17. كيفية التعامل مع الخيانة (٨)
رويتُ كلّ شيء عن أوراكل.
“…ولهذا السبب أبحث عن طريقة تمنعه من التلبس بزملائي.”
“فهمت.”
قالت تشوي سوجونغ بصوتٍ وهي تربّت عليّ، فيما كنت أتابع الحديث بنبرة مرتعشة.
هل أخبرها بكل شيء، حتى ما هو غير متعلق بالأوراكل؟
ترددت للحظة، ثم قررت في النهاية أن أكون صادقة تمامًا.
نظرتها العميقة ذات اللون الأخضر الداكن كانت تقول لي إنها، حتى لو كنتُ قد كذبت من قبل، فلن تتخلى عني.
“وأيضًا… لستُ طيبة كما تظنين.”
“هاه؟”
“هل تتذكرين القدرة التي تحدثتُ عنها سابقًا، التي تُحدث المعجزات…؟”
بدأت أشرح لها بهدوء كل ما يتعلق بـنظام الميتا وتمثيلي المستمر.
“بمعنى آخر، أنا…”
“نعم، نعم، فهمت.”
وقامت تشوي سوجونغ بفرك رأسي بخشونة ولكن بدفء.
“باختصار، زميلتي الظريفة كانت تتصنّع البراءة، أليس كذلك؟”
“هل يبدو الأمر كذلك؟”
“الناس بطبيعتهم يتصنّعون بعض الشيء! لا بأس في ذلك~”
صوتها المطمئن، وكأنها تتحدث عن أمر بسيط، جعل توتري يزول فجأة.
“سينباي… ألستِ تثقين بالناس أكثر من اللازم؟”
“كنتُ أتمنى لو قلتِ هذا لـ هانا بدلًا منّي~”
ضحكت بخفة، ثم لامست جبيني بجبينها.
“أنتِ قلتِ إن كل ما فيكِ كان كذبًا… لكنني لا أظن أن الأمر كذلك. لا أعتقد أن كل طيبتك كانت زائفة. لأنني كنتُ مثلك سابقًا.”
“أنا… لستُ طيبة.”
أليست الطيبة هي تشوي سوجونغ بالضبط؟
“ولكنكِ كنتِ الشخص الذي خاطر بكل شيء لإنقاذ هانا من اللعنة. ولم يكن هناك ما تكسبينه من ذلك. وحتى بعد كل هذا البعد، ما زلتِ تفكرين بنا، أليس كذلك؟”
“……”
“هذا يعني أنك بالفعل شخص طيب بما يكفي لنا.”
ابتسمت وشدت بلطافة خديّ بكلتي يديها.
“كما أنكِ زميلتي الباكية الظريفة!”
“توقفي…!”
“لا أريد~”
بدأت تشوي سوجونغ تغني نغمة مرحة وهي تعبث بخديّ.
“وكل ما قلتهِ الآن… سرّ، صحيح؟”
“نعم…”
“حسنًا، سأحفظه.”
عادت لها تلك الروح المرحة المعتادة.
تمامًا كما كانت دومًا.
حينها أدركت… أنني بدأت أشعر بالأمان.
“لو انضممتُ فجأة لطرف الوايلد هانترز فقد يشك أوراكل بشيء… لذا سأبقى في صف يوهان. لا يمكنني أن أترك هانا وحدها.”
“فقط… مجرد أنكِ صدقتني، هذا أكثر مما يكفيني.”
هززت رأسي بينما كنت أضع يدي على خديّ المتورمين.
لكن تشوي سوجونغ لم تُعجب بردي، وهزّت رأسها نافية.
“لا لا، في مثل هذه اللحظات يجب أن تقولي: ساعديني أكثر من فضلك!”
“هـ.. هل هذا صحيح؟”
نظرت إلى الأرض خجلًا.
كنتُ مرتاحة فقط لأنها لا تكرهني… فلم يخطر ببالي أن أطلب شيئًا أكثر.
“سأساعدكِ.”
“شكرًا لكِ…”
“بالطبع عليكِ أن تشكريني!”
ضحكت ساخرة بخفة.
“لكن بدلًا من هذا، عندما ينتهي كل شيء… فلنحتفل معًا حقًا هذه المرة.”
