من السخيف أن أقول ذلك، لكن ما إن انكشفت فضائح المدير حتى بدا أن الحكومة بدأت تراجع فكرة الاستمرار في المشروع القائم هنا.
فما كان يهمهم في نهاية المطاف لم يكن رفاهية الأطفال الهجناء، بل نجاح المشروع فحسب، ونتيجة لذلك، بدأت المعونات المالية تتقلص بشكل حاد.
ثم…
“توسُّع البوابات؟”
وكأن الكارثة لا تكفي، ظهرت أنباء عن احتمال ظهور بوابة وحوش بالقرب من هذه القرية.
سألني الثعلب.
“ألا ترين أن من الغريب أن نكون نحن فقط من يعلم بهذه الأمور؟”
“من يدري؟”
تنهدت بعمق.
كنا مستندَين بظهورنا إلى باب مكتب المدير. ومن الداخل، كانت المعلمة تتحدث عبر الهاتف بصوت غاضب.
“ماذا؟ لا يمكن نقلهم؟ تقولون إن الميزانية لا تكفي!”
المعلمة، نادرًا ما تفقد هدوءها، كانت تصرخ في الهاتف بغضب عارم.
“تقولون إن المشروع سيتوقف؟ يجب عليكم تحمّل المسؤولية حتى النهاية! ماذا؟ فقط أعتني بناهيون؟ هل أنتم بوعِيكم!”
وخزت خد الثعلب الذي كان يحدّق في الأفق البعيد. زمّ شفتيه وضربني بذيله على ذراعي، ثم سألني.
“هل تملكين المال؟”
“هل يبدو عليّ ذلك؟”
“لكنّك تعرفين صيّادة مشهورة، أليس كذلك؟”
“صحيح. ولهذا أنوي أن أطلب منها المساعدة.”
كنتُ عازمة على القول لِتشوي غارام، التي لم تتكرم حتى الآن بزيارتي، إن لم تأتِ فلتبعث بالمال على الأقل.
“إن أزعجتها بما يكفي، فستعطيني شيئًا على الأرجح. إنها غنية لكنها مشغولة دائمًا.”
وحينها، سنتمكن من نقل الأطفال إلى مكان آخر.
“هل يمكن شراء بطاقة المواطَنة إن توفّر المال؟”
لكن الثعلب هز رأسه نافيًا.
“لا يمكن شراء بطاقة المواطنة. إن انكشف الأمر فستُطردين. يجب أن تُمنحي إياها رسميًا.”
ثم تمتم.
“لقد بقيتُ هنا أصلًا لأجل الحصول على المواطَنة.”
“يعني حتى لو كان لدينا مال، فالمكان الذي يمكننا الانتقال إليه سيبقى داخل منطقة السكن غير القانوني….”
“غالبًا، نعم.”
“ألا توجد طريقة ما للحصول على المواطنة؟”
“ربما إن قدمتِ رشوة لأحد المسؤولين؟”
“آه، هذا مستحيل. فهمت.”
بقينا مستندَين إلى الباب نستمع لما يدور داخل الغرفة، وحين بدأت المكالمة تقترب من نهايتها، توجهنا معًا إلى غرفة النوم.
كان الثعلب يبدو مضطربًا من جديد.
سألته.
“هل ستغادر؟”
أجاب.
“لا. لقد أصبحتُ أحب هذا المكان.”
“أفهم. وأنا كذلك.”
ساد صمت طويل. كانت ليلة طويلة.
في اليوم التالي، طرقتُ باب مكتب المدير.
“معلمتي، هل يمكنني الدخول؟”
“ناهيون! تفضلي بالدخول!”
دخلتُ الغرفة، وكانت تبدو أقل ترتيبًا من ذي قبل. حاولت المعلمة إخفاء بعض الأوراق بجسدها على عجل.
بمجرد دخولي، قلت.
“أظن أن ميتمنا مفلس، أليس كذلك؟”
“م-من أين سمعتِ ذلك؟”
“استنتجته من ملاحظاتي.”
بدأت المعلمة تتلعثم وتقول.
“لا لا! نحصل على دعم من الحكومة، وهناك متبرعون أيضاً…”
لكنني بقيت صامتة، وعندما ظنت أنني اقتنعت، ابتسمت وقالت.
“لذا، لا تقلقي بشأن المال، حسنًا؟”
وفي الأثناء، كانت تدفع بملصق كان قد برز خلف ظهرها.
“سأتدبّر الأمر بطريقتي.”
لكنني حين لمحت ما كُتب على ذلك الملصق، أصابني الذهول.
<تجارة الأعضاء>
هل جُنّت؟
هل جنّت؟؟
هل جنّت؟؟؟
قلت بسرعة.
“أستطيع تأمين المال عبر شخص أعرفه.”
“هل تقصدين تلك التي تُدعى تشوي غارام؟”
“نعم.”
“لكنها ليست من داعمي الميتم، مجرد شخص تعرفينه. بل وهي من تركتكِ هنا من الأساس.”
