2. كيفية إدارة العلاقات (١٠)
بعد أن انتهى كل شيء في غرفة المكافآت، خرجنا من الباب الحقيقي الذي كان خلف المذبح.
وكان مخرج البوابة متصلاً مباشرةً بخارج البوابة الرئيسية، بشكل مدهش.
عندما خرجنا، كانت الشمس قد بدأت بالكاد تطل بشعاعها.
لا بأس، لا بد أن أعود إلى السكن وأنام ولو لساعات قليلة. تذكّرت حينها كلمات المعلمة وهي تؤكد مرارًا وتكرارًا على أهمية النوم، فقررت الالتزام بها.
“وهكذا انتهى استكشافنا لهذا اليوم~.”
“أحسنتِ، نراكِ في المرة القادمة.”
حين ودّعنا المحتال ببرود وكأن شيئًا لم يكن، سخرت منه سوجونغ بابتسامة جانبية.
“أظن أنكَ محوتَ من ذاكرتك ما فعلته منذ قليل، عندما تعمدتَ استفزازي، صحيح؟ هل تظنّ أنك ستخرج من هنا سالمًا؟”
قالت سوجونغ وهي تبتسم ابتسامة هادئة، ثم بدأت تركز الهواء من حولها:
“أستطيع قتلكَ في هذه اللحظة، تعلم؟”
لكن المحتال ابتسم بلا مبالاة وقال:
“أنا أعلم أنكِ لن تقتليني. قبل كل شيء، لا يزال لدي أمر آخر يجب التفاوض عليه معكِ.”
ثم اقترب من سوجونغ وهمس بشيء في أذنها.
فجأة، تجمد وجه سوجونغ.
ما الذي همس لها به؟
“إلى أي حدٍّ وصلتْ معرفتُك؟”
“أعرف أكثر مما تتخيلين، سوجونغ.”
أخذت أتصنّت بصمت، متظاهرةً بالاضطراب، لكن دون جدوى. يبدو أن الحديث بدأ يأخذ منحًى خطيرًا، فاستعمل المحتال أداة سحرية لعزل الصوت تمامًا. تبًّا له، دقيقٌ في كل شيء.
تنهدتُ في داخلي. يبدو أن الموضوع لا يمت لي بصلة، لذا لن يظهر حتى في مقطعي الخاص من الرواية.
وبعد فترة قصيرة، عندما بدا أن الحديث قد شارف على الانتهاء، نزع المحتال الأداة السحرية. ثم توجها نحوي معًا.
“هل تقبلين الصفقة؟”
“…نعم.”
نظرت سوجونغ إلى المحتال نظرة حادة، ثم ابتسمت ابتسامة عريضة.
“لم أتشرف بلقائك، ولنلتزم بعدم رؤية بعضنا مجددًا~.”
“سأقوم بتقديم تقرير البوابة. إلى اللقاء.”
“نعم انقلع.”
وهكذا انتهى الحديث بين سوجونغ والمحتال بطريقة… ودّية؟
بعد أن أنهت سوجونغ الحديث معه، طارت إليّ بخفة.
“آه، سوجونغ-سينباي! هل يمكنني مناداتك كما كنت أفعل سابقًا في المدرسة؟”
“ناديني كما يحلو لكِ~.”
“نعم!”
“وبالمناسبة، أعطني رقمكِ.”
“حاضر!”
فوجئتُ. سوجونغ لا تبدو من النوع الذي يُكوِّن صداقات بسهولة، ولا تتواصل كثيرًا مع الآخرين.
لكن بما أنني لن أخسر شيئًا، سارعت بتبادل الأرقام معها.
لكن أثناء ذلك، لاحظت أن عدد جهات الاتصال المحفوظة في جهاز سوجونغ لا يزال أكبر من الذي في جهاز يوري… مما جعلني أشعر بشيء من الحزن. يوري، أيتها المسكينة…
بعد أن أنهينا مغامرة تسلل مشوقة للعودة خلسة إلى سكن الصف F برفقة المحتال، ارتميتُ على السرير.
كان يومًا مرهقًا للغاية، وما إن ألقيتُ بجسدي حتى شعرت بالنعاس يغمرني فورًا.
أغمضتُ عيني.
***
غرفة مظلمة، وامرأة مخفية خلف ستار أحمر تبتسم وهي تخفض غليونها.
“أتجرئين على الادعاء بأنكِ ستحلين أكبر عقدة في حياتي، أيتها الصغيرة؟”
“نعم. يمكنني تمييز ‘جيميني’.”
كان ذلك حوارًا في غرفة مظلمة.
حينها، كنتُ يائسة بحق.
فتشبثتُ بذاكرتي من الحياة السابقة، رغم أنها كانت مشوشة، وألتمستُ العون من ‘الميزان الأسود’. طلبت منها عقد صفقة.
“وما شرطكِ؟”
“أن تمنحي جميع الأطفال في دار الأيتام التي أعيش فيها، ومعلمتي هناك، جنسيات رسمية، وتنقليهم إلى منطقة آمنة.”
كنتُ قد عقدت العزم: إن لم أنجح، فليكن موتي هناك.
لحسن الحظ، ربحتُ المقامرة.
“تبقّى القليل، قولي أمنية إضافية.”
“إذن—”
كانت تلك اللحظة، أهم نقطة تحول في حياتي.
“رجائي أن لا يتورط أي طفل أو المعلمة في دار الأيتام التي أعيش فيها، بأي شكل من الأشكال، مع المنظمات الإجرامية.”
كانت تلك اللحظات القليلة هي الأساس الذي أُقيمت عليه حياتي.
“موافقة. لكنكِ ستكونين الاستثناء. الأرواح القادمة من العوالم الأخرى تجلب المشاكل دوماً.”
ذلك التحذير المزعج لا يزال يلتصق بذاكرتي، يأبى أن يزول.
***
رنّ المنبه.
“…آه.”
ربما لأنني استحضرت الماضي بينما كنت أقتل الوحوش في البوابة، فقد رأيت كابوسًا مجددًا.
الصفقة التي عقدتها مع “الميزان الأسود”.
كانت ضرورة لا مفر منها، لأضمن سلامة عائلتي في دار الأيتام.
وبفضلها، تمكنا من الانتقال إلى مكان آمن، لذا لست نادمة.
لكن المشكلة أن هذه الذكرى تجرّ خلفها ذكريات مزعجة كثيرة، كالخيوط المتشابكة، لذا أفضّل أن لا أستحضرها.
وكل ذلك بسبب المحتال. شتمته مجددًا في قلبي.
هيا نبدأ الاستعداد للمدرسة.
ذهبتُ إلى المدرسة صباحًا، وأنا في مزاجٍ مكتئب من البداية، لأجدها غارقة في الفوضى.
ويبدو أنني وصلت متأخرة بعض الشيء بعد أن حاولت النوم أكثر من المعتاد، وفي ذلك الوقت، انتشرت شائعة عني وعن البوابة التي دخلناها معًا، أنا والمحتال.
كلما مشيت في الممرات، سمعت الهمسات من حولي.
” تلك الفتاة؟”
“تبدو غبية نوعًا ما.”
“يقولون إنها مستيقظة مدعومة من الحكومة، من الفئة F.”
“حظها جيد.”
أسمعكم جميعًا، أيها الوقحون.
يبدو أن خبر البوابة الثابتة التي استكشفناها قد انتشر بالفعل.
لكن لا بأس. فحتى لو ذهب الطلاب الآخرون إلى هناك الآن، فلن يجدوا سوى سهل مقفر.
لقد نفّذنا مجزرة حقيقية البارحة. وعندما تذكرت ما عانيته هناك قبل ساعات فقط، أحسست بآلام عضلية لا يُفترض أن تكون موجودة.
سارعتُ خطواتي نحو الصف F.
وما إن فتحت الباب، حتى استقبلني هتافٌ مدوٍّ.
“أمل المستيقظين المدعومين من الحكومة!”
“إحدى التوأم النوابغ في صف F!”
“ناهيون، شريكتكَ وصلت!”
طلاب الصف F بدَا وكأنهم أكثر حماسًا منّي، وبدأوا يفردون سجادة حمراء وهمية أمامي.
“يا رفاق…؟”
“هل تشعرين بالعطش، ناهيون؟”
“أتحبين أن نحملكِ؟ ناهيون؟”
“أخبِرينا، ناهيون! نريد التفاصيل!”
“تفاصيل ماذا…؟ ما من شيء أحكيه.”
يا إلهي…
هززتُ رأسي يمينًا ويسارًا بينما كنت أحاول تهدئة حرارة وجهي المشتعل بلا سبب، ثم ذهبتُ لأجلس مترددةً إلى جانب المحتال.
كان قد وصل قبلي، ويبدو وكأنه استمتع كفاية بصيحات المديح من بقية الطلاب، إذ كان يبتسم ابتسامة سخيفة.
هل يعجبكَ الوضع؟ ابتسامتك لا تكاد تختفي عن وجهك. كم أنت مزعج.
“قدّمتُ بلاغًا عن البوابة.”
“أوه، فهمت…”
“أصلاً الخروج ليلًا يُعد مخالفة تُحتسب نقاطًا سلبية، لكن هذه المرة تمّ التغاضي عنه نظرا لإنجازنا في البوابة.”
“يا للحظ!…”
تنفّست الصعداء وأنا أعبر عن امتناني.
“أحسنت، يوهان!”
“آه، وهناك شيء بخصوص تقاسم عوائد البوابة—”
في تلك اللحظة، انفتح باب الفصل فجأةً بقوة، محدثًا صوتًا مدوّيًا.
مهلًا، أليس هذا المشهد مألوفًا نوعًا ما؟
“نا يوهان! أيها الوغد الحقير! اخرج فورًا!”
“يوري؟”
“ها أنا هنا.”
رفع المحتال يده ولوّح بخفة. اقتربت يوري منا بخطوات غاضبة.
“ما الأمر؟ هل أبهرتكِ مهاراتي الخفية التي كنت أخفيها طوال هذا الوقت— أُغ!”
وفجأة، تلقّى لكمةً مباشرة في معدته.
طَار المحتال في الهواء مثل الشرير في أفلام الأكشن حين يتلقى الضربة الأخيرة من البطل، في مشهد بدا غير واقعي إطلاقًا.
“كيف تجرؤ على اصطحاب ناهيون في منتصف الليل إلى بوابة؟! عنوة؟!”
“لا، لم يكن الأمر بالإجبار—”
“اصمت!”
داسَت يوري على معدته مجددًا بكعب حذائها. أحسنتِ يا يوري!
كنت أود أن أتناول الفشار بينما أستمتع بمشهد الضرب، لكن للأسف، أنا بطلة بريئة تشع كأشعة الشمس، فلا مجال لذلك.
“أوه، يوري…”
ناديتُها بحذر، فتركت المحتال على الأرض واقتربت مني بسرعة، وأمسكت وجهي بكلتا يديها وراحت تتفحصني بسرعة وقلق.
“هل أصبتِ بأذى؟ هل لمسَك ذلك المنحرف؟ آه، لو كنت أعلم، لجعلتك تنامين في مسكني!”
“لم أتعرّض لأي أذى. يوهان كان لطيفًا، وبالمناسبة، النوم في مساكن الآخرين يُعد مخالفة، أليس كذلك؟ على كلٍ…”
تظاهرتُ بأنني كلب صغير مذنب قبل أن تُوبخني، وانخفضت نبرتي عمدًا.
“أنا آسفة لأنني لم أخبركِ مسبقًا. كنت قد عقدت اتفاقًا مع يوهان قبل أن أعدكِ.”
“لا، المخطئ هو من خدعك.”
ثم احتضنتني يوري بقوة.
ويبدو أنها تعلمت كيف تضبط قوتها، فحضنها كان دافئًا ومريحًا.
ولأنها كانت دومًا تقلق عليّ بصدق وتغمرني بلطفها، لم أتمالك نفسي وشعرت أن قلبي يلين قليلًا.
“بالمناسبة، قلتِ إنكما عقدتما اتفاقًا؟ هل كانت الوثيقة تُشعّ ببريق ذهبي خفيف؟”
“نعم! كيف عرفتِ؟ كانت جميلة جدًا!”
“…كما توقعت.”
العقود التي تُبرم باستخدام المهارات عادةً ما تُشعّ بذلك البريق الذهبي. من المؤكد أن يوري استنتجت أن المحتال استعمل عقدًا خاصًا وخدعني به.
ثم تقدّمت بخطى حازمة نحو المحتال الذي كان لا يزال ملقى على الأرض، ودست مجددًا على معدته.
“أُغ!”
“لم تتغير قيد أنملة…”
نظرات يوري وهي تحدق به كانت كأنها تنظر إلى نفاية غير قابلة للإصلاح.
لكن على الأقل لم تستخدم مهارتها كما كانت تفعل سابقًا. ربما هذه علامة على تحسّن العلاقة بينهما؟
“ظننت للحظة أنكَ تغيرت قليلًا… لكنك لا تزال تستغل الآخرين لمصالحك. يوهان، أنت كما أنت دومًا. ناهيون! لا تقترب منها!”
…ربما لا؟
خفت أن تذهب يوري بعيدًا وتقرر عزلي تمامًا عن المحتال، فقررت الدفاع عنه قليلًا.
“لا، يوري. يوهان لم يفعل شيئًا سوى اقتراح دخول البوابة. وكان من الممكن أن تصبح خطيرة لو تُرِكتْ، لذا وافقت على التعاون معه.”
“لكن…”
نظرت يوري إليّ بوجه يملؤه القلق، وكأنها توشك على إعطائي محاضرة. لكن حين رنّ الجرس، أشارت نحو المحتال وأوصتني بإصرار أن لا أتحدث معه إطلاقًا، ثم عادت إلى صفها.
عندها فقط جلس المحتال في مكانه مجددًا، وهو ينفض الغبار عن زيّه المدرسي الممزق. آثار حذاء يوري لا تزال مرسومة على قميصه.
وبما أن معلمة الصف تتأخر عادةً خمس دقائق بعد الجرس، لا يزال لدينا بعض الوقت.
“كح… على كل حال، بشأن تقاسم عوائد البوابة—”
“هل هذا هو الفصل الذي يوجد به نجوم صفنا الفخورين؟”
لا، لم يكن الوقت مناسبًا.
دخلت المعلمة بخطوات حماسية مدوّية، ويبدو أنها كانت في قمة السعادة.
ثم بدأت تسهب في شرح مدى صعوبة أن ينجح طالب جديد في إتمام بوابة، مؤكدة كلامها مرارًا، وطلبت موافقة الجميع طوال الوقت.
وفي النهاية، ومع إنتهاء خطاب المعلمة حتى آخر كلمة، بدا أن طاقة يوهان قد استنزفت تمامًا، فتمتم وهو يترنّح:
“…دعينا نكمل حديثنا لاحقًا.”
“أظن أن هذا هو الأفضل…”
ضحكت بخفة، وأنا أخفي احمرار وجنتيّ وسط سيل المديح الواضح من معلمتنا.
لكن لا بأس… لم يكن شعورًا سيئًا أبدًا.
التعليقات لهذا الفصل " 20"