“لماذا فعلتِ ذلك؟ أعني، لا بد أن لكِ سببًا، أليس كذلك؟”
في تلك اللحظة، انحبس نَفَسي.
ما كانت تقوله بدا وكأنه حلم.
لم أتوقع منها أبدًا أن تقول شيئًا كهذا دون تردد… “لابد أن لك دافعًا”.
رغبة جامحة في الاعتراف بالحقيقة اجتاحتني فجأة.
هل يمكن أن يكون الأمر على ما يرام…؟
سوجونغ سينباي ليست بشريّة.
ونحن وحدنا الآن… لا أحد في الجوار.
ربما… ربما تكون هذه فرصتي لأكسب حليفة جديدة…
لكن…
بدأت المشاعر التي هدأتها بصعوبة في السابق، تثور مجددًا في صدري.
كنت أظن أنني تخلّصت منها، لكنها عادت بلا رحمة.
حين لاحظت تردّدي، حوّلت تشوي سوجونغ نظرها إلى السماء وقالت بنبرة هادئة مشوبة بابتسامة خفيفة.
“لا بأس إن لم تكوني مستعدة للكلام. ليس الآن على الأقل.”
ثم بدت وكأنها تفكر بشيء للحظة، قبل أن تقول.
“هل أروي لكِ قصتي بدلاً من ذلك؟”
كانت عيناها ثابتتين، جادّتين، وكأنها قد عزمت أمرها على شيءٍ ما.
“أظن أن من واجبي قول هذا… إن كنت أريد منكِ أن تثقي بي.”
…تشوي سوجونغ، التي لطالما أخفت ماضيها بإحكام، تعرض أن تبوح به لي…؟
من أجلي؟
الصدمة عقدت لساني.
لكنها لم تُعر أي اهتمام لردة فعلي، بل بدأت بالكلام بهدوء.
***
كانت تشوي سوجونغ بلا اسم حين وُلدت.
وإن استُثنيت الأوصاف المهينة التي نُعتت بها – “قطة شوارع لعينة”، “لقيطة يتيمة”، “حثالة” – فإنها لم تملك اسمًا فعليًا.
قضت طفولتها كيتيمة تتسكع في الأزقّة الخلفيّة، لا تدري من أنجبها ولا لماذا.
وفي أحد الأيام، جاءها عرض.
“سأُشبعك طعامًا حتى التخمة.”
كانت تعرف هوية من تحدّث إليها.
ذلك الشخص – الذي لطالما أُشيع أنه يأخذ الأيتام من الأزقة الخلفيّة ويختفون بعد ذلك – كان يحمل شارة عليها شعار إحدى العائلات المعروفة.
لم تكن تدري ما الذي ينتظرها هناك.
لكن…
“…موافقَة.”
فقط فكرة أنها لن تجوع بعد الآن، كانت كافية لإغراء طفلة مثلهًا.
أمسكت بيده، فقط من أجل أن تتخلّص من الألم والجوع، دون أن تهتم بما سيأتي بعدها.
وما جاء بعدها… كان أكثر راحة مما توقعت.
“مرحبًا!”
كوّنت صداقات.
أُعطيت طعامًا، ومكانًا للنوم.
وحين يُصبح الجسد مرتاحًا، يبدأ القلب بالبحث عن الألفة.
كل الأطفال من حولها كانوا مثلها – مشردين بلا أهل – لذا، سرعان ما تعلّقت بهم.
لكن ذلك لم يدم طويلاً.
“آآآآآآاااااااه!!”
“فشل. تخلّصوا منه.”
“ماذا نفعل بالجثة؟”
“اهتموا بالأمر.”
كل شيء تغيّر حين أجبروا الأطفال على الخضوع لعملية “الاستيقاظ”..
في كوريا، لا يُسمح قانونيًا لمن هم دون الرابعة عشرة بالخضوع لعملية الاستيقاظ – أي تفعيل قدراتهم الخارقة – لأن أجسادهم وعقولهم تكون غير قادرة على تحمّلها.
لكن أولئك الناس لم يهتموا..
بالنسبة لهم، كانت الميزة في تدريب “أدوات” خارقة منذ الصغر، تستحق المخاطرة.
عدد كبير من الأطفال ماتوا أثناء العملية.
أما من لم ينجح في الاستيقاظ…. فقد تم طردهم إلى الشوارع في عزّ الشتاء القارس، دون طعام أو مأوى.
ولم يتبقَّ سوى القليل ممن نَجوا.
“…فلنصمد معًا.”
وهكذا، اتكأت الطفلة التي لم يكن لها اسم على الأخت الكبرى التي مدت لها يدها.
