5. كيفية التعامل مع الحالات غير الطبيعية (٣)
لم أتوقع أن تُلاحقني حتى هنا!
لا يُعقل أنها كانت تتجسس علينا!
نظرتُ إلى حالة مين جاي يون وسارعت بالتلويح بيدي للحراس الذين رفعوا أسلحتهم نحونا.
“م- مهلاً، لحظة فقط!”
كنت على وشك إيقاف الحراس حين صدرت كلمات لم يكن بإمكاني تجاهلها.
“ناهيون أيضًا… تذهب إلى شخص أثمن مني. حسناً، في النهاية، لن يعتبرني أحد شخصًا ثمينًا له أبدًا…”
“هذا غير صحيح.”
أنكرتُ فورًا، دون أن أهتم لما يدور حولي. في النهاية، ما يهم الآن هو مين جاي يون.
وضعتُ يدي على كتفيها ونظرتُ في عينيها وتحدثتُ بوضوح.
“أنا أحبكِ.”
لقد تعلّقتُ بها أكثر مما كنت أتوقع، وأنا أعتني بهذه الفتاة اللطيفة والرقيقة.
لذلك تمنيتُ لو أصبحتْ أكثر إشراقًا وثقةً بنفسها.
“لذا، لا تفكّري بهذه الطريقة. لا تقولي إن لا أحد يحبكِ.”
بدأت طاقة الظلام الغاضبة في داخلها تخفت شيئًا فشيئًا،
وأخيرًا، بدت وكأنها هدأت تمامًا وأخمدت تلك الطاقة.
ثم قالت كلامًا مروعًا.
“إذًا، هل لا يمكن لناهيون أن تكون صديقتي المقربة فقط؟”
“لا يمكنني ذلك.”
هذا صعب.
هناك الكثير من الأشخاص الذين أحبهم، ولا أريد أن أتخلى عنهم من أجل أحد.
تشنّج وجه مين جاي يون، لكنني واصلت الحديث:
“لا يمكنني قطع كل علاقاتي والعيش فقط معكِ.”
عند سماع ذلك، أطرقت مين جاي يون رأسها بشدة.
“…لكنني أستطيع. فلماذا أنتِ لا تستطيعين…؟”
ثم استدارت وركضت نحو الصف دون أن تلتفت خلفها.
كنتُ أحدّق في ظهرها بشرود، حين قاطعني فجأة صوتٌ مرح.
“سنّ المراهقة هو العمر المثالي لبناء الصداقات!”
“…سيدة اغدراسيل؟”
“نعم! كنت في انتظاركِ، لدي رسالة لأبلغك بها!”
رسالة؟ لم أكن أستطيع تخمين من من تكون، فقالت لغدراسيل بابتسامة مشرقة:
“تعلمين أن موسم التدريب العملي بات وشيكًا، أليس كذلك؟ في يونيو. حينها، ستلتقين بأشخاص لطفاء.”
“أشخاص لطفاء؟”
“نعم، ويبدو أنهم سيحضرون معهم هدايا أيضاً!”
هدايا…؟ أتمنى أن تكون مالاً نقديًا. لا، ما الذي أفكر فيه؟
“هل يمكن أن تخبريني من هم؟”
أتمنّى ألا يكون من بينهم ذلك المحتال، سيكون من المحرج مواجهته مجددًا…
“لا أستطيع! وبالمناسبة، الهدايا ستكون مفاجأة!”
تبا…
وهكذا، عدتُ إلى الصف وأنا أشعر بانزعاج خفي.
في الفصل، كانت مين جاي يون مطأطئة رأسها على الطاولة وهي تبكي بهدوء.
فكرتُ في أن أواسيها بلطف، كما تفعل كانغ ناهيون التي أؤدي دورها، أو ربما أهمس بكلمات رقيقة تقول إنني موجودة من أجلها فقط…
لكنني تراجعت. شعرتُ أن ذلك سيكون نوعًا من الخداع أيضًا.
“مين جاي يون.”
إن كانت كل تصرفاتي وأقوالي معها زائفة، وإن اكتشفت ذلك،
فربما لن تستطيع الوثوق بأحد بعد الآن.
