17. كيفيّة التعامل مع الخيانة (١١)

نظر ميخائيل إلى السلحفاة ميثرل العملاقة وهو ينقر لسانه امتعاضًا.

أما أنا، فقد بقيت صامتة لبرهة أمام حجمها الهائل الذي تجاوز توقعاتي.

لكن، على أية حال…

“ماذا عن الوحوش القريبة؟”

“لا يوجد سوى الغوليمات الصخرية الملتصقة بدرعها الخلفي.”

“جيد… كما توقعت تمامًا.”

كان الوضع يبدو ممكنًا.

أجبت ميخائيل، ثم رمقت تشوي غارام التي كانت تضحك بخفة بنظرة خاطفة.

كانت السلحفاة تقترب نحونا، محطمةً التضاريس في طريقها، وقد بدأت ملامح وجهها تتضح شيئًا فشيئًا.

“الميزان الأسود، اهتمي بنفسك من الآن فصاعدًا.”

“كنت سافعل ذلك على كل حال.”

باشرتُ بمسح المنطقة من حولي وصعدت إلى صخرة مناسبة لأتمركز عليها.

ولحسن الحظ، لم يكن هناك الكثير مما يحجب الرؤية داخل هذا المكان الجبلي.

وبمجرد أن أعطيت الإشارة، تحرك ميخائيل وتشوي غارام بسرعة للقضاء على الوحوش الثانوية، أي الغوليمات الصخرية.

رأيت الغوليمات وهي تتدافع ساقطةً من على ظهر السلحفاة.

وكان الدرع الواسع للسلحفاة مصنوعًا من ميثرل أملس وصلب يلمع تحت الضوء.

وفجأة، دوّى صوت طلقة نارية داخل الزنزانة.

وفور إطلاقها، شعرت بإحساس غامر داخلي.

“أُصِبنا الهدف!”

كوااادددك! كاك!

ذلك الشعور لم يخبُ، بل كان في محلّه تمامًا.

عمود من الضوء اندفع مخترقًا كل شيء يعترض طريقه — الساق الأمامية للسلحفاة، جزءًا من رأسها، وقسمًا من الدرع — وامتد حتى سقف الزنزانة.

لقد اخترق الرصاص قلب السلحفاة تمامًا، مخلّفًا فجوة نظيفة عبر مركز نواتها، واخترق درع الميثرل بسهولة.

——!!!

صرخت السلحفاة من الألم، لكن نواتها كانت قد تحطمت إلى شظايا منذ لحظات.

بدأ جسدها يرتجف بشكل هستيري من الألم، ولكن كان من الواضح أنها لن تصمد طويلًا.

كُوووونغ! كُوُوُونغ!

ومع كل حركة منها، كانت تحدث موجات تدميرية شديدة.

دفعت بندقية ميسيتلين ـ التي أصبحت مجرد كومة معدنية متفككة تصدر أصوات احتكاك مزعجة ـ داخل مخزوني بسرعة، وابتعدت فورًا عن موقع القتال.

أما الصخور المتساقطة من السقف، فكنت أتعامل معها بإطلاق النار من مسدسيّ التوأمين، أو أتفاداها برشاقة.

“هل انتهيتم من التنظيف؟!”

“الغوليمات قُضي عليها!”

“لم يتبقَّ سوى السلحفاة!”

كما قال الثعلب وتشوي غارام، لم يظهر أي غوليم آخر.

لم نكن نملك الوقت للتفكير في الغنائم، فكل ما كنا نفعله هو الفرار من محيط السلحفاة وهي تصرخ وتتوقد في لحظاتها الأخيرة.

كُررررررغ—! قعععععغ!

اهتزت الأرض والسماء كما لو أن كارثة طبيعية قد وقعت.

شعرت أن تلك اللحظات كانت طويلة وقصيرة في آنٍ معًا.

نظرت إلى السلحفاة الضخمة التي بدأت تهدأ تدريجيًا بعد هيجانها، وتنهّدت قائلة بذهول.

“يا لها من مخلوقة عصبية حتى الموت…”

“هكذا هم زعماء الطوابق” 

علّقت تشوي غارام، ناطقةً بلهجة لا تخلو من التهكم.

“أتساءل أي نوع من الوحوش ينتظرنا في بقية الزنزانة.” 

قالت، وهي تنقر لسانها.

“حقًّا…”

 تمتمتُ، وتذكّرت حديث بارك سي وو عن فضوله تجاه ما يوجد في أعلى البرج.

…لكن، مع أنني لا أحب الاعتراف، فإن بارك سي وو كان سيتمكن على الأرجح من التعامل مع مثل هذه المواقف بسلاسة.

وبينما كنا نتبادل الحديث بلا تركيز، توقفت السلحفاة عن الحركة.

وللتأكد من أنها ماتت حقًا، استخدمت بصيرتي الخارقة.

“يبدو أنها ماتت فعلًا. النواة فقدت بريقها بالكامل…”

“إذن، فلنواصل الطريق.”

“ستتركين لي مخلفات الزنزانة، أليس كذلك، نونا؟”

“بالطبع.”

وأخيرًا، تجاوزنا جسد السلحفاة واتجهنا إلى حيث يُفترض أن يكون الطريق الأصلي.