ظلت تحدّق في الأسرّة الفارغة في السكن، ثم ما لبثت أن اعتمدت على تلك الأخت التي أمسكت بيدها، محاولة أن تملأ فراغ من رحلوا، لا جسديًا فقط، بل نفسيًا أيضًا.
لم يكن التدريب الشاق الذي تلا ذلك سهلًا، لكنه كان محتملًا.
حتى المهمات الخارجية التي أُرسلت إليها من حين لآخر، بدت محتملة.
ظنت أن كل شيء سيكون بخير.
‘سنخرج من هذا البيت يومًا ما، معًا.’
قالت الأخت الكبرى ذلك، إلى أن كُشف أمر تواصلها مع فصيل خارجي.
كانت تحاول الحصول على حريتها بمقايضة المعلومات، لكن عندما لم يعد لها نفع، تخلّى عنها ذلك الفصيل ببساطة.
لم ينوِ أولئك من البداية إعطاءها الثمن الذي وعدوها به.
لن تنسى تشوي سوجونغ كيف كانت نظرة أختها يوم جُرّت إلى الخارج كجثة، وكُشف أمام الجميع أنها جاسوسة، ثم سقطت في هاوية اليأس.
سأل المدير بغضب إن كان جميع الأطفال متورطين معها، فأنكروا جميعًا.
وحينها أمر المدير أقرب طفلة لها… أن تقتلها.
كان على تلك الطفلة أن تقطع علاقتها بأختها بنفسها… إن كانت تريد النجاة.
أن تقتلها.
أن تقطع كل خيوطها معها، بكل ما فيها.
‘آه… آه…’
…نعم، كانت تريد أن تعيش.
لطالما عاشت واتخذت قراراتها من أجل نفسها فقط. لأن هذا كان السبيل الوحيد للبقاء.
ولأنها أرادت أن تبقى حيّة، فعلت ما كان عليها فعله.
رفعت الخنجر، وجعلها شعور الريح لأول مرة في حياتها تتحرك.
ومنذ تلك اللحظة، أصبحت قادرة على التحكم في الرياح.
‘مؤلم…’
حتى الآن، لا تعرف تشوي سوجونغ إن كانت تلك الكلمة تعبيرًا عن ألم جسدي، أم عن ألم في أعماق قلبها.
بعد ذلك، عاشت حياتها كغيرها من “أتباع” عائلة فالدير من الأطفال.
‘اذهبي، استخدمي هذا.’
‘نعم.’
رغم صغر سنها، إلا أنها كانت بارعة في التسلل، ولذلك استُخدمت في تنفيذ عمليات التسميم أكثر من مرة.
وكانوا دائمًا يقولون.
‘يجب أن تفخري! أنتِ تعملين من أجل عشيرتنا!’
وإن لم تكرّسي ولاءكِ لعائلة فالدير، فلن يكون لوجودكِ أي قيمة.
وكانوا يكررون دومًا أنهم قد زرعوا ختمًا سحريًا في رأسها، وإن خالفت الأوامر، فإنها ستموت بسببه.
كان الأمر مؤلمًا… لكنه كان يجب أن يكون مقبولًا.
فالبقاء على قيد الحياة، ولو بهذا الشكل، أفضل من التسكع في الشوارع والموت جوعًا أو بردًا.
وفي النهاية، حصلت تلك الفتاة التي بلا اسم على اسم: “كريس”.
فقد بات من اللازم أن تتلقى الأوامر الرسمية باسم.
ومع ذلك، كثيرًا ما فكرت بأن الموت خارجًا قد يكون أفضل من هذه الحياة.
لكنها كانت ترفض هذه الفكرة في كل مرة، وتؤكد لنفسها أنها فكرة حمقاء.
منطقيًا وعقليًا، هذه هي الحياة الصائبة.
فضلًا عن أن هذه الحياة تختلف عن حياة الأزقة الخلفية التي لم تجنِ فيها شيئًا رغم كل محاولاتها.
فكلما زاد ولاؤها لعائلة فالدير، زادت المكافآت التي تحصل عليها.
‘لقد أبلَيتِ حسنًا هذه المرة.’
عندما تتلقى مثل هذا المديح، وتحصل في المقابل على طعام لذيذ، وملابس جيدة.
كانت تشعر داخليًا، شيئًا فشيئًا، بنوع غريب من الرضا ينمو في قلبها.
ولهذا السبب أرادت أن تستمر في العيش ضمن فالدير.
فقد كانت هذه الحياة، أفضل ما يمكن لها أن تحظى به.
لكن هذه الحياة عرفت منعطفًا جديدًا.
‘مرحبًا!’
‘أهلًا.’
لقد بدأت عشيرة “الوحوش” — وهي إحدى القوى الخارجية — تتراجع، فقررت اللجوء إلى جيميني وطلب مساعدتهم.
‘أعطونا لعبة!’
