1. كيفية انشاء شخصية (٦)
كان شجار الاثنين يتردد صداه في أرجاء قاعة التدريب، ويزداد حدّة بما يليق بذلك الصوت المرتفع.
وبشكل أدق، كان صوت أحد الطرفين وحده هو من يرتفع بعنف.
“هاه، لا بد أنكَ أتيت مجددًا فقط لتسخر مني!”
“لقد أتيت لأتدرّب.”
“تتدرّب؟ أنت؟ هذا كلام لا يصدقه حتى كلب مارّ في الطريق!”
“لقد تدربتُ طوال اليوم، اليوم أيضا. ألا ترين؟ مكتوب ‘محجوز’.”
كانت ابتسامة المحتال وهو يردّ واحدة من تلك الابتسامات المزعجة جدًا. حتى وأنا أعلم أنه يحاول استفزازها عمدًا، إلا أن ابتسامته كانت تثير الغضب فعلًا.
خطة “جذب الانتباه” التي يتّبعها المحتال.
يستفز ‘نا يوري’ عمدًا كي تتعرض له، فيتظاهر بأنه ضحية ليجذب اهتمام ‘دمدم’ البطل الشريف، ويقيم معه صلة.
أنا أعلم بهذه الخطة، لكن ليس هناك أي سبب يدعوني للمسايرة.
“لا بد أنك كنت تتكاسل فقط! غادر المكان فورًا! لا يحق لكَ التواجد هنا!”
آه، الآن هو الوقت المناسب.
فتحت ذراعي ودخلت بينهما كأنني أحمي المحتال.
“…كنت أستمع منذ قليل، ألا ترين أن كلامكِ قاسٍ بعض الشيء؟”
توقفت ‘نا يوري’، البطلة الرئيسية في اللعبة، للحظة عند رؤيتي أتدخل فجأة، ثم سألتني بنبرة خفّفت حدّتها قليلاً عن السابق.
“من أنتِ؟ ألا تعلمين كم أن هذا القذر لا يُحتمل؟”
نا يوري هي من نوع الشخصيات التي تستخدم الكلام الرسمي مع الجميع… ذلك النوع الذي يُوصف أحيانًا بأنه مبالغ فيه.
يمكن القول إنها من صنف الفتيات المتغطرسات الشائع في الألعاب والروايات الموجهة للذكور.
وقفت أمامها وقلت.
“أنا زميلة ‘يوهان’ في الصف. لا أعرف ما علاقتكِ به، لكن يوهان ليس حثالة.”
صحيح أنه يحرص كثيرًا على مصلحته الشخصية، لكنه يستثمر في الآخرين أيضًا في نهاية المطاف، فلا يمكن اعتباره حثالة تمامًا.
…على الأرجح؟
“ثم إن كل طالب في الأكاديمية له الحق في استخدام قاعة التدريب بحرية.”
عند سماع ذلك، بدا أن نا يوري غضبت ورفعت صوتها.
“عندما يكون ذلك لـ’غرض واحد’ فقط! قاعة التدريب وُجدت للتدريب!”
ابتسم المحتال ابتسامة جانبية، كأنّه يردّ عليها.
“تدرّبت فعلاً. صدقًا! إن لم تصدقيني، تريدين أن تتأكدي بنفسك؟”
“كاذب!”
توترت الأجواء بين الاثنين بشدة.
في هذا الموقف، من الأفضل أن أساند المحتال.
“…أليس من الظلم أن تصفي كل ما يقوله يوهان بالكذب دون تفكير؟”
“يبدو أنكِ لا تعرفين شيئًا عن هذا الإنسان، أليس كذلك؟”
“بل أعرف. يحاول أن ينسجم مع باقي الطلاب المدعومين من الحكومة، ويتجاوب معهم جيدًا، ويريد أن نعمل معًا بجد.”
“ومن يكون هذا الشخص؟”
“يوهان.”
“أنا.”
عند إجابتنا الهادئة أنا ويوهان، أطلقت نا يوري صوتًا غير مصدّق، “هاه، هاه”، قبل أن ترتسم على وجهها ملامح من أدرك الحقيقة فجأة. ثم مشت نحوي بخطى واثقة وأمسكت بيدي بكلتيها.
ما هذا؟ ما هذه النظرة المليئة بالشفقة؟
“أنتِ… يا للمسكينة، لقد وقعتِ ضحية لتقلّبات هذا الإنسان…”
“…ماذا؟”
“أليس من المحتمل أنني قد تغيّرت فعلًا؟”
“القمامة عليها أن تصمت.”
“…..”
