4. كيفية التأقلم مع بيئة جديدة (٩)
بوم-! بوم-!
دوّى صدى المفرقعات في الأرجاء، وترافقت معه أصوات ألعاب نارية مبهرة.
كان بإمكاني رؤية الحشود الغفيرة وهي تتدفّق إلى داخل الأكاديمية.
لا شك أن بين هؤلاء بعض الكشّافين من النقابات الشهيرة.
رغم أن فرص استكشاف طلاب السنة الأولى قليلة، إلا أنهم يُرسلون الكشّافين مسبقًا بغرض تقييم من يملك مؤهلات مميزة.
واليوم هو….
“هممم! من البديهي أن تفوزوا، أليس كذلك؟ فأنتم تلاميذ اغدراسيل!”
وقفت اغدراسيل أمامنا بكل كبرياء، تبثّ ضغطًا رهيبًا.
“أليست الثقة الزائدة أمرًا مرفوضًا؟”
تمتم المحتال بتذمر خافت، فما كان من اغدراسيل إلا أن أسكتته بكلماتها.
“الثقة الزائدة شيء، والحكم الموضوعي شيء آخر!”
“..…”
على أية حال، هكذا وجدنا أنفسنا مضطرين للمشاركة في التصفيات التمهيدية حاملين آمال اغدراسيل العظيمة.
ديكتاتورية اغدراسيل… هل هذا مقبول؟
كانت التصفيات التمهيدية، باختصار، ساحة فوضى.
يتم تقسيم الفرق إلى كتل مثل الكتلة A والكتلة B، وهكذا، وفقًا لعدد الفرق.
ثم يُجبر جميع فرق الكتلة الواحدة على القتال في الوقت نفسه، ولا يتأهل إلى النهائيات سوى الفرق التي تنجو.
كان واضحًا أن الغرض من هذا النظام هو إنهاء التصفيات بسرعة وسهولة. فالأهم في النهاية هو النهائيات.
صحيح أن التصفيات مفتوحة للجمهور، إلا أن أحدًا لا يكترث بحضور تصفيات السنة الأولى، خاصةً وهي بلا أمل يُذكر.
لذا، في الغالب، يقتصر الحضور على المعارف والمقرّبين.
ما إن تبدأ النهائيات، حتى تتوافد الجموع لرؤية المتأهلين،
ويُقال إن من ليس معتادا على الجمهور قد يتأثر سلبًا.
أما أنا، فقد كان أفراد دار الأيتام قد قرروا مسبقًا أنهم سيحضرون منذ التصفيات، مما جعلني مضطرة لبذل قصارى جهدي.
لا يمكنني أن أرفع رأسي إذا أخفقت. ما زلت أرغب في أن أكون الأخت الكبرى الرائعة.
بسبب كثرة المشاركين، تم تخصيصنا لكتلة في الخلف، فجلسنا ننتظر بهدوء.
وبينما بدأنا نشعر بالملل من طول الانتظار، قالت تشوي سوجونغ ممازحة.
“ما رأيكم في رهان على من يجلب المشروبات؟”
“موافقون!”
جاء الاقتراح في وقته تمامًا. دون أن نتفاهم، بدأنا لعب حجر-ورقة-مقص.
خسرت تشوي سوجونغ، ولي هانا، وأنا أيضًا. تسك.
تسكّعنا نحن الثلاثة سويًا بحثًا عن آلة بيع.
“ماذا نفعل؟”
“حقًا، ماذا نفعل؟”
إلى أن توقفت خطواتي عند سماع صوتٍ لم أسمعه منذ زمن بعيد.
كان الصوت مألوفًا، كأنه من ذكريات مغبرة. ظننت أنني أتوهم.
“لفتت الإستثنائية إنتباه العائد.”
“لفتت الإستثنائية إنتباه العائد!”
ترددت العبارة بصوتَين متطابقَين تمامًا.
هذا الصوت، وطريقة الحديث هذه… لا يُعقل!
في تلك اللحظة، اندفعت رياح حادة بفعل تشوي سوجونغ نحو مصدر الصوت.
“أوه؟”
“أوه؟ أوه؟”
ردّ الاثنان معًا، كأنهما يغنيان معًا.
“مر وقت طويل، يا قطة المنزل.”
“مر وقت طويل، يا قطة المنزل!”
جيميني.
لم أكن أظن أنني سألتقيهما هنا.
إنهما شخصيتان ظهرتا في الرواية، وقد استغللتهما في صفقتي مع “الميزان الأسود”.
