تجاهل بارك سي وو الطنين المتصاعد في رأسه، وانتشل كانغ ناهيون من وسط عاصفة الماء، منقلاً إياها إلى منطقة أكثر هدوءاً.
ناداها عدة مرّات، لكن بدا أنها فقدت الوعي.
اقتلها! اقتلها حالاً!
ما زالت الأصوات تتصاعد في رأسه، وباتت أكثر عدوانية. شعر للحظة أن الأمر قد خرج عن السيطرة.
وفوق ذلك، بدأت الوحوش تحيط بهما من كل جانب.
لحسن الحظ، كان بحوزته أحد الأدوات التي أعطاها له نا يوهان مسبقاً.
ما إن استخدمها، حتى تشكّل حولهما مجالٌ على هيئة فقاعة صابونية، كمنطقة آمنة مؤقتة.
وضع كانغ ناهيون داخل الحاجز بلطف، ثم خرج خارجه ليواجه الوحوش.
رفع سيفه بصمت، ووقف في حالة تأهّب.
اقتلها فوراً.
وكأنّه يرد على الصوت داخله، هوى بسيفه بعنف على الوحوش المندفعة نحوه.
“…هاه.”
استغرق القضاء على الوحوش وقتاً أطول مما توقّع.
في الأوقات العادية، لما مثّلوا له أي تهديد، لكن الصوت المتكرر في رأسه كان يبعث فيه نفاد الصبر والضيق، فصار يضرب بغضب.
أخيراً، تمزّق آخر وحش تحت سيفه.
“انتهى الأمر، على ما يبدو.”
أدار نظره مجدداً إلى حيث ترقد كانغ ناهيون.
ترافق ذلك مع تصاعد نبرة الصوت داخله، وكأنه يصرخ به حتى الجنون.
عضّ على أسنانه بقوة، محاولاً تجاهل ذلك الصخب في عقله.
عاد إلى داخل الفقاعة، وكأن شيئاً ما داخله يخبره بأنها قد تتلاشى إن لم يضمها إليه، فاحتضنها دون تردد.
ومع مرور الوقت، وعندما بدأت جفونها ترتجف أخيراً، وانعكست عليه عيناها بلون الزبرجد، ثم حين نظرت إليه بنظرات الحذر والريبة…
أدرك لماذا تتصرف بتلك الطريقة.
بلا شك، السبب هو ذلك الصوت المتصاعد من أعماقه.
رغم أن الصوت كان يصرخ بجنون، تجاهله.
حتى وهو يشعر بأصابعه ترتجف وجسده يوشك على الانفلات من سيطرته، قاوم، وتابع التحديق في وجهها.
“أنا… أحبكِ، ناهيون.”
حتى لو حاول الصوت إخضاعه، لم يكن بإمكانه أن يُغيّر قلبه.
لذلك… قالها.
بأنّه، مهما حدث، سينتظرها.
بأنّ هذا هو قلبه الصادق.
“أتمنى أن تتذكري ذلك.”
فقط، أرجوك، مهما فعلتِ، ومهما فعلتُ أنا، لا تنسي أنني إلى جانبك.
كانت تلك كلماته الأخيرة، قبل أن يُسحب وعيه بقوة إلى الأعماق، ويغيب داخلياً.
لكنه كان واثقاً…
في مكانٍ ما، هناك شخص يقترب.
وهو متأكد… أن ذلك الشخص جاء لينقذ ناهيون.
***
“هل جمعنا كل المفاتيح الآن؟”
“تقريباً. ما عدا واحد.”
أجبتُ بينما كنت أتنهّد بعد سؤال شين هايون وبارك يولهان.
“مفتاح الجان.”
“آه، نعم. ذاك المفتاح .”
“حالياً، يؤدي وظيفة ‘قلب’ إيغدراسيل… أو بالأحرى، نواتها.”
عندما قال شين هايون وتورنيتو ذلك، أومأ بارك يولهان برأسه.
“علينا إما إقناع إيغدراسيل… أو هزيمتها.”
“وهل يمكننا هزيمتها؟”
“ممم.…”
“لا، طبعاً.”
لم أُفاجأ. في الجولة الأولى من القصة، حاولوا إقناعها، وليس قتالها.
بدأت أفهم سبب توثيق الرواية بأن إيغدراسيل هي من فجّرت طوفان الكارثة.
“علينا إذن أن نُقنعها.”
“لن يكون صعباً. لدي شخص يمكنه مساعدتنا من جانبي.”
“مساعدة؟ هل زرعتَ جاسوساً جديداً؟”
“…أشبه بذلك.”
تذكّرتُ وجه تشوي سوجونغ، التي تجاهلت الثعلب تماماً وركّزت فقط على ملامسة وجهي بقلق.
هي من قالت إنني يمكنني طلب المساعدة في أي وقت.
سأتواصل معها عبر الثعلب.
“إذاً، كل شيء بخير.”
“لكن.… هل ستصدقنا إيغدراسيل؟”
رد بارك يولهان بابتسامة خبيثة، ناظراً إليّ.
تنهدت.
“ستصدق… إذا استخدمنا ميزان الحقيقة.”
“…آه، طبعاً!”
“بما أنها كانت عضواً في فرقة المنقذ، فهي تدرك تماماً معنى هذا الميزان، وإذا استخدمنا العملات الذهبية لتأكيد الحقيقة، يمكننا إقناعها.”
أومأ شين هايون موافقاً.
وضعت على الطاولة ثلاث عملات ذهبية كنت قد حصلت عليها من الثعلب.
تألّقت تلك العملات بلمعان جميل يعكس الضوء.
“لدينا ثلاث عملات، لذا لن يكون الأمر صعباً. لا حاجة للاتصال بها مباشرة الآن، لنأخذ وقتنا. على كل حال، بارك يولهان…”
“نعم؟”
“ما أخبار ‘الإسفين’؟”
“يا إلهي، أنتم الصيّادون دائمًا بهذه السرعة… نحن نعمل على قدم وساق. نركّز حالياً على إنتاج نموذج أولي.”
“نموذج أولي؟”
أجاب بارك يولهان.
“نعم. نحتاج إلى التأكّد من صحة النظرية أولاً.”
“هل وظيفته نفس وظيفة ‘الإسفين’ الحقيقي؟”
“لا. بما أنّه لم يُصنع باستخدام ‘المفتاح’، فسيكون أداؤه أقل بالطبع.”
ظهرت على وجهه نظرة خفيفة من الانزعاج.
“على سبيل المثال… إذا استخدمنا النموذج الأولي على ‘المحارب’ أو ‘اللاعب’، وهما ممن يوليهم الأوراكل اهتماماً كبيراً، فسيُحررهم فقط لبضع دقائق – ربما عشر دقائق – من تدخله.”
“…هل هذا كافٍ لاختبار فعالية الأداة؟”
“ما نحتاجه فعلاً هو معرفة إن كان نظام منع التدخل فعالاً أم لا. حتى الآن، تمكنا من عزل تأثير الأوراكل عن المدنيين العاديين باستخدام أدواتنا، لكن مع الشخصيات المحورية… الوضع مختلف تماماً.”
“إذاً، علينا اختبارها على شخصية محورية؟”
“إذا أمكن، نعم. يمكننا تجربة الأداة على مدني عادي، لكن تدخل الأوراكل في الشخصيات الأساسية أقوى بكثير، لذا من المهم معرفة إن كان بإمكانهم تحمّل فرق المستوى في التدخل.”
نظرت إلى بارك يولهان وهو يتمتم بكلمات لنفسه.
إذًا…
“سأقوم أنا باستخدام النموذج الأولي من الإسفين على الشخصيات المحورية.”
“أنتِ؟”
“نعم.”
كان لدي ما أفكر به.
ورغم تعجبه، إلا أن بارك يولهان أومأ برأسه موافقًا بعدما استمع إلى خطتي.
***
ومع بدء تحوّل نسيم الشتاء البارد إلى نسمات ربيعية عليلة…
“النموذج الأولي اكتمل.”
أُنجز النموذج الأولي للإسفين أخيرًا.
تأملتُ الشيء الذي قدمه لي، ثم رفعته بهدوء.
“أصغر مما توقعت.”
“لأنه مخصص للدمج مع المفتاح، فلا حاجة لأن يكون كبيرًا.”
تسلّمت القطعة وأدرجتها في مخزوني.
وكان بارك يولهان يرمقني بصمت.
“إذن، سأذهب الآن.”
“هل ستفعلين ذلك كما هو في خطتك؟”
“نعم.”
“هممم… يبدو أنكِ تثقين به كثيرًا.”
“أخبرني أن أثق به، لذا سأفعل.”
“هاه… حسناً.”
نظر إليّ بتعبير غريب ثم اكتفى بهز كتفيه.
“على كل حال، فقط لا تموتي، مفهوم؟”
“سأتدبر أمري.”
وانطلقت بينما كانت كلمات بارك يولهان المتذاكية تلاحقني، ومعها رفعت إصبعي الأوسط دون أن ألتفت.
خرجتُ من مقرّنا السري، وسرت بلا هدف ظاهر.
لكن في الحقيقة، لم أكن أتجول عبثًا.
كنت أعلم جيدًا إلى أين أتجه.
إلى زقاق خلفي قريب من الأكاديمية، مكان لا يُحتمل أن يعثر عليّ فيه أحد بسهولة.
فإن استخدمتُ أداة التمويه، ربما لا يتمكن بارك سي وو من اكتشافي، لذا كنت بحاجة لمكان لا أضطر فيه لإخفاء نفسي.
“……”
وقفت خلف مبنى، حيث تغطيني حاوية قمامة.
ظلال المبنى نشرت العتمة من حولي.
ومن ذلك الركن البارد المظلم، أخرجت بروشًا على شكل سيف.
البروش الذي سلّمني إياه هو.
ذاك الذي يُستخدم لتحديد موقعي.
علّقته بحذر على ملابسي العليا.
…لم يسبق لي أن علّقته من قبل.
انعكس البروش على الحاوية المعدنية، ففكرت كم كان سيكون جيدًا لو أن لدي مرآة.
بعد فترة قصيرة، بدأت أسمع وقع أقدام متسارعة.
لهاث، أنفاس متقطعة…
كان يلهث، وهذا نادرٌ عليه، مما يدل على أنه ركض بسرعة غير معهودة.
“…بارك سي وو.”
نظرت إليه.
رأيتُه… رأيت بارك سي وو، لا أوراكل.
“قلتَ إنك تثق بي، أليس كذلك؟”
ثبت نظره عليّ بعينيه الزرقاوين، اللتين تشبهان لون حجر البروش.
“نعم.”
“إذن…”
خطوتُ نحوه خطوة بخطوة.
ومع كل خطوة، كان يتوقف وكأنه يُجاهد لردع جسده عن شيء ما.
كما لو أن جسده يتحرك قسرًا ضده.
“تماسك… حتى أصل إليك.”
“…أنتِ تعلمين ما ذاك الصوت الذي يدوي في رأسي، أليس كذلك؟”
“أجل.”
ابتسمتُ بمرارة.
“أعرفه جيدًا.”
وكلما اقتربتُ منه أكثر، ازداد وجهه انقباضًا بألم.
كان يقبض على يده المرتعشة بقوة، ثابتًا في مكانه.
حتى وقفت أمامه مباشرة.
واحتضنته.
“شكرًا لك.”
ثم، طعنته.
“…آه؟”
الوهج الذهبي الحاد في يدي اخترق قلبه.
اهتزت عيناه دهشةً من الألم المفاجئ، ثم ما لبث أن انكمش وجهه بتعابير الألم الخالص.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 179"