ما هذا على وجه الأرض؟
“وكأن الأمر لا يكفيه بتحويل قاعة التدريب إلى ملعب، ها هو يحاول التلاعب بفتاة جديدة مجددًا… يا لهذا الخبيث…!”
دفعتني بلطف إلى الجانب وتقدّمت حتى أصبحت وجهًا لوجه مع يوهان، ثم أمسكت بتلابيبه.
أوه، همم، هل أنا أتوهم أم أن هناك شررًا يتطاير من عينيها؟
وأيضًا من يدها كذلك؟ أم أنّها مجرد أوهام…
“لقد سامحتك والدتك على كل جرائمك فقط بطردك من العائلة ومنحك فرصة جديدة!”
لا… هذا ليس مجرد وهم.
انفجرت النار السحرية من يد نا يوري وهي تشتعل بقوة.
“لكنّكَ لا تتغيّر أبدًا!”
اندفعت النار المتأججة التي ازدادت شراسة فجأة لتضرب وجه يوهان.
“توقفي.”
أمسكت يدٌ غريبة بيد نا يوري.
وانطفأت النار المشتعلة في يدها بمجرد أن أُمسكت.
أوه، هذه القدرة… لا بد أنه دمدم.
بطل اللعبة.
اسمه “بارك سي وو”.
فتى وسيم بشعر أسود، يحمل سيفًا قديمًا على ظهره، وعيناه زرقاوان هادئتان.
بدت نا يوري وكأنها تحاول سحب يدها من قبضته، لكن بارك سي وو لم يتركها بسهولة. بل وأمسك بيدها الأخرى كأنه يحاول السيطرة عليها.
رأيت ذلك وتراجعت بهدوء إلى الخلف. لقد أخذتُ ما يكفي من الدور في هذا الحدث، وحان وقت التراجع. لا أستطيع أن أفعل شيئًا الآن.
راقبتُ تطوّر الأحداث في الرواية وكأنني واحدة من الجمهور تمضغ الفشار وهي تستمتع بالمشهد.
“المادة الأولى، البند التاسع من قوانين الأكاديمية: باستثناء الحالات الثلاث، اكتشاف زنزانة غير المسجّلة، استخدام قاعة التدريب، أو الحصص المخصّصة لتطوير القدرات، يُمنع استخدام مهارات الهجوم غير المصرّح بها.”
تحدث دمدم بنبرة هادئة كأنّه يزفر مع كل كلمة.
“القانون هو القانون. فلنحترمه كما ينبغي.”
بينما كانت نا يوري تحدق به بعينين متسعتين، كان المحتال يلوّح له بلطف وهو يبتسم كأنه يقول له “أهلاً بك”.
عندها أضاف دمدم كلامًا آخر.
“ثم إننا لم نُخلق لنؤذي الآخرين، أليس كذلك؟”
“أغغ…!”
أوه، رائع جدًا. كما هو متوقّع من البطل الصامت الذي يؤدي دوره بإخلاص.
حدّقت نا يوري مطولًا في عينيه الزرقاوين، ثم سرعان ما خفضت رأسها خجلًا.
“أنا أيضًا أعلم قوانين الأكاديمية جيدًا!”
هل أدركت أنها بالغت في ردّة فعلها؟
احمرّ وجهها بشدة، وسحبت يدها بقسوة من يد دمدم، ثم خرجت من قاعة التدريب بخطوات سريعة.
كان دمدم يراقبها بصمت حتى غادرت المكان تمامًا.
ألقى المحتال نظرة جانبية عليه، ثم ابتسم بمكر وتحدث إليه:
“شكرًا لك. لقد أنقذتني.”
“لا تهتم. لو لم أوقفها، لكنتُ تلقّيتُ إنذارًا بدعوى التواطؤ.”
قانون حظر استخدام مهارات الهجوم هو من تلك القوانين التي يتغاضى عنها الجميع عادة.
وفوق ذلك، يمكن إسقاط تهمة التواطؤ بسهولة بمجرد إبلاغ قسم شؤون الطلبة.
لكن تدخله بنفسه هكذا، من دون أن يبلغ أحدًا، يدلّ على أنه كان قلقًا على الطرفين، سواء على المحتال الذي كان عرضة للخطر، أو على نا يوري التي انفجرت مشاعرها فجأة.
من أجل دمدم النقي هذا، فلنمطره بالمديح.
“لكن مع ذلك، قد تكون قد تعرّضت للخطر بدخولك وسطهما! مذهل! أنتَ شجاع فعلًا!”
عند سماع مديحي، احمرّت أذنا دمدم قليلًا.
“ليس بالأمر الكبير.”
انحنى برأسه خجلًا، وكانت تلك الحركة منه مغرية جدًا لأن… أمدحه أكثر، طبعًا.