“احتفال…”
تذكرت يوم حفل الميلاد السابق.
لا بد أنه كان فوضويًا… بسببي.
“فكرة جميلة.”
“أليس كذلك؟”
“هل يمكنني دعوة عائلتي أيضًا؟”
“بالطبع! سنجعلها حفلة ضخمة!”
لنحتفل.
مجرد أن تعدني بشيء كهذا… أن يكون لنا مستقبل معًا، كان كفيلًا بجعلي سعيدة.
شيءٌ ظننته ضائعًا، بدأ يُدفئ قلبي مجددًا.
“إذًا—”
فجأة—!
صوت حاد اخترق الأجواء!.
قامت تشوي سوجونغ سريعًا بجذبي من ياقة عنقي وقفزت إلى الوراء لتتجنب شيئًا ما.
“طَق!”
غُرز ذلك الشيء في المقعد.
“خيط؟”
كان خيطًا فضيًا يلمع تحت ضوء القمر.
وحالما أدركنا ذلك، بدأ صوت اختراق الخيوط للهواء يُسمع من كل اتجاه.
“تبًا!”
“هُووش!”
صنعت تشوي سوجونغ جدارًا عاصفًا لصدّ تلك الخيوط الرفيعة.
“أأنتِ بخير، زميلتي؟”
“أنا بخير. لكن هذه الخيوط…”
كنت أعرف شخصًا يستخدم هذه التقنية.
وكما توقعت، سمعنا صوتًا ذكوريًا مألوفًا.
“أعيدي إلي نونا.”
ظهر أمامنا شاب بعيون زمردية، شقّ الظلام واقترب.
كان المنتزه كله محاطًا بخيوط فضية أشبه ببيت عنكبوت.
لا مفرّ… الخيوط كانت تطوّق حاجز الرياح من كل الاتجاهات.
كانت تعبيراته مليئة بالحدّة، لا تمنحنا أي فرصة للتراجع.
فابتسمتُ بمرارة محاوِلة التخفيف من التوتر.
“لتهدأ قليلًا، أيها الثعلب…”
هل يمكننا حلّ الأمر بالكلام؟
***
“إذًا؟”
قال ميخائيل، بعد أن فكّ قيدي، وهو يعانقني بشدة.
لكن نظرته إلى تشوي سوجونغ كانت مليئة بعداء حاد، كما لو كانت عدوه اللدود.
“هل هذا هو سبب اختطافكِ لها؟ هل أنتِ غبية؟”
“غبية؟!”
تشوي سوجونغ ردّت برفع كتفيها بلا مبالاة.
كان الوضع… كما لو أن الأدوار القديمة قد انقلبت.
“لكن بفضل هذا، زال سوء الفهم، أليس كذلك يا زميلتي؟”
“لا تلمسيها.”
أزاحني ميخائيل بسرعة من أمام يد تشوي سوجونغ، التي كانت تحاول لمسي مجددًا.
قال بنبرة غاضبة.
“لو أنكِ سببتِ لها الأذى وجعلتها تبكي، لكنت قتلتك.”
“وهل تملك الحق في قول هذا؟”
وكأن شرارات تتطاير بينهما.
حاولت التدخل، مبتسمة بتوتر.
“أ-أهم شيء الآن! سينباي سوجونغ وافقت على مساعدتنا!”
“نعم~ أعتمدي عليّ.”
“لا حاجة لذلك… أو على الأقل، كنت لأقول ذلك، لكننا نعاني من نقص في الأفراد، فلا مفر.”
قال الثعلب وهو ينقر لسانه بضيق، ثم مدّ سواراً نحو تشوي سوجونغ. كان سواراً يبدو أبسط من ذاك الذي بحوزتي.
“يمكنكِ التواصل عبر هذا.”
“هم؟ مع من أتواصل من خلاله؟”
“معي.”
“ألا يمكنني التواصل مع زميلتي الصغيرة بدلاً منك؟”
“ابتعدي رجاءً. أختي مشغولة.”
لا، لست مشغولة في الحقيقة…
أومأت برأسي وأنا أراقب الثعلب وهو يطلق كل وسيلة ممكنة ليقيّد تشوي سوجونغ ويبعدها، فهززت رأسي بخفة.
