الفصل الخاص 22 – كيفية قراءة المستقبل: المسار’أ’ (2)
كان نا يوهان يحب كانغ ناهيون.
وذلك لم يتبدل قط، منذ اللحظة الأولى التي أضمر فيها هذا الشعور وحتى الآن.
‘أحبكِ، ناهيون.’
بهذا الاعتراف، نال إذناً.
كان مجرد وصول مشاعره إليها كافياً ليُسعده، لكنه فوق ذلك نال الإذن.
إذن أجاز له أن يقترب منها كما يشاء.
وهكذا، بعد طول مماطلة، وقف أخيراً عند نقطة البداية الحقيقية.
“ناهيون.”
“نعم؟”
“أيمكنكِ أن تخبريني بما تحبينه حقاً؟”
لم يُرد أن يُخطئ الفهم مرة أخرى.
لم يُرد أن يُلقي عبءَ قلبه عليها وحسب.
ولو أن كانغ ناهيون أحبّت غيره، لكان ودّعها باكياً، لكنه كان ليتنحى.
إلا أنه ما دام في الأمر فرصة، فإنه لن يستسلم.
“ما أحبّه؟”
“نعم. سأجتهد ما استطعت. فقط أخبريني.”
لم يكن يريد أن يترك المجال لليأس.
فالبشر، وإن علموا أن لا أمل، ما زالوا يتمنون، ويشتهون.
وكذلك كان هو.
كان نا يوهان كائناً ضئيلاً في نظر نفسه، ومع ذلك، لكونه يَشتهي، كان يرفع كفّيه مترجّياً الأمنيات كما لو كان يناجي نجوماً في السماء.
“شكراً لكِ.”
ما دام في الأمر بصيص،
وما دامت كانغ ناهيون لم تتراجع عن كلماتها التي وهبته ابتسامتها ذات يوم، فإنه سيمضي.
” ناهيون، غداً… هل لديكِ وقت فراغ؟”
كان يعلم ضعفه، ويعلم عجزه عن التصرّف بمهارة.
يعرف أنه حين يحاول أن يبدو وسيماً يفشل، وأنه لا يكفّ عن لوم نفسه، ومع ذلك… لم يُرِد أن يتركها.
“حسناً.”
كلمة قبول سقطت أمامه كنجمة شهاب، حلوة المذاق، لا يعرف لذّتها إلا هو.
‘إذن… عليّ أن أعد لهذا اليوم على أكمل وجه…!’
نظر نا يوهان بطرف عينه إلى كانغ ناهيون الجالسة إلى جواره، وجدد عزيمته.
كم أعدّ لهذا اليوم؟
خططٌ وضعها في قلق، ثم هدمها وأعادها مرات، حتى استقرت أخيراً قبل أيام قليلة.
‘أولاً نذهب إلى السينما، ثم إلى معرض التبادل بين الأعراق، ثم العشاء في مطعم حجزته مسبقاً… وفي طريق العودة، أُجدّد اعترافي…’
ذلك كان عماد خطته الكبيرة. أن يقود الموعد بكمالٍ وجاذبية، ثم يُفصح من جديد عن حبه، لعلها تلتفت إلى قلبه.
لم يظن لحظة أنه سيقبل، لكنه كان على يقين أن تكرار الاعتراف قد يحرك ساكناً في قلبها،
وكان مستعداً لتكراره مراراً وتكرار، ومراتٍ لا تحصى.
مهما خانته الكلمات أمامها، ومهما بدا مرتبكاً، إلا أن عزمه كان صادقاً.
‘سأجعل هذا يوماً مثاليا!’
وكأن القدر صدّق عزيمته، إذ جرى الموعد بانسياب…
على الأقل، حتى خرجا من قاعة السينما وقصدا معرض التبادل.
***
كان الفيلم كوميديا رومانسية بنكهة الفانتازيا.
امرأة تملك القدرة على قراءة أفكار الآخرين، تلتقي رجلاً يصعب قراءة قلبه.
