4. كيف تتأقلمين مع بيئة جديدة (٧)
“لا!”
أنا من المؤمنات بأن اللطف المبالغ فيه يُسبب المتاعب إن قبلته، تلك قناعتي.
“إنها مجرد مكافأة على تقديمكِ شخصًا رائعًا اليوم. ألا يمكنني ذلك رغم هذا؟”
“بل أنا من قدّمت التعارف كرد جميل على مواساتَك لي سابقًا، فلا تشعر بأي عبء!”
بهذا أكون قد أوفيت دَيني بالكامل.
ورغم أن خيبة أمل خفيفة ارتسمت على وجهه، إلا أنه سرعان ما أومأ برأسه وقال إن علينا العودة إلى الأكاديمية.
“هاه؟ ماذا عنك؟ ألا تريد الشراء؟”
“أنا أستخدم أنواعًا متعددة من الأسلحة، لذا عادة ما أحتفظ بمجموعة متنوعة منها.”
آه، صحيح. إحدى مهارات دمدم عالية المستوى وتُتيح له استخدام مختلف أنواع الأسلحة ببراعة. حسنًا، هذا يعني أننا سنشتري سلاحي فقط.
لكن، عندما وصلنا إلى متجر الأسلحة داخل الأكاديمية، لم يكن دمدم قد استسلم بعد. إذ عاد لمحاولة الدفع مجددًا.
“سأدفع بهذه البطاقة—”
“توقف فورًا!”
وهكذا اندلعت مواجهة بيني وبينه داخل متجر الأسلحة، حيث كان يحاول دفع ثمن بندقيتي، بينما كنت أُقاومه بشراسة. وفي النهاية، حققت الانتصار.
“انتصرت!”
“……”
“لا داعي لرد الجميل، صدقني! فقط، اتفقنا على شيء واحد، إذا حصل أمر ما في المستقبل، تخبرني أولًا. ما رأيك؟”
“هذا ما كنتُ لأقوله لكِ أنا أصلًا.”
كنتُ أسير إلى جانب دمدم في شارعٍ تغمره أشعة الشفق.
“غدًا تبدأ فترة التسجيل في بطولة القتال أخيرًا.”
“حقًا؟”
“نحتاج إلى عضو إضافي ليكتمل العدد إلى سبعة، فهل سنتمكن من إيجاد أحدهم؟”
“بالتأكيد سننجح.”
دمدم كان يبتسم طوال الطريق.
أيعني له الأمر كثيرًا إلى هذا الحد؟ حسنًا، هذا هو الأهم. الهدية الأفضل هي ما يُفرح مَن يتلقاها، لا غير.
دون أن أشعر، ارتسمت ابتسامة بدوري على شفتي.
***
في اليوم التالي.
أخيرًا حلّت فترة التسجيل في بطولة القتال.
رغم أنني وصفتها سابقًا بأنها تشبه مهرجانًا رياضيًا في أكاديمية الحُماة، إلا أنها بالحقيقة أقرب إلى بطولة مخصصة للمتدربين الذين يطمحون ليكونوا صيادين.
إنها نشاط يُضاف إلى السيرة الذاتية وفرصة لتُظهر الأكاديمية طلابها كصائدين واعدين.
لذا، من يرغب في أن يكون باحثًا غالبًا لا يشارك. أما بالنسبة للبقية، فمعظمهم يشارك فيها بلا تردد.
لكن المشكلة في هذه الفعالية هي أنها تتطلب العمل الجماعي.
من يرغب في المشاركة يجب عليه أن يشكّل فريقًا مكوّنًا من 7 إلى 10 طلاب بنفسه، ثم يسجل الفريق.
لذا من المهم جدًا اختيار الفريق المناسب. ولهذا السبب يتعامل الطلاب مع بطولة القتال كما لو كانت مشروعًا جماعيًا.
“همم! تصادف أن عددكم سبعة تمامًا! انطلقوا يا أولاد!”
لكننا نحن لم يكن لدينا أي خيار.
كنتُ أُسجل مع زملائي من النادي، بالإضافة إلى شين باران، وأنا أفكر.
