، وكأن ما يحدث لا يعنيه.
اقتربت منه، وعلى وجهها تعبير يصعب تفسيره.
“نعم.”
“ما الذي تريدين قوله؟”
رغم أنه بدا هادئًا، إلا أن يده التي كانت تحرّك المشروب قد توقفت.
نظرت نا يوري إلى وجهه، الذي لم يكن يجرؤ حتى على النظر في عينيها.
“من أنتَ؟”
“… لا أعلم. حتى أنا لا أعرف كيف أصف نفسي.”
تردد قليلًا، ثم تابع بصعوبة.
“لكن… هناك شيء واحد أستطيع قوله بيقين…”
سقط بصره على المشروب الأحمر في كأسه، وانعكس وجهه عليه.
“… أنني لستُ أخاكِ.”
عند سماع كلماته، أغمضت عينيها بقوة لبرهة، ثم فتحتهما وسألته.
“منذ متى؟”
“منذ شهر قبل دخولي الأكاديمية.”
“إذًا، في ذلك الوقت….”
بدا أنها أدركت شيئًا.
ثم، ابتسمت بسخرية… وكأنها كانت تضحك على نفسها.
“إذًا… كنتُ أُفرغ غضبي على شخص لا علاقة له بالأمر.”
“هذا….”
“يا لي من تافهة.”
وضع النادل الشراب الذي طلبته نا يوري على الطاولة.
كان الشراب الأزرق المتوهّج يبدو متناقضًا تمامًا مع الشراب الأحمر أمام نا يوهان.
أمسكت به نا يوري وشربته دفعة واحدة.
بانغ!
ضرب الكأس الطاولة بقوة.
“لا تقلق، لن يحدث ذلك مجددًا.”
نظرتها له كانت قد تغيرت. مسافة ما قد تشكّلت بينهما.
رفع رأسه لينظر إليها، وتحدث بصوت خافت، خالٍ من الثقة.
“لقد استوليتُ على جسد أخيكِ… ألا تودين قول شيء عن ذلك؟”
“لا.”
ابتسمت.
“أنا أكره أخي أكثر مما تتخيل.”
ابتسمت بصفاء…. كان في ابتسامتها شيء من الجنون.
“كنت فقط أتصنع اللامبالاة لأنه عائلتي، ولأن هناك من يتعلق به.”
نظرتها لم تتزعزع، وابتسامتها ظلت ثابتة.
“أن تسلب حياة ذلك الحقير… أن تعيش حياته بدلًا منه… ذلك هو انتقامي. وتلك هي كفارته.”
امتزجت كلماتها بحقد لا يُوصف، حتى بدا أنه يملأ المكان.
“هذا يكفيني.”
“…. فهمت.”
ظهر على وجه نا يوهان تعبير معقّد. ثم نهضت نا يوري وغادرت مقعدها قائلة.
“أتمنى أن تعتمد علينا من الآن فصاعدًا، السيد نا يوهان.”
ظل نا يوهان جالسًا مطوّلًا، ينظر إلى الكأس الذي بين يديه، بتعبير مليء بالتشابك.
.
.
وأنا أيضا، أصبح وجهي معقدًا.
“لقد عدت!”
نا يوري، وقد استعادت ابتسامتها المشرقة، التصقت بي مباشرة.
نعم. تلك كانت نا يوري نفسها التي كانت قبل قليل على وشك الانفجار بجنون.
“تعرفين يا ناهيون، نا يوهان اعتذر لي!”
“حقًا؟”
ابتسمت لها.
“هذا رائع! مبارك!”
في حين كنت أرتجف داخليًا، نا يوري عانقتني بقوة وهي تقول.
“نعم! قال إنه سيقضي عمره كله في التكفير!”
… لا، مهلاً.
حاولت جاهدة أن أرفع زاوية فمي كي لا يبدو وجهي مشوّهًا من الصدمة.
“حقًا تغير يوهان، أليس كذلك؟”
عند سؤالي، توقفت نا يوري للحظة، ثم ابتسمت وأومأت برأسها.
“نعم. الآن فقط استطعتُ تقبّل ذلك.”
“الحمد لله…”
“حتى الآن، لم أستطع الاعتراف بذلك. لذا أثرت كل تلك الضجة وتكلمت عن كونه شخصًا آخر… آسفة، سببت لكم إزعاجًا، أليس كذلك؟”
“لا! طبيعي! أليس كذلك؟”
وهنا شاركتنا شين باران قائلة.
“بالضبط! يوهان تغيّر فجأة كثيرًا، وهذا بحد ذاته محيّر…”
ابتسمت نا يوري مطمئنة لكلامنا، أما أنا فكنت أفكّر.
أنا مرعوبة بحق. هذه الفتاة كانت تطحنه حقدًا من الداخل!
أقسم أني لن أجعلها عدوتي أبدًا.
“هممم؟ ما الأمر؟ يوري الغالية، هل هدأت أعصابك؟”
“نعم.”
دخل علينا زملاؤنا وهم يحملون ألعابًا وأوراقًا للعب.