“ضمير هذا العصر على قدمين!”
“م-مهلًا.”
“طالب أكاديمي مثالي!”
“صيّاد مستقبلي واعد!”
“مذهل!”
“واو، إنه ‘بارك سي وو’! الأول على دفعة المستجدين! رائــع بحق!”
حتى المحتال التقط طرف الحديث وبدأ ينهال عليه بالمديح هو الآخر.
“كفى…”
استمرت موجة المديح بيني وبين المحتال حتى اضطر دمدم، الذي أصبح وجهه كحبة طماطم، إلى أن يغلق فمينا بيديه بنفسه.
بصراحة، كان الأمر ممتعًا جدًا.
بعد أن انتهينا من المزاح، جلسنا على مقاعد قاعة التدريب وبدأنا نتحدث بشكل طبيعي.
ربما لأن سيل المديح قد خفف من الحاجز النفسي عند دمدم.
“لكن كيف خرجت من التدريب بهذا التوقيت؟ أليست القاعة معزولة عن الضجيج؟”
“آه، لقد شعرت بتدفّق الطاقة السحرية وأنا بالقرب.”
“استشعار السحر؟ أليس هذا أمرًا يصعب حتى على الصيادين المحترفين؟”
“حقًا؟ هذا مدهش!”
تابعتُ التفاعل معه بحماسة. وبدأت أطرح عليه أسئلة كثيرة وكأنني مهتمة به حقًا.
كانت هذه خطة ذكية كي أزود القرّاء بالمعلومات بسهولة عبر حواري، وفي نفس الوقت أضمن أن يكون لي ظهور كافٍ في القصة.
فالمعلومات المتعلقة بـ دمدم مهمة جدًا، ولا أريد أن يُحذف دوري منها.
ثم بصراحة، شعرت بفضول حقيقي نحوه أيضًا، فهو بطل اللعبة في النهاية.
“تلك المرة، عندما جعلت النار تختفي، هل كانت مهارة خاصة؟ أم قدرة فريدة؟”
“لا، مجرد مهارة عادية. عندما تعتادين على الطاقة السحرية، يصبح الأمر سهلًا.”
عندها ضحك المحتال وقال.
“لا تنخدعي. هذه مهارة صعبة جدًا في الواقع. كما هو متوقّع من الأول على الدفعة.”
“كما هو متوقع من ضمير هذا العصـ…”
“توقفي.”
“حاضر.”
تحطّمت رحلة المديح الثانية قبل أن تقلع. تبا.
استمررنا في الحديث عن أشياء متفرقة، لكن النتيجة النهائية كانت واحدة: دمدم عبقري بالفطرة، دون أن يشعر بذلك حتى.
يال الحظ.
وبينما كنا نتحدث، حلّ المساء وتحوّل إلى ليل.
وبعد أن تقرّبنا قليلًا من بعضنا، اتفقنا على أن نتدرب سويًا غدًا بعد الظهر، وتبادلنا أرقام التواصل.
قبضت يدي خلسة بانتصار.
رائع. لقد نجحتُ في تأمين أحد أفراد شبكة العلاقات الذهبية.
سأتقدم بخطوات ثابتة.
فرحت قليلًا بهذا المكسب غير المتوقع.
وبينما كنت ألغي حجز قاعة التدريب من جهازي، واصلت السير.
بعد أن ودعنا دمدم، تابعنا الطريق إلى السكن الداخلي أنا والمحتال فقط.
وأن أكون مع المحتال وحدنا…
يعني أن وقت إظهار “الشخصية المشرقة” قد حان مجددًا.
كنتُ في صراع داخلي: هل أفرح بهذا أم أكرهه؟
وفي النهاية، قررت أن أبتسم ابتسامة مشرقة وأنا أعض على أسناني من الداخل.
راقبوني يا أخوتي ويا معلمتي… وأنا أعبّد الطريق أمامكم بالحجارة الذهبية!
“بالمناسبة، كانغ نا هيون، لماذا كنتِ في قاعة التدريب أصلًا؟”
….قبل ذلك، هناك أمر عليّ معالجته أولًا.
صحيح أن التظاهر بأنني فتاة لطيفة أمر مرهق، لكن الحديث مع المحتال مفيد جدًا.
فهو يمنحني معلومات عن هذا العالم، ويزيد من ظهور شخصيتي في <قائد من الفئة F في الأكادمية>.
أستطيع فعلها!
عزّزت عزيمتي وقلت:
“طبعًا جئت لأتدرب. ماذا تظن؟ هل أبدو كطالبة تتكاسل منذ أول يوم؟”
ثم نفخت وجنتي كأنني أتظاهر بالإنزعاج.
التعليقات لهذا الفصل " 6"