إيغدراسيل طاغية بحق!
رغم قولي هذا، فإن شين باران رامية سهام بارعة، لذا لم أكن منزعجة، بعكسها تمامًا، فقد ظلت تحدّق بي بنظرات حادة طوال الوقت.
وفي فترة التدريب الصباحي بعد التسجيل، نظرت إلى سلاحي المؤقت بسخرية وقالت:
“هذا هو السلاح الأفضل الذي وجدتِه؟ مجرد قطعة مكررة؟ كما توقعت، من تكون بجوار الآنسة يوري يجب أن تكون على مستواها—”
“—كفى.”
قاطعتها نا يوري بصوت منخفض، بارد وحازم.
“تحمّلتُ ما قلته حتى الآن لأن ناهيون قالت لي ألا أتدخل، لكن يبدو أن هذا غير ممكن بعد الآن.”
شعرت وكأن نارًا تشتعل في عيني نا يوري. هل غضبت؟
“آنسة شين باران، لا تُهيني صديقتي. ذلك يُهينك أنتِ أيضًا.”
أكملت نا يوري حديثها بصوت بارد لكنه مليء بالغضب الواضح:
“كما أنني لا أرى هذا سلوكًا جيدًا إطلاقًا.”
ويبدو أنها قررت أن تقول كل ما في قلبها دفعة واحدة.
“ثم، من تكونين لتحكمي إن كانت صديقتي مؤهلة أم لا؟ أنا من يختار أصدقائي، لا أنتِ. ولأكون صريحة، هذا مزعج.”
بدت شين باران في غاية الارتباك أمام نبرة نا يوري الحازمة والواضحة.
“أ-أنا فقط…”
ثم سرعان ما اغرورقت عيناها بالدموع.
“لأن من تكون بجوار الآنسة يوري يجب أن تكون شخصًا رائعًا مثلها…”
“ناهيون أروع مني، وأكثر لطفًا كذلك!”
تلقي مديح مباشر كهذا من أمامك يُشعرك بالخجل فعلًا. حاولتُ تهدئة احمرار وجنتيّ بظاهر كفي.
“أوه…!”
يبدو أن نا يوري، وهي الشخص الذي كانت باران تتطلع إليه دومًا، قد سببت لها صدمة شديدة حين أنكرت فكرتها تلك أمامها مباشرة.
كانت باران ترتجف بكامل جسدها وبدت وكأنها على وشك الانفجار بالبكاء.
أما نا يوري، فلم تُبدِ أي تعاطف وهي تحدّق بها بنظرة باردة.
…لا بأس، عليّ أن أتدخل قبل أن تتضرر روح الفريق.
“باران، هل كوني غير مؤهلة برأيكِ هو السبب في عدم رضاكِ عن صداقتي مع يوري؟”
“ن-نعم! بصدق، أنتِ كنت في الصف F، ولا تملكين أي ميزات تُذكر! فلماذا لا تُدرك الآنسة يوري مشاعري…”
السبب الوحيد الذي يمنع شين باران من أن تصبح صديقة لنا يوري، رغم كل محبتها لها، هو أنها لا تؤمن بأنها تستحق تلك الصداقة.
إنها لا ترى نفسها سوى تابع، لا يحق له أن يكون صديقًا.
وهذا، في الحقيقة، يرجع إلى البيئة التي نشأت فيها أيضًا…
قلت لها بهدوء.
“…حسناً، باران، إن لم يكن من الضروري وجود شروط أو مؤهلات كي يكون أحدهم صديقاً ليوري… فهل كنتِ سترغبين في أن تكوني صديقتها؟”
توقفت باران للحظة، ثم بعد صمتٍ قصير، أخفضت رأسها قليلاً وهمست.
“نعم… لكن، لا يمكن ذلك. شخص مثلي… لا يليق بي أن أكون مع الآنسة يوري…”
“هذا ما قالته، يوري.”
نظرتُ إلى جانبي، فوجدتُ نا يوري تمسك رأسها، ويبدو أنها بدأت تدرك السبب الحقيقي خلف تصرفات باران.
