17. كيفية التعامل مع الخيانة (١٣)

 

 

 

في اللحظة نفسها، انطلقت أشياء مجهولة صوبنا.

 

“سينباي هايون! استخدم المهارة!”

 

“…لا يمكنني التحكم بتدفق الماء!”

 

“ماذا؟”

 

كان من المفترض أن يتصدّى شين هايون للهجوم باعتباره المسؤول عن الرد على العدو أولًا، لكنه، ولسببٍ ما، لم يتمكّن من تنفيذ أي حركة بعد أول استخدام لتحكمه بالماء.

 

في البداية، تفادينا تلك الأشياء التي أُطلقت نحونا بسرعة، لكنها كانت تلاحق أهدافها بإصرار شديد.

 

وفي اللحظة التي اقتربت منا مجددًا وفتحت فمها على وسعه، لمع ضوء ساطع أشبه بالبرق وأضاء المكان.

 

أغمضتُ عيني غريزيًا، وما إن فتحتهما حتى رأيت صاعقة تورنيتو وهي تشق الظلام وتُمزق ذلك الشيء.

 

ورغم أن الضوء اختفى وعاد الظلام ليخيم على الكهف، فقد أصبح بإمكاننا تمييز شكل ذلك الشيء.

 

لقد كانت شبكة.

 

ويبدو أنهم نسجوا الحبال التي استخدمت سابقًا لتقييد بارك يولهان على شكل شبكة كبيرة.

 

“فشل في تنفيذ الخطة. نتحوّل إلى مواجهة مباشرة.”

 

“ياله من أمر مؤسف~”

 

انطلقت أصوات مألوفة. كانت أصوات نا يوهان وتشوي سوجونغ.

 

ظهر رمح من البرق في يد تورنيتو، مشعًا في الظلام بينما انتشر ضوؤه.

 

نظرتُ إلى الرفاق من حولي، وقد شعرتُ بخيبة أمل.

 

رأيت وجوهًا مألوفة، أولئك الذين اعتادت استكشاف البوابات معهم، لكنهم لم يعودوا بجانبي الآن.

 

كنت أتمنى رؤية نا يوري حقًا، لكن يبدو أنها لم تشارك لأن استخدام النار تحت الماء يُعد نقطة ضعف بالنسبة لها.

 

…ثم،

 

“أختي.”

 

كان وجهًا مألوفًا آخر.

 

إنه كانغ يو.

 

بدا غريبًا بعض الشيء، فقد بدا أنه نما كثيرًا خلال الأشهر الماضية، كونه في مرحلة النمو.

 

لم أجب على نداء كانغ يو الواضح والموجه لي.

 

وبدلًا من ذلك، خاطبت شين هايون.

 

“هل ما زلت غير قادر على التحكم بتدفق الماء؟”

 

“…نعم. ذلك الفتى سيطر عليه بالكامل.”

 

كان الغضب والقلق واضحين على ملامح شين هايون وهو يعبس.

 

وبدا أن بارك يولهان في الموقف ذاته، إذ ابتسم ابتسامة باهتة وقال.

 

“ما هذا؟! لم يكن هناك مثل هذا الفتى في الدورة السابقة!”

 

“….”

 

طبعًا لم يكن.

 

أجبت في سري، ثم تابعت التحديق للأمام بصمت.

 

كانت عينا كانغ يو الزرقاوان لا تزالان مركّزتين عليّ.

 

“…لن تُجيبيني، أليس كذلك؟”

 

كانغ يو كان بخير.

 

فهو يتمتع بحماية الميزان الأسود، كما أنه قوي بما يكفي بنفسه.

 

بل في الحقيقة، وجوده هو ما جعل موقفنا أكثر سوءًا.

 

فأنا من طلبت من الميزان الأسود حماية كانغ يو من أي أذى قد يلحقه به منظمة الوايلد هنتر، منذ زمن بعيد!

 

بدأت أبحث بصمت عن طريق للانسحاب.

 

“…إنه أخي.”

 

“…أحد الإخوة الذين يحميهم الميزان الأسود؟”

 

“نعم.”

 

عند سماع ذلك، نقر تورنيتو لسانه بإحباط، بينما بدا بارك يولهان في غاية الذهول.

 

“آآآه… لقد أصبح الأمر مزعجًا للغاية…”

 

“هل ننسحب مؤقتًا؟”

 

“نعم، أعتقد أن هذا أفضل.”