وأيضًا… إنهما عدوا تشوي سوجونغ اللدودان.
حدّقت فيهما تشوي سوجونغ بعينين مليئتين بالغضب، وكأنها تنظر إلى ألدّ أعدائها، وهي تزمجر في سخط.
“أنا لم أعد دميتكما بعد الآن. لماذا ظهرتما؟”
ظهورهما في هذا التوقيت تحديدًا… وقح لأقصى درجة. لا شك أنه عن قصد. هذان التوأمان المزعجان بطباعهما القذرة!
“أحقًا؟”
“أحقًا.”
“لقد طعنتِ صديقتكِ لتحصلي على حريتكِ.”
“طعنتِ صديقتكِ لتحصلي على حريتكِ!”
ضحك التوأمان جيميني ساخرَين، وكأنهما يسخران من تشوي سوجونغ.
حين أمسكت لي هانا بيد تشوي سوجونغ، كانت الأخيرة تعض شفتيها بصمت عاجزة عن الرد.
“…هانا.”
“سوجونغ، أنا هنا، على قيد الحياة.”
ربّتت لي هانا على كتفها بلطف، وهي تحدّق بجيميني.
“أيعجبكما العبث بجراح الآخرين؟”
“من يدري؟”
“من يدري.”
“لكن الأهم من ذلك…”
“الأهم من ذلك!”
شعرت بالفزع حين التفتت أنظار جيميني نحوي. ما الذي سيقولانه هذه المرة؟
لكن، على خلاف ما توقعت، نطقا بكلمات غامضة:
“هل ستكونين بخير؟ فالعائد سيستهدفك.”
“ستكون بخير، لأن….”
“اللاعب والبطل إلى جانبها.”
“اللاعب والبطل إلى جانبها!”
“…ما الذي تقصدانه؟”
كلمة “اللاعب” كانت واضحة بالنسبة لي. من المؤكد أنه المحتال. أما “البطل”، فأظنني أفهم من هو المقصود.
لكن، “العائد”؟ من يكون هذا على ةجه الأرض؟
سألتُ ووجهي ممتعض، لكن جيميني لم يجيبا، واكتفيا بالضحك المتعالي.
“لا يمكننا قول المزيد.”
“لا يمكننا! إذن…”
“إلى اللقاء.”
“إلى اللقاء!”
ثم اختفيا فجأة كما يذرو الغبار في مهبّ الريح.
هؤلاء التوأمان البغيضان، لا يتغيران أبدًا.
منذ صفقتي مع الميزان الأسود، بدأ جيميني يظهران أمامي من حين لآخر، يرمون بكلمة غريبة، ثم يختفيان ببساطة.
وها هما بعد طول غياب، ينبشان جراح السينباي، ويتركان لي لغزًا آخر!
نظرتُ بحذر إلى ملامح سوجونغ وهانا.
“ذلك اللعينان…!”
“اهدئي.”
ضربت تشوي سوجونغ الحائط بغيظ، بينما أمسكت لي هانا بيدها بصمت.
ثم رفعت لي هانا عينيها نحوي.
“ناهيون، هل تعرفين جيميني؟”
“نعم. يظهران من حين لآخر، يقولان شيئًا غريبًا، ثم يختفيان.”
اقتربت مني تشوي سوجونغ بخطوات سريعة، وأمسكت بكتفيّ بقوة لدرجة شعرت فيها بالألم. لم أرَ وجهها مشوّهًا بهذا الشكل من قبل.
“…سينباي؟”
“اسمعيني جيدًا. إذا طلب منكِ جيميني صفقة، لا تجيبي. بل، لا تتورطي معهما إطلاقًا.”
“ن-نعم…!”
تنفست الصعداء أخيرًا حين سمعت إجابتي، وأرخَت قبضتها قليلًا.
“آه… سينباي، إنه يؤلم.”
“…أنا آسفة.”
ظلّ الصمت الثقيل يخيّم علينا.
لاحظ الأطفال في غرفة الانتظار أجواءنا المشحونة، وصاروا يتصرفون بحذر.
يا للموقف المحرج…
لننسَ الأمر مؤقتًا. الآن هو وقت التركيز على التصفيات.
حين بدأ غضب تشوي سوجونغ يهدأ، سُمِع صوت ينادي على مجموعتنا للدخول. جمعنا عتادنا بهدوء، ودخلنا أرض المعركة دون قلق.