هزّت المعلمة رأسها. وبدأ قلبي يغلي.
أنا هنا، وهذا يزيد احتمالية أن ترسل تشوي غارام المال، أليس كذلك؟
صحيح أنها تركتني هنا وهذا لا يُغتفر… لكن الآن ليس وقت التدقيق! لماذا لا تفكر في استغلال الموقف على الأقل؟
قبل أن أردّ، قالت المعلمة.
“ناهيون.”
نظرت إليّ بعينيها العسليتين اللطيفتين، فشعرت بالتردد. ثم ابتسمت لي بهدوء.
“وصلني اتصال من تشوي غارام، التي تدّعي أنها وصيّتك. إن رغبتِ بلقائها، سأدعكِ تلتقين بها. وإن لم تريدي، فسأمنع اللقاء مهما كان الثمن.”
كانت ابتسامة حازمة، لكنها دافئة.
“حتى لو عرضت المال مقابل لقائكِ، لن أوافق.”
فهمت عندها ما الذي تعنيه بكلماتها تلك.
“أنا راشدة. لدي القدرة على حل الأمور دون الحاجة إلى قوتها.”
إنها فقط تريد حمايتي. ألا أتعرض للضغط من أجل المال، أو لأي سبب آخر، كي أضطر لمقابلتها.
“لذا، أريد منكِ أن تفعلي فقط ما ترغبين به يا ناهيون.”
ليس لديكِ هذه القدرة ، لا تكذبي…
ذابت الكلمات القاسية التي وصلت حتى حلقي، وسط دفء ينتشر في صدري.
فتحت فمي لأقول شيئًا، ثم أعدته إلى مكانه بصمت.
“هل ترغبين بلقاء تلك السيدة؟”
لا. في الحقيقة، لا أريد رؤية من تخلّى عني وتركَني هنا.
لم أعرف كم كنتُ وحيدة، إلا عندما وصلت إلى هذا المكان.
أنا أكرهها لأنها جعلتني أشعر بالوحدة… لكنني كنتُ أحبها.
مشاعر متشابكة تنعقد داخلي مثل كومة خيوط. ولا أريد لقاءها قبل أن أفهمها.
“نعم.”
لكنني لست صغيرة كفاية لأضع مشاعري فوق كل شيء.
ولا أريد أن أرى المعلمة تتخلى عن نفسها، أو الأطفال يتأذون.
“أريد أن ألتقي بها.”
قررت مقابلة تشوي غارام.
***
بعد أن أخبرتُ الصيادين أنني أعرف تشوي غارام، لا أعلم كيف وصل الأمر إلى المسؤولين، لكن فجأة تم إرسال قوات حراسة حول الميتم.
في الحقيقة، كان من المعجزة ألا يتعرض الأطفال لأي حادثة كبيرة قبل وصول الحراس.
أو ربما، يعود الفضل لمدير الميتم الذي يبدو أنه كان متعاونًا مع إحدى العصابات المحلية في منطقة السكن غير القانوني.
“هيا بنا.”
سرتُ مع من أُرسلوا لاصطحابي، نتوجه خارج القرية.
كانت هذه المرة الأولى التي أمشي فيها في القرية، لذا كنتُ أتفحص كل شيء من حولي بفضول.
رغم أن هذا العالم كان مأخوذًا من رواية قرأتها، إلا أنني لم أصادف عناصر الرواية سوى الأبراج والبوابات.
سرتُ شاردة الذهن أفكر إن كانت هناك عناصر أخرى من الرواية ظهرت في منطقة السكن غير القانوني.
هناك… ظهر “الميزان الأسود” و”جيميني”.
الميزان الأسود هو كيان نظامي يمنحك شيئًا يعادل ما تقدمه من قيمة.
أتذكّر المشهد الذي ذهب فيه بطل الرواية إلى منطقة السكن غير الشرعي ليُجري صفقة مع “الميزان الأسود”.
لقد قرأت ذلك الجزء مرارًا، إذ كانت هناك الكثير من التلميحات المبطّنة المحيطة بذلك الحدث، فلا عجب أنني كنت أعود إليه مرارًا وتكرارًا.
أتذكّر كذلك وصف الشعار المنقوش في مكان سكن “الميزان الأسود”، لا يزال حيًّا في ذاكرتي… كان ميزانًا مرسومًا داخل دائرة…
صحيح. البطل دخل من خلال شعار كان يشبه ذلك تمامًا.
“هاه؟”
توقّفتُ عن السير عندما رأيت الشعار المحفور على الجدار.
ذلك الشكل الغريب — ميزان مرسوم بشكل هندسي داخل دائرة كبيرة — كان مطابقًا تمامًا لما ذُكر في الرواية.
ما الذي يفعله هذا هنا؟
هل هو مجرد خربشة؟
لم أصدق عيني.
هل يُعقل أن هذا أحد الأماكن الذي يمكن فيه لقاء “الميزان الأسود”؟ شعرت بالارتباك.
