4. كيفية التأقلم مع بيئة جديدة (١٣)
كسرتُ مقبض الباب المغلق بإطلاق النار عليه، واندفعت إلى الخارج.
قالوا إنه في الشمال، أليس كذلك؟
وفي ظل هذا الوضع، لم يكن لديّ أي وسيلة لمعرفة اتجاه الشمال سوى…
[بوصلة أبدية – 10 نقاط]
شراء أداة تُظهر لي جهة الشمال باستخدام نقاط الميتا.
قمتُ بشراء البوصلة على الفور، وبدأت أركض في الاتجاه الذي أشارت إليه.
كانت مساحة غريبة للغاية، جدران بيضاء ناصعة تمتد بلا نهاية.
كلما ركضت، لم أرَ سوى الجدران نفسها تتكرر مرارًا، حتى ظننت لوهلة أنني أدور في نفس المكان، لكني قررت أن أثق بالبوصلة.
وبعد أن أرهقت أنفاسي حتى وصلت إلى حنجرتي، أوقفني جدار أبيض آخر.
أوقفت الركض وأخذت أبحث سريعًا عن مخرج، وحين التفتُّ برأسي، سَمعت أصوات تصفيق.
“أوه، هل انكسر غسيل الدماغ؟ كما هو متوقّع من الإستثنائية، مذهلة حقًا!”
ابتسم بشماتة، ولمعت أنيابه الحادة من بين شفتيه.
…إنه بارك يولهان، شقيق بارك يورا.
ثم قال.
“مع ذلك، لا يجب أن تخرجي من هنا كما يحلو لكِ! سأتعرض للتوبيخ، أنا!”
كان العدو الأسوأ الذي يمكن أن أواجهه في هذا الموقف. مسحتُ بأطراف أصابعي الباردة على طرف ردائي.
“وما شأني أنا؟ أنتم من اختطفتموني دون إذن، والآن تغضبون؟”
أعدتُ تثبيت قبضتي على المسدس. لا يمكنني أن أُؤسر مجددًا! يجب أن أكسب الوقت حتى يصل دمدم!
فعلت مهارة الطلقة السحرية على عجالة.
-بانغ! بانغ! بانغ!
أطلقت النار، لكن بارك يولهان لم يبدِ أي رغبة في تفاديها، بل تلقاها كما لو كانت لعبة.
قال مبتسمًا بسخرية:
“هل انتهيتِ؟”
…بارك يولهان نصف مصاص دماء ورث الصفات المصاصية أكثر من شقيقته يورا.
ولذلك، فإن الطريقة الوحيدة لإلحاق الضرر به هي باستخدام قوة خاصية النور، بينما سحري لا يملك أي خاصية على الإطلاق.
كما توقعت، لا فائدة…
لكن، فجأة اختفى بارك يولهان من أمامي.
“….!”
شعرت على الفور بوجود شخص خلفي، فاندفعت أتدحرج على الأرض.
“أوه، لديك حاسة جيدة، أليس كذلك؟”
ضحك بارك يولهان وهو يحرّك مخالبه الحادة بلا مبالاة.
رفعت له إصبعي الأوسط بصمت.
بدأت جولة جديدة من الهجوم والدفاع.
بانغ!
رغم أني أطلقت الرصاص مرارًا مملوءًا بالسحر، إلا أنه لم يتفادَ شيئًا، بل كان يقترب مني بكل هدوء.
هوووووم!
كلما انقضّت مخالبه الحادة نحوي، كنت أتدحرج بجنون لأتفادى قبضته.
“أوي! لا يُسمح باستخدام الأدوات!”
كلما حاولت أن أشرب جرعة علاجية، كان يسارع إلى تكسير القارورة.
بدا وكأنه يستمتع بمضايقتي، متلذذًا بملاحقتي خطوة بخطوة.
“أنت تسخر مني…!”
طاقتي السحرية كانت توشك على النفاد تدريجيًا.
ترددت… هل أستخدم نظام الميتا أمام هذا الأحمق؟
وفي اللحظة التي توقفت فيها مترددة، ظهر بارك يولهان أمامي فجأة، وأمسك بعنقي.
بسبب قوته، انطرحتُ أرضًا بلا حول ولا قوة.
لماذا يجب أن يكون بهذه السرعة المجنونة؟
قال وهو يبتسم بتلك الابتسامة المزعجة:
“أتدرين؟ سحركِ… في غاية الجمال.”
“أبعد عني تلك العيون المقززة!”
“هذا يجرحني، فعلًا.”
قال ذلك ببرود، دون أي أثر للانزعاج في وجهه، واقترب من عنقي بأنيابه الحادة.
