5. كيفية التعامل مع الحالات غير الطبيعية (١٨)
كانت أجساد الوحوش التي تحيط بلهيب العفريت تتمزق، بينما كانت الكرة الضخمة تتحرك نحو فم العنكبوت.
دخلت تلك الكرة الكبيرة عميقًا داخل فم العنكبوت.
ثم تقدّمت مين جاي يون، التي تحولت إلى حجم عملاق، بسرعة وأطبقت على فم العنكبوت وأحكمت ربطه.
“تم الأمر.”
ابتسمتُ.
الطاقة السحرية في لهيب العفريت تعود إلينا نحن الاثنين: شين باران وأنا.
الرصاصة التي اخترقت جسد الوحوش لامست لهيب العفريت.
وعندها…
انفجرت.
كوووووم—!
دوى صوت الانفجار في المكان.
انطلقت عاصفة نارية من بين فكي العنكبوت الممزقين، وتناثرت جثث الوحوش في كل الاتجاهات.
ذلك العنكبوت العملاق، الذي لم يتبقَّ له سوى أربعة أرجل، أطلق صرخة صامتة متألمًا.
ثم سقط أرضًا.
كووونغ—!
اهتزت الأرض بفعل الارتطام العنيف، وتراجع زعيم الطابق عن حركته وتوقف تمامًا.
وقبل أن تعود جاي يون إلى حجمها الطبيعي، قفز دمدم من فوق رأسها باتجاه البوابة، مستعملًا أداة إغلاق البوابة ليغلق بوابة زعيم الطابق.
كانت تلك الأداة التي أعطيتُها له من قبل.
وفي تلك اللحظة، بدأت بقية البوابات بالإغلاق، كما لو أنها تستجيب لتلك الحركة.
صرخت شين بارِن عند رؤية ذلك.
“الآن! اقضوا عليهم جميعًا!”
اندفعت فرقة شين بارِن في أرض المعركة، تقضي على زعماء الوحوش الواحد تلو الآخر. وتبعهم عدد كبير من الصيادين الذين هجموا على الوحوش.
كروووه—!
تحولت الوحوش من مفترسة إلى فرائس.
“لاحقوهم!”
“لا تتركوا أي واحد منهم!”
الآن باتت المهمة من نصيب الصيادين.
تعالت الهتافات في المكان. الجميع كان مفعمًا بالأمل.
رغم أن الليل كان لا يزال قائمًا، شعرنا وكأننا نقف على أعتاب الفجر، نُحدّق في بزوغ شمس مشرقة.
***
وماذا بعد؟ لا شيء يُذكر.
أولًا، تلقّينا توبيخًا بسبب عصياننا الأوامر ومشاركتنا في قتال زعيم الطابق، بدلًا من الذهاب إلى المأوى كما أُمِرنا.
“لا أعلم إن كان عليّ أن أمدحك أم أوبّخك…”
“ما دمتِ لا تعلمين، فليكن مدحًا.”
قررت أن أكون وقحة قليلًا ما دامت الأمور وصلت إلى هذا الحد. ولمَ لا؟
تنهدت شين بارِن، وهي تنظر إلى وجهي الوقح.
“أنتِ في إقامة جبرية مؤقتة. ابقي في المسكن حتى تصدر العقوبة.”
طبعًا، لم أبقَ هناك بهدوء.
فقد انتهت الحالة الطارئة، وأصبح الوضع آمنًا إلى حدٍّ ما، وفوق كل ذلك، كنت قد سبّبت بالفعل فوضى كبرى (؟)، لذا كنا نخرج خلسة لمساعدة الآخرين في قتال الوحوش المتبقية، لنُمسَك لاحقًا ونتعرض للتوبيخ من جديد.
“شكرًا لكم، أيها الصغار. بالمناسبة، ألا تفكرون في التخرج المبكر؟ إن تخرجتم، انضموا إلى نقابتنا.”
