5. كيفيّة التعامل مع الحالات غير الطبيعية (١٠)
في الحقيقة، لم أكن أخشى شين بارِن كثيرًا.
إنها دائمًا ما تبدو عقلانية إلى حد يثير الخوف، لكن باستثناءٍ واحد: عندما يتعلّق الأمر بأختها شين باران، القائدة في حصن بوتشون-كيونجين، تُظهر سلوكًا غير عقلاني على نحو واضح.
ابتسمت شين بارِن بخفة قائلة:
“لا، ليس الأمر كذلك.”
في الفصل المخصّص للتدريب الميداني في الرواية، كان من المفترض أن يتدخل المحتال ليمنع شين بارِن من التصرّف بعدائية تجاه تشوي سوجونغ، الهجينة المنتمية إلى أنصاف الوحوش، مما يرفع من نسبة إعجابها به، كما يمنع بالمصادفة أيضًا من أن تكون قاسية على شين باران، لتبدأ في التقرب منه خطوة بخطوة.
… هاه؟ لحظة. هل أقوم أنا الآن بالدور الذي كان من المفترض أن يقوم به المحتال؟
… لا بد أنها مجرد أوهام. فالتركيبة البشرية الموجودة في هذا المكان تختلف قليلًا.
خفضت شين بارِن عينيها ببطء ثم رفعتهما مجددًا، وقد بدت هادئة تمامًا هذه المرة.
“أعتذر، شين باران. سأحرص على التمييز الواضح بين العمل والعلاقات الشخصية من الآن فصاعدًا.”
في الرواية، لم تكن شين بارِن تستسيغ ملاحظات المحتال، لكنها كانت، في النهاية، تتقبلها تدريجيًا وتعترف بأخطائها.
فهي من أولئك اللواتي، متى ما أدركن خطأهن، يعملن على إصلاحه.
اهتزّ جسد شين باران فجأة عندما سمعت اعتذار أختها.
“آه، لا، لا بأس! أنا بخير!”
… حسنًا، يبدو أن أمامها طريقًا طويلًا ما دامت تعتذر فقط عن عدم التفرقة بين العمل والمشاعر الشخصية.
لكن على أية حال، لا بأس.
وما إن أنهت اعتذارها، حتى استدارت شين بارِن لمغادرة المكان.
“لنمضِ الآن.”
“ن-نعم!”
وسرعان ما لحقت بها شين باران بخطى مسرعة.
كانت النظرة في عينيها… تلك النظرة التي يوجّهها المرء نحو من يكنّ له الإعجاب الشديد.
النظرة ذاتها التي كانت شين باران توجهها لنا يوري في الماضي.
“أختي مذهلة! تستطيع أن تفعل أي شيء!”
تذكّرت شين باران حين كانت عيناها تلمعان بذلك البريق الطفولي.
“لقد كنتُ دائمًا هكذا، مقارنة بي أنا…”
ثم ضحكت بتواضع، تنتقص من نفسها وهي تتابع:
“حلمي؟ أن أكون بجانب أختي ويوري… وأن أدعم الأقوياء مثلهم!”
ابتلعت تنهيدة كانت على وشك الخروج، وبدأت أسير خلفهما.
وبهذه المناسبة، من المؤكد أن بعض الناس سيصابون بالذهول لأنني فجأة كشفت عن جانبي الحقيقي وصدمت شين بارِن.
أعني… إن وُجد من يستطيع قراءة أفكاري.
قد يتساءلون: “إن كانت شخصيتي الأصلية بهذا السوء، فلماذا أخفيتها طوال الوقت ثم قررت الآن كشفها فجأة؟”
حسنًا، بعد ما حصل قبل قليل، لم يعد هناك حاجة لأخفي طباعي الحقيقية، على الأقل في هذا المكان. كما أنني لا أظن أن من هنا سيذهب ليشي بي للمحتال.
رغم أني قلقة قليلًا من دمدم…
لكن، مهما فكرت بالأمر…
‘لذا، أنا أعرف تمامًا شكل الوجه الذي يحاول كتمان دموعه.’
‘أنا سعيدٌ لأنكِ تبدين أكثر راحة من قبل.’
‘أنا آسف.’
دمدم هذا الوغد… يبدو أنه يعرف بالفعل طبيعتي الحقيقية.
سواء كان ذلك بفضل بديهته الخارقة، أو لأنه استشعر حاسة البصيرة الخاصة بالمحتال… لا أدري.
