“ألا تعلم أنني قادرة على فعل أي شيء من أجل عائلتي؟”
تلبّد وجه أوراكل، أو بالأحرى، وجه الجسد الذي تلبّسه أوراكل، بملامح الارتباك عندما قبضت على ياقة قميصه.
“لكنّك استغللتَ ذلك، واستمررتَ في إيذاء من يخصّونني، أليس كذلك؟ هذا يستفزّني كثيرًا. لهذا فعلتُ ما فعلت. فهمت؟ كلّ هذا بسببك أنت.”
حتى دون أن أنظر إلى المرآة، كنت أعلم.
كنت أبتسم على اتساع وجهي.
“هذه تحذيري لك. إن تسببتَ مجددًا في إيذاء عائلتي، فلن أتهاون معك. إن مسستَ ما هو لي، فاستعدّ لأن تُمزّق إربًا.”
لطالما كنتُ كذلك. مستعدة لفعل أي شيء لحماية ما هو عزيز عليّ.
“هل فهمت؟ أيها الوغد؟”
هدّدتُ أوراكل وأنا أزمجر، ثم تركتُ قبضتي من على ياقة قميصه، فتنفّس بعمق قبل أن يزفر تنهيدة ثقيلة.
“…فهمت. لقد كنتُ وقحًا.”
“طالما فهمت، فهذا يكفي.”
“لكن التعاون مع الوايلد هنتر—”
“أنت وهم، كلاكما أوغاد! اغرب عن وجهي.”
“…..”
فتح أوراكل فمه وكأنّه سيقول شيئًا، لكنه سرعان ما أغلقه بصمت، وكأنّه لم يجد ما يقوله.
ثم خرّ الجسد الذي كان أوراكل قد تلبّسه ساقطًا على الأرض.
أمسكتُ به وسندته على الأرض بلطف. آسفة، لكن عندما يستفيق، سيتدبّر أمره بنفسه ويعود إلى منزله. وأنا كذلك، آن لي أن أعود.
بما أنني قد صنّفت منظمة الوايلد هنتر كعصابة إجرامية، فلا بد أن الميزان الأسود سيمنعهم من الاقتراب من الميتم مجددًا. هذا يطمئنني.
“يا لها من معاناة مقرفة….”
كان الغروب قد بدأ يلوّن السماء بلون برتقالي خافت. لحسن الحظ أنني أرسلتُ رسالة أُعلمهم فيها بأنني سأتأخر قليلًا، وإلا لأقلقتُ من في الملجأ.
خرجتُ من قرية المقيمين غير الشرعيين، وسرت مبتعدة.
وبعد أن مشيتُ مسافة طويلة، كانت القرية قد ابتعدت حتى تحوّلت إلى نقطة صغيرة في الأفق.
عندها انتابتني مشاعر غريبة.
حنين إلى الماضي؟
ربما. لكن إن أردتُ الدقة، كان ذلك أقرب إلى… النظر إلى ندبة وتذكّر الألم الذي خلّفته.
تابعتُ السير، شاردةً في ذكريات الماضي.
***
“ناهيون، انظري! أليست جميلة؟”
كانت أمي تبتسم بفخر وهي تريني قطعة ميكانيكية براقة وملوّنة بألوان قوس قزح.
“ما الذي ستحسّ به طفلةٌ صغيرةٌ من رؤية ذلك؟”
تذمّرت تشوي غارام، ومع ذلك لم تمنعها من المتابعة، بينما كانت تجهّز أجزاء مسدّس.
كنتُ حينها في المعهد الذي تعمل فيه أمي.
قيل إن المعهد قد أنشأه البطل “إيرينتوس”، الذي كان من نخبة “المنقذ” ويُجرى فيه العديد من الأبحاث المتقدّمة.
ومنذ لحظة دخولي، استقبلتني أجهزة تكنولوجية غريبة تصدر أزيزًا خافتًا وهي تجمع البيانات، ما جعل المكان يبدو وكأنه مختبر من أفلام الخيال العلمي.
“هيا، إلى ميدان الرماية!”
رغم أنَّه لم يُسمح لي إلا بزيارة عددٍ محدود من الأقسام بصفتي زائرة، فإنني، بعينيّ الصغيرتين الجاهلتين، كنتُ مندهشة من كمية الأجهزة العجيبة المعروضة.
“تُرَى، هل سينجح الأمر اليوم؟”
“من يدري؟”
همست غارام وأمي لبعضهما بينما كانتا تتفحّصان المسدّس. كانت القطعة المتلألئة قد رُكّبت على السلاح.
عندما اتخذت تشوي غارام وضعية الرماية وأطلقت، سقطت دمى متعددة الألوان، لكن بعضها بقي صامدًا، فتنهدت أمي.