“أنقذتمونا! مستقبلكم مشرق حقًا!”
“هل ستصبحين صيادة من الدرجة S لاحقًا؟ لا تنسيني عندما تنجحين!”
“بهذا الإنجاز، ستنالون وسامًا على الأقل! مذهل!”
“وسام؟ بل ستصطف النقابات من أجلكم. نجم جديد ساطع!”
حتى إننا سمعنا هذا النوع من المديح.
وكان شعور الحصول على مدح بعد وقت طويل… لطيفًا جدًا.
وهكذا، شعرت بالرضا، رغم أنني فعليًّا لم أربح شيئًا سوى حياتي.
[النقاط الميتا الحالية: 4740 نقطة]
ورغم ذلك، كنت في مزاج جيد.
لأن هذه القصة بالتأكيد… ليست من قصص نا يوهان.
وبالتالي، لن أحصل منها على أي نقاط.
“ناهيون! تعالي وكلي هذا!”
لكنني أدركت أن رؤية الابتسامة على وجوه الناس… تساوي أكثر من أي شيء آخر. وخفّ شعور غريب في قلبي.
أخذتُ الحبار المشوي من تشوي غارام وأنا أبتسم بحماقة.
“سعيدة؟ سعيدة؟ تثيرين المشاكل ثم تسعدين، هاه.”
“إيههيهي… بالمناسبة، ما مصير تدريبنا الميداني؟”
سألتها وأنا أمضغ أحد أرجل الحبار، فأجابتني تشوي غارام بنبرة منزعجة:
“بعد كل هذا العناء، ما زال همّك التدريب الميداني؟”
“لا… فقط… احتياطًا.”
“تشه… كانت حالة طوارئ، وبالنظر إلى النتائج، فإنكن حققتن إنجازًا كبيرًا. فلن يكون هناك عقوبة. ربما حتى تحصلون على مكافأة.”
“هذا مريح… ظننت أنني سأطرد من الأكاديمية.”
“يا غبية، من ذا الذي سيطرد طالبة في السنة الأولى تمكّنت من القضاء على زعيم طابق كان حتى الصيادون التابعون لقائد الفرقة يعجزون عن لمسه؟ على العكس، سيتم الاهتمام بكِ ورعايتك. على الأرجح، ستحصلين على الكثير من العروض قريبًا. لقد انفتح أمامكِ طريق الحياة، أيتها الصغيرة.”
“حقًا.”
ابتسمتُ ابتسامة عريضة. عندها قامت تشوي غارام، التي لم يعجبها منظري، بقرص أنفي وهي تتذمر.
“على فكرة، قالوا إنهم سيمنحون وسامًا، لكن لم يُحدَّد متى.”
“هممم…”
كنت أستمع إلى كلامها من أذن، وأُخرجه من الأخرى، أحدق بشرود في الخارج، حيث كان الصيادون ينظفون آثار الوحوش.
وهناك، رأيت شين بارِن وشين باران جالستين معًا في مكان منعزل.
“قائدة شين بارِن، هل لديها أمر مع باران؟ حسب علمي، نحن في إجازة اليوم.”
“هم؟ لا. قالت أنها ستأخذ إستراحة. لمَ تسألين؟”
“إذن، لماذا تجلسان معًا هناك؟”
“مسألة عائلية، على الأرجح. خصوصيات. ابتعدي عنهما.”
غطّت تشوي غارام أذنيّ بيديها، وابتعدت رويدًا عن النافذة.
“آه، بالمناسبة، من وقت الغداء فصاعدًا، أنتم أحرار في وقتكم.”
“حتى مع هذا… لا أدري ما علي فعله. هل يُسمح لنا بالخروج؟”
“نعم. بالمناسبة، جاي يون وباران قالتا إنهما ستأخذانكِ إلى مدينة الملاهي؟ رأيتهما تخططان لذلك.”