“بما أن الأمور وصلت إلى هذا الحد…. يمكنني أن أغتنم القليل من الفائدة، أليس كذلك~؟”
لم يعد لدي خيار سوى استخدام نقاط الميتا… عضضت على شفتي.
“شكرًا على الوجبة~!”
لكن، وقبل أن أستدعي نظام الميتا، شق ضوء أزرق باهر الجدار أمامي.
كووونغ!
تناثرت شظايا الجدار المحطم على الأرض والجدران البيضاء، ملوّثة نقاءها.
“من يجرؤ على مقاطعة وقت سعادتي؟”
ومن خلف الجدار المهدم، رأيت شخصًا أعرفه.
الشفق الأزرق… سيف نورٍ سماوي يبدّد الشرور.
كان يحمل ذلك السيف المتلألئ، وقال:
“أتيت لأخذكِ، ناهيون.”
لم يكن هناك توقيتٌ أفضل. ابتسمت دون أن أشعر.
في لحظة، اندفع السيف الأزرق صوب بارك يولهان.
وبسرعة خرافية، تراجع بارك يولهان متفاديًا الضربة.
كواددك!
تشققت الأرض تحت أثر الضربة.
“ما الذي يحصل…!”
قال بارك يولهان بارتباك، وظهر في يده طيف من السحر الأسود.
وفجأة، اختفى شكله، وتبع ذلك صوت تصادم عنيف أمامي.
كاااانغ!
كلما تلاقت ضربة السيف المقدّس مع مخالب الظلام، كانت تلك المخالب تتفتّت شيئًا فشيئًا.
“كخ…!”
بدأت ملامح بارك يولهان بالتجمد.
عندها، قال دمدم.
“لا تظنّ أنك ستنتصر بسهولة.”
كان صوته منخفضًا ونظرته حادة، تنبئ بمدى غضبه الحقيقي.
“هاها، يبدو أنني في ورطة فعلًا!”
بارك يولهان… فتى لا يملك شيئًا سوى السرعة والخصائص الفارغة، يعيش دائمًا مزهوًا بها.
لكن لا مجال له أمام قوة دمدم، المفعمة بخاصية النور النقية والكثيفة.
ولما أدرك أنه لن يفوز، زمّ شفتيه وتراجع بخطوات متوترة.
اندفعت ضربة دمدم مجددًا نحوه، لكن جسد بارك يولهان اختفى في الظلام.
ثبت دمدم نظره على المكان الذي اختفى فيه العدو، ثم أعاد سيفه ببطء واقترب مني.
لكن ملامحه لم تكن كما كانت قبل قليل، فقد أصبحت أكثر لطفًا وهدوءًا.
“هل أنتِ بخير؟”
“لا بأس.”
عندما ابتسمتُ، ارتسمت على وجهه ابتسامة ارتياح واضحة. مدّ يده ليساعدني على النهوض.
“شكرًا.”
أمسكتُ بيده، وحاولت الوقوف، لكن يبدو أنني فقدت قوتي بسبب القتال، فسقطت مجددًا.
سارع دمدم إلى إمساكي ودعمني بلطف.
“آسفة… يبدو أنني ارتخيت فجأة.”
“استندي عليّ. ثم….”
انحنت عيناه بليـن.
“لنعد إلى الأكاديمية.”
“نعم.”
***
بينما كنا نخرج من المبنى، تقاطعنا مع بقية المجموعة التي كانت قد تولّت القضاء على بقايا الصيّادين المتوحشين.
“ناهيون!”
صاحت نا يوري وهي تبكي، وارتمت عليّ.
“…الحمد لله.”
لي هانا أيضًا، عانقتني بقوة ولم تتحرك للحظة طويلة.
“سينباي، ذراعي…”
“هممم~؟”
“…ذراعي…”
“لن أترككِ~.”
تشوي سوجونغ لسببٍ ما، التفّت بذيلها حول ذراعي ولم تفكّه حتى عدنا.
وسط تلك الفوضى العاطفية، خرجنا من المبنى ونحن نجر أجساد العدو المهزوم.
وما إن خرجنا، حتى استقبلتنا جموع كالسحاب من الناس – من الصيّادين الذين حضروا للمساعدة، والفضوليين الذين تجمعوا للمشاهدة.
وكان المحتال يتحدث مع الشرطة والصيادين، يريهم صورة ما.
“هذه الفتاة… ما اسمها؟”
“كانغ ناهيون.”
حينها، التفت المحتال ليتفقّد الوضع، فرأى شخصًا يقترب من بعيد.
وكانت… أنا.
في اللحظة التي رآني فيها، تغيرت ملامحه بشكل غريب.