ومع كل هذا، أصبحت تشوي سوجونغ حليفتنا الجديدة، وبشكل مفاجئ.
“إذاً، سأذهب الآن، أيتها الزميلة الصغيرة!”
“آه، نعم! اعتني بنفسك!”
“وأنتِ أيضاً! تواصلي معي متى شئت!”
لوّحت لي تشوي سوجونغ بابتسامتها المعتادة المازحة، ثم اختفت في ظلال الليل كما تفعل دائماً.
أما الثعلب، فظلّ يحدّق طويلاً في الظلام الذي ابتلعها، ثم تمتم.
“…علينا تغيير مقرّنا.”
“هاها…”
ربما كانت تشوي سوجونغ فعلاً كفؤة بشكل مبالغ فيه.
فقد قضت سنوات طويلة تحت إمرة جيميني وتحمّلت أقسى التجارب…
في النهاية، لم يكن أمامي إلا أن أواسي الثعلب المتذمّر لبعض الوقت.
***
[تمّت إضافة شظية جديدة من القصة.]
[عدد الشظايا الحالية: 22]
القائد العبقري في الأكادمية: 4
؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ (مقفل): 18
***
جلست اي هانا على أحد مقاعد الممشى تحت ضوء القمر، وهي تحدّق بهدوء نحو السماء المقمرة، قبل أن تتحدث.
“هل عدتِ؟”
“نعم~.”
قفزت تشوي سوجونغ، ذات الأذنين القططيتين، من أحد الأغصان إلى الأرض، أمام لي هانا مباشرة. لكن الأخيرة لم تُبدِ أي انزعاج رغم ظهور تشوي سوجونغ المفاجئ.
“ما السبب؟”
“هممم، لا يمكنني إخباركِ، هانا.”
“أفهم.”
حتى مع تلك الكلمات التي قد تكون جارحة، أومأت لي هانا برأسها دون أن يظهر عليها أي حزن.
شعرت تشوي سوجونغ بشيء من الضيق، فعبست بشفتيها وجلست بجانب المقعد الذي تجلس عليه لي هانا.
ساد صمت يشبه ظلام الليل من حولهما.
ثم قالت تشوي سوجونغ بصوت منخفض.
“هانا.”
“نعم؟”
“لو أرادت زميلتنا الصغيرة العودة، هل ستقبلين بها مجدداً؟”
“نعم.”
“نياهاها~ إذاً هذا يكفي.”
همست بتلك الكلمات وكأنها تحدث نفسها، ثم رفعت بصرها نحو القمر.
كان القمر الكامل يسطع عليهما بنوره.
***
في طريق عودتنا إلى القاعدة، بدا أن الثعلب تذكّر شيئاً وقال فجأة.
“آه، نونا. أريد أن أُعرّفك بشخص جديد.”
“من؟”
“أنتِ تعرفينه جيداً. وافق أن يكون في صفنا.”
شخص أعرفه؟
عقدت حاجبيّ حيرة، لم يخطر ببالي أحد.
لا يمكن أن تكون شين بارِن قد تركت كل شيء من أجلي، أليس كذلك؟
“كنت سأقدمه لكِ سابقاً، لكننا انشغلنا ببعض الأحداث المفاجئة، فنسيت.”
“وهل يُنسى أمر كهذا؟”
عندها، تدخّل صوت ساخر من الظلال.
“بعد أن استغلّني في البحث عن شقيقته، لا يريد حتى أن يقدمني ؟”
كان صوت امرأة أعرفه جيداً، بل أكثر من جيّد.
“…لا تقولي إنك…”
“أجل. أنا هي.”
صدر صوت الكعب العالي يصطدم بإسفلت الزقاق، ومع خطواتها، خرجت من الظلال لتقف تحت أحد أعمدة الإنارة.
وقفت بإمالة جسدها بخفة، تتأملني بعينيها وتبتسم بثقة.
“قررت هذه المرة أن أختار دون ندم.”
كانت تشوي غارام تحدّق بي وهي تبتسم ابتسامة هادئة.
التعليقات لهذا الفصل " 172"