 

“ما الذي تهمسون به أنتم؟”

 

قاطع نا يوهان حديث بارك يولهان وشين هايون بنبرة ممتلئة بالضيق.

 

بدا أكثر شحوبًا، مظهره أقرب لما كان عليه في الدورة الثانية التي رأيتها سابقًا في زنزانة الذكريات. ألقى نظرة عليّ، ثم حدّق بغضب في بارك يولهان.

 

“نهايتكم هنا. أعيدوا ناهـيون وغادروا.”

 

“…نا يوهان، أنا—”

 

فتحت فمي لأرد على سوء فهمه الواضح، لكن كلماتي قُطعت برده الحاسم.

 

“أعلم. فعلتِ ذلك بإرادتكِ. أوراكل أخبرني. لم تتعرضي لأي غسيل دماغ أو لعنة. لقد خنتِنا بإرادتك الحرة.”

 

أوراكل.

 

توقفت للحظة، وكأن مخالبه جرحتني دون إنذار.

 

رغم ردّة فعلي، تابع نا يوهان كلامه دون اكتراث.

 

“لكن لا يهم. أيا كانت الأسباب، سأقبض عليكِ. هذا هو هدفي.”

 

“…..”

 

عندما التقت عيناي بعينيه الحمراوين المتقدتين كاللهب، لم أستطع مواجهته. نظرت بعيدًا.

 

لم أستطع تخمين المشاعر التي ينظر بها إليّ، أو التي تدفعه للإصرار على الإمساك بي.

 

…ربما كان يمكنني أن أعرف، لكنني لم أرغب بذلك.

 

لم أعد أريد أن أُضلّله.

 

هذا فقط، لا أكثر.

 

“يا لها من كلمات مزخرفة.”

 

قطع تورنيتو الأجواء المتوترة بيننا بإلقائه رمحًا من البرق.

 

كراااااااااك——!!!

 

انفجرت صاعقة ضخمة، وبدت كأنها ستبتلع الجميع.

 

في المقابل، أطلق بارك سي وو سحرًا ذو طابع مقدس من نوع الضوء، شكّل هالة من الغسق الأزرق، تصادمت مباشرة مع البرق.

 

الضوء الذي نتج عن التصادم أعمى الأعين للحظة.

 

وبهذا، انطلقت المعركة.

 

من دون تردد، جمّعتُ طاقتي السحرية وأطلقتها على الحاجز المائي المحيط بمجموعة نا يوهان، كما كنت قد عزمت مسبقًا.

 

“لا فائدة.”

 

لكن كما قال كانغ يو ببرود، تفتتت القذيفة لحظة محاولتها دخول الحاجز.

 

وبهذا بدأت المعركة الفعلية.

 

“لي هانا!”

 

“أجل.”

 

استجابت لي هانا لأمر نا يوهان، فأنشأت رماحًا حادة من الجليد.

 

مئات من الرماح المتلألئة تألقت بقوة هائلة.

 

“كانغ يو، تشوي سوجونغ!”

 

“فهمت~”

 

“أعلم!”

 

ما إن أطلق نا يوهان أوامره، حتى اندفعت رماح الجليد نحونا بسرعة مرعبة، مستعينة بقوة الرياح وتدفق الماء.

 

“إلى أين تظنون أنكم ذاهبون؟!”

 

بجهد بالغ، أنشأ شين هايون حاجزًا مائيًا.

 

وفي كل مرة ارتطمت فيها رماح الجليد بالحاجز، اهتزّ بعنف.

 

لكن ما إن ظننا أن الحاجز قد صمد، حتى—

 

بوووم!

 

اخترق سهم ضوئي أطلقته شين باران الحاجز المنهك، ليخدش خد شين هايون بخفة.

 

“…تبًا.”

 

صدر صوت صك الأسنان من بارك يولهان، فيما التقط شين هايون أنفاسه بصعوبة.

 

بدا عليه الإرهاق.

 

“هل يمكنك الصمود، أيها القائد؟”

 

“لا خيار أمامي سوى أن أصمد.”

 

نعم… لم يكن أمامنا مجال للهروب.

 

قبضت على سلاحي بإحكام.

 

ثم بدأت الجولة التالية من المعركة… وكانت من طرف واحد.

 

شين هايون حاول استخدام قدراته المائية لمجابهة كانغ يو، لكن الأخير، الذي سيطر بالكامل على تدفق الماء، كان كاسحًا.

 

كان يستعمل التيارات المائية لدفع حلفائه -بناءً على تعليمات نا يوهان- إلى الأمام أو سحبهم حسب الحاجة.