فنحن، في نهاية المطاف، قد تمرّسنا تحت إشراف إغدراسيل القاسي.
من الممر المؤدي إلى الملعب، تعالى صوت الجماهير يعلو ليحيينا.
في الملعب، وقفت فرق متعددة، تنظر إلى بعضها البعض بتوتر. بعضهم كنا قد واجهناهم سابقًا في مبارزات، وبعضهم كان جديدًا تمامًا.
ثم…
“هاه! نا يوهان! سأرد لكَ إهانة المرة الماضية!”
يبدو أن ذلك الضخم، الذي لقّنه المحتال درسًا قاسيًا في اختبار إيجاد التخصصات، قد شارك هو الآخر.
رمقه المحتال بنظرة ساخرة، ثم رفع إصبعه الأوسط دون أن ينبس بكلمة. فاستشاط الضخم غضبًا.
يبدو أن المحتال قد استعاد جانبه الوقح من شخصيته. جيد، هذا مطمئن.
“استعدوا! سنبدأ الآن!”
صرخت شين باران وهي تجهز سهمًا على قوسها. بينما المحتال اكتفى بهز كتفيه وأمسك الراية بكلتا يديه.
<والآن، نبدأ العد التنازلي!>
حبس الجميع أنفاسهم. ونحن أيضًا لم نكن استثناءً.
<3!>
في المقدمة، كان دمدم ممسكًا بسيفين، متخذًا وضعية القتال.
<2!>
إلى جانبه، أشعلت نا يوري قبضتها بهدوء.
<1!>
ومن الجانب، تجمّعت طاقة سحرية باردة حول لي هانا.
<ابدأوا—!>
<بيييييييب—!>
بمجرد أن دوى صوت البداية، اجتاحتنا عاصفة من الطاقة السحرية.
“نياه-هاه-هات!”
الأسهم والتعاويذ التي أطلقتها الفرق الأخرى ارتدت وتفرّقت على الحاجز الهوائي الذي شكّلته تشوي سوجونغ.
“كما توقعت، قرروا إضعافنا أولًا.”
تمتم المحتال بصوت منخفض.
“من ناحية استراتيجية، هذا القرار منطقي.”
قالت نا يوري بلا مبالاة وهي تجدد اشتعال قبضتها.
وكما قالت، يبدو أن الفرق الأخرى رأت أن فرصتها في الفوز لن تكون ممكنة إلا إن تخلّصت منّا أولًا. لذلك، ومن دون تنسيق ظاهر، امتنعت تلك الفرق عن مهاجمة بعضها البعض.
<هل نحن أمام تحالف؟ يبدو أن الوضع لا يصب في صالح فريق إغدراسيل!>
لكن، تحالف؟ إنهم حتى لم يستطيعوا اختراق الحاجز!
كااانغ—! كاانغ—! كااانغ—!
انهمرت سهام بلا توقف نحو الحاجز، لكن أيا منها لم يخترقه. كانت تتبعثر وتُطرد بقوة الرياح دون جدوى.
“سأساعدكم~.”
“أشكركِ.”
في الوقت نفسه، أطلقت شين باران سهامها نحو الفرق الأخرى.
“آخ!”
“ما حالة الدرع؟”
“تعرّض لبعض الضرر!”
رغم أنها أطلقت سهامها بخفة وبهدف التشويش فقط، إلا أن ضررها لدرع أحد الفرق كان واضحًا.
تراجعت بعض الفرق، مركّزة على إعادة ترميم دروعها، بينما…
<في ظلّ هذا التوتر الشديد، يبدو أن درع الحماية ورمح اللهب من فريقنا قد بدآ بالتحرّك بشكل هجومي واضح!>
بدأت فرق أخرى في اتخاذ موقف هجومي كذلك.
“هيا!”
أحد الفرق اندفع نحونا، وأمطرنا بوابل من الهجمات الجادة.
رأى المحتال ذلك، وابتسم كأنه كان بانتظار هذه اللحظة، ثم أصدر أمر الهجوم.
“تحولوا إلى وضعية الهجوم! التشكيل (A)! سوجونغ سينباي، تولّي الدفاع! الفريق الأمامي، تقدّموا للهجوم! والبقية، اثبتوا في مواقعكم وساندونا بالهجمات!”
“حاضر!”
“لست بحاجة للقول، نحن نعرف!”
ثم بدأنا نحن أيضًا بالتحرّك الجاد.
التعليقات لهذا الفصل " 47"