4. كيفيّة التأقلم مع بيئة جديدة (١٠)
انحلّ حاجز الرياح الذي أحاط بنا من صنع تشوي سوجونغ، وما إن حدث ذلك، حتى انطلقت رمح ناري هائل باتجاه نا يوري، وكأنّ أحدهم كان ينتظر تلك اللحظة.
“هاه، تافه للغاية!”
قهقهت نا يوري بسخرية، وأمسكت بالرمح العاري بيدها المجردة، فابتلعته قواها السحرية في لحظة.
ثم رفعت الرمح وألقته على الفريق الذي كان منشغلًا بإصلاح درعهم، فانفجر صفّهم كأن نيزكًا قد سقط عليهم.
<آه! فريق “دوّامة الريح” غير قادر على القتال! تم إقصاؤهم!>
“تفضلوا بالرحيل أولًا!”
واندفعت نا يوري كدبابة ملتهبة باتجاه فريق “رمح اللهب”.
“أوقفوها!”
“وهل هذا ممكن أصلاً!”
كان أعضاء فريق “رمح اللهب”، كما يوحي اسمهم، يجيدون التعامل مع النار، لكن للأسف، لم يكن لأيٍّ منهم أن يبلغ مستوى نا يوري في السيطرة على اللهب، مهما اجتمعوا.
<فريق رمح اللهب! كانوا مرشحين للفوز! هل سيسقطون بهذه السرعة؟>
“هـــآب!”
دوووم!
رغم محاولاتهم الباسلة، لم يبدو أن سقوطهم بعيد. بعض الفرق حاولت التدخل لإيقاف نا يوري، لكن…
“أستأذنكم.”
بمجرد أن وقف دمدم حاملاً سيفيه أمامهم، صار همّهم أن ينجوا من دمدم، لا أن يساعدوا الفريق الآخر.
“تراجعوا!”
“اهربوا!”
“لا، لو اتحدنا—!”
لكنهم ترددوا وسقطوا بسرعة خاطفة.
“لا داعي للقلق بشأن الهجوم.”
هم حقًّا، وحوش.
تمتم المحتال بذلك، فأومأت برأسي وأنا أطلق قنبلة شلٍّ على رأس أحد المهاجمين.
أما الفرق التي بقيت خارج نطاق نا يوري ودمدم، فقد بدا عليها القلق من أن يكون دورها التالي، ومن ثم قررت أن تهاجمنا نحن المحتال وأنا.
“لم أتوقع أن يستخدموا أداة انتقال فوري!”
وأنا كذلك! هل يدرون كم هي باهظة الثمن؟
تمتمت بذلك في داخلي، وأنا أطلق النار على كل الفرق التي اقتربت منّا.
“متّ أيها الوغد!”
“إلى أين تظن نفسك ذاهبًا؟”
كان أحدهم يحاول الهجوم من الخلف، لكن سرعان ما تجمّد بفعل سحر لي هانا.
“شكرًا لكِ!”
“لا شيء يُذكر.”
ردّت بهدوء، ثم جمدت فريقًا آخر بالكامل.
“وأنا أيضًا! امدحيني، أنا رائعة~!”
قالت تشوي سوجونغ، وهي تجرّد فريقًا مجاورًا من أسلحتهم بهبة ريح قوية.
… هاتان أيضًا، وحوش دون شك.
تابعت القضاء على المهاجمين بصمت، محتمية خلف المحتال.
<آه، ما الذي يحدث هنا؟!>
على ما يبدو، لم يمضِ وقت طويل كما كنا نظن.
<لم يتبقَّ سوى فريق واحد فقط!>
وهكذا، انتهت التصفيات بسرعة مذهلة، وربما كانت نتيجة متوقعة.
بعد انتهاء التصفيات، أُعلِن أن النهائيات ستُقام بعد الغداء.
وهذا يعني أن لدي متسعًا من الوقت لأقابل أفراد عائلتي من دار الأيتام.
“هل يمكنني الذهاب لرؤية عائلتي لبعض الوقت؟”
“عائلتكِ؟”
أبدى المحتال اهتمامًا أولًا، لكن للأسف، كان عليه مراجعة الخطة القتالية.
“أين ذهبتَ، نا يوهان!”
“هيييك!”
“هيّا بنا! حان وقت مراجعة الإستراتيجية!”
بكلمات أخرى، تم جره بعيدًا من قبل إيغدراسيل.
“آنسة ناهيون، هل يمكن أن تُعرّفينا على عائلتك؟”
“نهاهاها! أراهن أنهم لطيفون للغاية~!”
“بالتأكيد.”
بعض الرفاق الآخرين إما استأذنوا للخروج مؤقتًا، أو أبدوا اهتمامهم بعائلتي.
أنا أيضًا أردتُ أن أُعرّفهم عليهم… لكن.