 

وأحيانًا، كان يهاجم بنفسه.

 

“…اللعنة.”

 

همس بارك يولهان، وقد غطت جسده الجراح الصغيرة رغم غياب الإصابات القاتلة.

 

كان ذلك كافيًا لإيضاح حال المعركة.

 

بفضل شين هايون ، بالكاد استطعنا الدفاع عن أنفسنا.

 

وبفضل مهارات تورنيتو، استطعنا شنّ بعض الهجمات.

 

لكننا لم نتمكن من اختراق الحاجز المائي… فكنا نتلقى الضربات دون رد فعلي فعّال.

 

“…هل انتهيتِ؟!”

 

على صوت بارك يولهان، كنت أركّز طاقتي السحرية في ماسورة البندقية.

 

كنت أراهن على رصاصتي السحرية كخطة أخيرة.

 

تلاقت نظراتي مع نظرات كانغ يو، الذي كان يرمقني بثبات.

 

“كادت تجهز.”

 

“سأصدّها.”

 

أجل… عليه أن يكون مستعدًا، وإلا فلا مجال لي لإطلاقها بأمان.

 

كانت قوة رصاصتي السحرية معروفة جيدًا بين أعضاء فريقي.

 

ولما شعرت تشوي سوجونغ ولي هانا أنني اقتربت من إطلاقها، سارعتا بإنشاء دروع متراكبة.

 

وكانت قوات كانغ يو تنتظر خارج الحاجز.

 

كروووم!

 

صدر دويّ عالٍ من تدفق الماء العنيف.

 

لعلّني سمعت صوت صخرة تنهار أيضًا.

 

بدأ الكهف يهتز تحت وطأة تدفق الماء.

 

لكنني بقيت أحدق نحو خصومي.

 

وفي لحظة، شعرت بهذا المشهد… وكأنه هادئ.

 

ثم—

 

طاااااااخ!

 

أُطلقت الرصاصة.

 

“أوقفوها!”

 

صاح نا يوهان.

 

ثم اصطدمت قوة عظيمة، هي هذا البحر نفسه، برصاصتي السحرية.

 

كوااااااااااانغ!

 

اهتز الفضاء من شدة التصادم.

 

وفي الوقت نفسه، انهار الكهف بأكمله وسط دويّ مهول.

 

“اهربوا!”

 

صاح تورنيتو، لكننا لم نكن نملك الوقت للفرار.

 

اجتاحتنا فوضى الانهيار الصخري العنيف، الناتج عن التصادم بين التيار المائي ورصاصتي.

 

تطايرت الصخور والأوحال في كل اتجاه، وغطّى الغبار الكثيف مجال الرؤية بالكامل.

 

غريزيًا، وضعت البندقية في مخزوني وانكمشت بجسدي.

 

جرفني التيار العنيف صعودًا وهبوطًا، في اتجاهات لا يمكن تمييزها.

 

كأنني على لعبة ملاهٍ شرسة، كان جسدي يتقاذف بعنف.

 

“تورنيـتـ… كخ!”

 

لم أعد أملك حتى القوة لأصرخ بأسماء رفاقي من الـوايلد هنتر.

 

بوم، تشك!

 

شعرت بالصخور تضرب جسدي.

 

طراخ!

 

إحداها اصطدمت بأذني، وحطمت القرط.

 

في اللحظة ذاتها، شعرت بأنفاسي تختنق.

 

القرط…!

 

شعرت بالفقاعات تخرج من فمي، وتحولت أنفاسي إلى دوامات.

 

حاولت حبس نفسي قدر المستطاع، لكن مع كل ضربة تلقيتها من الصخور، كنت أفقد مزيدًا من الهواء.

 

اختنقت.

 

بدأ بصري يبهت تدريجيًا.

 

هل سأموت؟

 

تسللت هذه الفكرة الباهتة إلى ذهني.

 

ثم— امتدت يد شخص ما نحوي.

 

من خلال الماء الموحل، لمحت بالكاد لونًا أزرق كزهرة السنبلة، يسطع من عيني ذلك الشخص.

 

ثم—

 

“اصمدي قليلًا فقط.”

 

شعرت بشيء ناعم يلامس شفتي.

 

من كان يحملني، دفع شيئًا كرويًا داخل فمي.

 

ببطء، بدأت أتنفس من جديد.

 

وشعرت بالأمان… لأنه أتى.

 

وقبل أن يغيب عني الوعي، رأيته يعضّ على شفتيه بقوة.