تركتُ يدي تُفلت من على النموذج الأوّلي للإسفين الذي كنتُ قد غرزته في صدر بارك سي وو.
كان ذلك النموذج الذي يشبه لولبًا معدنيًا قد انغرس بعمق في صدره، لكن المدهش أنه لم ينزف ولو قطرة دم واحدة.
“آه…!”
قبض بارك سي وو على صدره متألمًا، لكن النموذج الأوّلي اختفى من بين يديه كما لو كان مجرد طيفٍ زائل.
“آه، أَه…!”
رغم اختفاء النموذج، فقد استمر وجهه في الالتواء من الألم الشديد.
أسندتُ جسده المتهاوي وأنا أضغط على أسناني بتوتر.
هل حدث خطأ ما؟
إن كان الأمر كذلك، فعليّ أن أبتعد عن بارك سي وو، فقد يعود أوراكل ليسيطر عليه في أي لحظة.
ولكن…
“لا تذهبي…”
يده الأخرى أمسكت بي بقوة، وكانت نظراته متوسلة بشكل لم يسمح لي من الابتعاد.
ضمّني إليه وكأنّه يبحث عن الأمان، وكانت أنفاسه تخرج بشكل متقطع، لكنها بدأت تدريجيًا تستقر.
“…هاه…”.
“هل أصبحت بخير؟”
سألته بهدوء، فأومأ برأسه.
كان لا يزال بارك سي وو، لم يتحول إلى أوراكل بعد.
النموذج الأوّلي لا يستمر مفعوله أكثر من عشر دقائق، وربما بضع دقائق إضافية، لذا لم أكن أعلم إلى متى سيصمد، لكن على الأقل، الآن هو حر.
“الصوت الذي في رأسي… اختفى.”
“نعم. ذلك الصوت على الأرجح… هو صوت أوراكل.”
“أوراكل؟”
“الأمر طويلٌ بعض الشيء… لكن هل يمكنك أن تحضر لي المعلمة إغدراسيل؟ تأثير الأداة التي استخدمتها عليك لن يستمر طويلًا، ولا وقت لدي لشرح كل شيء الآن.”
رفعتُ بصري إليه، متسائلة إن كان سيوافق على هذا الطلب المفاجئ.
بدت على وجهه علامات التعجب، لكنه سرعان ما أجاب بهدوء.
“حسنًا.”
“حقًا؟”
“لأنكِ طلبتِ ذلك.”
كانت إجابته مملوءة بالثقة المطلقة.
شعرتُ في تلك اللحظة بأنّي لا أعرف كيف أتصرف…
كلما شعرتُ بذلك الإيمان الراسخ منه، ازدادت حرارة وجنتيّ توترًا.
“سأنتظركِ دائمًا.”
همس لي، وهو يقترب من أذني بنبرة هادئة، ثم تركني أخيرًا.
“سأعود.”
وهكذا، اختفى بارك سي وو من الزقاق.
أسندتُ ظهري إلى الجدار، ويدي تمسح وجنتي الساخنة.
لماذا أُركّز على أمور كهذه؟
أجل… منذ لحظة اعترافه لي بحبه، لم أعد كما كنت.
“اهدئي.”
الوقت ليس مناسبًا للحب.
أخذتُ نفسًا عميقًا وأنا أنظر إلى ساعتي بقلق.
الوقت يمرّ…
من المفترض أن بارك سي وو قد خرج أثناء التمارين المسائية، لذا فلن يصعب عليه الوصول إلى إغدراسيل التي كانت تشرف على الصف الخاص بنا بعد الدوام.
وإن لم يجدها… فهناك تشوي سوجونغ، يمكننا التواصل معها.
نعم، لا بأس.
طمأنتُ نفسي بذلك.
لم يطل الانتظار كثيرًا.
“– إذن، تلميذتي المشاكسة تبحث عني؟”
وصلت إغدراسيل إلى الزقاق بخطوات واثقة.
كانت تحدّق بي بنظراتها المعتادة، تلك التي تطلقها عندما أُخفي عنها أمرًا ما، خاصة ما يتعلّق بالألم. ابتسمتُ بخفة لأكسر التوتر.
“مرحبًا، معلمة إغدراسيل.”
“ما الأمر؟ هل جئتِ تطلبين المفتاح؟ هل ستقاتلين؟”
“أعرف أنني لن أستطيع الفوز عليكِ.”
هززت رأسي نفيًا.
ما زلت بعيدة عن مستواها… خاصة في ظل عدم قدرتي على استخدام قوة نظام الميتا بدون نقاط.
لذا، لا خيار لي سوى إقناعها.
“أريد فقط أن تستمعي لشيء ما.”
“حسنًا. سأستمع.”
أهي ثقة الأقوياء؟ وقفت إغدراسيل وذراعاها متشابكتان، تحدّق بي، بينما لم تُعد قوسها إلى مخزونها.
…إن فشلت في إقناعها، فستقوم بإلقاء القبض علي فورًا.
ابتلعت ريقي وبدأت الحديث عن أوراكل، وعن الكارثة، وعن الدورات الزمنية.
“– إذن، فـالوايلد هانترز يجمعون المفاتيح لمنع تشوّه الأجناس الأخرى الناتج عن الكارثة.”
“همم…”
في البداية كانت تستمع بفتور، لكن مع تقدّم حديثي، بدأ وجهها يعكس جديّة ملحوظة.
وحين رأيتُها تفك ذراعيها وتضع يدها على ذقنها، أدركت أنني قطعت نصف الطريق نحو إقناعها.
لكن، إن بقي لديها شك…
“وكيف سأصدق ما تقولينه؟”
“ميزان الحقيقة.”
كنت أملك ورقتي الرابحة.
حين نطقتُ بذلك، اتسعت عينا إغدراسيل قليلًا.
“أعرف موقع زنزانة ثابتة يوجد فيها الميزان. سأكرر كلامي هناك.”
“ميزان الحقيقة… اسم لم أسمعه منذ زمن.”
بما أنها من فريق المنقذ القديم، فلا بد أنها تعرف شكله وتأثيره.
أخرجتُ من المخزون عملة الحقيقة.
“لقد أعددتُ حتى العملة مسبقًا. فقط تعالي معي.”
“وإن كان هذا كله فخًا؟”
أملت رأسي، متعجبة.
“هل يهمكِ؟”
قلتُها متعمدة وبأسلوب مبالغ فيه.
“شخص بقوتك يمكنه القضاء علينا جميعًا حتى لو كان فخًا… أليس كذلك؟”
“هاهاهاها!!”
ضحكت إغدراسيل بصوت عالٍ.
“معكِ حق!”
كانت تبدو… سعيدة.
“حسنًا. لا بأس إن دلّلتُ تلميذتي العزيزة مرة.”
“إذًا… ستأتين؟”
“نعم.”
ابتسمتُ براحة، لكن في اللحظة التي تقدّمت فيها إغدراسيل لتمسك بيدي…
“ابتعدي!”
“…..!”
كـااانغ—!!
ضربة سيفٍ مضيئة بلونٍ أزرق فجّرت الأرض من تحتنا.
في لحظة، تحوّلت أرضية الزقاق إلى كومة أنقاض.
شهقتُ وأنا أحدّق بتلك الضربة المألوفة.
“آه… يا للأسف.”
انتهى مفعول النموذج الأوّلي.
أوراكل، وقد عاد ليستحوذ على جسد بارك سي وو، وقف في مدخل الزقاق… يبتسم ابتسامة وديعة.
“يشرفني أن ألتقي بكِ مباشرةً للمرة الأولى، السيدة إغدراسيل. لعلكِ سمعتي عني من قبل… يُطلق عليّ لقب أوراكل.”
“أجل، أوراكل. وما غرضك من الاستيلاء على جسد تلميذي؟”
“الأمر أن… تلك الخائنة يبدو وكأنها تخطط لشيء ما، لذا جئت على عجل لتحذيركِ. لا تصدقي كلمةً مما تقول.”
ضحكته المتصنعة لم تكن تشبه بارك سي وو في شيء.
تلك الابتسامة وحدها كانت كفيلة بأن تجعل إغدراسيل تشعر بالريبة أكثر فأكثر.
“أرى… لكن تصرفك هذا واستغلالك لجسد تلميذي يزيد شكوكي بكَ لا يزيلها.”
“همم… وهل تنوين إذًا الذهاب معها؟”
“أجل، أريد التأكد من الحقيقة بعينيّ.”
عند سماع جواب إغدراسيل، مال أوراكل برأسه بشكل غريب وقال.
“لا خيار أمامي إذن.”
ثم رفع سيف الغسق الأزرق.
“لا يمكنني السماح بفقدان مفتاح الإلف، لذا يجب أن أتقبل خسارة قوة مثل إغدراسيل هنا.”
ذلك المفتاح ليس لك لتستعمله…
أخذ الغيظ يتصاعد داخلي لا إراديًا.
“هاه، أتريد القتال إذًا؟”
“…معلمة إغدراسيل.”
لكن مواجهته بشكل مباشر لم يكن قرارًا صائبًا.
‘لقد سبق وأن تلبّس جسد باحث عادي وقتل المحارب المخضرم إرينتوس الذي كان من طليعة فيلق المنقذ… لا تشتبكي معه مباشرة. خاصة إن كان متلبسًا بجسد ذي مواصفات عالية.’
إغدراسيل ليست أضعف من إرينتوس بالطبع، ولكن لا مجال للمجازفة.
فـأوراكل الآن يستخدم جسد بارك سي وو، وهو شخص ذو قدرات عالية كمستيقظ.
استعدت تحذير بارك يولهان وأمسكت بذراع إغدراسيل.
“علينا الانسحاب. إنه يستخدم جسد بارك سي وو الآن، وإن واصلنا المواجهة فقد يُقتل. لو انسحبنا، سيضطر للتخلي عن الجسد.”
“…تسك.”
رغم امتعاضها، لم تعارض إغدراسيل كلامي.
وفجأة، انطلقت ضربة مشرقة زرقاء مجددًا نحو إغدراسيل.
“ذلك الوغد…!”
أمسكتني إغدراسيل من مؤخرة عنقي وسحبتني مبتعدةً بسرعة فائقة.
كان أوراكل يهاجم بسرعة لا تكاد تُرى حتى لعيني.
…في ظروف كهذه، إغدراسيل وحدها قد تستطيع القتال، لكن وجودي يعرقلها، ناهيك عن أن خصمها يستخدم جسد تلميذها.
فجأة!
“بوووم!”
ركّزت إغدراسيل المانا في قدمها وركلت سيف أوراكل بكل قوتها.
ثم أخرجت سيفها من غمده بسرعة.
ما دمت معها، فلن تستطيع استخدام القوس…
“كـانغ! كـانغ!”
رغم أنها مقاتلة بالسيف هذه المرة، إلا أن حركات إغدراسيل كانت متقنة بمهارة مدهشة.
حقًا… هكذا تبدو الأسطورة التي تُدعى “الصيّادة الأسطورية”.
أوراكل، رغم امتلاكه لجسد بارك سي وو واستخدامه سيفين بكلتا يديه، لم يتمكن من التفوق عليها وهي تهاجمه بسيف واحد فقط.
“انطلقي!”
قالتها، ثم رمتني إلى الأعلى بكل سهولة، وانطلقت خلفي مباشرة، ثم هاجمت أوراكل بسيفها بقوة هائلة.
“كاااانغ!”
اصطدم سيفاهما بقوة، وتناثرت الشرارات.
صوت اصطدامهما كان أشبه بانفجار كاد يُحطم الأسلحة.
تمكّن أوراكل بالكاد من صد ضربة إغدراسيل، وبدت على وجهه ملامح الألم.
ثم فجأة، وجه نظره إليّ.
وبسرعة خارقة، ظهر خنجر في يده.
ما إن أدركت ذلك حتى ضغطت على زناد سلاحي فورًا.
…كان مؤلمًا أن أطلق النار على جسد بارك سي وو، لكن لم يكن هناك خيار.
في الوقت ذاته، رمى أوراكل خنجره نحوي.
لكنني كنت ما أزال معلقة في الهواء، غير قادرة على تفاديه.
رأيت الخنجر يقترب نحوي بسرعة مخيفة، فأغمضت عيني…
تناثر الدم.
لكن لم يكن دمي.
كانت إغدراسيل قد أمسكت بي وهبطت وهي مصابة بخدش في ذراعها.
“همم، هذا مقلق حقًا.”
“يصعب القتال بوجودي، أليس كذلك؟”
كان ذلك واضحًا.
رؤية إغدراسيل تنزف جعلني أقرر الانسحاب فورًا.
“هل يمكننا الإنسحاب الآن؟”
“بكل سرور إن كان ذلك ممكنًا!”
ردّت بحماس ثم أمسكتني من مؤخرة عنقي مجددًا وانطلقت قافزةً.
انهمرت هجمة أخرى من أوراكل على المكان الذي كنا فيه للتو.
في أثناء قفزنا، علّقت السوار الذي جلبته مسبقًا على معصم إغدراسيل وصرخت.
“نبدأ الانتقال الآن!”
“الآن؟!”
“إلى أين…؟!”
لم يكن أوراكل قد أنهى سؤاله بعد، حتى بدأت أجسادنا تختفي تدريجيًا…
“كوووووم!”
ضربة أخرى انطلقت نحونا، لكنها مرت خلالنا، دون أن تؤثر بشيء.
وحين فتحت عيني مجددًا…
كنا قد وصلنا إلى المقر الأبيض النقي للوايلد هنترز.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 180"