“في الواقع… الشخص الذي جاء معي يرغب أن نلتقي نحن فقط هذه المرة، آسفة.”
لقد طلب مني السيد توتو أن نقضي بعض الوقت وحدنا هذه المرة.
أبدى الجميع خيبة أمل صغيرة، لكنهم سرعان ما ودّعوني.
أسرعت في خطواتي وخرجت، ثم أرسلت رسالة إلى السيد توتو.
[الراعيّ العزيز، أين أنت والمعلمة؟]
[نحن في ممر التنزه. سأرسل لكِ الموقع بدقّة عبر الجهاز.]
وصلت إلى الموقع الذي أرسله، وكان مكانًا تتسلل إليه أشعة الشمس بلطف، ولا يتجمهر فيه الناس كثيرًا.
“أوني!”
“نونا!”
“ووواااااااه!”
استقبلت نانا، وكانغ يول وكانغ يون، وهم يركضون نحوي، وسألتهم:
“كيف كان أدائي؟”
“كان رائعًا!”
“أنتِ الأفضل!”
ضحك كل من كانغ هون وكانغ يو وهما يجيبان.
“نتطلّع لرؤيتكِ في النهائيات.”
قالت المعلمة، فابتسمت بخجل. من أجل هذه الوجوه الباسمة… لا بد أن أفوز.
بالمناسبة، الفريق الفائز في البطولة يحصل على جائزة مالية كبيرة.
“لو فزت، فلنخرج جميعًا ونتناول شيئًا لذيذًا! وسينضم إلينا السيد الراعيّ، أليس كذلك؟”
عندما دعوت السيد توتو، الذي كان يبتسم لنا، بدا عليه الاندهاش لوهلة.
“… بالطبع.”
ثم، وبوجه يحمل مسحة حزن غريبة، مدّ يده وربّت على وجنتي.
هممم… ما السبب؟ هل هو مشغول جدًا؟ أم أنني لا أُجيد قراءة الأجواء؟
عندما حككت وجنتي بكفّه، بدا عليه الارتباك وتجنّب نظري.
وحين رأيت تعابيره، راودتني رغبة مفاجئة في المشاكسة، فعانقته بقوة.
“كانغ ناهيون.”
“ما الأمر؟”
“……”
نظرتُ إليه بعينين ماكرتين وأنا أبتسم، فتنهد تنهدًا عميقًا وكأنه استسلم للأمر.
وبعد أن صفّى صوته، خاطبني بجدية.
“لدي طلب واحد قبل كل شيء. هل يمكنكِ تنفيذ ذلك من أجلي؟”
“بالطبع! لو كان طلبًا من راعيّ العزيز، فسأبذل قصارى جهدي!”
أومأتُ له بابتسامة مشرقة، فظهرت على وجهه ملامح معقدة، ثم أخرج من حقيبته كيسًا صغيرًا وسلّمه لي.
“ضعي هذا داخل الساحة. ويفضل أن يكون في مكان ناءٍ، لا يلحظه أحد.”
“هاه؟ لماذا؟”
سألته بدهشة، فوضع يده على كتفي وانخفض لينظر في عينيّ.
… رأسي يؤلمني.
بدا لي وكأنني نسيت شيئًا لا يجوز نسيانه.
“…هاه؟”
شعرت بوخزات خفيفة في رأسي، كأن إبرًا تخترق جمجمتي، فوضعت يدي على رأسي ممسكةً به.
كان هناك شيء على وشك أن يتكشف لي، لكن في تلك اللحظة، شعرت بيد توتو القوية والخشنة تُربت على خدي.
دون أن أشعر، وجدت نفسي أحدق في عينيه الذهبيتين.
همس بصوت منخفض:
“أرجوكِ… فقط اخفيه بين بعض الأغراض، في مكان لا يلاحظه أحد.”
“حسنًا!”
.…ما الذي كنت أفكر فيه لتوي؟
لا بأس. هي مجرد مهمة بسيطة وسريعة، فقبلتها بسرور.
أوصاني بإخفاء الكيس بين الأشياء الأخرى بحيث لا يكتشفه أحد، ففعلت تمامًا ما قاله.
ثم عدت إلى مكان وجود الفريق.
في تلك اللحظة، اقتحمت إيغدراسيل غرفة الانتظار وسكبت في أفواهنا جرعات الشفاء الفعالة، أو ما يُعرف بـ”جرعة إيغدراسيل الخارقة”.
امتلأت بطوننا بالجرعات إلى الحد الذي جعلنا نضطر لتجاوز وجبة الغداء. يا ليت أحدهم يوقف هذه الإلف المتحمّسة!
أعضاء فريق إيغدراسيل انطلقوا إلى الجولة النهائية وهم يمسكون بطونهم الممتلئة.
وكما هو متوقّع، شقّ فريقنا طريقه نحو الفوز بسهولة ساحقة.
<كما هو متوقّع من فريق إيغدراسيل! لقد أبادوا خصمهم في لحظات!>
بالمناسبة، من اختار اسم الفريق هي إيغدراسيل بنفسها.
وقالت لنا إنها إن لم نفز بعد أن وضعت اسمها على الفريق، فستحوّل حتى وقت الغداء إلى حصة تدريبية!
لهذا السبب، كنا نقاتل بكل ما أوتينا من عزيمة…
“سأحبط انتصاركم هنا!”
“تبا!”
“حسنًا، الفريق التالي من فضلكم.”
.…لكنّ الفرق الأخرى كانت أضعف مما توقّعنا. هل من أحد يخبرهم أنهم بحاجة للمزيد من التدريب؟
“إنهم مذهلون فعلًا.”
“يقال إنهم من الصف A. بالتأكيد إيغدراسيل درّبتهم!”
“حتى لو كان كذلك، الفارق بينهم وبين الباقين كبير للغاية، أليس كذلك؟”
كانت همسات الجمهور تملأ المكان وسط جلبة الحماسة.
كلما تقدّمنا أكثر، بدا واضحًا أن معظم المتأهلين من الصف A.
ومع ذلك، كانوا يتحدّوننا وكأنهم لا يتذكرون ماضيهم.
“لا تتعالَوا فقط لأنكم مدللون من قبل السيد إيغدراسيل!”
“نتعالى؟ ماذا تقولون؟ آه، لا بد أنكم تغارون مني لأنني ببساطة رائع! لا بأس، سأغفر لكم، فأنا شخص رحيم.”
وفم المحتال أصبح أكثر تحررًا من أي وقت مضى. يبدو أنه استعاد كامل ثقته بنفسه.
وبما أن معظم الخصوم من الصف A، والجولات النهائية كانت بنظام “فريق ضد فريق”، فهذا يعني…
<الأقوى بين طلاب السنة الأولى! بلا مفاجآت! فريق إيغدراسيل!>
…أنهم جميعًا خصوم سبق أن هزمناهم.
وبما أننا نعرفهم جيدًا، لم تكن الأمور صعبة. في الواقع، كانت التصفيات أصعب.
على كل حال، سنأخذ الجائزة بكل فخر.
قادنا المنظمون نحو منصة التتويج التي أُقيمت وسط الساحة.
المحتال، بصفته قائد الفريق، صعد وحده لاستلام الشهادة وسماع كلمة التشجيع. وتبع ذلك تصفيق حار من الجمهور.
“أولئك الفتية مذهلون! لا أطيق الانتظار لرؤيتهم العام المقبل!”
“قد يكون من المفيد مراقبتهم عن كثب من الآن…”
“حفيد البطلة، وابنة العائلة المقدسة، وأبناء المسجلين… يا لها من تركيبة مبهرة! أي نقابة تفوز بهم ستكون محظوظة فعلًا.”
وسط هذه الأجواء الحماسية، لوّحت بسعادة إلى أفراد أسرتي من دار الأيتام، الذين كانوا يلوّحون لي بدورهم. أما توتو، فربما ذهب إلى الحمّام، إذ لم يكن في مكانه.
“بهذا، نُعلن ختام مراسم التتويج.”
آه، يبدو أنني شردت قليلًا وانتهت المراسم بالفعل.
وقد نال كل فرد من الفريق جائزة قدرها عشرة ملايين وون. كنت في قمة الرضا.
وبما أنه لا توجد دروس اليوم، فقد خططنا للاحتفال مع أسرتي بحفل شواء. أو ربما نذهب إلى مطعم فاخر حقًا!
بما أننا فزنا، فسأدعوا أفراد العائلة على العشاء، وسأقول للمعلمة: “هذا من فرحتي بالفوز!” ولن تستطيع الرفض!
لكن، بينما كان جميع المكرّمين يغادرون، وبينما نحن نستعد للمغادرة وسط أحلامنا السعيدة…
كووونغ—!
انطلق صوت تفعيل الحاجز الوقائي الذي يحيط بالساحة!
ما هذا؟
ارتجفت أعصابي بشعور ينذر بالخطر.
المباراة انتهت، فلماذا يتفعّل الحاجز؟ ما السبب؟
متسلّلون؟ هل يُعقل…؟
بينما كنت أفكر بذلك، لاحت لي في الجهة الأخرى من الحاجز هيئة غريبة.
شكل غير بشري… كائن لا يحمل إلا رغبة واحدة: القتل.
وحش.
…مستحيل. لماذا؟ كيف؟
لقد تفعّل الحاجز، لكن مصدر الخطر داخل الحاجز نفسه؟
التعليقات لهذا الفصل " 48"