نزاعات خفيفة، وسوء فهم عابر، ثم نهاية سعيدة تُتوَّج بكتابة الأسماء على الشاشة السوداء.
في صمت القاعة، أحسستُ بنظراته تراقبني من طرف عينه.
كنت أعلم أنه طوال الفيلم كان يختلس النظر إليّ، متابعاً ردود أفعالي.
“كان ممتعاً.”
قلت ذلك، متظاهرة بالانشغال بمجرّد إبداء رأي.
لكن ما إن نطقت حتى أشرقت ملامحه، فبدَا كطفلٍ يضيء وجهه من السرور.
“عجيب… أن تنشأ سوء التفاهم حتى مع القدرة على قراءة العقول. لعل المغزى أن الحوار هو الأهم؟”
“همم… نعم. إن لم يتحدثا، فلن يعرف أحدهما ما في نفس الآخر.”
“ربما….”
عادت إليّ ذكرى تلك الأيام التي رأيتها بمنظوره، حين كنت أرى كل أفكاره ومشاعره.
كنت أشبه ببطلة الفيلم.
ومع ذلك، ظل هناك ما أجهله.
كم هو غامض هذا الكائن الذي ندعوه إنساناً؟
“قد يكون كذلك.”
تذكرت أنني لم أعُد أملك منفذاً إلى وجدانه إلا بالكلمات.
منذ أن أُغلق ذلك الباب، صرتُ لا أعرف قلب نا يوهان إلا بما يقوله.
“قلت إن بجانبنا معرض التبادل للأعراق؟ ماذا فيه؟”
“بحثت عنه! هو معرض للتعرف أكثر على ثقافات الأعراق المختلفة…”
نعم… كلام تشوي سوجونغ كان صائباً. فالجواب عن الألغاز لا يملكه أحد سواه.
ثم ناولني كتيباً صغيراً.
“ها هو، خريطة الأكشاك.”
“شكراً.”
قيل إن عرق الوحوش الهجينة هم الأكثر عدداً. وبالفعل، كانت أجنحتهم هي الغالبة.
“كثيرة أجنحة ذوي أصل الوحوش.”
“حتى بين إخوتكِ من دار الأيتام، هناك كثير من الهجناء، أليس كذلك؟”
“بلى. لكننا لم نتعمق في ثقافتهم، لأن أغلبهم نشأ في بيئة بشرية…”
كنت قد حاولت البحث في هذا من قبل، لكن قبل فتح البرج، كان من العسير الحصول على أي معلومات عن ثقافات تلك الأعراق.
فالمجتمع آنذاك كان يرى الاندماج مع البشر أليق من المحافظة على عاداتهم القديمة.
“يصنعون تعاويذ من الريش أيضاً…”
وحتى ضمن العرق الواحد، تختلف العادات بحسب الحيوان الذي ينحدرون منه، فيُفتح بذلك باب واسع من التفاصيل المتنوعة.
بينما كان نا يوهان يتصفح الكتيّب بصوت مسموع، تمتم قائلاً.
“المستذئبون يشبهون، في العموم، الحيوانات التي ينحدرون منها في طباعهم، لكن مع اختلافات فردية… هكذا مكتوب هنا.”
“حتى إخوتي، وهم من نفس السلالة الهجينة، لكل واحد منهم ذوق مختلف. إنهم يشتركون بسمات عامة، لكن التفاصيل تختلف. تماما كما أن الإنسان مخلوق آكل لكل شيء، ومع ذلك قد يكون أحدهم عاجزاً عن أكل المأكولات البحرية، أو آخر يتحسس من المكسّرات. الأمر قريب من ذلك.”
“أفهم… كأن يوجد إنسان يفضّل السهر ليلاً والنوم نهار، بينما طبيعته معاكسة تماماً؟”
“بل أعرف مستذئباً يفترض أنه ليليَّ الطبع، لكنه كان يعشق النوم ليلاً! عكس طبيعته كليًّا!”
“عكس البشر.”
“لقد عانيت كثيراً بسببه. كنت أتساءل: لماذا يظل متعباً رغم أنه ينام جيداً؟ وأقضي الوقت في التفكير.”
