17. كيفية التعامل مع الخيانة (١٤)
***
حين فتحت عيني مجددًا، وجدت نفسي في شيء يشبه فقاعة صابون ضخمة، محتضنة بين ذراعي أحدهم.
ذلك الشخص الذي كان يحيطني بذراعيه بإحكام، ما إن لاحظ أنني أومضت بعيني حتى حرّك جسده قليلًا.
“هل استيقظتِ؟”
شعر أسود أنيق، وعينان زرقاوان بلون الياقوت الأزرق.
كان بارك سي وو.
وما إن رأيته، حتى أفلتُّ نفسي بسرعة من بين ذراعيه وابتعدت عنه قدر الإمكان.
لكن حتى تلك الحركة اصطدمت بجدار يشبه سطح الفقاعات، فأحدثت صوتًا خافتًا.
طَنج—
كان شعورًا أشبه بالارتداد عن جدار طري.
أسندت ظهري لذلك الجدار وأنا أرمقه بنظرة حذرة، ثم مسحت نظري على ما يحيط بنا.
“…ما هذا؟”
حولنا، كانت هناك أجساد لوحوش ذات خصائص مائية، متناثرة ميتة على الأرض.
أجابني بارك سي وو بنبرة باردة.
“هاجمونا، فأسقطتهم جميعًا. كان الأمر خطيرًا.”
صحيح، الأمر يبدو منطقيًا.
أومأت برأسي، لكنني لم أتخلَّ عن حذري منه.
لحسن الحظ، لم يستحوذ أوراكل عليه أثناء غيبوبتي، لكن لا أحد يعلم متى قد يحدث ذلك.
بلعت ريقي بهدوء، وسحبت مسدسي.
نظر إليّ بارك سي وو بنظرة غامضة لا تُقرأ، ثم أدخل سيفه المقدس داخل مخزونه السحري.
سألته بشك.
“…ما الذي تنوي عليه؟”
“لا أنوي القتال معكِ.”
رفع يديه بهدوء، ونظر إليّ بتلك العينين الزرقاوين الثابتتين التي لا تهتزّ.
“كل ما أريده… هو أن تكوني بخير.”
“……”
“أنا واثق أن لديكِ سببًا لما فعلته.”
عندما نطق بذلك، عضضتُ على شفتي من الداخل.
بارك سي وو… صديقي… لا أعلم كيف يمكن لإنسان أن يحافظ على صدق مشاعره هكذا بلا تردد.
ثم رفع يده وأخرج شيئًا.
ما إن رأيته، حتى تعرفتُ عليه مباشرة.
كان من تلك الثمار التي جمعناها معًا خلال العطلة — ثمار تُستخدم للتنفس تحت الماء.
“نَفَس الحورية.”
“لقد استخدمتُ واحدًا عليكِ، وهذا احتياطي للحالات الطارئة… لذا، خذيه.”
ورماه إليّ.
تناولتُه بلا وعي، ثم احمرّ وجهي فجأة.
الآن فقط تذكرت… نحن… نحن…
“نحن… شفاهنا…”
“آه، ذلك؟”
“…كان ظرفًا طارئًا، أليس كذلك؟ لم يكن بوسعكَ إلا أن تفعل ذلك؟”
“لا.”
قالها وهو ينظر نحو الخارج المعتم، بنبرة لا ترى فيها أي ارتباك.
“في الواقع، أردتُ أن أقبّلك، لذا مررته عبر الفم.”
“…ماذا؟”
للحظة، ظننت أنني أسأت السمع.
وجهه كان ساكنًا للغاية حين نطق بتلك الكلمات.
رغم أن أذنيه كانتا محمرتين كالجمر.
“أنا… أحبكِ، ناهيون.”
“مـ… ماذا؟”
ضحك بخفة، وكأن ردّة فعلي أسعدته.
“هذا جيد… يبدو أن هناك احتمالًا.”
“أي احتمال؟!”
“وجهكِ… احمرّ.”
مددت يدي لأبرد خدي المشتعل، لكنني تذكرت أنني ما زلت أحمل المسدس، فتوقفت.
في هذه الأثناء، واصل بارك سي وو كلامه.
“لا أعلم سبب رحيلكِ وترككِ لنا. لكن أيًّا يكن السبب، لا يهم.”