مين جاي يون فتاة تبذل كل ما بوسعها في كل شيء.
ولو وعدتها، فسأبذل كل ما في وسعي لأخفي طبيعتي الحقيقية.
“لنتحدث قليلًا وقت الغداء.”
سيكون الأمر على ما يرام. على الأقل، أمام شخصٍ واحد… أستطيع إظهار نفسي الحقيقية.
رفعت مين جاي يون رأسها قليلًا ونظرت إليّ، ثم أومأت بصمت.
أنا، دون سبب محدد، عبثت بالخاتم المقدس في إصبعي.
وهكذا، مضى وقت الحصة في صمت ثقيل.
“…م- ما الأمر؟”
المفاجئ أن مين جاي يون هي من بدأت الحديث هذه المرة.
كانت تتردّد، تنظر إليّ وتشيح بوجهها، ثم تنظر من جديد.
“أردت أن أقول شيئًا بخصوص ما دار بيننا سابقًا…”
أخذتها وسرنا معًا إلى ساحة التدريب القريبة.
وهي مخصصة للطلاب تحت المراقبة الخاصة، ورغم أنها صغيرة مقارنة بساحة التمرين العامة، إلا أنها كانت شديدة المتانة.
اشتريت لها مشروبًا من آلة البيع، وناولتها إياه.
“لماذا ظننتِ أنني سأتخلى عنكِ؟”
ما إن نطقتُ بذلك حتى بدأت طاقة مين جاي يون بالاضطراب.
لا بأس، نحن في ساحة تدريب. لا أحد سيتأذى هنا.
“ل- لأن… لأنكِ محاطة بأشخاصٍ كثيرين مهمين بالنسبة لكِ…”
“لكن ذلك لا يُعد سببًا لأتخلى عنكِ.”
“أنا… شخص مثلي… سهلٌ التخلّي عنه.”
وكأن كلماتي لم تصلها، ازدادت طاقتها الظلامية اضطرابًا.
“لذا، اجعليني الأهم لديك.”
بدأت الدموع تتساقط من عينيها.
“دعيني أكون الوحيدة بجانبكِ. سأمنحكِ كل شيء.
لذا، أرجوكِ، أرجوكِ…”
تنفستُ بعمق، ثم قلت.
“سأكرر كلامي… لا أستطيع.”
بلهجة أقوى هذه المرة.
“أنا آسفة، لكن لدي عائلة… لا، لدي أشخاص أعزّهم أكثر من أي شيء.”
سكتت مين جاي يون للحظة، ثم تمتمت بصوتٍ خافت، وكانت عيناها مليئتين بالفراغ.
“إذًا… لو لم تكن لديكِ عائلة؟”
ازدادت كثافة طاقتها السوداء، وراحت تغلّف ساحة التدريب.
“إن اختفت عائلتكِ… هل سأصبح الأولى لديكِ؟”
من مكانٍ ما، صدر صوت طقطقة خافتة، ثم تدحرجت علبة مشروب فارغة على الأرض.
“لو كنتِ تنوين قتل عائلتي، فسأبذل كل ما بوسعي لإيقافك.”
“لماذا؟”
لم يكن سؤالًا ينتظر جوابًا.
“لماذا…؟”
كانت مين جاي يون تهمهم بجنون، ثم انكمشت فجأة.
“أخيرًا… وأخيرًا شعرت أنني صنعت شخصًا ثمينًا لي!”
دفنت وجهها بين ركبتيها لفترة، ثم رفعت رأسها مجددًا، وبدهشة… كانت تبتسم.
تلك الابتسامة، التي كانت مليئة بالجنون، جعلتني أتجمد لحظة.
“فكرت بطريقة جيدة… إن متنا معًا، فستصبحين لي إلى الأبد، أليس كذلك؟”
تناقضًا مع ابتسامتها البريئة، بدأت طاقتها السوداء تفلت من السيطرة.
كرااااك!
بدأت شظايا ساحة التدريب تتهاوى نحو الأرض،
وتفاديتُ الحطام المتساقط بسرعة.
لحسن الحظ، أظهر الخاتم المقدس فاعليته، فلم تنجح أي من هجماتها السحرية في إصابتي.
لكن المشكلة… كانت في قبضاتها.