بدا أن عينيه تلمعان بدموع خفية.
وقبل أن أستوعب مشاعره، اندفع نحوي واحتضنني بشدة.
“أنتِ بخير… حمدا لله…”
“نعم، شكرًا لك، يوهان.”
ابتسمتُ لأطمئنه، وربتُّ على ظهره.
ثم حاولتُ إبعاده، لكنه لم يتحرك من مكانه.
لماذا تفعل هذا أيضًا…؟
وفي النهاية، وصلت الشرطة وأعادت ترتيب الوضع بسرعة.
رغم أن الشخصيات الرئيسية تمكّنت من الفرار سريعًا، فقد أُلقي القبض على بقية الأتباع وخضعوا للاستجواب.
وتبيّن من التحقيقات أن هذه الجماعة المسماة بـ”الصيّادون المتوحشون” كانت قد ارتكبت عدة عمليات إرهابية وخطف، مما أدّى إلى إدراجها على القائمة السوداء كجماعة خطيرة.
أما موقفي… فكان دقيقًا ومعقّدًا.
لكن بما أنني قاصر، وإن أردنا الدقة، فقد اعتُبرت ضحيةً تعرّضت لغسل الدماغ، لذا قيل إن أفعالي يمكن تفهّمها وتبريرها إلى حد ما.
“لكنّ رأي الأكاديمية سيكون مختلفًا.”
“نـ… نعم…”
أنهيت التحقيق بعد أن تلقيت من الشرطة تحذيرات ونصائح متكررة، ثم عدت إلى رفاقي الذين كانوا قلقين عليّ.
وللمعلومية، فقد تمكّنت من كسر التنويم باستخدام القلادة التي أعطيتها لـ لي هانا، استعرتها للحظات فقط.
وفور تحرّري من التنويم، غمرتني مشاعر الخزي والغضب.
ذلك النمر اللعين… كيف تجرؤ على أن تتصرّف بكل تلك الوقاحة في دار الأيتام خاصّتنا؟
من خلال الجهاز، طلبتُ من إغدراسيل – التي كانت تتابعني من خلف الشاشة لتتأكد من سلامتي – أن تعتني بأطفال الدار احتياطًا. ولحسن الحظ، وافقت بسعادة على ذلك.
لكن المشكلة الحقيقية بدأت بعد ذلك.
فما إن وصلت إلى الأكاديمية، حتى اقتادوني مباشرة إلى هيئة المدرّسين، دون أن أجد فرصة للتحدث مع رفاقي.
وقد عوملت كما لو كنت مجرمة.
حسنًا… صحيح أنني كنت تحت تأثير التنويم، لكنني رغم ذلك ارتكبت بعض الأفعال، لذا فربما يحق لهم معاملتي كمذنبة؟
نظرت إلى يديّ بصمت.
هل يعقل أنني سلّمت سلعًا ربما كانت سببًا في مقتل الكثيرين وأنا أبتسم؟ هل كنت بعقلي أصلًا؟ شعرت بالغثيان.
كان عدد من المدرّسين يتهامسون أثناء نظرهم إليّ.
“بما أنه حصل تواصل أول، فربما يتكرر التواصل لاحقًا.”
“هل نحن متأكدون من أن التنويم زال كليًا؟”
“هممم…”
“ها هو ذا، مثال حيّ على نتائج دعم الحكومة لأصحاب القوى.”
كلماتهم كانت تهين اسمي وأمري كيفما شاؤوا..
كنت أرمق الأرض بصمت، لا أعرف ما أقول، حين فُتح باب غرفة الاجتماع فجأة وبعنف.
“حقًا! أتتركوني خارجًا بهذه الطريقة؟”
شَعرٌ فضيٌّ طويل يتطاير، وعينان خضراوان كالغابة، وقامة قصيرة.
إنها إغدراسيل.
ما إن اقتحمت الغرفة حتى أعلنت بصوتٍ عالٍ:
“ما الداعي لكل هذا النقاش؟ تم استغلالها، إذًا فهي بريئة! انتهى النقاش! هيا بنا، صغيرتي!”
“انتظري، إغدراسيل!”
“لهذا السبب لم نرِد استدعاءها…”
وحين بدأ البعض يعارض، عقدت إغدراسيل حاجبيها بحدة ونظرت إليهم بنظرة مرعبة.
“تحاولون فعل ما يحلو لكم متجاهلين أنني المُدرّسة المسؤولة؟ الطرد؟ الفصل؟ دعوني أوضح شيئًا: ما دمتُ أفتح عينيّ وأراقب، فلن أسمح بمثل هذه التفاهات.”
وما إن التقت نظرتها الباردة بأحدهم حتى تجمّد في مكانه ولم ينبس ببنت شفة.
