3. كيفية الاستعداد للامتحان (٩)
“نعم، لم يكن هناك ما يقلق!”
“… حسنًا.”
تراجعت لي هانا بهدوء بعد أن استمعت إلى إجابتي.
لكن تعابير وجهها التي ما زالت متجمدة أثارت قلقي. لم يكن هناك داعٍ لأن تقلق إلى هذا الحد.
بدا لي أنها أكثر دفئًا من الظاهر، على غير ما توقعت.
بينما كنا واقفتين أنا وهي، وكان دمدم واقفًا بجوارنا يسمع حديثنا، بدا وكأنه يفكر بشيء، ثم قال لي:
“كانغ ناهيون، غدًا، لو حصل…”
“هم؟”
“… لا، سأحدثكِ بالأمر لاحقًا.”
ما هذا؟ لماذا بدأ بالكلام ثم تراجع؟
رفعت يدي أحكّ مكان العضّة وافكر في حديثي مع بارك يورا في اليوم السابق.
هل الجميع قلق بسببها؟ هل هي شخص خطير فعلًا إلى هذا الحد؟
رغم الشعور الغريب الذي راودني، تجاهلت قلق أعضاء النادي.
فأنا قد اتخذت قراري بالقيام بتبادل عادل معها منذ البداية.
دون أن أعلم ما الذي سيحدث في اليوم التالي.
***
في اليوم التالي،
قضيت وقت الغداء كعادتي، ثم اتجهت بهدوء إلى المختبر.
لم ألاحظ أن أحدهم كان يتعقبني.
“أتيتِ اليوم أيضًا! أنا سعيدة جدًا!”
استقبلتني بارك يورا وهي أكثر حماسًا من البارحة.
“أجل، فالأمر لا يزعجني أصلًا.”
أجبتها بهدوء. كان عليّ أن أتصرف كأن لا شيء يثير شكوكي، كي أستطيع الحصول منها على كل ما أريده.
“لكن، إذا غفوتُ اليوم، أيقظيني، حسنًا؟”
“نعم، حاضر!”
أجابتني مبتسمة وهي تسبقني بخفة.
جلستُ مجددًا على الكرسي ذاته الذي جلستُ عليه بالأمس.
وكما في اليوم السابق، انتهت إجراءات جمع الدماء والطاقة السحرية،
وقبل أن يتلاشى وعيي بالكامل، كما توقعت—
بوووم—!
طار باب المختبر بقوة.
“ما هذا؟! من الذي يفسد وقتي السعيد؟!”
…ما الذي يجري؟
بذلت جهدًا كبيرًا لأدير رأسي تجاه الباب.
لكن بارك يورا كانت قد ألقت عليّ تعويذة لتبطئ حركتي، فلم تكن أطرافي تستجيب بسهولة.
ومن بين جفوني شبه المغلقة، رأيت لي هانا تقف هناك.
“يبدو أنكِ لا تجيدين استخدام مهارات عنصر الجليد يا بارك يورا.”
قالتها وهي تقترب، مشكلةً رمحًا جليديًا بين يديها.
“أدلة اللعنة التي تركتِها في كل مكان خير دليل على ذلك.”
“ما الذي تفعلينه هنا؟ هذا مختبر! الدخول لغير المصرح به ممنوع!”
“جئتُ لأوقف تجارب العالِمة المجنونة.”
نظرت إليّ لي هانا. لم يبدُ على وجهها تعبير يختلف عن برودها المعتاد، لكني لمحتُ قلقًا خفيفًا في عينيها.
“…. ولأُنقذ الضحية.”
ربما أدركت بارك يورا أنها كُشفت، فسرعان ما أظهرت وجهها الحقيقي، ولوّحت بعصاها بسخط.
اندفعت طاقة نارية حمراء تدور حولها بعنف.
“لا تجرؤي على أخذ ناهيون مني!”
“… لن أسمح بذلك.”
فجأة، ظهرت عشرات الرماح الجليدية في الهواء موجهة نحو بارك يورا.
كانت مهارة هجومية من نوع الجليد، تميزت بها لي هانا.
في المقابل، اجتاحت العاصفة النارية المكان، مشتعلة داخل المختبر بأكمله.
في اللحظة التي انطلقت فيها الرماح الجليدية نحو مركز العاصفة، انفجرت تلك العاصفة لتبتلع كل ما حولها.
وكانت تلك اللحظة، التي رأيت فيها اصطدام العاصفة النارية بالرماح الجليدية، هي آخر ما رأيته قبل أن أسقط في الظلام، غائبة عن الوعي.
.
.
.