مين جاي يون وظيفتها “محاربة هائجة”، تُعزّز جسدها بقوة لتقاتل في الخطوط الأمامية.
وهذا يعني ببساطة…
“آه…!”
كمُقاتلة بعيدة المدى مثلي، هذا يضعني في موقفٍ سيئ جدًا.
كنت أراوغ ضرباتها بسرعة، محاوِلة توسيع المسافة بيننا.
لا يجب أن أتلقى ضربة واحدة، ولو كانت ضربة واحدة فقط.
فقوة مين جاي يون البدنية في حالتها الحالية مصنّفة بـS+!
لكن في الوقت نفسه، لا يمكنني جعل الأمر معركة طويلة… فهي تملك أيضاً قدرة تحمّل من الدرجة S+!
“مين جاي يون!”
لهذا السبب تحديدًا اقترب منها المحتال محاولًا التلاعب بها… فهي تملك هذه القدرات الخرافية أصلًا!
“هل تسمعينني؟”
صرخت نحو مين جاي يون، لكنها بدت وكأنها لا تسمعني، واكتفت بالابتسام والهمس بكلمات مبهمة.
كانت أكثر رعبًا بكثير مما بدت عليه في النصوص، حتى أن ركبتي كادت أن تخور من الخوف.
“لو أنكِ فقط… لو أنكِ فقط واصلتِ إخفاءه…”
كانت عينا مين جاي يون، وهي تقترب مني، مغرورقتين بالدموع الغزيرة.
“من دون أن أعرف! من دون أن أكتشف شيئًا!”
“أنا!”
في اللحظة التي صرخت فيها بتلك الكلمة، وجدت صوتي قد علا لا إراديًا.
طاااخ!
طلقة واحدة صدّت الشظية التي كانت تتجه نحو رأس مين جاي يون.
نظرت إليّ بدهشة.
“لأني لم أرِد ذلك… لم أرِد أن أستغلكِ بالكذب والخداع.”
قلت ذلك بوضوح وأنا أحدّق في عينيها مباشرة.
“نعم، لدي أشخاص كثيرون أعزّهم، لكن هذا لا يعني أنكِ لستِ شخصًا ثمينًا بالنسبة لي.”
بدأت طاقة مين جاي يون تتأرجح كما لو كانت تعكس اضطراب مشاعرها.
“حتى إن صنعتُ أصدقاء آخرين، فهذا لا يعني أننا لم نعد صديقتين. ولأكون شخصًا عزيزًا على أحدهم، لا يجب أن أكون الأفضل دائمًا في نظره.”
“لكن إن لم أقدّم كل شيء، إن لم أكن الوحيدة في عينيه، فمن ذا الذي سيحبني أنا؟”
“لستِ مجرد ‘أنتِ فقط’. أنتِ محبوبة بما يكفي.”
توقفت مين جاي يون لوهلة.
“لكنني… أنا لا أستطيع حتى التحكم في قوتي، أنا ضعيفة…”
“لستِ ضعيفة. وحتى إن كنتِ كذلك، فالضعف ليس سببًا ليكرهكِ أحد.”
ومع تراجع مين جاي يون، بدأت طاقتها تتبدد شيئًا فشيئًا.
“لكن… رغم ذلك… لا أستطيع أن أصدق…”
“سأبقى إلى جانبكِ، حتى تصدقي بنفسكِ.”
لقد عزمت على ذلك بالفعل.
حين نطقت بتلك الكلمات، انفجرت مين جاي يون في بكاءٍ مرير، كطفلة صغيرة. وقد اختفى الجنون الذي بدا على وجهها من قبل، وعادت إلى ملامحها الوديعة كالخروف.
تردّدتْ ثم مدّت ذراعيها إليّ ببطء، واقتربت لتعانقني بشدة، ثم همست:
“وعد، حسنًا؟”
“نعم.”
لكن…
“لا تخلِف وعدك… وإلا… فسأطاردك حتى نهاية الجحيم…”
“آه… حاضر.”
قوّة ذراعيكِ كبيرة يا جاي يون…
لكن على عكس قبضتها القوية، كانت طاقتها السحرية قد تحوّلت كليًا.