“ما زال العنصر المقدّس والعنصر المحايد يمثلان مشكلة…!”
“العنصر المقدّس يستهلك الكثير من حجر المانا. أما العنصر المحايد… فالمرشّح لا يفلتر العناصر الأخرى بالكامل، لذا يبدو أن بعض الخصائص تسرّبت وأثّرت على النتائج.”
“ممم… ربما علينا التوقّف عن استبدال المرشّح، ونكتفي بوضع حجر مانا مستقل؟ ولكن في هذه الحالة، إذا أردنا أن يستخدمه عامة الناس أيضًا…”
بينما كانا يتهامسان ويتناقشان بجدية، كنتُ أعبث بدمية قريبة.
كانت تُشبه كرتين موضوعتين فوق بعضهما، وكان شكلها مضحكًا وعشوائيًا للغاية.
“إذًا نُطلق عليه النسخة التجريبية…”
تركتُ البالغين الغارقين في الحديث المعقّد، ومضيتُ مبتعدة.
على أية حال، الأماكن المسموح لي بالذهاب إليها بتصريح الزيارة المعلق في عنقي كانت محدودة.
سيجدونني لاحقًا على كل حال. الغرفة الخاصة بالبوابات التي مررنا بها قبل قليل بدت ممتعة، عليّ أن أذهب وألقي نظرة.
“أوه، طفلة! طفلة صغيرة!”
“هل جئتِ في زيارة؟ تريدين قطعة حلوى؟”
كنتُ أتجول هنا وهناك أتلقى المداعبات من الغرباء بلطافة.
وفي النهاية، دخلتُ منطقةً يُمنع الاقتراب منها، فانتهى بي الأمر محمولةً إلى خارجها على عَجَل.
أتذكر أنني حينها، من خلف زجاج إحدى الغرف المحظورة، رأيتُ شخصية مشهورة.
“السيد إرينتوس، بخصوص أبحاث تصغير البوابات…”
حاولتُ الإصغاء، لكنني لم أستطع سماع شيء.
تعبتُ من التجول وجلستُ على أريكة، وبدأ رأسي يميل وأنا أغفو شيئًا فشيئًا.
وحين فتحتُ عيني مجددًا—
“أنقذوني!”
“آآاااه!”
كان العالم قد انقلب إلى جحيم.
الناس يصرخون وهم تحت الأنقاض، أو يبكون من شدة الخوف.
وبعضهم كان يزحف على الأرض بجنون محاولًا الهرب من شيء ما.
وحين نظرتُ حولي، كان الجميع يركض نحو اتجاه واحد.
الشخص الذي كان يحتضنني كان بالكاد يجاري حشد الناس الراكضين.
“أمي…؟”
كانت قد ألقت بجسدها جانبًا بقوة، ودخلت مكانًا يشبه الملجأ.
دون!
أُغلقت بوابة الملجأ.
كنتُ قد اندفعتُ معها، فدحرجتُ على الأرض بفعل الزخم قبل أن أتوقّف أخيرًا.
ثم جلست تلك المرأة واعتدلت وهي تحاول تهدئتي.
“مرحبًا صغيرتي. ما اسمكِ؟”
“كانغ ناهيون.”
“إذًا ناهيون، أمكِ الآن مشغولة قليلًا، ولهذا ستتولى هذه الأخت الكبرى أمر الاعتناء بكِ.”
كانت ترتجف وهي تحاول أن تبتسم لي، وكنتُ أعلم جيدًا وأنا أنظر إليها.
كانت تكذب.
لكنني لم أكن طفلة ساذجة إلى درجة عدم التمييز بين الكذبة البيضاء والكذبة الحقيقية، لذا اكتفيت بالإيماء وكأنني اقتنعت.
“ماذا سنفعل الآن؟”
“بما أن السيد إيرينتوس موجود، فالبوابة ستُغلق قريبًا. المشكلة هي الوحوش التي اندفعت من خلالها—”
في تلك اللحظة، دوّى صوت ارتطام قوّي، واهتزّ معه باب الملجأ وبدأ بالتشوّه قليلاً.
في غمضة عين، ابتلعت رهبةُ الصمت الملجأ بأسره. ومن خلال الفتحة الصغيرة التي انفتحت في الباب، سُمعت زئير الوحوش.
“هل… هل يوجد أحد قادر على القتال؟ أو حتى من يحمل سلاحًا؟!”
بوووووم.
زاد تشوّه الباب أكثر.
ومن بين الفتحة، بدأت ملامح كائن بشع تتضح تدريجيًا.
كانت أفعى عملاقة برؤوسٍ ثلاثة تلوّح بألسنتها وهي تحدق إلينا بنظرة افتراس.
“هايدرا…!”