“لكن إغدراسيل! كانغ ناهيون–”
“–تستحق الحماية، لا أكثر!”
“نعم!” أومأت إغدراسيل بحزم،
ثم نظرت إليّ بعينيها.
“ولهذا… سأفعل التالي.”
رغم أنها بدت متضايقة، فقد أكملت كلامها.
“كانغ ناهيون، أُعلِنُك رسميًا تحت الحماية والمراقبة المشددة.”
قالت ذلك وهي تربّت بخفة على ساقي.
“مراقبة مع حماية! هكذا لن يكون هناك اعتراض، أليس كذلك؟”
“حـ… حسنًا، صحيح، لكن…”
“لكن ماذا؟ القضية انتهت! اخرجوا من هنا!”
راحت إغدراسيل تركل مؤخرات المدرّسين وتطردهم من الغرفة.
وبعد أن ساد الهدوء، نظرت إليّ بعينين حزينتين وقالت.
“أنا آسفة… لأنني لم ألاحظ شيئًا.”
“لا بأس…”
“لن أسمح بحدوث شيء مماثل مجددًا.”
“شكرًا لكِ….”
حين قالت ذلك، بدت على ملامحها مشاعر ضعفٍ نادرة للغاية.
ذلك الوجه الذي لم أره منها من قبل، ظلّ عالقًا في ذهني لفترة طويلة.
….على أي حال، تبًّا لذلك النمر اللعين.
بسببه، أصبحت الآن تحت المراقبة المزعجة.
صحيح أنني نجوت من أن أُوصم بالخيانة، لكن الشعور بالقذارة لا يزال حاضرًا.
لا، في الواقع… ربما يجدر بي أن أشكره؟ فبفضل هذه المراقبة لن أُختطف مجددًا على الأرجح.
بل، حتى إنني أُجبرت على الدراسة ضمن صفّ مخصص للمراقبة، يجمع فقط من هم تحت الرصد.
…لا بأس. لنتعامل مع الأمر بإيجابية.
سأستغل هذه الفرصة لأبتعد قليلًا عن المحتال.
بناءً على ما ظهر في “جزء الظهور”، يبدو أن هذا الفتى ليس طبيعيًا تمامًا.
عندما أفتح ذلك الجزء، أجد أن كل مشاهده تدور حولي تقريبًا. صرت أعرف روتينه اليومي كله!
لا، هذا ليس جيّدًا. حتى لو خسرت بعض نقاط الميتا، أحتاج إلى فترة أبتعد فيها قليلًا.
ثم… من الصعب تبرير استخدامي لتقنية “تشويه القصة”.
نظرت إلى عداد نقاط الميتا وأنا أفكر.
> [نقاط الميتا الحالية: 8020 نقطة]
سأصبر… فقط حتى تختفي حالة التعلّق المفرط بي لدى المحتال.
بمثل هذا الارتفاع، قد أستطيع قريبًا شراء جرعة إكسير لعلاج الطفل المصاب بمرض خلقي.
ومادام ما يشعر به نحوي سيستمر لبعض الوقت، فسيظهر في جزء الظهور، وستتراكم النقاط أكثر.
وبعدها، حين تظهر البطلة القادمة الأروع، وتصبح أقرب إليه، ستتلاشى تلك المشاعر بسرعة.
من المؤكد أن ما يشعر به الآن ليس سوى أثر عارض لما يُسمى “تأثير الجسر المعلق”.
(م م: تأثير الجسر المعلق هو لما يخلط الشخص بين مشاعر الخوف ومشاعر الحب.)
وعندما يعود كل شيء إلى ما كان عليه، سيتعامل معي كرفيقة على الأقل. فأنا نافعة نوعًا ما.
لذا… هذه مجرد فرصة لإبقاء مسافة مناسبة بيننا، فرصة! فالمحتال حاليًا… مرعب قليلًا.
كنت أفكر بذلك بجدية تامة وأنا أمشي في الممر.
لكن إحاطة أولئك الذين يرتدون البدلات السوداء لي من كل جانب، كي لا أهرب، زادت شعوري بالضيق.
وبعد وقتٍ قصير، رأيت الفصل الذي سأبقى فيه.
ترى، من سيكون هنا؟ حاولت تخمين من قد يكون من الطلاب، لكن لم يخطر ببالي أحد.
شعرت ببعض الطمأنينة وأنا أفتح الباب…
“آه، مرحبًا…!”
لكن ما إن رأيت الشخص الموجود بالداخل، حتى كاد قلبي يقفز من مكانه بسبب الصدمة.
التعليقات لهذا الفصل " 51"