شعرتُ بيدٍ تداعب خدي بلطف.
ذكّرني ذلك بلمسات معلمتي في دار الأيتام عندما كنت صغيرة، فألصقت وجهي بيدها دون وعي.
سمعت ضحكة خفيفة… هل هي سعيدة؟
“… هل استيقظتِ؟”
رأيت من خلال بصري المشوش شعرًا فضيًا طويلًا، وعينين بلون الجليد.
“… أين أنا…؟”
ثم أدركتُ أنني كنت أستلقي على ساقَي لي هانا.
“… هااه؟”
بينما كنتُ أحاول ببطء تشغيل عقلي المشوش، ابتسمت لي هانا وقالت:
“في المختبر.”
أدرت رأسي لأنظر حولي.
المختبر؟! هذا الخراب؟ هل من المفترض أن يكون ركامًا الآن؟
“همممم! هممم!”
وفي الزاوية، كانت بارك يورا تئنّ وتتلوى، فمها مكمم، وجسدها مربوط بالحبال.
يبدو أن المعركة انتهت بانتصار لي هانا.
رفعت جسدي بهدوء عن فخذَيها، وبدأت أشعر بأن النعاس قد زال قليلًا.
“سينباي، ما الذي حصل بالضبط….؟”
“…. هممم.”
أظهرت لي هانا ملامح حيرة قصيرة، ثم شكّلت يدًا من الجليد، ونزعت بها الشريط اللاصق عن فم بارك يورا.
وما إن نزعت الشريط، حتى صرخت بارك يورا بأعلى صوتها:
“ناهيووون! لقد فهمتِ كل شيء خطأ!”
…أنتِ فعلًا لا تُطاقين.
تجاهلت لي هانا بارك يورا تمامًا، ثم التفتت إليّ وقالت:
“لقد ألقتْ عليك تعويذة. لا أعلم السبب تحديدًا، لكن…”
“…تعويذة؟”
تظاهرت بالارتباك.
“ليست تعويذة خطيرة، لكنها من النوع الذي يبطئ حركة الشخص.”
تعويذات الإبطاء تنتمي عادة إلى خصائص الجليد.
“وأنا، لديّ حساسية نوعًا ما تجاه طاقة الجليد… لذلك شعرت بأنّ شيئًا ما ليس على ما يرام معكِ.”
إذن، هذا سبب قلقها عليّ وقت الغداء.
“فقط! لقد جعلتها تنام قليلًا، مجرد غفوة صغيرة، هذا كل شيء!”
احتجّت بارك يورا وهي تتلوى.
“ولماذا جعلتني أنام؟”
“لـ… لأنّ المانا تكون في أهدأ حالاتها أثناء النوم…”
لكن لي هانا قطعت حديثها بحدّة:
“المانا تكون مستقرة أيضًا حين يكون الذهن هادئًا. ولا أعتقد أن ناهيون كانت في حالة توتر تستدعي ذلك. ما السبب الحقيقي إذن؟”
“……”
ترددت بارك يورا، ويبدو أن قول الحقيقة يستلزم منها الاعتراف بأنها هجينة، وهو أمر يصعب عليها الإفصاح عنه وهي لا تزال تُعامَل على أنها بشرية.
…لنساعدها.
فتحت فمي بحذر.
“هل يصعب عليكِ قول السبب؟”
“…نعم.”
“إذن، دعيني أطرح سؤالًا واحدًا فقط. هل كنتِ تنوين إيذائي؟”
“لا! أبدًا! أنا فقط… أحببتكِ كثيرًا، هذا كل ما في الأمر.”
يا إلهي، هذا تصريح يمكن أن يُساء فهمه بسهولة.
ويبدو أن لي هانا بالفعل فهمت الأمر على نحو خاطئ، فقد صوبت رمحًا جليديًا نحو بارك يورا بوجه خالٍ من التعابير:
“مهما بلغ حبكِ لشخص ما، لا يجوز لكِ محاولة السيطرة عليه كما يحلو لك.”
“أنا آسفة! لكن…!”
“…هل تبررين نفسك الآن؟”
“أنا آسفة!”
يا لها من فوضى. لم أتمالك نفسي من الضحك.
“لا بأس، سينباي.”
جلست القرفصاء بجانب بارك يورا التي ما زالت مقيّدة.
“طالما أنّكِ لم تقصدي إيذائي، فهذا يكفيني.”
لكن بما أن الأمور وصلت إلى هذا الحد، فمن الأفضل قطع الطريق على احتمال تكرار مثل هذا الموقف.
“مع ذلك، أرجو ألا تكرري هذا مجددًا، مفهوم؟”
“نعم…!”