عيناه الزرقاوان، المتوهجتان بشكل غير مألوف حتى في ظلام الماء، بدتا لي كأنهما أعماق المحيط ذاته.
“أنا في صفكِ.”
“…لأنكَ تحبني؟”
“لا. لأنني أثق بكِ.”
ابتسم.
كانت ابتسامة هادئة، دافئة… مستحيل أن يُريها لعدو أبدًا.
“أنا أثق أن كانغ ناهيون، التي عشنا معها كل هذا الوقت، لن تؤذينا من دون سبب.”
“….أنتَ حقًا أحمق، أتعلم؟”
رغم أنني ما زلت أوجّه فوهة المسدس نحوه، خشية أن يستحوذ عليه أوراكل في أي لحظة، لم أتمالك نفسي من الابتسام بأسى.
“هل هناك سبب لا يمكنكِ إخباري به؟”
“أنت سريع البديهة أكثر من اللازم.”
“هذه من نقطة قوتي.”
“لكن… لماذا اعترفتَ بمشاعرك فجأة؟”
“…لأني لم أعد أحتمل. ومنافسي أدرك مشاعره أخيرًا.”
عينيه انثنتا برقة.
وكان ينظر إليّ وكأنني شيء ثمين للغاية.
“ربما لأننا افترقنا طويلًا. لم أعد قادرًا على كتمان شعوري.”
“……”
لم أكن بحاجة للمس وجهَي لأعرف أنني كنت أحمر خجلًا كفاية.
“أنا أحبكِ، ناهيون. أتمنى أن أكون أنا الشخص الذي يبقى بجانبك، والذي يمنحك السعادة.”
“…أنا…”
لم أستطع الرد فورًا.
لكن عندما تلاقت عيوننا، وقد كانت عيناي ترتجفان، بدا وكأنه كان يتوقع ذلك تمامًا.
“لا بأس… لا تجيبي الآن.”
كان دائمًا هكذا، لطيفًا معي على نحو مؤلم.
“سأظل دائمًا… في انتظاركِ.”
…دائمًا، كلما غادرتُه، أفكر فيه مجددًا، لا إراديًا.
“……”
انخفض رأسي ببطء.
وفي اللحظة التي خطرت لي فيها فكرة أنني لا أستطيع قراءة تعابير بارك سي وو، سمعت منه أنينًا خافتًا.
“أوغـ…”
ما هذا؟ ما إن هممت برفع رأسي حتى شعرت بنية قتل حادة تخترقني.
“ما الذي تفعلينه؟!”
وحين فتحت عيني مجددًا، كانت الفقاعة الصغيرة التي كنا فيها قد تلاشت كما لو كانت مجرد حلم.
ثم وجدت نفسي بين ذراعي بارك يولهان، الذي كان يلهث بشدة وقد سحبني بسرعة بعيدًا.
“ألم أقل لكِ ألا تتركي حذرك؟!”
“…آسفة.”
أجبت بصدق، ثم نظرت مجددًا إلى بارك سي وو.
كانت نظراته مشبعة بغرابة.
“…أوراكل.”
“مؤسف. لو أنكِ متِ كما أنتِ، لكان الأمر أسهل.”
أوراكل، الذي استحوذ على جسد بارك سي وو، ابتسم لي بابتسامة خبيثة.
استمر التوتر بيني وبينه.
كلما لوّح بسيفه مستهزئًا بي، كأنما يتلاعب بي، كنت بالكاد أتفادى ضرباته.
حاولت إصابة ذراعه أو ساقه برصاصي، لكن سرعة بارك سي وو الخارقة جعلت الأمر شبه مستحيل.
طااانغ—!
اخترقت رصاصة سحرية الماء، لكنها بالكاد لامست موقع أوراكل.
أطلقت لساني بضيق.
وأثناء هذا الاشتباك، سمعت صوت بارك يولهان في رأسي.
— لقد سجلت موقعًا قريبًا من المفتاح كنقطة انتقال لحظي. حين تبدأ المعركة بجدية، سننتقل فورًا.
— فهمت.
“ما الأمر؟ تبدين مترددة فجأة في إطلاق النار.”
“صحيح.”