“هناك خطة وأنا لا أعلم؟”
وعندما اقترب موعد الغداء، رأيتهما تقدمان لي التذاكر بابتسامة حماسية، فلم أتمالك نفسي وضحكتُ.
“سيذهب معنا سي وو أيضًا!”
“لنذهب!”
“حسنًا، فلنذهب…”
كل شيء جيد، لكن أرجوكما… المرة القادمة، أخبراني مسبقًا على الأقل.
***
“لقد كنتُ مخطئة.”
كانت تلك هي الكلمات التي نطقت بها شين بارِن بعد صمتٍ طويل.
“لم أتمكن من النظر إليكِ بصدق إلا بعد أن انتهى كل شيء. أنتِ… لستِ أنا.”
عينَاها الزرقاوان غاصتا في أعماق السكون، وتحدثت شين بارِن كما لو كانت تطلب الغفران من ذاتها.
“أنتِ كنتِ أنتِ. لكنني طالبتكِ بأن تكوني أنا.”
راحت شين بارِن تفكر في شين باران المتألقة وسط الزمن الذي مضى سريعًا.
شين باران لم تكن من يقود الجميع، لكنها كانت — بلا شك — الشخص الأكثر حاجةً إليه.
لم تدرك شين بارِن امتلاك أختها لموهبة كهذه إلا الآن. ولم تفهم سوى الآن أيضًا أنها كانت تريد من شين باران أن تحقق فقط ما كانت هي تراه إنجازًا.
“أختي.”
بينما كانت شين بارِن غارقة في أفكارها، دوّى صوت شين باران في أذنيها. رفعت شين بارِن رأسها، فوجدت أختها تبتسم بهدوء.
“أختي الكبرى مذهلة. تقود الآخرين، وتُثبّتُهم، وتجعلهم ينظرون إلى الأمام. كنتُ أحب تلك النسخة منكِ.”
ولهذا السبب، كانت شين باران تُعجب بأختها.
كانت تُعجب بها، تُجلّها، وفي النهاية آمنت أن أختها قادرة على فعل أي شيء.
“لذا، رغم أنني كنتُ أظنّكِ قادرة على كل شيء، تمنيتُ أيضًا أن أكون عونًا لكِ.”
حتى لو كانت تصرفات شين باران قد تَشكّلت نتيجة لضغوط من حولها ورغبةٍ في حماية نفسها، فلا بأس. قد تكون البداية كذلك، لكن الحاضر لم يعد كذلك.
“لقد حققتُ حلمي هذه المرة.”
حتى لو كان السبب في نشأة ذلك الحلم غامضًا، فما دام حلمًا، فقد كانت تحلم.
“أختي… هل كنتُ مساعدة جيدة؟”
لقد حلمت بكل ما أوتيت من قوة.
عندما سمعت شين بارِن كلمات شين باران، انكمش وجهها كما لو كانت ستبكي.
“كنتِ أفضل مساعدة. حتى أنني شعرت بالنقص أمامكِ.”
وفي النهاية، أضاء ذلك الحلم بضوءٍ يختلف عن الضوء الذي كانت شين باران تُعجَب به، حتى بات ضوءها قادرًا على سحر ذلك البريق الذي طالما أعجبها.
“أنا سعيدة.”
قالت شين باران ذلك وهي تبتسم ببريق، وتُقابل بعينيها أختها.
أختها التي لم تعد مثالية كما كانت في مخيلتها، ولم تعد مخيفة كما كانت من قبل… لكنها ما زالت تحبها.
“هل يمكنني أن أقدّم لكِ نصيحةً كمساعِدة؟”
“تفضلي.”
“أتمنى أن تصبحي شخصًا يُدرك أخطاءه ويُصلحها.”
هبّت نسمة دافئة، فداعبت خصلتي شعرهما الورديتين.
قالت شين باران ذلك بنعومة وهدوء، كما لو أنها كانت تقرأ قلب شين بارِن.