“إنه… إنه وحش من الدرجة العليا!”
عمّت الفوضى وابتلعت الجميع. أخذ الناس يدفعون بعضهم بعضًا، ويدهسون بأقدامهم من أجل الابتعاد قدر الإمكان عن الباب، متجهين نحو الجدران.
وكنّا من بين من دفعهم الزحام.
“هل أنتِ بخير؟”
“مؤلم…”
بووم.
تمكنت إحدى رؤوس الأفعى أخيرًا من التسلل عبر الباب. راحت تراقبنا من أعلى، ولسانها يلوّح في الهواء.
وحين فتحت فمها لتبتلعنا—
بانغ! بانغ!
دوّى صوت إطلاق نار مرتين. تراجعت الرأس إلى الخلف تتلوّى من الألم، بعد أن فشلت في إكمال هجومها.
كياااااه!!
انحنينا ونحن نرتجف من ذعرنا، محاولين تجنّب الرأس المتخبطة بغضب، وفي خضمّ ذلك، صدح صوت قوي.
“من الذي يتجرأ على تهديد ابنة أحدهم هاه؟!”
ثم تبع ذلك صوت طلقة واحدة، فطارت الرأس بعيدًا وسقطت بعيدًا دون أن تتحرك بعدها.
“أيتها الصغيرة، هل أنتِ بخير؟”
“…نعم.”
كانت تشوي غارام، وقد غطّاها دم الوحوش من رأسها حتى أخمص قدميها، تنظر إليّ من عند الباب وهي تصرخ.
لو كنتُ فعلًا طفلة حقيقية، لبكيتُ من هول المشهد.
“إذًا، لنذهب! والدتكِ بانتظارك!”
رفعتني تشوي غارام بين ذراعيها وهمّت بالمغادرة، لكن الباحثين الذين كانوا داخل الملجأ اعترضوا.
“انتظري، ألستِ صيّادة؟ إذًا عليكِ حمايتنا!”
“هاه؟ أنا أيضًا باحثة، بالمناسبة؟! ابقوا إن أردتم، أو تعالوا، اختاروا ما يحلو لكم!”
زمجرت تشوي غارام بغضب، فانكمش الباحثون في أماكنهم.
في هذه الأثناء، تمسّكت أنا بطرف معطف الباحثة التي كانت تحضنني حتى النهاية، وأصررت على البقاء ملاصقة لها.
حدّقت تشوي غارام في يدي بدهشة.
“ما الأمر؟”
“ناهيون؟”
“فلنذهب معها. وإلا فلن أتحرك.”
أنا أعرف ما تتمتع به تشوي غارام من قوة. يُقال إنه لو لم تختر طريق البحث، لكانت الآن في مركز مهم في أي نقابة من النقابات.
لذا، فالخروج معها هو الخيار الأكثر أمانًا لتلك الباحثة أيضًا.
عند كلماتي، أومأت الباحثة برأسها بتعبير مذهول.
“آه… افعلي ما تشائين إذًا.”
رغم أن ملامح تشوي غارام لم تكن راضية، فإنها بدت مستعدة لفعل ما طلبته.
نظرتُ إلى باقي الباحثين من طرف عيني، ويبدو أنهم قرروا هم أيضًا أن النجاة مع تشوي غارام أفضل من الموت في ملجأ مخترق، فبدأوا يقتربون إلينا بهدوء.
“كلٌّ يتبعني كما يشاء.”
وما إن بدأت تشوي غارام بالركض وهي تحتضنني، حتى لحق بها الآخرون وهم يرتجفون.
بانغ! بانغ! بانغ!
انطلقت عدة طلقات أخرى في الأرجاء، ولحسن الحظ، لم يُصب أحد بسوء، وتمكّنا من مواصلة التحرك.
وما جعل الأمر ممكنًا، هو أن أحدهم سبق وقتل مجموعة كبيرة من الوحوش.
قالت تشوي غارام بنبرة باردة.
“السيد إيرينتوس هو من إفتعل مجزرة الوحوش هذه.”
“السيد إيرينتوس..! وماذا عن البوابة؟”
عند ذلك، تلعثمت تشوي غارام قليلاً.
“البوابة التي انفتحت في المختبر أُغلِقت… لكن الباقي…”
فجأة، بدت ملامح الجميع قاتمة.
“على الأقل، حين نخرج، سيقوم الصيّادون بحمايتنا.”
كان الجميع يتشبثون بالأمل في كلمات تشوي غارام.
وهكذا، عندما وصلنا أخيرًا إلى خارج المختبر بسلام، كان أول ما رأيناه هو الصيادون والجنود وهم يتحركون في ذعر، وثقوب لا تُعدّ ولا تُحصى في السماء.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 76"