خطوتُ خطوةً إلى الوراء بصمت. هذا الأمر صار الآن بين الاثنتين، وعليهما حله سويًا.
“آنسة باران.”
“ن… نعم!”
“أنا لا أريد أن أضع شروطًا أو مقاييس لتكوين صداقات.”
تنهدت نا يوري ببطء، ثم تابعت.
“لذا، إن كنتِ ترغبين في أن نصبح صديقتين، فيمكننا ذلك من هذه اللحظة.”
“أنا… مع الآنسة يوري…؟”
“نعم. بكل صدق! آنسة شين باران، أنتِ حمقاء فعلاً.”
قالت نا يوري هذا وهي تقف بثبات، تضع يديها على خصرها بثقة تامة. مهيبة، جميلة، وكانت تمامًا كما هي… نا يوري.
“هيا قوليها بنفسك. قولي أنكِ تريدين أن نكون صديقتين!”
وبعد لحظة من الصمت، بدأت الدموع تنهمر من عيني شين باران.
ماذا؟ لماذا تبكين؟ لا تبكي، يا فتاة.
راحت باران تبكي بصمت، ثم بصعوبة شديدة نطقت بالكلمات.
“كوني صديقتي… يوري…”
ابتسمت نا يوري ابتسامة مشرقة وقالت.
“بالطبع. ولكن… أولاً، أعطني رقمكِ.”
يبدو أن الأمور قد هدأت أخيرًا.
“هيهي، تبادلي الرقم معي أيضًا.”
تدخلتُ بنية تعارف خفيف. العلاقات الجيدة دائمًا موضع ترحيب.
عندها فقط، وكأنها انتبهت لوجودي، نظرت إليّ باران وراحت تعبث بأطراف أصابعها.
خداها المحمرّان بسبب البكاء… أو ربما الخجل… كانت تمسحهما بخفّة بظهر يدها.
وبصوتٍ خافت كهمسة بعوضة، قالت.
“أنا… آسفة…”
كنت أعلم أنها ستعتذر.
كنت أعرف منذ البداية أنها فتاة تعرف كيف تعتذر كما ينبغي.
“لا بأس. فقط لا تكرري ذلك، أليس كذلك، يوري؟”
“أنتِ طيبة أكثر مما ينبغي، ناهيون…”
تنهدت نا يوري، لكنها قبلت موقفي.
ومنذ اليوم التالي، توقفت مشاحنات شين باران تمامًا.
وبدلاً من ذلك، أصبحت مشاهد حديثها مع نا يوري أكثر شيوعًا.
“رجاءً… لا تناديني بـاحترام! فقط قولي ‘أنتِ’!”
“ح، حسنًا!”
كلاهما كان سيئًا نوعًا ما في التعامل مع الناس، لكن بدا أنهما بدأتا تتأقلمان مع بعضهما البعض تدريجيًا.
كما أن المسافة بين باران وبقية أعضاء الفريق بدأت بالتقلص بشكل ملحوظ. هل يعني هذا أن العمل الجماعي خلال البطولة لن يواجه مشاكل تُذكر؟
يا لها من راحة. نظرت إليهم وأنا أبتسم.
آه، وبالطبع، هذا أمر جيد أيضًا لنا يوري. فقد حصلت على صديقة جديدة.
وبهذا، تم حل المشكلة، وعادت الأيام لتسير بانسجام وتدريبٍ مشترك بين الجميع.
حتى أننا بدأنا نخوض مبارزات ودّية مع فرق الصف A استعدادًا للبطولة… وكنا نفوز في كل مرة.
“…هل يعني هذا أننا فزنا بالفعل؟”
حين قلت ذلك، أومأ الجميع برؤوسهم موافقين، لكن في تلك اللحظة…
“الغرور هو العدو! التدريب مضاعف اليوم!”
سمعنا صوت إيغدراسيل تصرخ من بعيد، فتمّت مضاعفة كمية التدريب لذلك اليوم.
ومنذ ذلك الحين، قررت أن أصمت.
التعليقات لهذا الفصل " 45"