“في هذه الحالة—”
هوى سيف مقدس لا يلمع وسط ظلمة الماء الداكن نحوي.
“لن أتردد إذًا… وسآخذ حياتك!”
“أرفض.”
“الآن!”
في تلك اللحظة، اندفع بارك يولهان وسحبني مُطلقًا الانتقال اللحظي بسرعة خاطفة.
وفي لحظة غفلة من أوراكل بسبب حركته الواسعة، بدأ جسدانا بالشفافية تدريجيًا.
“…هربتِ كفأر صغير.”
“أليست هذه الجملة موجهة لك أنت؟”
ابتسمت بسخرية وأنا أحدق في أوراكل.
عبس وأعاد سيفه إلى غمده.
ومن بعيد، بدأت أسمع أصواتًا مألوفة من فريق نا يوهان.
“—وو!”
“—سي وو!”
“بارك سي وو!”
رأيت بارك سي وو، الذي تحرر أخيرًا من أوراكل، يترنح قبل أن يسقط أرضًا، ولم أستطع مد يدي إليه.
ذلك العجز آلمني.
كانت أصوات الفريق تقترب، وهي العزاء الوحيد في ذلك الموقف، إلى أن اختفى جسدي تمامًا من المكان.
“…ترى، هل يجب اعتباره حظًا جيدًا أم سيئًا؟”
في مكان بدا كأنه مزار مائي، كان هناك باب مُزين باللؤلؤ والمرجان والمحار.
تراجعت بدهشة حين رأيت كانغ يو، أخي الهجين من الحوريات، يخرج المفتاح من الباب.
نظر إليّ بهدوء، بينما كنت أتردد، ثم أدركت أن مجرد ترددي هذا ترف لا أملكه.
تقدّمت نحوه ببطء، وكلما اقتربت، بدا أكثر حزنًا وارتباكًا.
كعجينة خبز منكمشة…
في المعتاد، كنت لأقول ذلك وأضغط على وجنته، لكنني لم أفعل.
“…كانغ يو.”
“خذي.”
كان هو من بادر بإعطائي المفتاح.
“هذا ما تحتاجينه، أليس كذلك؟”
مد يده نحوي قائلًا.
“إذا جمعتموها كلها… يمكننا العودة، صحيح؟”
“…..”.
“…أنا آسف.”
من بعيد، سمعت صوت فريق يوهان يعلو مجددًا.
تشانغ— تشااانغ—!
وميض الضوء دلّ على أنهم يواجهون تورنيتو.
لم يكن هناك وقت.
“لنذهب! أخبرت شين هايون وتورنيتو أن ينسحبا!”
“حسنًا.”
أغمضت عيني متجاهلة نظرة كانغ يو الحزينة.
“أختي…”
لكن ملامحه الحزينة بقيت محفورة في ذهني كظل لا يغادرني.
وبينما شعرت بجسدي يتلاشى ببطء، تمنيت لو أن هذا الألم يتلاشى معه.
…بالطبع، لم يكن ذلك ليحدث.
“يااه، عودة موفقة أخيرًا!”
“…ظننت أنني سأموت.”
“لكنّك نجوت.”
تأملت المفتاح الذي سلّمه لي كانغ يو.
محار؟ صدفة؟ مرجان؟ لا أعلم…
لكنه كان مغطى بكل ما هو جميل: لؤلؤ، زينة بحرية…
راقبته بصمت ثم وضعته في مخزوني.
رغم جماله، لم أكن أرغب في رؤيته ثانية.
بمجرد وصولنا إلى القاعدة، تنفّس بارك يولهان الصعداء واستعاد لهجته المعتادة الماكرة.
كأنه أخطبوط عاد إلى الماء.
نظرت إليه وفكرت بذلك.
“لكن، من يكون ذاك الصغير؟ لم يكن ضمن قائمة الاحتمالات.”
“…أخي الصغير.”
أخي العزيز. هذا كل ما قلته، ثم أطبقت شفتي بصمت.
“الإستثنائية صنعت إستثنائيا آخر، أهذا معقول؟”
“…”.
لم أرغب في شرح علاقتي بـ كانغ يو.
كان فقط… أخي، الذي أردت إنقاذه.
وكان ذلك كافيًا.
التعليقات لهذا الفصل " 178"