تمتمت متذكرة معاناتي في الماضي، فابتسم نا يوهان بصمت..
“ما الأمر؟ أتجد معاناتي مسلية؟”
“لا، ليس هذا… فقط شعرت أن حديثك عن إخوتك دائماً يجعلك مشرقة، وكأنك تجدين فيهم سعادتكِ.”
“أنا… أبدو هكذا؟”
“نعم، أنت تضحكين كلما ذكرتهم.”
ترددت لحظة، أتأمل كلامه، فسمعته يهمس بخجل.
“فقط… يعجبني أنك تبتسمين. أحب هذا فيكِ…”
“….”
صمتُّ هنيهة. وما لبثت أن رأيت وجهه يحمرّ حتى أذنيه، يشيح عني النظر كأنه باح بسرّ جلل.
تشبّثت بيده التي حاول سحبها خجلاً، وأجبت بهدوء.
“وأنا أيضاً… حين تبتسم، يعجبني ذلك. بل أجده لطيفا.”
“أنا… لطيف…؟”
رد نا يوهان مدهوشا كأنه سمع شئا غير متوقع.
“لطيف…”
“أليس ذاك كشك الأقزام؟ لنذهب ونتفقده.”
صرفت الموضوع متغاضية عن ارتباكه.
في كشك الأقزام كان معروضًا الكثير من الأدوات والأسلحة.
هل لأنهم قوم يعتمدون على الحِرف؟
نا يوهان استعاد رباطة جأشه أخيرًا، فتنحنح وبدأ يشرح.
“يقولون إن كشك العرض أعدّه الحرفيون من الأقزام معًا. تجدين فيه أسلحة وأدوات تقليدية الصنع، إلى جانب منتجات جديدة معروضة.”
“منتجات جديدة؟”
“نعم، إنها نماذج تجريبية بتقنية حديثة. هل ترغبين في إلقاء نظرة؟”
“طبعًا، قد نجد شيئًا مفيدًا.”
كان في البرج بيئات متنوّعة للغاية، وغالبًا ما تتبدل بشكل كبير كلما تجاوزنا طابقًا.
لهذا كان من الضروري تجهيز معدات تناسب هذه البيئات المختلفة.
“صناعة الأسلحة عالية المستوى لا تزال في الغالب بالطرق التقليدية… الحدادة اليدوية، أليس كذلك؟ ضرب المعدن يدويًا لتشكيله.”
“نعم. وهنا مكتوب أنهم يحاولون مؤخرًا إدخال العمل الآلي. وقد نجحوا حتى الآن في صناعة أسلحة من رتبة F، والهدف لاحقًا هو الإنتاج الأعلى.”
لم نكن نعرف التفاصيل الدقيقة كثيرًا، لأننا عادة ما نترك الأسلحة المتقدمة لميكيل.
“سيكون رائعًا لو نجح الأمر وصارت الأسعار أرخص.”
كنتُ أذكر كيف كانت الأسعار تقفز بشكل جنوني كلما ارتفع مستوى السلاح قليلًا… وما زالت ذكرى الصدمة التي أصابتني بعد استيقاظي ورؤية أسعار الأدوات والأسلحة محفورة في ذاكرتي.
وربما لأنه لاحظ اهتمامي، قال نا يوهان.
“هناك كشك يجرون فيه عرضًا تجريبيًا للصناعة الآلية. هل نذهب؟”
“جيد، أريد أن أرى إن كانت تستحق الاستخدام فعلًا.”
فسرنا دون أي تفكير عميق نحو الكشك…
“مرحبًا بكم!”
… حينها ظهر بلاءٌ فجأة.
“مرّ وقت طويل! جئتما لتجربة الكشك؟”
أصحح، لم يكن بلاءً، بل كانت كيم كانغ ها.
مع أنني لم أكن أشعر بفرق كبير بينها وبين البلاء أصلًا، فهي دائمًا ما تجرّ لنا المصائب.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات