2. كيفية إدارة العلاقات (٩)
كان الموقف الذي نمر به حاليًا أشبه ما يكون برقصة فالس فوق زرّ غضب تشوي سوجونغ.
وما إن سَمِعتْ عبارة “كما توقعت”، حتى جمعت تشوي سوجونغ ريحًا هائجة بين كفيها، ونظراتها باردة كالثلج.
“كنت أظن أنكَ على دراية بظروفي، أليس كذلك، زميلي الصغير؟ ألستَ قادرًا على استخدام عقلك قليلًا؟”
رغم ردّة فعلها الحادّة، ابتسم المحتال بثقة وقال:
“أعلم كل شيء. نسبك، وماضيك. ولهذا السبب تحديدًا جلبتكِ إلى هذه البوابة.”
يا له من سلوك يستجلب العداء كالإعصار.
من الواضح أن هذا الأحمق المحتال قد فقد صوابه تمامًا من تأثير الدوبامين الناتج عن القمار. أو لعلّه يمتلك تسعةً وتسعين روحًا، ويتوق لتجربة الموت ولو لمرة!
لكن لماذا عليّ أن أنجرّ معه إلى هذا الجنون؟! لماذا أنا؟!
“آه، إذًا هل يمكنني اعتبار هذا إعلانًا لرغبتكَ في الموت هنا؟”
“م-مهلًا لحظة!”
كدت أبكي من اليأس لشعوري بأنني مضطرة للتدخل في هذا الموقف المتوتر. أرجوكِ، يا معلمتي، أنقذيني. أيها الأطفال، ساعدوني!
“أليس من الأفضل أن نتوقف عن الشجار الآن ونخرج أولًا لنُعيد ترتيب صفوفنا؟”
ابتسم المحتال ابتسامة خفيفة عند كلامي. لماذا تبتسم؟ هذا لا يُبشّر بخير…
“لا يمكننا الخروج. هذا من طبيعة الحدث.”
اشتدت الريح المتجمّعة في يدي تشوي جونغ أكثر فأكثر.
يا محتال، ألم أقل لك ألا تصبّ الزيت على النار؟ هل كان لا بدّ من قول هذا الآن؟
“لو قتلتِني الآن، فستلقين أنتِ وكانغ ناهيون المصير ذاته وتموتان معي هنا.”
“ماذا؟!”
ما الذي يقوله الآن؟!
“هذا هو معبد الوحوش. المكان الذي يزوره سكان البرج من نسل الوحوش ليخوضوا تجاربهم.”
أردف المحتال كلامه وهو يبتسم:
“بطبيعة الحال، مستوى صعوبة التجربة هنا ليس شيئًا يمكننا تجاوزه دون تخطيط. لكنني، على عكسيكما، أعلم كيفية اجتيازها.”
ذلك التبجّح المثير للاشمئزاز في ابتسامته، كان بوضوح ابتسامة المنتصر الذي يحكم زمام المفاوضة.
“ولديكِ سبب يجعلكِ مضطرة إلى النجاة، أليس كذلك، سينباي؟”
ولكن، لِمَ يتضمّن تفاوضك حياتي أيضًا أيها الوغد! ألم تقل إن الأمر غير خطير؟
أيها المنافق! لن أصدقك مجددًا!
تشوي سوجونغ حدّقت فيه بنظرات حادّة مليئة بالعداء، لكنها ما لبثت أن خفّفت قبضتها وانحلّت الريح التي كانت تجمعها ببطء.
رغم أنها لا تزال تحدّق به كما لو كانت ستقتله، إلا أنني شعرت بأنها على الأقل، لن تقتله الآن.
مبروك، أيها المحتال. لقد نجحتَ في رهاناتك. تبًّا لك، أيها البطل الملعون.
“… حسنًا، وماذا علينا أن نفعل إذن؟”
سألتُ بخوف ظاهر، وأنا أرتدي قناع الفتاة البريئة.
لا أظن أن هناك ما يدعو للقلق… ما دام هو واثقًا من معرفته بطريقة اجتياز هذه الزنزانة السرية.
فقد كان، كما أعلم، مدمنًا يعرف تفاصيل هذه اللعبة كما يعرف كف يده، فلا بد أنه أثار هذا الحدث الخفي عن سابق تخطيط.
ابتسم المحتال وقال:
“علينا اجتياز المتاهة.”
ثم صفق براحتيه بخفة وجلس القرفصاء في مكانه.
“سأبدأ بالشرح أولًا. اجلسا، سينباي.”
وأشار إليّ أيضًا. يبدو أنه يدعوني للجلوس كذلك.
فجلسنا، أنا وتشوي سوجونغ، قبالة المحتال، الذي أخرج قطعة طبشور وبدأ يكتب على الأرض الحجرية:
“متاهة”، “فِخاخ”، “رموز”، “رؤية بعيدة المدى”.
“أترون ذلك الباب هناك؟”
نظرنا إلى الباب الذي أشار إليه. كان بابًا حجريًا مستطيلًا، بلا مصراع، مفتوحًا على مصراعيه.
“بمجرد أن ندخله، تبدأ المتاهة. ولا خيار بعد ذلك سوى أمرين: إما الموت، أو الخروج أحياء.”
رفع المحتال كتفيه بلامبالاة وهو يقول ذلك.
“ولا يمكن الخروج من ذلك الباب مجددًا.”
هل هذا وقت الضحك، أيها الأحمق؟!
“على كل حال… داخل المتاهة توجد فخاخ كثيرة. وبالقرب من كل فخ، توجد رموز بلغة سكان الوحوش. تلك الرموز تحتوي على تلميحات لتفادي الفخ.”
وأشار إلى نفسه بثقة.
“وأنا أستطيع قراءة تلك الرموز.”
كما هو متوقع… مدمن ألعاب حقيقي.
“يعني… يمكننا تفادي كل الفخاخ؟”
“بالتأكيد. إذا اجتزنا المتاهة بتفادي الفخاخ فقط، فسنصل إلى المخرج.”
“ولِمَ نحتاج إلى قدرة الرؤية بعيدة المدى؟”
“لأن تلك الرموز مكتوبة في أماكن لا يمكن قراءتها إلا من قِبل سكان الوحوش. إما مرتفعة جدًا لدرجة أنكِ تحتاجين للطيران لتريها، أو صغيرة للغاية. لذا، لرؤيتها بدقة، لا غنى عن الرؤية الخارقة.”
“فهمت… سأبذل جهدي.”
“ممتاز. سأستخدم مهارة مشاركة الرؤية التي حصلت عليها بعد أن ارتفع مستوياي، وسأتشارك رؤيتكِ، كانغ نا هيون، لأراقب الوضع من خلالها.”
“حسنًا!”
“بذلك نكون قد انتهينا من الشرح.”
تمطّى المخادع قليلًا وقال:
“تحسّبًا لأي شيء، دعونا نتحقّق من معداتنا قبل أن ننطلق.”
“حسنًا.”
“أجل!”
بعد أن استلمتُ منه عدة جرعات علاجية وراجعت ما أحمله، تسلّلت بخفة نحو تشوي سوجونغ التي كانت لا تزال عابسة الوجه.
عبوسهل لم يكن قد زال بعد.
“آ- آنسة تشوي…”
“… ماذا؟”
“ممم… كيف يجب أن أناديكِ من الآن فصاعدًا؟ أو بالأحرى، هل يمكنني أن أسألك عن ذلك…؟”
“ناديني كما تشائين، أو قولي ‘سينباي’. لا أبالي بهذه الأمور الصغيرة.”
“إذن، سأسميكِ سينباي…”
أشعر أن ذلك أكثر احترامًا…
ارتديتُ قناع الفتاة الخجولة، الحساسة، التي جرفتها الظروف مع هذا المحتال رغم إرادتها.
“حسنًا.”
“آه، أ- أليس ما فعله يوهان هذه المرة… شيئًا سيئًا؟”
“بمقاييسي؟ نعم، يمكن القول ذلك.”
“إذًا، لاحقًا، سأوبّخه بدلًا عنكِ! وسأجعل يوري يوبّخه معي أيضًا!”
نظرتُ إلى المخادع نظرة جانبية، ثم اقتربت من تشوي سوجونغ وهمست وكأنني أفشي لها سرًا مهمًا.
“هذا سر… لكن، اتفقنا أنا ويوهان أن يوري هي التي ستوبّخه إن فعل شيئًا سيئًا.”
كانت يداي تعبثان ببعضهما، وأنا أتمتم بتردد. ثم أغمضت عينيّ بقوة، وهمست بصوت صغير:
“لذا… لا تقلقي كثيرًا…!”
وعندها—
“هاه.”
ضحكت تشوي سوجونغ.
“هاهاهاها!”
ضحكتْ بكل ما أوتيت من روح، ثم ردّت عليّ بنظرة أكثر إشراقًا، وقد خفّت كآبتها.
مدّت يدها برفق وجذبت خدّي بلطف.
“هل كنتِ تقلقين عليّ؟ شكرًا لك.”
يا…
“لكن، بالمناسبة… حين تعاقب يوري هذا الوغد، ستسمحين لي بالمشاركة، أليس كذلك؟”
“…نعم!”
لكنّي أشعر أن هذه “المشاركة” قد تنتهي فعليًا بقتلٍ حقيقي، على يد هذه الأخت الكبيرة الغاضبة.
ورغم أن خديّ كانا لا يزالان بين أصابعها، لم أتمالك نفسي من الابتسام لرؤية تعابير وجه تشوي سوجونغ المبتسمة.
لقد نجونا أخيرًا من أجواء الجحيم المتوترة! أجل، خديّ يؤلمان قليلًا، لكن هذا ثمن بسيط يمكن التضحية به بكل رضا!
“ناعم ولطيف~.”
لكن، متى ستترك خديّ يا تُرى، معلمتي العزيزة؟
ظلّت تعبث بخديّ لفترة لا بأس بها، ولم تتركهما إلا عندما عاد المحتال وقد أنهى تحضيراته. خديّ كان لا يزال مخدّرًا.
لكن بفضل تضحيتي النبيلة، تبدّلت أجواء الفريق بشكلٍ دراماتيكي إلى الأفضل.
وحين أمسك كلٌّ منا بسلاحه، تقدمنا بخطى متوترة نحو الباب الحجري.
وما إن دخلنا المتاهة، حتى أُغلق الباب خلفنا بصوت رخيم: “كوووررر…”
“أوه لاااا، لم يعُد هناك طريق للخروج، لا خيار أمامنا إلا أن نجد المخرج!”
“فلنذهب.”
“هيّا بنا!”
وحين فعّل المحتال مهارة مشاركة الرؤية، بدأت عيناه تتوهجان بحمرةٍ أشدّ، وشعرت بشيءٍ خافتٍ يربطني به كما لو كان خيطًا رفيعًا من الطاقة.
…شعور مزعج بحق.
“في الممر التالي، إلى اليمين.”
“ثم اليسار.”
“ثم تقدموا للأمام مباشرة.”
سرنا بصمت وفقًا لتعليماته، نغيّر الاتجاه كلما أمر.
وكان يحدث أحيانًا أن نصل إلى طريقٍ مسدود، لكن كل مرة كنا نجد في تلك الزوايا كنوزًا صغيرة. مما يعني أن ذلك المحتال كان يتعمّد سلوك تلك الطرق عمدًا.
لكن بما أننا – عند الاتفاق معه – تعهّدنا بأن تكون جميع الكنوز التي نحصل عليها داخل هذا الدهليز من نصيبه أولًا… فالأمر لا يعدو كونه حلمًا بعيدًا. آه، إنه لأمر محبط فعلًا.
على أية حال، ومع مضي الوقت بانسيابية نوعًا ما، بدأت تشوي سوجونغ تطفو مجددًا في الهواء وتسير بهدوءٍ من فوقنا.
الاختلاف الوحيد هذه المرة، أنها بدأت تقترب منّي كثيرًا وتحاول لمسي بلا سبب. كانت تطوق عنقي من الخلف، أو تفرك رأسها برأسي فجأة…
…لماذا تفعل هذا؟!
على أيّة حال، يبدو أنها بدأت ترتاح لي… وهذا أمر جيّد! فكلما ارتفعت نسبة القبول مع الشخصيات الرئيسية، كان أفضل!
وبعد سيرٍ طويل، لاح أمامنا باب حجري يشبه تمامًا الباب الذي دخلنا منه في البداية.
الاختلاف الوحيد؟ أن هذا الباب مفتوح.
“إنه المخرج!”
“أخيرًا وصلنا~!”
تقدمنا بخطى سريعة نحو الباب.
وما إن خرجنا، حتى رأينا غرفة المكافآت في معبد الوحش كما ورد وصفها في الرواية الأصلية.
في وسط مذبحٍ مزيّن بعظام الوحوش، كانت هناك مفتاح ضخم مصنوع من العظم يطفو في الهواء.
ذلك المفتاح… أظنه أحد العناصر الرئيسية في حبكة الرواية الأصلية.
“سينباي من فضلكِ، أمسكي المفتاح.”
“هاه؟ أنا؟”
“نعم، لا بدّ أن تمسكيه أنتِ.”
تشوي سوجونغ بدت غير مرتاحة، لكنها في النهاية تقدمت نحو المذبح وأمسكت بالمفتاح، كما طلب المحتال.
حينها بدأ المفتاح يشعّ بضوء خافت، وظهرت على سطحه رموز غريبة – نفس تلك الرموز التي رأيناها داخل المتاهة، رموز يستخدمها جنس الوحوش.
نظرتُ إلى الجانب، فوجدت المحتال يبتسم ابتسامة خبيثة.
…يا له من وغد! وجهه يبدو تمامًا كما ينبغي أن يبدو أي محتال !
وفجأة، نظرت تشوي سوجونغ إلى المفتاح بنفور، ثم رمته بكل قوتها نحو المحتال. وبالطبع، لم يتمكن من الإمساك به.
وفي النهاية، أنا من انحنى لالتقاط المفتاح، بدلًا من هذا الذكر عديم المهارات.
التعليقات لهذا الفصل " 19"