“أظنّكِ تفكرين في الاعتذار لعدة أشخاص، أليس كذلك؟”
“……”
أومأت شين بارِن برأسها بهدوء، ثم أغمضت عينيها ببطء.
لقد كانت فترة التدريب العملي القصيرة في الحصن كافية لتُحدث تغييرًا بداخلها.
نظرت إلى نفسها، إلى نظرتها الضيقة، وغرورها.
ثم قالت.
“أنا آسفة.”
لأن شين باران كانت من أوائل الأشخاص الذين تستحق منهم شين بارِن الاعتذار.
ولأن هناك الكثير ممن وجب عليها الاعتذار لهم.
***
وفي النهاية، جاءت مجموعتنا إلى مدينة الملاهي كجزءٍ من التدريب الميداني.
أظهرت مين جاي يون فرحتها من دون تحفظ، بينما تظاهرت شين باران بأنها غير متحمسة، لكنها في الواقع كانت مستمتعة للغاية.
أما أنا… فلم يكن الأمر سيئًا. كانت هذه أول مرة أزور فيها مدينة ملاهٍ منذ ولادتي مجددًا.
“إنه أمر مذهل….”
“أليس كذلك؟”
ربما لأن هذا العالم شاعت فيه القوى السحرية، فقد كانت هناك ألعاب لم أرَ لها مثيلًا في حياتي السابقة.
“هذه المعلم الرئيسي للحديقة!”
“طالما أنه معلم، فلا بد من تجربته!”
أخذت مين جاي يون تُشير بحماس إلى كل شيء وتقول إنها تريد تجربته، وتظاهرت شين باران بأنها لا تستطيع الرفض، ثم ركضت معها متحمسة.
“إنها أفعوانية! لطالما رغبتُ في ركوبها!”
“هـ… هم. لا بأس بها! طالما أنكِ ترغبين في تجربتها بشدة!”
أما أنا، فقد فقدت القدرة على الكلام عندما رأيت شكل الأفعوانية، التي بدت وكأنها أكثر تطرفًا وتعقيدًا من كل ما عايشته في حياتي السابقة.
لماذا يدور بها المسار 360 درجة مرارًا بتصميم يشبه قلب؟ أيرغبون في الموت فعلًا؟
“ما الذي تفعلينه؟ هيا!”
وتحت ضغط شين باران، وقفت في طابور الأفعوانية بنظراتٍ خالية من الحياة.
“…هل ستكونين بخير؟”
“…ربما.”
تساءل دمدم بقلق وهو ينظر إليّ، لكن لم يكن الأمر بهذا السوء. صحيح أنني تقيأت قليلًا، لكن يمكن تحمّله.
هل متوسّط قدرة تحمّل معدتي في هذا العصر يعادل درجة يقظة من المستوى المنخفض؟
على كل حال، وبعد أن جربنا عددًا لا يُحصى من الألعاب…
بقيت واحدة أخيرة: العجلة العملاقة.
وكما هو متوقّع، لم يُبدِ الاثنان أي نية في تفويتها، وذهبا إليها بخطواتٍ متحمّسة.
لأنها مخصصة لشخصين فقط، قررنا ركوبها اثنين اثنين. وانتهى بي الأمر إلى ركوبها مع دمدم.
“التالي! تفضّلا بالصعود!”
دخلنا المقصورة وجلسنا وفقًا لتعليمات المشرف.
ساد الصمت داخل العجلة العملاقة، وبدأت المقصورة تتحرك صعودًا نحو السماء. شيئًا فشيئًا، بدأ العالم يتقلص تحت أقدامنا.
ومن بعيد، وسط الخراب الذي بدا صغيرًا من هنا، ظهرت تلك القلعة الشاهقة بوضوح. حدّقت فيها بشرود.
ثم جاءني صوت دمدم، يوقظ شرودي بسؤال.
“ما الذي تعتقدين أنه يوجد داخل ذلك البرج؟”
التعليقات لهذا الفصل " 69"