الطاقة السوداء التي كانت تمتد من حولها كأغصان شجرة برّية بدأت تتجمع بهدوء نحوها، وتصير أكثر سلاسة مع كل زفير تطلقه وهي قربي.
نعم، لقد تمكنت مين جاي يون أخيرًا من السيطرة على قوتها بعد نوبة فقدان السيطرة.
ويبدو أنها أدركت ذلك أيضًا، فقد نظرت إليّ بدهشة وقالت:
“ناهيون… أستطيع التحكم في طاقتي الآن…!”
ابتسمت لها ابتسامة عريضة.
لقد نجحت.
“أحسنتِ. لكن قبل أي شيء… ألا ترين أنه علينا الخروج من هنا بسرعة؟”
أشرت إلى السقف المدمر بحرج، وعندها فقط أدركت مين جاي يون ما فعلته.
“آه، أوه، ماذا أفعل…؟”
“لنخرج.”
ومع ذلك، لم تبدُ مين جاي يون مستعدة لترك عناقي، بل واصلت احتضاني وهي تتقدم للأمام.
بسبب الطاقة الهائلة التي أطلقتها قبل قليل، تدمر نصف قاعة التدريب، وبدأت الشظايا تتساقط من كل اتجاه، لكنني لم أُصب حتى بخدشٍ واحد.
فمين جاي يون كانت تلوّح بطاقة سحرها السوداء لتحميني في كل لحظة.
أما الشظايا الكبيرة فكانت تشتتها بقوتها السحرية ببراعة، لكن الصغيرة منها؟ كانت تصفعها بيدها المجردة دون تردد!
ببساطة، كانت تصدها بيدها كأنها لا شيء. يا لها من صلابة. لم أملك سوى أن أضحك بخفة.
ثم، خارج قاعة التدريب…
“وصلتما؟”
كانت هناك إغدراسيل.
لا أدري متى وصلت، لكنها كانت واقفة عند المدخل بهدوء شديد، كما لو أنها كانت تراقب كل شيء منذ البداية.
“آه، مرحبًا…”
“مرحبًا.”
اقتربت منا بخطوات واثقة، وربّتت بخفة على كتف مين جاي يون لتنفض عنه الشظايا والغبار.
“كنت سأتدخل لو أصبح الوضع خطرًا، لكنكما أحسنتما أكثر مما توقعت!”
كان بإمكانكِ التدخل أبكر من ذلك… لا، لا، هذه إغدراسيل.
بالنسبة لها، هذا أيضًا جزء من “نضوج الشباب!” أو “تدريب مهم!”… لا شك أنها كانت تراقبنا بكل حماس! كتمت تنهيدة كانت على وشك الخروج.
“همم! بما أن القاعة قد تهدّمت، فالتدريب الذاتي لم يعد ممكنًا، صحيح؟”
مهلًا…
نظرت إلى عيني إغدراسيل المتلألئتين، وشعرت بشؤمٍ يتسلل إلي.
“بدءًا من الغد، سأشرف أنا على تدريبكِ بنفسي!”
لا… هذا ليس جيدًا.
“آه، أليست لديكِ أعمال أخرى؟”
رغم كلماتها، بدت مين جاي يون سعيدة للغاية من فكرة أن إغدراسيل ستدربها شخصيًا.
لا تفرحي! تدريبها هو الجحيم بعينه! صحيح أن نتائجه مضمونة… لكن المعاناة لا توصف…
“ممم… الطلبة الذين أتابعهم يتدربون عمليًا في الصباح، فبإمكانكما أن تتدربا في فترة ما بعد الظهر، أليس كذلك؟”
“لكننا نحضر دروس النظرية في تلك الفترة…”
“مم، سأتدبر الأمر… سواء بالوساطة أو بالمفاوضة أو… شيء من هذا القبيل.”
“حقًا؟”
“طبعًا! ثقي بي فحسب!”
“واو!”
وهكذا… وجدت نفسي من جديد في دوامة التدريب الناري مع المعلمة إغدراسيل.
نظرتُ إلى مين جاي يون وهي تضحك بحماس، ثم رفعت بصري إلى السماء.
أنا على وشك أن أصاب بالجنون.
التعليقات لهذا الفصل " 54"