‘أعطونا لعبة!’
كانت طلباتهم ساذجة وبريئة مقارنة بكفّة الميزان السوداء، ولهذا بدت مقبولة نوعًا ما… لعائلة فالدير.
‘سأذهب أنا.’
‘همم… ما رأيكم؟’
‘موافق! أحب الفكرة!’
‘موافق. أحب الفكرة.’
‘من أجل عائلة فالدير.’
تشوي سوجونغ، التي كانت دومًا محل شك واستغلال بسبب ارتباطها بالأخت الخائنة، رأت في هذا عرضًا لردّ الجميل.
فرصة لكسب فضل لعائلة فالدير.
فقد بدا أن “جيميني” مجرد أطفال، كل ما عليهم فعله هو اللعب معهم، ثم تعود بعدها إلى فالدير.
هكذا فكّرت.
‘أولًا!’
‘أولًا!’
‘دعونا نلعب لعبة الارتقاء بالمستوى!’
‘دعونا نلعب لعبة الارتقاء بالمستوى.’
لكن هذا الظن انقلب رأسًا على عقب حين زُجّ بها داخل جماعة من المحكوم عليهم بالإعدام من البشر، وسُحبت منها قدراتها، وتُركت بخنجر وحيد.
تشوي سوجونغ كانت طفلة مدربة، لكنها تظل طفلة.
هل فازت في أول لعبة؟ أم خسرت؟
هي نفسها لا تذكر.
ذلك لأن جيميني، كلما حاولت أن تموت، أعادوها للحياة وألقوا بها مجددًا وسط أولئك البشر.
فاضطُرت إلى أن تنتصر.
ومع كل إنسان تقتله، كانت “غير البشرية” التي بداخلها ترتقي.
واستمر ذلك الروتين القاسي بلا توقف.
‘اقتلي هذا!’
‘اقتلي هذا!’
وفي بعض الأوقات، استخدمها “جيميني” كأداة مفيدة.
ولم تستطع المقاومة.
فصاحب الختم السحري في رأسها أصبح الآن “جيميني”.
كان الأمر مؤلمًا.
مؤلمًا جدًّا، حد الموت.
لكنها لم تكن قادرة على الموت.
‘لا! لا تموتي! علينا أن نجعلكِ تتألمين بقدر ما ساعدنا أسرة فالدير!’
‘لا تموتي. ما زلنا لم نستخلص الثمن منكِ.’
ومن هناك…
تعلّمت الشعور بالكراهية.
‘حسنًا، أظن أن هذا كافٍ الآن!’
‘نعم، أظن أن هذا كافٍ الآن.’
عندما تهالكت قواها الجسدية والنفسية، وفقدت الإحساس بالزمن…
قال لها جيميني فجأة أن تذهب إلى الأكاديمية.
‘الصفقة انتهت! لكن لم نقرر بعد إن كنا سنحرّركِ!’
‘الصفقة انتهت. لكن لم نقرر بعد إن كنا سنتخلص منكِ!’
‘ما زلتِ مفيدة، أليس كذلك؟’
‘نعم. لكننا سئمنا من استخلاص اليأس فقط.’
‘لذا، اذهبي إلى الأكاديمية! وامنحينا سببًا لتحريركِ!’
‘لذا، اذهبي إلى الأكاديمية. وامنحينا سببًا لنتخلى عنكِ!’
كلمات لم تكن مفهومة.
لم تستطع استيعابها حينها.
لكنها لم تكن قادرة على الاعتراض، فتوجهت إلى الأكاديمية.
وتظاهرت بالابتسام، كما أُمِرت بأن “تتأقلم بأفضل ما يمكنها”.
لكن، كما هو متوقع…
‘أنتِ من جنس الوحوش؟ أنا لا أحبهم.’
‘آه… آسفة.’
لم يكن التمييز ضد غير البشر مختلفًا في هذا المكان.
وكانت تشوي سوجونغ على وشك أن تعتاد الأمر…
حتى حدث ذلك.
‘مرحبًا.’
في أبريل، بعد بداية الفصل الدراسي الجديد، في موسم تفتّح أزهار الكرز.
التقت بـ لي هانا.
في ذلك الوقت، كانت شهرة “أميرة الجليد” و”ملكة البرد” المرتبطة بـ لي هانا في أوجها.
لكنها كانت ألقابًا تُطلق عليها لإقصائها، أكثر من كونها تمجيدًا.
كانت لي هانا متميزة، ولذلك كانت منعزلة.
كما أن ملامحها الباردة ساهمت في ذلك.
أما تشوي سوجونغ، فلم تكن تُفكر في كل هذا كثيرًا.
وربما لهذا السبب…
‘مرحبًا!’
اقتربت منها، وهي ترتدي قناع الحيوية والمرح.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 170"