رغم أن التضاريس باتت مدمرة بالكامل بسبب السلحفاة، مما أتاح لنا السير في أي اتجاه تقريبًا، إلا أن السير في طريق مألوف يبقى الخيار الأسلم.

وبينما كنا نتحرك جانبًا لتفادي الجثة الضخمة، لاح لنا ميزان ذهبي عملاق كان مخفيًا وراء جسد السلحفاة.

كان الميزان الذهبي العملاق مختفياً في السابق بسبب الغبار الكثيف والتضاريس المحطمة وحجم السلحفاة الهائل، فلم يُرَ بوضوح إلا الآن.

“أوه، أهذا هو؟”

“يبدو كذلك.”

“لقد وصلتم.”

الميزان الأسود، التي كانت واقفة هناك وكأنها كانت تنتظر منذ البداية، لوّحت لنا بهدوء وهي تستقبلنا.

متى وصلت حتى؟

عندما اقتربنا، لاحظنا أن الميزان الذهبي الضخم كان متضررًا في أماكن عدّة.

كانت هناك آثار واضحة تُشير إلى أن شيئًا عملاقًا قد قضم أحد أعمدته، وعلى الأغلب، كانت تلك سلحفاة الميثرل هي الفاعلة.

“…هل يعمل هذا الشيء أصلًا؟”

بمعنى آخر، بدا في حالة مزرية تمامًا.

عند التدقيق، تبيّن أن كفتي الميزان لم تعودا متوازنتين، بل مائلتين بشكل غريب.

…أشبه بخردة قديمة.

وفيما كنت أحدق في الميزان الذهبي بعينٍ مرتابة، ضحكت الميزان الأسود بخفة.

“ولهذا السبب جئتُ إلى هنا… لأصلحه.”

“إصلاح؟”

“نعم. مع أنني لا أفضّل رؤية الجسم الأصلي في هذا الوضع البائس.”

الجسم الأصلي؟

وقبل أن أتمعّن في الكلمة، اقتربت الميزان الأسود بخطوات واسعة من الميزان الذهبي الضخم.

مدّت يدها نحو العمود المتآكل وهمست بكلمات غير مفهومة.

عندها، بدأ الميزان الذهبي يبتلع تدريجيًا بوساطة ظل أسود خرج من يدها، متوغلاً فيه شيئًا فشيئًا.

وفي لمح البصر، التهم الظل كامل الميزان، ثم بدأ باستعادته شيئًا فشيئًا، كما لو كان يُرمّمه.

الحفر امتلأت، والأجزاء المعوجّة عادت إلى اعتدالها، والكفتان أعيد التوازن بينهما.

وكان الظل، الذي أدّى هذه المهمة المعجزة بسلاسة، يتلاشى تدريجيًا ويتماهى مع اللون الذهبي للميزان حتى اختفى أثره بالكامل.

وما ظهر أمامنا في النهاية، كان ميزانًا ذهبيًا أنيقًا وضخمًا، كأنه صُنع للتو.

عند رؤية النتيجة، التفتت الميزان الأسود نحونا بابتسامة رضا خفيفة.

“وهكذا، تم سداد الثمن.”

عندها فقط أدركتُ أمرًا غريبًا: لم يكن لتلك المرأة ظل.

وليس هذا فحسب، بل حتى الميزان الذهبي العملاق لم يكن له ظل أيضًا.

بدأت صورة غامضة تتشكل في ذهني.

“الميزان الأسود… أنتِ…”

“أنا ظل هذا الميزان.”

ولأنها هي الظل نفسه، فلم يكن من الممكن أن يكون للظل ظل آخر.

ردّت على استنتاجي بابتسامة خافتة وضحكة ناعمة.

“الاسم الحقيقي لهذا الميزان هو ميزان تقدير القيمة. لقد كان الأداة التي تضبط معايير البرج. عملة القيمة الذهبية… أو كما تسمونها عملة الحقيقة؟ من خلاله، كان بالإمكان تعديل إعدادات البرج. إلى أن قام تشونهو بفصلي عنه، وبهذا أُلغيت تلك الوظيفة.”

“إعدادات البرج…؟”

“نعم. في الأصل، أنا كُنت موجودة لأجعل السبب والنتيجة في البرج تتوافق مع واقع يُدعى الأرض.”

“لكن، أليس بمقدور تشونهو فعل كل شيء بمفرده؟ لماذا صنعكِ أنتِ وجيميني؟”

“هممم…”

ضحكت الميزان الأسود بخفّة، وكأنها تحمل في قلبها سرًا دفينًا.

“من يدري… ربما كان يشعر بالوحدة. ولهذا أسّس عائلة، وأنجب أولادًا. لا يسعني سوى التخمين بما كان يشعر به.”

“…ربما.”

لكن الأهم من ذلك…

“إذا كان من الممكن تعديل إعدادات البرج…”

في تلك اللحظة، خطرت لي فكرة مفاجئة.

ماذا لو تمكّنا من منع تحوّل الأعراق الأخرى إلى وحوش في المستقبل؟

“هل يمكن، إذًا، منع الأعراق الأخرى من التحول إلى وحوش عند وقوع الكارثة؟ لا، هل يمكن منع وقوع الكارثة نفسها من الأصل؟”