لعبنا معًا حتى وقت متأخر من الليل، ثم بدأنا نغفو واحدًا تلو الآخر…
ما عداي أنا.
***
نهضت من مكاني حين غطّ الجميع في النوم.
ربما كان السبب اضطرابي الداخلي… لم أستطع النوم أبدًا.
نظرت من النافذة، كانت النجوم تتلألأ في السماء… منظر لم أره مطلقًا في حياتي السابقة.
… ربما أخرج لتمشية قصيرة؟ قادني هذا الاندفاع إلى تحريك قدمي.
تنغ—
وصل المصعد إلى الطابق الأدنى.
مررت عبر ردهة الفندق المعتمة رغم وجود الأضواء، واتجهت إلى الخارج.
أمام الفندق كان الشاطئ، وكانت أمواج البحر تتردد في أذني.
وقفت أمام المدخل، أنظر حولي، فرأيت شخصًا يجلس عند الشاطئ البعيد.
كان المحتال.
لماذا في هذا الوقت…؟
سرت نحوه بخطوات هادئة.
“مساء الخير، يوهان.”
عند سماعي، رفع نظره عن السماء وحدّق بي. ثم ابتسم ابتسامة واهنة.
“مساء الخير.”
جلستُ إلى جواره.
“ألم تستطع النوم؟”
“أجل.”
أجابني بإيجاز، ثم صمتنا طويلًا، ننظر إلى السماء معًا.
ششش—
صوت الأمواج يتردد في سكون الليل.
وفي لحظة قطع صوتُه ذلك السكون.
“هل تحبين الروايات الخيالية؟”
فكّرتُ قليلاً، ثم أجبته بصدق.
“أحبها.”
لم يكن لدي وقت كثير للقراءة منذ بدأت حياتي الجديدة، لكن في حياتي السابقة، كنتُ أقرءها بشغف. كنت أحب الشعور وكأني أعيش في عوالم مختلفة.
سكت للحظة، ثم سأل.
“هل تعرفين معنى التجسيد في شخصية؟”
“أعرف. يظهر كثيرًا في الروايات، أليس كذلك؟”
نظرت إليه، مستغربة هذا السؤال المفاجئ. لكنه ظل ينظر إلى السماء، ثم التفت نحوي.
“… ماذا لو، فقط افتراضيًا، أنكِ تجسدت داخل شخصية في رواية، كيف سيكون شعوركِ؟”
ابتلعت ريقي.
هل كانت قوة الليل هي السبب؟ لكنني كنت أشعر بوضوح أنه يريد قول شيء أكبر من مجرد خيال.
“هذا مجرد حديث عن رواية، فقط تخيلي…”
نظر إلى البحر البعيد.
“كان هناك شاب، تافه، مهووس بالألعاب.”
ششش—
صدى صوت الموج.
“في أحد الأيام، استيقظ من نومه ليجد نفسه في جسد شخصية من عالم اللعبة التي يحبها.”
نسيم دافئ، كما يليق بصيف.
“ظن أن العالم بأسره له. فراح يستغل معرفته باللعبة ليتلاعب بالناس… أحمق، أليس كذلك؟”
ضحك ساخرًا، وشعره يتطاير في الريح.
“لكن في أحد الأيام، أدرك أن هذا العالم… ليس لعبة.”
ثم تمتم.
“ووقتها، فكّر: ‘ماذا عن الشخص الذي كان في هذا الجسد؟ ما الذي حلّ به؟’ لكنه تجاهل الأمر. لأنه ظهر فجأة شخص يَدعي أنه المؤسس، وقال له: ‘كل شيء أُعد من أجلك، فقط ركّز على الأمام.’ “
بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه.
“لكن حتى لو أراد المضيّ قدمًا، كان هناك الكثير مما يشغل باله. هذا الطبيعي، فقد أدرك الحقيقة.”
انكمش على نفسه، يجمع ركبتيه بين ذراعيه.
“ومؤخرًا، كُشف أمره. ورغم ذلك، شعر بشيء من الارتياح. كأن النهاية أتت أخيرًا. لكن…”
مددت يدي وربّتُّ على ظهره بحذر. رفع رأسه ناحيتي، ووجهه متشنّج، يكاد يبكي.
“قالوا لي… أنه لا بأس. أنهم يفضلون أن أبقى كما أنا. قالوا إن الأمر لا يهم…”
دفن وجهه في ذراعيه، وتمتم.
“أتعرفين ما هو الأكثر تهافة؟ أنني شعرت بالراحة حينها.”
بصوت منخفض، منهار، قالها.
“أتعلمين، ناهيون؟ أنا… إنسان بائس لهذه الدرجة.”
مسحتُ على ظهره بصمت، ثم تمتمت.
“هل تعرف يا يوهان… ما معنى ‘الولادة من جديد’؟”
حقًا… أيها الأحمق الغبي.
إنك تحفر قبرك بيديك.
────── •❆• ──────
أنا والمتابعين في طور الصدمة
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 91"