نظرت إليّ بارك يورا بعينين دامعتين.
هي ليست فتاة شريرة بطبعها، بل فقط… تميل أحيانًا إلى فقدان الاتزان.
وفوق هذا، بما أنها أصبحت مَدينة لي، فقد أتمكن من الاستعانة بها لاحقًا إن احتجت إلى المساعدة.
“سينباي، أعتقد أنه بإمكانكِ فكّ وثاقها الآن.”
“…حسنًا، إن كنتِ ترين ذلك.”
رغم أنها لم تبدُ مقتنعة تمامًا، إلا أن لي هانا لوّحت برمحها الجليدي وقطعت الحبال دون اعتراض.
“أمم… بدلا من ذلك، هل يمكن أن أطلب منكِ ترتيب الوضع هنا؟”
قلتُ ذلك لبارك يورا وأنا أشعر بالإحراج، فأومأت برأسها موافقة.
تنفست الصعداء، ثم سحبت يد لي هانا وغادرنا ما تبقى من المختبر.
كح كح.
وفجأة، سعلت لي هانا بشدة وتقيأت دمًا.
دمها كان يغمر الجزء الأمامي من قميصها، وما إن رأيت ذلك المشهد، حتى تلبدت ملامحي بقلق شديد.
لا يعقل… هل تفعّلت اللعنة بسبب المعركة العنيفة؟
أسرعت إلى دعم جسدها المرتجف.
“سينباي، ما الذي يحدث؟ هل أصبتِ بجراح خطيرة؟”
“لا، فقط… الأمر بسبب اللعنة.”
“يجب أن نذهب إلى المستشفى!”
“لا داعي لذلك… الأمر ليس بذلك السوء.”
فكرت في لعنة النار التي تصيب لي هانا.
تلك اللعنة تُشعل ألمًا يشبه الاحتراق في جسد من يحملها.
والطريقة الوحيدة لكبحها هي استخدام مانا من خصائص الماء أو الجليد، أو الاستعانة بقطعة أثرية لها علاقة بهذين العنصرين.
وبما أن بارك يورا تملك مانا من خاصية النار — التي تُعد العدو الطبيعي للجليد — فلا بد أن لي هانا اضطرت لاستخدام طاقتها الجليدية بأقصى طاقتها خلال المعركة، مما دفعها لاستهلاك الطاقة التي كانت تكبح بها لعنة النار أيضًا.
بعبارة أخرى، هذه الحالة… بسببي.
ربما رأت لي هانا القلق الواضح على وجهي، فقررت أن تشرح لي.
“…بسبب بعض الظروف، علقت بي لعنة نارية.”
“هل هناك طريقة للتخلص منها؟”
“إن استخدمتِ أدوات تحتوي على طاقة الماء أو الجليد، فستساعدني.”
عند سماع ذلك، فتحت قائمة الأدوات في حقيبتي فورًا.
كان هناك سوار بخاصية الجليد، وزينة ذيل الثعلب التي كنت أحتفظ بها بعناية.
زينة الذيل، من منظور موضوعي، أندر وأثمن بكثير، إذ تملك خاصية مقاومة شاملة لجميع أنواع الحالات السلبية.
ولو أردت تقليل الخسائر، لاخترت السوار فقط.
لكن… لم أستطع أن أنسى تعليمات معلمتي: “ردّي الجميل بصدق دائمًا”.
أنا متأكدة أنها لو سمعت ما فعلته، ستقول لي إنني أحسنت.
حين فكرت بذلك، وجدت نفسي أبتسم دون قصد.
دون تردد، أخرجت زينة ذيل الثعلب وقدمتها إلى لي هانا.
“سينباي، خذي هذه.”
“هذه…”
“ألا تذكرين؟ إنها الزينة التي تطرد كل الشرور.”
ابتسمت ابتسامة عريضة، فقد راقني كيف اتسعت عينا لي هانا بدهشة.
“اكتشفت مؤخرًا أنها حتى دون استخدامها، بمجرد الاحتفاظ بها، فهي تلغي جميع الحالات السلبية. لذا ستكون فعالة حتى مع لعنتك.”
وضعتها في يدها برفق.
“سأقدّمها لكِ.”
وما إن أمسكَت بها، حتى هدأ سعالها تدريجيًا.
نظرت لي هانا إلى صدرها وهي تضغط عليه بيديها، ثم ارتسمت على وجهها ملامح مذهولة.
كما لو أنها شهدت معجزة لم تكن تتخيل حدوثها.
التعليقات لهذا الفصل " 34"