“هاه…”
في الأساس، خطئي أنني لم أفكر أنه إذا كان بإمكانه ملاحظة التغير البسيط في مزاجي، فلا بد أنه يقدر أيضًا على ملاحظة مشاعري الأخرى بسهولة.
أو ربما… كنت فقط أريد أن أتجاهل الأمر.
ربما كنت أود الاعتماد على تلك الحقيقة، أنه لا يتطفّل أبدًا على شؤون الآخرين، واتظاهر بالدلال…
“بارك سي وو.”
على أي حال، ما حصل قبل قليل من قراءة الأفكار العجيبة أعاد إليّ تأكدي من جديد.
من المحتمل أن دمدم قال ذلك لأنه شعر بأنني بدأت أظن أنه يعرف حقيقتي.
حدسه خارق فعلًا.
وعلى كل حال، بما أنه يعرف، لم يعد هناك ضرورة للإخفاء. ما علي سوى إحكام السرية أكثر.
“هل بإمكانك تخصيص بعض الوقت لي هذا المساء؟”
سألته بأسى، وأنا أندب حظي لأن عدد من يعرفون حقيقتي قد تضاعف خلال بضعة أيام فقط.
“بالطبع.”
أجاب دمدم وكأنه كان ينتظر مني الكلام. فسألته بنبرة حذرة.
“…هل يمكنكَ تخمين ما سأقوله؟”
“إلى حدٍ ما.”
يا له من شخص سريع البديهة…
بعد ذلك، بدأنا بجولة في الحصن، نتنقل من مكان إلى آخر تحت إرشاد شين بارِن.
ومن بعيد، كان بإمكاننا رؤية الجنود وهم يخوضون معارك ضد الوحوش. صاحت مين جاي يون بانبهار.
“واو… مذهل.”
سارع تشوي غارام بالحديث معها.
“الكل هنا يقاتل بكل ما أوتي من قوة. فحتى إن مرّ وحش واحد من الحصن، سيسقط ضحايا في القرى المجاورة.”
علّقَت شين بارِن بنبرة خالية من الانفعال.
“صحيح، لكن تلك قرى غير قانونية.”
“لكنها تبقى مناطق مأهولة! وأرواح البشر هي مسؤولية الصيّادين.”
“حدّد الأولويات بوضوح.”
“أنا أعلم ذلك~.”
أما أنا… فقد التزمت الصمت.
أولويات؟ الأكيد أن الأولوية لسكان المنطقة الآمنة، ثم الوسطى، ثم المقيمين غير الشرعيين.
لكن، في حال حدوث اختراق مفاجئ، وتحوّلت المنطقة الوسطى إلى منطقة خطر، يتم أحيانًا التخلي عن سكانها لأسباب استراتيجية.
‘أنقذونا!’
‘وردتنا معلومات عن وجود مستنسخين بين المدنيين! لدينا أمر بإطلاق النار! اقتلوهم جميعًا!’
حسب الظروف، يتم إيقاف الفارين ومنعهم من تجاوز الخطوط الأمنية، حتى لو كان ذلك يعني قتلهم.
…أمم، نعم، هكذا هو الوضع! على حد علمي، معظم الدول تتبع هذا النهج!
لذا، يمكن القول إن هذا العالم هو نوع من الفوضى المنظمة، أو لنقل: نهاية العالم، لكن بنسخة “منضبطة”.
“بدأت الشمس بالغروب~. لقد انتهينا من الجولة، فهل ننتقل إلى مقر الإقامة؟”
“سنبيت في القلعة الليلة، صحيح؟”
سألت تشوي غارام، فأومأ برأسه تأكيدًا.
حتى شين بارِن أجابت أيضًا.
“بما أنها فترة تدريب ميداني، فلا بد أنك لم ترتكبي الحماقة بترك أمتعتك في المسكن، أليس كذلك؟”
أجبتها بابتسامة مشرقة مصطنعة.
“أحضرت كل شيء معي.”
لقد عانيت في الصباح لأجهز نفسي، ولولا وجود نظام الجرد (المخزون) لكنت في ورطة.
خلال فترة التدريب الميداني، ننتقل كل ليلة إلى مكان مختلف لإتمام التدريب.
بالطبع، نبقى برفقة صيادين موثوقين، ولا نتجاوز حدود المنطقة الخطرة خارج الحصن، لكن لا شك أنه تدريب واقعي تمامًا.