“ما بكِ؟”
سألني أحد الصيادين الذي كان يسير إلى جانبي عندما توقفتُ.
فطرحتُ عليه سؤالًا لأتأكد.
“ذلك الشعار هناك… منذ متى وهو موجود؟”
“هم؟ لا أدري… متى ظهر شيء كهذا؟”
بدا الصياد حائرًا من سؤالي.
“هل يمكنني لمسه؟”
“افعلِي.”
اقتربتُ من شعار “الميزان الأسود” ومددت يدي نحوه بحذر، وما إن لمسته حتى اجتاحت جسدي قشعريرة باردة بدأت من أطراف أصابعي وسرت إلى كل أطرافي.
…إنه حقيقي.
شعرت بشفتيّ ترتسمان بابتسامة لا إرادية.
“ما بكِ؟ ترتجفين؟”
“لا، لا شيء.”
أومأت برأسي نفيًا متظاهرة بالهدوء بينما كنت أفكر بسرعة.
فجأة، مرت في ذهني فكرة كالبرق.
‘ألا توجد طريقة ما للحصول على المواطنة؟’
‘ربما إن قدمتِ رشوة لأحد المسؤولين؟’
لكن… ماذا لو كان “الميزان الأسود” هو الحل…؟
… لا. عليّ أن أؤجل التفكير في هذا الآن.
تظاهرت بأن لا شيء قد حدث، ومررت بجانب الصياد وركضتُ إلى الأمام.
***
“كنتِ مشغولة، صحيح؟ بدليل أنكِ لم تأتي إلا الآن.”
عند قولي ذلك، انحنت تشوي غارام بخجل وكأنها تشعر بالذنب.
تردّدتُ قليلًا، هل أُوبّخها؟ ثم تخلّيت عن الفكرة. حتى ذلك بدا مضيعة للوقت.
“دعينا من كل شيء… لديّ أسئلة أودّ طرحها.”
قررت أن أطرح تساؤلاتي، واحدة تلو الأخرى.
“رأيتُ في الميتم سابقًا الفلتر الذي صنعته أمي. الذي تم استخدامه في التجارب.”
“النسخة التجريبية؟”
“نعم. لماذا كان ذلك الفلتر في منطقة السكن غير الشرعي؟”
أخذت تشوي غارام تفكّر مليًّا قبل أن تجيب ببطء.
“ربما لأن آهيون هي من قامت بنشره. في ذلك الوقت، كنا بحاجة لبيانات حقيقية من العامة، ومنطقة السكن غير الشرعي كانت تشهد صدامات بين المدنيين والوحوش كثيرًا.”
أمي… لم تكن تعبأ بأي شيء، حقًا.
“أفهم. أمي لم يكن يهمّها أحد حقًا.”
حتى إن استخدم مدنيّ لا يعلم شيئًا فلترًا تجريبيًا غير مستقر وتعرّض لإصابة خطيرة… لم تكن لتهتم.
صحيح أنني نجوتُ بفضله، لكنني لم أشعر بأي امتنان. بل أدركت فجأة أن مشاعري تجاه أمي قد خمدت لدرجة أدهشتني.
وربما… منذ ذلك اليوم الذي ضحكت فيه وهي تقول إن فتح البوابة كان شيئًا حسنًا.
تمتمتُ بفتور.
“أعلم أن حلم أمي كان أن تُكمل تطوير فلتر GAH وتسويقه. لكن…”
لقد سئمت من هذا الفلتر. تمامًا.
“لا أريد أن أراه يُروَّج له بفخر مرة أخرى.”
“……”
ظلت تشوي غارام صامتة، تضغط قبعتها الواسعة على رأسها. لطالما ظننت أن هذه القبعة تليق بها…
أكملتُ ببرود.
“السؤال التالي… أو بالأحرى، الطلب التالي. هل يمكنكِ منح أطفال الميتم والمعلمة الجنسية؟”
فجاء ردها قاطعًا.
“هذا مستحيل.”
قالت إنه لا يمكنها ذلك.
“إن كان العدد واحدًا أو اثنين، يمكنني ضمانهم باسمي. لكن منح الجنسية لجميع الأطفال؟ مستحيل.”
شعرت ببردٍ يسري في قلبي. وكأن شعلة الأمل قد انطفأت للتو.
قالت تشوي غارام وهي تراقب تعابير وجهي بحذر.
“ناهـيون… تعالي معي.”
“……”
“أنتِ تعرفين… أنني مشغولة ولا أستطيع الاعتناء بكِ كثيرًا، لكنني أستطيع أن أؤمّن لك مكانًا أفضل من هذا.”
ابتسمتُ لها ابتسامة مشرقة.
وعند رؤيتها لابتسامتي، ارتخت ملامح وجهها قليلًا.
“خالتي، إن ذهبتُ معكِ… سأشعر بالوحدة. لذلك، لا أريد.”
وعادت ملامحها للتصلّب من جديد.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 82"