ومن الغد، حين نغادر الحصن، سيكون من المبالغة القول إننا سنكون تحت تهديد مستمر بالإصابة أو حتى الموت؟ لا، ليس مبالغة.
“هيا بنا.”
تبعنا المرشدين حتى وصلنا إلى غرفتنا. كانت الغرفة مخصصة لستة أشخاص…
“بالمناسبة، سننام معًا.”
تلقينا خبراً صادماً بأننا سنبيت مع المرشدين في نفس الغرفة.
“…عذرًا؟”
ابتسمت شين بارِن ابتسامة عريضة وأعادت كلامها بوضوح، وكأنها تستمتع بالأمر.
“قلتُ، سننام، معًا، مع المرشدين، أيتها الطالبة.”
كتمت صرخة كانت على وشك أن تفلت مني، وتحكمت في تعابير وجهي.
لم يخبرني أحد بهذا مسبقًا، يا إغدراسيل…!
بالمناسبة، مين جاي يون كانت ترتجف مثل حمل صغير ولد للتو، وشين باران تحولت بالكامل إلى حجر.
“افرغن أمتعتكن.”
اخترتُ زاوية بجوار النافذة لأجلس فيها. وقابلتني في الجهة المقابلة تمامًا… شين بارِن.
لماذااا؟؟
عندما رأت شين بارِن ملامح وجهي وكأني رأيت كارثة، ابتسمت بسلاسة.
أوه، لا يجب عليكِ أن تبتسمي هكذا، هذه الابتسامة تُذكّرني بأوراكل حين يبتسم بذلك الوجه… كم هو مزعج.
“أنا أحب الأماكن المفتوحة المطلة على الخارج.”
“هاه، حقًا؟”
هذا انتقام، مئة بالمئة! أليس كذلك؟
حتى وإن كنت على حق، فالشخص الذي عارضها لا بد أن تُكنّ له مشاعر ضيق…
لكن هذا تصرف تافه! تافه!
“همم… بما أننا في موقف غير رسمي، فلا بأس أن أتكلم بشكل أكثر راحة، أليس كذلك، الطالبة كانغ ناهيون؟”
“نعم… افعلي ما تشائين…”
أجبت بصوت خافت منهك.
في هذه الأثناء، شين باران، التي تحب أختها حبًا أعمى، جلست بجوارها مباشرة،
ومين جاي يون جلست بجانبي.
أما تشوي غارام، فكان يضحك بخفة وهو يجلس بجوار مين جاي يون، قرب الباب.
“كانغ ناهيون، هل في نظرك أفتقر إلى شيء بصفتي أخت شين باران الكبرى؟”
“ه، هذا… لا أدري؟”
لو كنت أعلم أن الأمر سيؤول إلى هذا، لما عارضتها بها في البداية! لما فعلتُها!
“أختي دائمًا مثالية!”
وفي تلك اللحظة، كانت شين باران تهز مروحتها بجوارها وهي تبتسم بحماس. توقفي عن هذا…
“حقًا؟ شكرًا لكِ، باران.”
“هيهي…”
“لكن ترتيبكِ في اختبار منتصف الفصل كان مخيبًا للآمال. لم تحصلي على المرتبة الأولى… خيّبتِ أملي. هل من المستحيل أن ترضيني ولو لمرة واحدة فقط؟”
“أنا آسفة…”
“…لقد حصلتِ على المرتبة الخامسة، أظن أن ذلك جيد بما فيه الكفاية؟”
“كلا، ما دون المركز الأول لا يُعد شيئًا.”
“العمر مختلف، والمكان مختلف، وحتى من تصادقينهم مختلفون.”
رأيت عيني شين بارِن. عينان زرقاوان جليديتان، تختلفان تمامًا عن عيني أختها الناعمتين كالنبتة.
“كل شيء مختلف، فلماذا تتوقعين أن تكون النتيجة واحدة؟”
عند قولي هذا، تمتمت شين بارِن بامتعاض.
“…لن تفهمي، فأنتِ مستيقظة بدعم من الحكومة.”
صرخت شين باران بدهشة.
“أختي!”
ويبدو أن شين بارِن نفسها لم تكن تنوي قول ذلك، إذ بدت وكأنها تفاجأت بكلماتها،
ثم راحت تراقب تعبير وجهي.
“لا بأس.”
أما أنا، الشخص المعني بالإهانة، فكنت هادئة تمامًا.
التعليقات لهذا الفصل " 61"